عربي21:
2024-09-18@00:07:08 GMT

تونس إلى أين؟

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

ما أشقّ الكتابة عن تونس في وضعها الراهن، فكلما ظن المرء أن فكرة استوت في نصه ظهر له ما ينقضها فيعود إلى حيرته. في وضع عادي، تونس تستعد بعد أقل من شهر للذهاب إلى صناديق الاقتراع لتختار لها رئيسا، وهو أمر محمود لكنه لا يخرج من الورق، فالاختيار مضيّق إلى حد الاختناق، وتغيير الرئيس يصير أمنية مستحيلة.

من سيكون الرئيس بعد 6 تشرين الأول/ أكتوبر؟ قبل ذلك، هل سيتحمس الناس للذهاب إلى الصندوق، أم أن الأجواء السائدة سترفع مناسيب اليأس وينفض الناس عن الصندوق وعن السياسة ويستسلمون للسائد المدمر؟

التحليل الرغبوي يريحنا

لقد صار يقينا أن إسقاط الهيئة الانتخابية لثلاثة مرشحين حصلوا على حكم بات من المحكمة الإدارية كان خطوة جبارة لفسح الطريق لبقية المرشحين، وتسلل إلينا في هذا اليقين بعض الرغبة فكتبنا أن فسح الطريق سيكون أيضا لمرشح مجهول لم تستطع الهيئة إسقاطه، هو السيد الزمال.

ودفعنا التحليل الرغبوي إلى أن هذا تدبير من القوى الصلبة لكي يتم الاستبدال بطريقة قانونية تمنح الفائز شرعية، وذهبنا إلى حد استحضار الحالة السنغالية. لكن التنكيل الذي يتعرض له المرشح والذي سيحرمه من التواصل مع الناس في حملة انتخابية فرض علينا سؤالا: لماذا لا تحمي القوة الصلبة مرشحها ليخوض حملته فوق الأرض لا من تحتها؟

هل يدخل هذا التنكيل من تدبيرها وهي ترتب من وراء ظهورنا للترويج لرئيس مظلوم، أم أنها تعلمنا أن تحليلاتنا العاطفية أو أمانينا لا أساس لها وأن ما نرغب فيه ليس هو ما سيجري على الأرض؟
هل يدخل هذا التنكيل من تدبيرها وهي ترتب من وراء ظهورنا للترويج لرئيس مظلوم، أم أنها تعلمنا أن تحليلاتنا العاطفية أو أمانينا لا أساس لها وأن ما نرغب فيه ليس هو ما سيجري على الأرض؟

إنها لصورة جميلة أن تكون القوة الصلبة وبالتحديد المؤسسة العسكرية من وراء التغيير، بهدوء وبلا دماء ولا فوضى مؤقتة أو دائمة. وهي صورة نحبها في الجيش لكن هل بنينا على وهْم، وأن المؤسسة ستكتفي بدور تقني بحث في الإشراف على الانتخابات كما اعتادت سابقا دون التأثير فيها من وراء ستار؟ فإذا سقطت هذه التحليلات/ الأماني ماذا يبقى لنا؟

أين القوى الدولية؟

في حالة الغرق التي تعسّر التنفس نتساءل عن خطاب القوى الدولية التي كانت تروج لنا، وأحيانا بواسطة أذرع محلية عن حرصها على رعاية ولادة ديمقراطية في تونس. كان ظهور هذه القوى في المشهد يثير حفيظة الناس فيستعيدون خطاب السيادة في مواجهة قوى الهيمنة، ويصل غضبنا إلى حد القول: دكتاتور محلي ولا حاكم تابع للغرب. ها قد جربنا التخريب الكامل ونرى المزيد منه يتهددنا، وتظلم السبورة أمامنا فنقول أين القوى الدولية لتساعد شعبا مضطهدا على التحرر؟ ألا تمارس ضغطا من أجلنا؟

ثم تعيدنا غزة إلى الحقيقة الفاجعة، إن القوى الدولية التي تدمر غزة برغبة عارمة في القتل لا تهتم لحال شعب بائس ساهم في صنع بؤسه بنفسه. وهذه القوى تعرف بالخصوص أن شعب هذا البلد مع غزة، لو كُتب له الانعتاق من قيوده (وفي التاريخ القريب شواهد) وما دام الوضع لم ينتج فوضى مزعجة تصل إلى حدود هذه القوى الجغرافية؛ فالأمر تحت السيطرة ويمكن كتابة أوراق عن أن الديمقراطية لم تخلق للعرب، وهذه عرفناها وتعودناها، بما يجعل سؤالنا أعلاه نوعا من حشرجة المذبوح.

لن يساعد شعب تونس أحد في أزمته السياسية الراهنة، بل نظن يقينا أن هناك من يراقب المشهد ويبتسم نكاية في شعب وصل إلى حريته وضيعها. هل نكتب تلك الجملة الوعظية السمجة: كل أزمة ستنتج حلولها من داخلها؟ يمكن أن نكتبها لكننا سنغفل الثمن المدفوع حتى الوصول إلى لحظة الوعي العام بأن الخلاص في الحرية والحفاظ عليها من كل ردة.

ثمن الحرية الغالي

حصلنا على خبر غير يقيني أن أوراق الانتخابات قد أُرسلت إلى المطبعة الرسمية وفيها ثلاثة أسماء، أي أن المرشح الزمال لا يزال رغم المطاردة في السباق. وهذا، رغم نقضنا للتحليل الرغبوي، يُبقي لنا ثقب إبرة لنخرج منه على رئيس جديد. لكن من يمكنه أن يحرّض المحبطين على الذهاب إلى الصندوق والمغامرة باسم شخص مجهول؟ هل يكفي التعاطف مع مظلوم ليصير رئيسا؟ لن نستمع للرجل في حملة انتخابية ولن نعرف فيما يفكر غير الجُمل التي قالها قبل سجنه وهي قليلة.

هناك في تونس من يفضل البقاء تحت ربقة الظلم على أن يكون هناك مناخ حرية يستفيد منه خصومه الوجوديون. لقد كانت هذه بوابة خراب تجربة تونس الديمقراطية، وهي لا تزال مفتوحة على المزيد من الخراب
فرصة كبيرة لتصويت عقابي تفتح على مجهول جديد وبتبرير معقول عند كثيرين؛ ليس أسوأ من القائم، ومهما ساء البديل فإنه لن ينزل بنا إلى أسفل من الدرك الحالي. وقد يقوم الناجح بالتعاطف بحركات تهدئة تنفس الأحقاد ليستقر له الأمر، لكن إذا لم يكن ما يتعرض له مسرحية (كما نرغب بلا شماتة) فإن احتمال التصويت له سيكون مخيفا، والقطاع الواسع من الناس الذي رفض المشاركة في تزكيات المترشحين سيخاف من التصويت، رغم أن خلوة الصندوق أكثر أمانا من التزكية المكشوفة بالهوية الشخصية.

هذا ثقب الإبرة الأخير الذي سيعلمنا -إن رغبنا في التعلم- أن كل هذا العناء هو ثمن حرية قدمتها لنا الثورة ففرطنا فيها، وأنه ثمن/ تسبقة أيضا لإعادة صعود ربوة الحرية بلا أظافر. غني عن التذكير أن هناك في تونس من يفضل البقاء تحت ربقة الظلم على أن يكون هناك مناخ حرية يستفيد منه خصومه الوجوديون. لقد كانت هذه بوابة خراب تجربة تونس الديمقراطية، وهي لا تزال مفتوحة على المزيد من الخراب.

ما زال على التونسيين دفع ثمن أعلى لتكون الحرية قيمة مشتركة بينهم توجه سلوكهم السياسي في المحطات المصيرية، ودرس انتخابات 2024 لن يكفي إلا بمعجزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس مرشحين الانتخابات ديمقراطية تونس انتخابات مرشحين ديمقراطية مقالات مقالات مقالات من هنا وهناك سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوى الدولیة من وراء

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: الحوار الوطني هدفه خلق حالة من التناغم بين القوى الوطنية

ثمّن اللواء الدكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر أستاذ العلوم السياسية بيان مجلس أمناء الحوار الوطني والذي أكد متابعته بدقة واهتمام بالغين مسار التوصيات التي أقرها ورفعها للرئيس السيسي، بخصوص ملف الحبس الاحتياطي، والتي تمت أحالتها لمجلس النواب عبر الحكومة وهو ما يؤكد بوضوح التزام القيادة السياسية بمواصلة دعم مسار الإصلاح وتعزيز دور القانون في حماية حقوق المواطنين مؤكدا أن الحوار الوطني ليس مجرد خطوة سياسية بل هو مشروع وطني متكامل يعزز مسار الدولة نحو التنمية والاستقرار.

وأشار أستاذ العلوم السياسية، في بيان، إلى أن استجابة مجلس النواب لعدد من التوصيات التي أقرها الحوار الوطني، وإدماج هذه التوصيات ضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد خطوة إيجابية تفتح الباب نحو مزيد من الإصلاحات التشريعية اللازمة، لافتا إلى أن إدراج 22 مادة من أصل 540 مادة ضمن مشروع القانون يعكس حجم التحدي الكبير لإقرار القانون إلا أنه يمثل بداية جيدة نحو تحقيق عدالة ناجزة تضمن حقوق المواطنين وتكفل لهم الحماية القانونية.

دور الحوار الوطني

وأوضح نائب رئيس حزب المؤتمر أن بعض التوصيات التي خرج بها الحوار الوطني لم ترد كاملة بفلسفتها ومضمونها في مشروع القانون لذلك، فإن موقف مجلس أمناء الحوار الوطني بإعادة صياغة تلك التوصيات التي لم تكتمل أو لم تدرج بشكل كامل هو موقف مشروع ومفهوم، حيث يسعى المجلس من خلال هذه الخطوة إلى تقديم رؤية شاملة ومتكاملة لموضوع الحبس الاحتياطي، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تحقيق العدالة بشكل أكثر شمولية.

وأشار إلى أن الحوار الوطني أصبح منصة مهمة لتقريب وجهات النظر بين المؤسسات المختلفة، مؤكدا أهمية احترام وتقدير كل المؤسسات الدستورية للدولة مثل مجلس النواب والقضاء والنقابات المهنية والثقة الكاملة في حسن إدارة هذه المؤسسات لأي اختلافات حول مشروع القانون هي عنصر أساسي لضمان التكامل بين الأدوار التي يسندها الدستور لكل منها.

العدالة الناجزة

وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن اختلاف الآراء حول بعض مواد مشروع القانون أمر طبيعي؛ لكن التكامل بين هذه المؤسسات والاحترام المتبادل فيما بينها هو السبيل الأمثل للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف وتحقق العدالة الناجزة التي يسعى إليها الشعب المصري.

وشدد على أهمية توحيد الجهود والعمل المشترك بين مختلف المؤسسات الدستورية والنقابات والهيئات المهنية في مصر والحوار البناء بين هذه الجهات سيسهم في تحقيق تطلعات الشعب المصري في نظام عدالة حديث وفعال، كما دعا إلى الاستمرار في هذا النهج الإيجابي الذي يؤكد أن الغاية الأساسية هي خدمة المواطن المصري وتحقيق العدالة الشاملة.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية: نتطلع إلى أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة توافق وإصلاح حقيقي، حيث يسعى جميع الأطراف نحو الهدف المشترك المتمثل في تحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين، مشيرا إلى أن الحوار الوطني لم يكن هدفه فقط تقديم التوصيات، بل خلق حالة من التناغم والتفاهم بين كافة الأطراف من أجل بناء مستقبل أفضل لمصر، يكون فيه المواطن في قلب العملية الإصلاحية، محاطا بنظام قضائي وقانوني يكفل له حقوقه ويحمي حرياته.

مقالات مشابهة

  • %29.3 من السكان.. اليابان تتصدر دول العالم في أعداد المسنين
  • هناك دائما خطر.. هذا ما كشفه بوريل حول التصعيد في لبنان
  • «منتدى هيلي» يجمع صنّاع القرار والخبراء الدوليين
  • عفو مُعلّق ومفاوضات مُعقّدة: العدل والسياسة يتشابكان في قاعة البرلمان
  • «خارجية النواب»: دعم الرئيس السيسي عزز من قدرة الحوار الوطني على جمع كل القوى
  • عضو بـ«النواب»: الحوار الوطني لعب دورا كبيرا في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • الإعادة تونس
  • أستاذ علوم سياسية: الحوار الوطني هدفه خلق حالة من التناغم بين القوى الوطنية
  • مريم كريم تحرز الذهبية الثانية في «عربية القوى»
  • الدخول في عملية سياسية تشمل القوى السياسية الوطنية عدا المؤتمر الوطني وواجهاته!