الحرب في السودان: الإطاري وإعادة النفوذ البريطاني
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
(1)
حدثان يعكسان حقيقة هذه الحرب وأبعادها، أحدهما حديث والآخر مر عليه عامين، وكليهما لديه ارتباط مباشر مع الاتفاق الإطاري وتداعياته على البلاد والعباد..
ففي 12 أيلول/ سبتمبر 2024م أعلن قائد مليشيا الدعم السريع ترحيبه بمسودة مشروع دستور المحامين، وقال "أرحب به مع أنني لم أطلع عليه". كانت تلك محاولة تملص من الانتقادات الواسعة للمشروع، مع التمسك بجوهر الاتفاق الذي أبرمه مع فولكر بيرتيس رئيس اليونتاميس، وخلال مراحل مختلفة اتضح أن حميدتي دخل في تحالف جديد؛ حاضنته "قحت" ورعايته من فولكر وأطراف أخرى، للعبور من مرحلة قوة تابعة للجيش السوداني إلى قوة تمثل الجيش السوداني وتعتمد كقاعدة وبديل له، وما زال هذا موقف ذات الأطراف.
وكنت قد كتبت حينها: "لا أظن من المناسب أن ترحب شخصية قيادية في البلاد بموقف قبل أن تقرأ التفاصيل ولديها عدد من المستشارين والخبراء إلا إذا كان الترحيب في حد ذاته إشارة أو رسالة"، فقد اتضح منذ أزمة الإطاري أن الترحيب جزء من مشروع فكرة ومخطط كان وما يزال..
كل هذه الأحاديث من المبعوث الأمريكي الخاص أو مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي هو جزء من مخطط "مصنوع" بترتيبات سياسية وخبراء، وبتنسيق مع قوى إقليمية ومنظمات، فهو ليس صرخة ضمير إنساني
(2)
أما الحدث الآخر فهو المناظرة الرئاسية التي شغلت العالم بين مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وخلال 90 دقيقة، من النقاشات والحوارات والأسئلة والاستدراكات لم يتحدث أحدهم عن "الوضع في السودان"، لم يطرح فريق القناة سؤالا عن أفريقيا أو السودان ولم يتعرض أحد المرشحين لهذا الموضوع، رغم كل الضوضاء وكل الحديث في مجلس الأمن الدولي أو المنظمات، ورغم كل الفظائع والانتهاكات، وذلك لسببين جوهريين:
- الوضع في السودان ليس ضمن اهتمامات الرأي العام الأمريكي..
- القضية السودانية جزء من أجندة صراع استخباراتي ومصالح قوى إقليمية تتم إدارته بأدوات خفية..
وعليه يمكن القول إن كل هذه الأحاديث من المبعوث الأمريكي الخاص أو مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي هو جزء من مخطط "مصنوع" بترتيبات سياسية وخبراء، وبتنسيق مع قوى إقليمية ومنظمات، فهو ليس صرخة ضمير إنساني وإنما مخطط ماكر..
وكل تحركات المبعوث الأمريكي وتواصله هو جزء من هذا الفعل، وهو إكمال لمشهد "الإطاري" وأجندته؟.. كيف؟ هذا أمر واضح..
(3)
منذ محادثات جدة (أيار/ مايو 2023م) تم الاتفاق على أن تركز المحادثات بين الحكومة السودانية ومليشيا الدعم السريع على قضية الحرب ووقفها والتداعيات الإنسانية، ولكن أطرافا أخرى تدخلت لـ"حشر" العملية السياسية، والمقصود هنا الاتفاق الإطاري وأطرافه وأدواره..
وهذا ما قامت به "تقدم" حين وقعت "اتفاقا" سياسيا مع مليشيا الدعم السريع، في كانون الثاني/ يناير 2024م، فلم يتضمن ذلك الإعلان سوى دعوة لوقف الحرب أما بقية أجندته كلها فهي أجندة سياسية، والهدف نقل الحرب من "قوة متمردة على الجيش" إلى "فصيل سياسي" وبأجندة سياسية..
وكل تحركات القوى الدولية والإقليمية لترسيخ هذه الحقيقة والتي تهرب منها "تقدم" رغم انخراطها في هذا الدور، وهذا الموقف المبتذل حيث ربط وقف الحرب مع عودة "قوى الحرية والتغيير للحكم" وعودة الشراكة مع المليشيا..
(4)
وحتى القوى السياسية التي تباعدت عن قحت، فإنها توظف كل جهدها لخدمة هذا الهدف، ومن ذلك الحزب الشيوعي السوداني الذي اتخذ من جوبا (عاصمة جنوب السودان) ملاذا لقيادته، بينما توزعت أطراف أخرى في كمبالا ونيروبي، وأديس ونشطت الغرف الإعلامية لخدمة هذا الهدف بطريقة مختلفة (أي إضعاف الجيش السوداني لصالح قوى أخرى هي حركة عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو)..
وقف الحرب مع المسببات الأساسية وليس القشور وفلاشات الكاميرات وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي
وخلال فترة الحرب فإن بيانات المكتب السياسي للحزب الشيوعي خالية من انتقاد صريح للدعم السريع كليا، وحتى تداعيات الحرب مع التركيز على انتقاد قيادة الجيش وما أسموه "اللجنة الأمنية"، وهو موقف يتسق مع أدوار ومطالب مليشيا الدعم السريع، حيث أول مطالبها صبيحة (15 نيسان/ أبريل 2023م) استسلام قيادة الجيش السوداني..
وعلى ذات النسق انخرطت بعض لجان المقاومة على الواقع في إسناد المليشيا بالمعلومات والقوائم والتغطية الاعلامية والسياسية..
(5)
ولذلك فإن صور ومشاهد المبعوث الأمريكي الخاص مع نشطاء جزء من حملة شركاء الجريمة، وليس دعوة للحلول والمعالجة..
والأطراف ذات الارتباط المباشر بالقضية السودانية هي -وفي قناعتي الشخصية- المخابرات البريطانية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبقية المواقف هو صدى لهذه العلاقة..
ووفق هذا المنظور، فإن وقف الحرب مع المسببات الأساسية وليس القشور وفلاشات الكاميرات وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي، إنها محاولة لإعادة "النفوذ البريطاني" المفقود، فبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي لم يعد لبريطانيا العظمى أدوار، وهذا أحد مهام العودة للهيمنة..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حميدتي السوداني السودان التغيير حميدتي من هنا وهناك صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة من هنا وهناك رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المبعوث الأمریکی الدعم السریع الحرب مع جزء من
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يحرر «سنجة» وعينه على ولاية «الجزيرة» وسط تقهقر الدعم السريع
أعلن الجيش السوداني مواصلة تحركاته لمحاصرة ميليشيا الدعم السريع خلال العملية الشاملة المنفذة منذ 26 سبتمبر الماضي، وجرى استعادة السيطرة على بلدة اللكندي بولاية سنار، بجانب السيطرة على بلدة سنجة بنفس الولاية.
وبحسب البيان الجيش السوداني، وفقا لوكالة الأنباء السودانية (سونا)، يشتد القتال في ولاية سنار، إذ تحركت الفرقة 17 مشاة سنجة وبإسناد من الكتيبة الاحتياطية بالفرقة الرابعة بالدمازين في إقليم النيل الأزرق، وتم طرد ميليشيات الدعم السريع من المنطقة.
بدوره، كشف المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية، وزير الثقافة والإعلان، خالد الأعيسر، عن نجاح القوات السودانية في استعادة مدينة سنجر عاصمة ولاية سنار، من يد الدعم السريع السبت، متابعا: «لحظة الحساب قادمة»، وبيَّن في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أنه سيتم محاسبة كل مرتكبي الجرائم بما يتناسب مع أفعالهم.
مواجهة التحدياتواستطرد الأعيسر في منشوره: «إن عزم الشعب السوداني وإرادته في مواجهة التحديات والصعاب يعكسان قوة وصمود الشعب وأجهزته العسكرية والأمنية التي لا تعرف الانكسار، وإن الثقة التى يتمتع بها السودانيون في قواتهم المسلحة والمخابرات والقوات النظامية الأخرى، بالإضافة إلى القوات المشتركة والمستنفرين، ستظل ثابتة وراسخة رغم حجم الاستهداف الداخلي والخارجي، وهذه الثقة هي دليل على وحدة الهدف ووضوح الرؤية وتماسك الإرادة الوطنية».
تحية للقوات المسلحة السودانيةوواصل: «هذا الصمود المستمر يؤكد أن الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق المزيد من الانتصارات التي ستُعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة، وعادت مدينة سنجة اليوم إلى حضن الوطن بفضل الله وعزيمة الأبطال، ولحظة تطبيق العدالة والمحاسبة قادمة، وستطال كل من ساهم فى هذه الجرائم»، موجهة التحية للقوات المسلحة السودانية والأجهزة الأمنية والقوات المشتركة.
نجاح الحصاروحاصر الجيش السوداني مدينة سنجة أسبوعين قبل أن ينجح في السيطرة عليها، على أن يتحرك بعدها لاستعادة ولاية الجزيرة، في الوقت الذي توغلت قوات الدعم السريع على بلدات رورو وجريوة وقيلى وجمام بمحلية التضامن شمال غرب إقليم النيل الأزرق وسط عمليات نزوح واسعة في ظل حرب مستمرة منذ 15 إبريل 2023 بين الطرفين.