الثورة نت:
2024-09-17@23:48:03 GMT

المولد والنسق القيمي

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

 

 

في حياة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام محطات لم يقف عندها الفكر متأملا أو متبصرا كالهجرة مثلا، فالهجرة لم تكن إلا انتقالا من حال دل عليه المكان بكل دلالاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولذلك غفل الفكر العربي عن تفسير الحالة تفسيرا منطقيا يتسق ورسالة الإسلام كرسالة سماوية خاتمة للبشرية، ذلك أن إيماننا المطلق بالله يرى أن الله قادر أن يزرع المحبة في قلوب كفار قريش ويجعل منهم أمة تتقبل الرسالة وتبشر بها العالم من حولها، لكن حدث العكس، فقد كانت قريش بكل مدلولات المكانة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بيئة طاردة للرسالة وغير قابلة للتحولات وحالات الانتقال التي يحملها الرسول الأكرم للبشرية، لذلك كانت الهجرة تعبيرا عن المناخ الملائم للإسلام بدلالة اسم المكان الجديد « المدينة « وتعبيرا عن رفض المحمول الثقافي للقرية، ومثل ذلك ثابت بالنص، فالقرآن حين يتحدث عن مكة فهو لا يتجاوز ملفوظ القرية إلى غيره، وحين يتحدث عن يثرب كمكان جديد حاضن للرسالة المحمدية فهو يسميها بالمدينة، وفي ذلك دلالة حضرية ذات بعد نظري عميق لم يقف عنده أرباب المذاهب ولا علماء الكلام كما وقفوا عند باب الطهارة والنجاسة وباب النكاح .


ما يميز الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام هو التزامن مع فكرة التغيير والبناء والوعي بضرورات الإصلاح، فالإصلاح نسق فكري ثقافي حضاري تقدم عليه الأمم لإنجازه بخطاب وتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل مع الواقع لا القفز على شروطه الموضوعية وقادرة على فرض طابعها الخاص الذي تتسم به المرحلة أو يتسم به المستوى الحضاري الحديث .
ما يحدث اليوم في عموم الجغرافيا اليمنية هو عملية ثقافية تحفيزية تهدف إلى إكساب المجتمع هوية إيمانية مضافة وهي تعتمد اعتمادا متزايدا على مختلف الجماعات بهدف الوصول للوحدة المشتركة أو الإحساس بها في ظل ما يتعرض له الإسلام من هجوم ومن تشويه متعمد ويحمل شلال الإيحاء المتدفق من بين حروفها مشروعا نهضويا كبيرا يصنع من الفكرة الدينية مشروعا سياسيا واعيا وقادرا على إحداث التحولات وتحريك عجلتها، وهذا ما تدل عليه رموز وإشارات خطاب السيد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي.
ولا بد من التأكيد على فكرة أن رسالة الإسلام جاءت لتستكمل البعد القيمي والأخلاقي عند البشر بعد أن بلغت الرسالات كمالها في الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولذلك عبر الرسول الأكرم عن ذلك بقوله: « إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق « بل مدح الله رسوله في محكم الذكر الحكيم بقوله : وإنك لعلى خلق عظيم « في إشارة إلى حالة التكامل التي أرادها الله كما تشير آخر آية نزلت على الرسول الأكرم وهي قوله تعالى : « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» .
هذا البعد القيمي والأخلاقي غاب عن البحث والتنظير والتأصيل في مسارنا الثقافي التاريخي، بل لم يتم التأليف فيه إلا نادرا قديما وحديثا، والسؤال الأخلاقي أثاره وبسط عنه القول الجابري في مشروعه النقدي «نقد العقل العربي « وفصل القول عنه في كتابه « العقل الأخلاقي العربي « .
ولعلنا نستبين الخلل البنيوي في مسارنا الثقافي والسياسي من خلال هذا الغياب أو التغييب، فالإسلام الذي هدم منظومة الثقافات الكبرى في زمنه، وهي الثقافة الفارسية والرومانية، والثقافة الفارسية هي ثقافة وثنية « مجوسية « لا تلتقي مع الإسلام في نقاط، بعكس الثقافة الرومانية التي تشترك في كثير من محدداتها مع الإسلام، ولذلك حاولت الثقافة الفارسية مقاومة عوامل الفناء من خلال إعادة إنتاج نفسها في الثقافة الإسلامية فتركت أثرا واضحا في نظرية الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وفي اللغة والآداب، وفي الحياة الاجتماعية، والقارئ لكتب الأخبار كـ»العقد الفريد « لابن عبد ربه، و «أخبار الزمان « للمسعودي، وغيرهما، يكتشف ذلك الأثر للثقافة الفارسية، كما يكتشف الرؤية المنهجية التي حاولت صرف العقل العربي عن الغوص في نظرية الأخلاق العربية وهو بالتالي تعبير عن انحراف في مسار الرسالة المحمدية وقد كان من نتائج ذلك حالة الهوان والضعف التي وصل إليها العقل العربي والمجتمع العربي منذ العصر العباسي الثاني إلى اليوم .
ولذلك فالاحتفاء بالرسول الأكرم لا بد أن يكون بعثا وبحثا وتحقيقا وتصويبا للمسارات ، ويفترض بنا أن نحاكم التاريخ ونحاكم واقعنا محاكمة عادلة لنعيد ترتيب نسقنا، ونعيد بناء الحيوات وفق قيم ومبادئ الإسلام لا غيره ووفق المستوى الحضاري والفكري للبشرية، فالإسلام رسالة متجددة وليس قالبا جامدا، وهو فكرة ثورية، والفكرة الثورية التي قادها الرسول الأكرم أحدثت تحولا وتبدلا ما زال يذهل المفكرين إلى اليوم والذين جعلوا الإسلام كهنوتا وحالة تسلط جماعات على أخرى تأثرا بما دخل على الإسلام من ثقافات لم يفلحوا بل ساهموا في تراجع فكرة الثورة وأثرها في واقع البشر بل كانوا سببا جوهريا ومباشرا في حالة التخلف والتراجع الحضاري للعرب والمسلمين وهو حال من الذل والهوان يعانونه اليوم كما هو مقروء في الواقع .

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

السيسي: المولد النبوي فرصة للتأمل في سيرة النبي واستحضار مفاهيم الإسلام

كتب- محمد أبو بكر:

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن اليوم الذي شهد شهد مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو مناسبة عظيمة أذن الله فيها لشمس العبادة النبوية أن تشرق على العالم.

وأعرب الرئيس، خلال احتفالية وزارة الأوقاف بالمولد النبوي الشريف 2024، في هذه المناسبة العطرة عن تمنياته للشعب المصري والأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع بالخير واليمن والبركات، مشددًا على أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي يبعث في النفوس معاني الإنسانية الحقيقية، حيث مثل مولده صلى الله عليه وسلم تكريمًا وإحياءً للإنسانية.

وأشار الرئيس السيسي، إلى أن هذه المناسبة تمثل فرصة للتأمل في سيرة النبي العظيمة، واستحضار مفاهيم الإسلام التي وصلت بالإنسانية إلى أسمى درجاتها، مؤكدًا أن الإسلام يدعو إلى المحبة والإخاء والبناء والتنمية.

كما أكد الرئيس أن بناء الإنسان هو مسؤولية تضامنية وتكاملية تتطلب تضافر جهود المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية، بالإضافة إلى دور الأسرة في إعداد جيل واعٍ وقوي يبني وطنه في مختلف المجالات.

مقالات مشابهة

  • وحدة الرسالة الإلهية.. شيخ الأزهر يؤكد عدم جواز المفاضلة بين الأنبياء
  • السيسي: المولد النبوي فرصة للتأمل في سيرة النبي واستحضار مفاهيم الإسلام
  • ما بعد الإسلام السياسي بين مآلات الربيع العربي وتداعيات طوفان الأقصى؟
  • رئيس المجلس العربي للمياه: ‏التحديات التي نواجهها هائلة ولكنها ليست مستعصية على الحل
  • علي جُمعة: الرسول كان طاقة رحمة وحنان تسري حتى في الجماد
  • أجمل عبارات تهنئة بمناسبة المولد النبوي الشريف
  • المولد النبوي.. ومأزق البشرية الأخلاقي
  • وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي
  • حشود غير مسبوقة لأبناء تعز ولحج بذكرى المولد النبوي
  • «ولد نور الإسلام وخير الناس».. رسائل التهنئة بمناسبة المولد النبوي الشريف 2024