رحيله أثار الجدل.. الإعلامي «حاتم مأمون» رمز ثوري أم كادر أمني؟
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
بعد رحيله بعدة أيام، لازالت التساؤلات معلقة، هل كان المصور حاتم مامون إعلامياً ثورياً أم كادراً أمنياً؟، لكن لا إجابة قاطعة، فكل ينظر إليه من زاوية معرفته كما جاء في إفادات العديدين لـ(التغيير).
كمبالا: التغيير
أثارت وفاة المصور والإعلامي السوداني حاتم مأمون مؤخراً، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية في السودان، فالرجل الذي عمل لسنوات في قناة (سودانية 24)، كان من أوائل المصورين الذين وثقوا أحداث ثورة ديسمبر 2019م، ومع ذلك، أصبحت حادثة وفاته مثار نقاش حاد بسبب الجدل حول ارتباطه بالخلية الأمنية في بورتسودان وكونه أحد عناصر الحرس الرئاسي التابع لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
عمل حاتم مأمون كمصور محترف منذ العام 2015م، ويُنظر إليه من قبل الكثيرين كأحد رموز ثورة ديسمبر. تميز بشغفه واحترافه في تغطية الأحداث، حيث استخدم الطائرات بدون طيار للرصد.
حادثة الوفاةتوفي مأمون متأثراً بإصابته خلال تغطيته لحفل تخريج لطلاب الكلية الحربية في منطقة جبيت بشرق السودان، الذي حضره القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان في 31 يوليو الماضي. نُقل بعد إصابته إلى القاهرة لتلقي العلاج، لكنه فارق الحياة قبل اسبوع متأثراً بجراحه.
ردود فعلنعت نقابة الصحفيين السودانيين مأمون استناداً إلى معلومات غير دقيقة، وتزامن نعيها مع نعي مجلس السيادة والخلية الأمنية، مما أثار موجة انتقادات ضد النقابة التي وصفته بأحد شهداء الثورة.
وتباينت وجهات النظر حول شخصية مأمون، حيث أكدت عدة مصادر أن الرجل لم يكن جزءاً من الأجهزة الأمنية خلال الثورة، لكنه انضم إليها بعد اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويرى البعض أن حاتم يمثل رمزًا للثورة، ولا ينبغي التشكيك في نواياه بسبب انضمامه اللاحق للأجهزة الأمنية، معتبرين أن هذا القرار كان خيارًا شخصيًا في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودان.
في المقابل، اعتبر آخرون أن انضمامه للأجهزة الأمنية يتناقض مع مبادئ الثورة ويضعه في موقف يتنافى مع نضال الشعب السوداني ضد السلطة العسكرية.
عناصر أمنيةعضو لجان مقاومة الخرطوم بحري طارق أحمد خضر، في حديثه مع (التغيير) أكد أن وجود عناصر أمنية داخل الحراك الثوري ليس بالأمر الغريب، وأشار إلى أن هذه العناصر قد ساهمت في إجهاض الثورة.
وأشار إلى أن العديد من الأجسام الثورية نعت المصور بناءً على معرفتهم السابقة به كـ”مصور الثورة الأول”، إلا أن تلك الأجسام تفاجأت لاحقًا بانتمائه للخلية الأمنية في بورتسودان أو كونه عسكريًا في الحرس الرئاسي.
وأوضح خضر أن بيان النعي الصادر من الخلية يثبت بوضوح انتماءه لتلك القوى، وأن انضمام أي عنصر إليها يتطلب خبرةً طويلةً وثقةً كبيرةً، وهاتان الصفتان كانتا متوافرتين في الراحل الذي أصيب في حادثة جبيت.
من جانبه، اكتفى نقيب الصحفيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس بالقول في مقابلة مع (التغيير): “عندما نعت النقابة مأمون، كانت المعلومات المتوفرة لديها تفيد بأنه كان يعمل مصورًا في قناة سودانية 24 منذ عام 2015، وأنه كان يقوم بالتصوير عندما أصيب. هذه هي المعلومات التي كانت متوفرة للنقابة عند نعيه”.
معلومات غير دقيقةالصحفي محمد عبد الباقي، الذي تربطه بمأمون علاقة صداقة أسرية، أكد أن الفقيد لم يظهر خلال السنوات الماضية أي انتماء للمؤسسة العسكرية، وكان يركز جل اهتمامه بالعمل المدني في مجال التصوير.
وأضاف أن نقابة الصحفيين السودانيين اعتمدت في نعيها على معلومات غير دقيقة، جمعها بحسن نية من وسائل التواصل الاجتماعي دون استقصاء، واصفًا ذلك بالخطأ الفادح.
وبرر للنقابة نعيها للمصور، الذي واجه انتقادات شديدة من القاعدة الصحفية، بأنها لم تكن على علم بانتمائه العسكري، مما وضعها في موقف محرج.
وأضاف عبد الباقي أن صمت النقابة وعدم اعتذارها عن نشر النعي أدى إلى بلبلة في الوسط الصحفي، وأثار حرجًا إضافيًا بسبب تناقضه مع موقفها السياسي الذي ينادي بوقف الحرب، بينما نعت أحد طرفي الحرب الذي توفي باستخدام سلاح الطرف الآخر.
ورأى عبد الباقي أن موقع عمل مأمون العسكري يدل على أنه حديث عهد بالعمل العسكري.
ليس سراًأما المخرج والمصور الطيب الصديق، أحد المقربين من المصور حاتم مأمون، أشار إلى أن الأخير كان مصورًا معروفًا وعمل مع عدة مخرجين سودانيين، بما في ذلك شخصه.
وقال الطيب لـ(التغيير)، إنه لم يكن على علم بانتماء حاتم لأي جهة عسكرية أو أمنية قبل الحرب، لكنه أشار إلى أن انضمامه بعد الحرب لم يكن سراً، تمامًا مثل العديد من الشباب الذين انضموا للجيش من بين شباب ثورة ديسمبر.
وأضاف: الصور المتداولة لحاتم بملابس عسكرية كانت تُشاهد من قبل أصدقائه في أماكن عامة، مثل اتحاد الفنانين في بورتسودان عندما كان يزور الزملاء هناك.
وأكد أن انتماء حاتم للقوات النظامية هو حقه الشخصي وخياره، بغض النظر عن صحة أو خطأ هذا الانتماء حسب الآراء المختلفة حوله.
افتراءاتمن جهته، نفى راشد مصطفى بخيت، زميل مأمون لمدة خمس سنوات في تصوير أعمال كورال كلية الموسيقى والدراما، ادعاءات انتماء حاتم مأمون للخلية الأمنية، وكتب على صفحته في (فيسبوك) قائلاً: “حاتم كان من ثوار ديسمبر ولم ينتمِ إلى أي جهة سياسية بشكل مباشر، وكان أول مصور درون في السودان، تخرج في جامعة المشرق”.
وأكد أن كل الأحاديث حول انضمام زميله لقوات العمل الخاص هي افتراءات تهدف إلى تشويه صورته.
وأشار بخيت، إلى أن مامون كان نازحًا في مركز إيواء في بورتسودان وطُلب منه تصوير احتفال تخريج الضباط في جبيت حيث أصيب.
وأضاف: القوات المسلحة وجهاز الأمن لم يتكفلا بإجراءات سفره إلى القاهرة أو علاجه، بل أصدقاؤه هم من قاموا بذلك.
ولفت بخيت إلى أن الصورة التي يظهر فيها حاتم بالزي العسكري كانت في تخريج شقيقه الطيار الحربي، وأن نشرها على صفحته الشخصية يدل على أنه لم يكن عنصرًا أمنيًا، لو كان الأمر كذلك لما نشر الصورة.
وأكد بخيت، أنه زامل حاتم في عدة محطات عمل إعلامي، منها شركة نوس وقناة (سودانية 24).
وغض النظر عن عينة الآراء التي أوردتها (التغيير) أو تلك التي تحفل بها منصات التواصل الاجتماعي حول هذه القضية، فإن الجدل الذي أثارته حادثة وفاة حاتم مأمون توضح جانباً من حالة الاستقطاب التي خلفتها حرب 15 ابريل 2023م بين الجيش والدعم السريع، ودخول خيارات بعض الأفراد اختبارات صعبة في مواجهة قناعات قطاع كبير من السودانيين الرافضين للحرب، وربما لن يغلق هذا الباب ما لم تضع الحرب أوزارها ليختار كثير من الشباب طريقاً غير الانضمام لأحد طرفي النزاع مجبرين.
الوسومالإعلامي حاتم مأمون الجيش الدعم السريع السودان المخرج الطيب الصديق انقلاب عبد الفتاح البرهان جبيت عبد الفتاح البرهان عبد المنعم أبو إدريس نقابة الصحفيين السودانيينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان جبيت عبد الفتاح البرهان نقابة الصحفيين السودانيين الصحفیین السودانیین عبد الفتاح البرهان فی بورتسودان مصور ا إلى أن لم یکن
إقرأ أيضاً:
جدلية التغيير ومقاومة البنى العميقة
حين ينهار نظام استبدادي، يتولد شعور عام بأن كل شيء سيتغير بين عشية وضحاها. يتوقع الناس تحسنًا فوريًا في الاقتصاد، والأمن، والخدمات، وكأن المشكلة كانت في رأس السلطة فقط، وليس في منظومة متجذرة تشكلت عبر عقود. هذه الحالة تجعل القوى الثورية أمام معضلة خطيرة: كيف تدير عملية التغيير دون أن تستنزفها الجماهير بتوقعات غير واقعية؟
الأنثروبولوجيا السياسية للثورات.. لماذا لا يتغير كل شيء فورًا؟
تشير الدراسات الأنثروبولوجية إلى أن سقوط الأنظمة لا يعني بالضرورة تغير المجتمعات التي حكمتها. فالدولة ليست مجرد حكومة، بل هي نسيج من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تشكلت عبر الزمن أعراف وسلوكيات يصعب استئصالها بسرعة. الأنظمة الاستبدادية تخلق مؤسسات تبدو وكأنها تخدم الناس، لكنها في الحقيقة تؤسس لاستدامة القمع، بحيث يصبح التغيير الجذري أكثر تعقيدًا من مجرد الإطاحة بالحاكم.
في السودان، بعد سقوط عمر البشير، كان المشهد نموذجًا حيًا لهذا التحدي. خرجت الجماهير محتفلة بالنصر، لكنها بعد أسابيع قليلة بدأت تطالب الحكومة الانتقالية بتحقيق إنجازات اقتصادية وأمنية فورية، رغم أن الدولة كانت تعاني من انهيار مالي ومؤسسات مترهلة. هنا لعبت الثورة المضادة دورها، حيث عملت أجهزة الدولة العميقة، بما في ذلك بعض القوى العسكرية، على عرقلة عملية الانتقال، حتى أصبح الشارع نفسه يردد شعارات تتهم الثورة بالفشل، مما مهد الطريق لانقلاب عسكري أعاد السلطة إلى أيدي القوى التقليدية.
سيكولوجية الجماهير.. من الصبر على الاستبداد إلى استعجال الثورة
في علم النفس الاجتماعي، يُعرف "التنافر المعرفي" بأنه حالة من الصراع الداخلي تحدث عندما يواجه الإنسان واقعًا يتناقض مع توقعاته. فالجماهير التي صبرت على الفساد لعقود، تتوقع أن تُحل كل المشاكل فورًا بعد سقوط النظام، وعندما لا يتحقق ذلك، تنتقل سريعًا من التأييد إلى الرفض، مما يسهل على الثورة المضادة اختراقها.
لبنان مثال آخر على ذلك. حين اندلعت ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، امتلأت الساحات بالمحتجين المطالبين بإنهاء الفساد وإسقاط الطبقة السياسية. لكن مع مرور الوقت، بدأت المطالب تتشتت، وتحولت الحركة الاحتجاجية من قوة ضغط إلى حالة من الإحباط الجماعي. لعبت الأحزاب التقليدية على هذا الوتر، وبدلًا من أن تقدم حلولًا، دفعت نحو ترسيخ الفوضى الاقتصادية، حتى باتت الجماهير نفسها تطالب بالاستقرار بأي ثمن، ولو على حساب التغيير.
التاريخ يعيد نفسه.. كيف تُستنزف الثورات؟
ما يحدث في كل ثورة هو نمط متكرر، يمكن تلخيصه في ثلاث مراحل:
1 ـ التوقعات غير الواقعية: الجمهور ينتظر تحولات سريعة دون إدراك تعقيدات المشهد.
2 ـ المطالب التصعيدية: مع كل إنجاز يتحقق، تتزايد المطالب حتى تصبح غير قابلة للتنفيذ.
3 ـ استغلال النظام القديم للفوضى: عبر تأجيج الأزمات الاقتصادية والأمنية، ليجعل الجماهير نفسها تطالب بعودة "الاستقرار".
في الجزائر، بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، دخلت البلاد في مرحلة انتقالية معقدة. حاولت القوى العسكرية تقديم وعود بالإصلاح، لكن دون تفكيك فعلي لمنظومة الحكم السابقة. ومع تصاعد الإحباط الشعبي، بدأ الخطاب الرسمي يروج لفكرة أن الثورة لم تحقق شيئًا، وأن الحل الوحيد هو العودة إلى "حكم مستقر"، مما أدى إلى استنزاف الحركة الاحتجاجية تدريجيًا.
التغيير الحقيقي لا يتحقق بإسقاط الحكومات فقط، بل بترسيخ وعي جديد داخل المجتمع. الثورات التي تفشل هي تلك التي لم تستطع فصل نفسها عن الحالة العاطفية للجماهير، بينما تنجح الحركات الإصلاحية التي تدرك أن المعركة ليست في سرعة الإنجاز، بل في استدامة التحول. إذا لم يتغير وعي الشعوب، فستعود الأنظمة القديمة بأسماء جديدة، وستجد الجماهير نفسها تعيد إنتاج الطغيان الذي ثارت عليه، لأن المشكلة لم تكن في الحاكم وحده، بل في الثقافة السياسية التي سمحت له بالبقاء.ما الحل؟ نحو استراتيجية للتحصين ضد الثورة المضادة
إذا كانت الثورة المضادة تستغل الجماهير، فإن الحل يبدأ من الجماهير نفسها. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
1 ـ إدارة التوقعات الشعبية
مصارحة الناس بأن التغيير التدريجي أكثر استدامة من التحولات الفورية.
تعزيز الوعي بأن بناء الدول يحتاج إلى سنوات، وليس مجرد قرارات سريعة.
2 ـ تفكيك الدولة العميقة بشكل مرحلي
تجنب الصدام المباشر مع المؤسسات القائمة، والعمل على اختراقها وإصلاحها من الداخل.
بناء بدائل تدريجية، حتى لا يكون إسقاط النظام مرتبطًا بفراغ إداري وأمني.
3 ـ حماية القيادات الثورية من الاستنزاف
ـ تحديد أولويات واضحة، بدلًا من محاولة حل جميع المشاكل دفعة واحدة.
ـ توزيع الأعباء على مختلف القوى، بحيث لا يُستهلك الزخم الثوري في تفاصيل يومية.
4 ـ تحصين الجماهير ضد الدعاية المضادة
ـ إنشاء منصات إعلامية مستقلة تشرح الحقائق بلغة مبسطة، دون تضخيم الإنجازات أو التهويل من الصعوبات.
ـ كشف أساليب التلاعب الإعلامي التي تستخدمها الثورة المضادة لإثارة الإحباط واليأس.
الثورة كعملية طويلة الأمد
التغيير الحقيقي لا يتحقق بإسقاط الحكومات فقط، بل بترسيخ وعي جديد داخل المجتمع. الثورات التي تفشل هي تلك التي لم تستطع فصل نفسها عن الحالة العاطفية للجماهير، بينما تنجح الحركات الإصلاحية التي تدرك أن المعركة ليست في سرعة الإنجاز، بل في استدامة التحول. إذا لم يتغير وعي الشعوب، فستعود الأنظمة القديمة بأسماء جديدة، وستجد الجماهير نفسها تعيد إنتاج الطغيان الذي ثارت عليه، لأن المشكلة لم تكن في الحاكم وحده، بل في الثقافة السياسية التي سمحت له بالبقاء.