يمانيون:
2024-09-18@01:14:40 GMT

نعمةُ المولد النبوي من منطلق الثقافة القرآنية

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

نعمةُ المولد النبوي من منطلق الثقافة القرآنية

د. حبيب عبدالله الرميمة

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابة العزيز “وَلَقَدْ أرسلنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُـمَاتِ إلى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ” (سورة: إبراهيم، آية ٥).

من خلال التمعن في سياق الآية نجد دلالات واضحة حول أهميّة الرسالات السماوية وما أوكله الله لرسله من مهمة تتمثل بهداية الناس لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهذه هي المهمة الأَسَاس للأنبياء، بل والغاية من إرسال الله تعالى لرسله، لكن هذه الغاية هي تحتاج إلى استشعار عملي واقعي بحيث يسند حقيقة ما جاء به الرسل -ومنهم نبي الله موسى المخاطب هنا بالآية- وهذا البرهان العملي هو تذكيرهم بأيام الله كنعمة عليهم، ومن المعلوم أن أَيَّـام الله لا يقصد بها هنا تذكيرهم بأسماء الأيّام والشهور، وإنما ذكر أحداث زمنية حدثت بأيام معينة، تجعلهم يستشعرون أهميّة الرسالة من جهة والنبي المرسل من جهة أُخرى، وعظمة الفارق الذي حصل لهم والتغيرات الكبرى التي أثرت فيما بعد على حياتهم سلباً أَو إيجابا، فالأيّام في سياق القرآن الكريم، نجدها متعددة، قد تكون للتذكير باستشعار نعمة الله ورعايته ونصره بشان الغنائم فيرد في سياق الآية (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُـلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنفال- آية (41)، وقد تكون للتحذير والتذكير من ارتكاب مخالفة ما (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ، إذ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شيئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) التوبة:آية٢٥.

وقد تكون للترهيب والوعيد الأخروي (يوم القيامة، ويوم الحساب ويوم الدين.. )، وقد تكون لاستشعار أهميّة ولادة شخص معين كنعمة بحد ذاتها تستحق شكر الله وحمده، وهذا ما نجده في سياق الآية السابقة-المشار إليها أول المقال- فبعد أن أمر الله نبينا موسى أن يُذّكر قومه بأيام الله، يأتي قول موسى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ، إذ إنجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أبناءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) إبراهيم:آية٦.

وهنا يثور السؤال لماذا اختار سيدنا موسى تذكيرهم بهذه الواقعة التي كان يمارسها فرعون وجنوده، دونا عن بقية الحوادث، مع أن حادثة إغراق فرعون، وضرب البحر بالعصا، وتأييد الله له بالعذاب الذي أرسله على فرعون وقومة، كالضفادع والدم وغيرها، هي أَيَّـام تستحق أن يذكرهم بها لكنه اختار تذكيرهم بواقعهم قبل مولده ومنها ذبح أطفالهم واستحياء نسائهم.

والحكمة والهدف -حسب اعتقادنا -هو تذكيرهم بأهميّة وجوده بينهم، ورعاية الله التي احاطته، وافشلت كيد فرعون وجنوده للتخلص منه، والمقصود يوم مولده، كيوم من أعظم أَيَّـام الله.

فالمتطلع إلى كتب التفاسير تكاد معظمها أن تجمع على رواية مضمونها تحَرّك فرعون لقتل وذبح ذكور بني إسرائيل بعدما تكهنوا له أنه سيولد طفل من بني إسرائيل في تلك السنة يقضي على ملكه. وما يؤيد تلك الروايات هو حالة الاستنفار التي يتحدث بها القرآن بعد أن ولدت أم موسى به، بالوحي إليها بإلقائه في اليم (وَأَوْحَيْنَا إلى أم مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْـمُرْسَلِينَ) سورة القصص- آية (7).

واستجابة أم موسى للأمر يدلل على شدة الموقف الاستثنائي؛ باعتبَار أن رمي طفلها في اليم يتناقض مع

عاطفة الامومة لولا انها لم تجد إلَّا تلك الطريقة الوحيدة لنجاته، لذلك كما قلنا اختار موسى عليه السلام، يوم مولده وتذكيرهم به، كيوم من أَيَّـام الله، ونعمة عليه وعلى بني إسرائيل، إذ لو تمكّن فرعون وجنود من قتله، لكان بنو إسرائيل ما زالوا بسوء العذاب.

وَإذَا كانت هذه الآية -التذكير بأيام الله- خَاصَّة بموسى لكنها عامة في جميع الأنبياء، لاشتراكهم معه بالعلة الموضوعية، إخراج قومهم من الظلمات إلى النور، وَإذَا كان موسى اختار ذلك في سياق تذكيرهم بما كانوا عليه والنعمة والرحمة بنجاة الله له كسبب لنجاتهم.

فَــإنَّ سياق القرآن الكريم في آيات أُخرى تذكر بعظمة يوم المولد النبوي، على سبيل المثال ماورد في سورة مريم، بحق يحيى بن زكريا يقول الله تعالى (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) آية:١٣.

ثم يليها في سياق السورة مولد سيدنا عيسى، والمعجزة التي أجراها الله له بتكليمهم في المهد كشاهد على صدق نبوته، واختياره تعظيم أَيَّـام زمنية معينة (والسلام عليَّ يوم وُلدت ويوم أموت ويوم أُبعَثُ حيا) الآية:٣٣.

فالدلالة الزمانية هنا بتعظيمهم لليوم الذي ولدوا فيه؛ لأَنَّ هذا اليوم هو من أَيَّـام الله العظيمة التي

تستحق الشكر والفرح، وقد يقول قائل: وماذا عن ذكر يوم موته؟؛ لأَنَّه يوم من أَيَّـام الله يذكرهم فيه بحدث عظيم، وهو فقدانهم وسلبهم لنعمة من انعم الله عليهم.

أيضا قد يقول قائل: إذَا كان هذا التذكير بأيام الله في مولد الأنبياء قد ورد بالقرآن الكريم صراحة بحق بعض أنبياء الله، فاين نجد أَيَّـام الله التي تذكرنا بمولد النبي -صلوات الله عليه واله- في القرآن الكريم؟ والإجَابَة بكل بساطة هو القرآن الكريم ذاته الذي انزله الله عليه، واختصه به، وبما يحمله من نور وهدى لإخراج الناس كافة من الظلمات إلى النور، فاذا كان تعظيم الله لشهر رمضان عن بقية الأشهر لنزول القرآن فيه (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن) البقرة: الآية-١٨٥. ليكون من فروض القربة إلى الله بالصيام لعلة ظاهرة أنه انزل فيه القرآن، ثم اختص ليلة مباركة من هذا الشهر وهي ليلة القدر الذي انزل فيها القرآن وجعلها خيرًا من ألف شهر، يرفع المؤمنون على وجه المعمورة فيها اكف الرجاء ويبتهلون إلى الله أن ينالوا من خيرها وبركاتها، أفلا يكون يوم مولده من أعظم أَيَّـام الله التي يستشعر بها المؤمن عظمة ونعمة مولد رسول كرحمة مهداة للناس ونور الله للعالمين إلى يوم الدين. وحيثُ إن يوم مولده، قد تواترت عليه الأُمَّــة في شهر ربيع الأول، وَإذَا سلمنا بالاختلاف بتحديد اليوم الذي ولد فيه. فهذا الخلاف لا نراه إلا كمثل ليلة القدر فهي معلومة في نطاقها الزمني بنص القرآن (شهر رمضان) واختلف في تحديد يومها بدقة، ولعل ذلك زيادة في التحري لها ورجاء خيرها طوال الشهر، وخُصُوصاً في العشر الأواخر منه.

ومن ثم نقول أنه لا ينبغي أن يكون عظمة مولد النبي أي نبي، وعلى وجه الخصوص مولد نبي النور وخاتم المرسلين محمد -صلوات الله عليه وآله- محل خلاف، وهو أَسَاساً ليس محل اختلاف بين مذاهب الإسلام المعتبرة ولا بين علمائها سنة وشيعة على مر التاريخ، وأن ظهرت بعض الفرق مثل الوهَّـابية تبدع وتحرم الفرح والاحتفال بذكرى مولده، فهو لمقاصد سياسية بحته لا شان للدين بها، وإلا لكان تجريم الاحتفال باليوم الوطني السعوديّ أولى بالتجريم ولم يسمع ذلك منهم، بل وأعلى من ذلك، ما نجده من تناقض فتواهم وعدم قيامهم بالأمر بالمعروف فيما يحصل من مخالفات شرعية صريحة داخل أرض الحرمين من إفساد وفجور أخلاقي. فهم لا يمثلون علماء دين لله تدور العلة حيثما دار الحكم، وإنما يتخذون من الدين معايير لما تمليه سياسة الحاكم ويحقّق مصالحه ومصالحهم؛ لذلك فالوهَّـابية تنظيم سياسي دون أن تكون مذهب فقهي حقيقي لخدمة دين الله، من حين وجدت، وتحالف سيفان في نجد كحقيقة تاريخية لا يختلف عليها اثنان، سيف باسم الدين وهو مؤسّسها محمد بن عبد الوهَّـاب، وسيف السلطة ممثلا بمحمد بن سعود، بتوقيع اتّفاق الدرعية عام ١٧١٤م. حتى أصبح هذان السيفان شعارًا رسميًّا لها، يتسلطان على رؤوس الأُمَّــة، تارة باسم البدعة وأُخرى باسم الحداثة. وهو موضوع يطول شرحه.

الخلاصة هنا أن ذكرى المولد النبوي بالتعظيم والتمجيد والفرح فيما يتعلق بمولد النبي هو من أَيَّـام الله التي ينبغي أن يتذكرها الناس كنعمة كبيرة؛ لأَنَّها أَيَّـام شكر ورحمة تأذن بها الله تعالى لتغيير كوني بالرسالة الخالدة التي يحملها النبي المولود رحمة ونور للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، فما أعظم يوم مولده كيوم من أَيَّـام الله (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”يونس- آية (58).

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: القرآن الکریم بأیام الله یوم مولده الله علیه الله التی ـام الله یوم من أ فی سیاق قد تکون الله ع

إقرأ أيضاً:

النهج النبوي حارب الأنانية والرأسمالية التي يتغول فيها الأغنياء على حساب الفقراء

 

 

 

بالتزامن مع الحراك اليماني الإيماني الكبير والملفت في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف لهذا العام ، يجدر بنا كمعنيين ومهتمين بالشأن الاقتصادي أن نتناول جانباً من حرص نبي الرحمة على بناء اقتصاد إسلامي يحفظ حقوق الناس وكرامتهم وحقهم في استثمار إمكانياتهم وقدراتهم في تنمية حياتهم المعيشية بالشكل الأمثل، حيث عمل النبي صلوات الله عليه وآله على تنمية القيم الأخلاقية العالية التي أثرت في إرساء معالم التنمية الاقتصادية وعالج النبي صلى الله عليه وآله ظاهرة الفقر والبطالة من خلال التشجيع على السعي في الأرض، وطلب الرزق، وتحصيل فرص العمل المتنوعة، فخرج من المجتمع حينذاك التاجر، والصانع، والمزارع، وكان يشجع كل القطاعات الفاعلة، كما حارب النبي ظواهر الفساد المالي كالغش في المعاملات الاقتصادية، وتعاطي الرشوة، أو السقوط في فخ المعاملات الربوية التي حذر منها القرآن الكريم لما لها من انعكاسات خطيرة على البنية الاقتصادية للدول، وشجع رسول الله الجانب الزراعي لأهميته في تحقيق الاكتفاء الغذائي، ناهيك عن إرسائه معالم التكافل الاجتماعي لمعالجة مشكلة الفقر والحاجة وغير ذلك من المعضلات المتصلة بحياة الإنسان الاقتصادية والمعيشية التي اهتم بها رسول الرحمة المهداة صلوات الله عليه وآله .. إلى التفاصيل:

الثورة / أحمد المالكي

يؤكد العديد من المفكرين والكتاب والمهتمين بالاقتصاد الإسلامي بأن الأمة ملزمة بالرجوع إلى الهدي النبوي ومعرفة الأصول العلمية التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحل المعضلات الاقتصادية التي واجهته طول حياته، خاصَّة مع استفحال مظاهر التخلف الاقتصادي في أكثر بلدان العالم الإسلامي، حيث أن رسول الله يُعطي لنا المعالم والهدايات التي تُفكك هذا التخلف، بناءً على نظام اقتصادي متكامل.
كما يجب النظر وفق المفكرين والباحثين إلى سلوك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاقتصادي كفردٍ من جهةٍ، وكراعٍ للأمة من جهةٍ أخرى، وهذا ضمن المنهج العلمي والعملي الذي جعل هذا السلوك يُحقق أهدافه التي ظهرت جلية في زمن النبوة وبعدها، وما صاحب ذلك من إصلاحاتٍ اقتصادية تُظهر حتمية مراجعة السيرة النبوية لاستخلاص الحلول منها، ثم تنزيلها على واقعنا
وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالجانب الاقتصادي تأصيلا وتفريعا، وعالجت المشكلات الاقتصادية، والانحرافات المالية المتنوعة، وقدم الرسول الأعظم الكثير من الحلول العبقرية، من خلال مفهوم الإدارة النبوية وتطبيقاتها في المال والأعمال، ومكافحة كل أشكال الفساد في المعاملات الاقتصادية والتجارية وحتى الإنتاجية.
الممارسة الاقتصادية
مارس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفق المفكرين والباحثين، كافة أشكال العمل الاقتصادي، بدءا من رعي الغنم، إلى ممارسة كل أشكال التجارة، كما مارس الأعمال اليدوية الذاتية البيتية، ليربي في المجتمع قيمة الاعتماد على النفس ، فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- حينها يسعى لكي يحقق دخلا لنفسه يغنيه عن الحاجة للغير، وعندما مارس صلى الله عليه وآله وسلم التجارة، حقق نجاحات باهرة منذ صغره في رحلاته المتتالية إلى الشام ومتاجرته بمال السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم إقامة سوق للمسلمين، يقام فيها اقتصاد الدولة، على أسس سليمة تنضبط بها جميع التعاملات الاقتصادية، بعيدا عن كل أشكال الفساد.
المجتمع المتراحم
وعمل النبي صلى الله عليه وسلم على تنمية القيم الأخلاقية العالية التي أثرت في إرساء معالم التنمية الاقتصادية بعد تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، من خلال بناء المسجد، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار الأغنياء والفقراء، فأقام المجتمع على أسس إيمانية وأخوية متينة، يتقاسمون الزروع والدور، ويؤثر بعضهم بعضا على حاجته وخصاصته، فكان هذا المجتمع التراحمي أساسا صلبا صالحا لإقامة المنظومة الاقتصادية بشكل متوازن، بل وسائر النظم الأخرى الاجتماعية، أو السياسية، وغيرها.
وهذا المجتمع الذي يتمتع بأخلاق الإيثار والمواساة تتلاشى معه إشكالات اقتصادية واسعة، وهو الحل الذي لم تقدر على إيجاده الدولة الحديثة بجامعاتها العملاقة، ومؤسساتها التعليمية ذات الميزانيات المالية الضخمة، فباتت المجتمعات موبوءة بالأنانية المفرطة، وقامت الاقتصاديات العالمية على أساس الرأسمالية التي تعزز النزعة الفردية المطلقة (الأنانية)، فمكنت لأصحاب السلطة والثروة من التغول على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، والمراباة في أموال الناس، وأصبحت الثروة والأرزاق (دُولة بين الأغنياء) منهم، وبالخلاصة فإن اقتصاد العالم اليوم يفتقد ذلك المجتمع التراحمي الذي تحكمه الأخلاق والقيم الذاتية، وإيجاده هو أحد الحلول الحقيقية التي نستلهمها من التوجيهات النبوية في مجال المال والأعمال.
أخلاقيات المال والأعمال
إن نصوص القرآن والسيرة النبوية وما تضمنته من منظومة متكاملة من القيم: كالأمانة، والصدق، والإتقان، ونبذ كل صور تعاطي الرشوة والغش، وما تضمنته من نبذ لروح الاتكالية في العنصر البشري، الذي يعتبر أساس التنمية الاقتصادية، فهي بلا شك تضمن أعلى درجات الأداء والكفاءة في العملية الاقتصادية، وبذلك تتحقق المثالية في النتائج، وقد جاء في الحديث: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».
وفي إطار المعالجات النبوية الاقتصادية حارب النبي «ص» ظواهر الفساد المالي كظاهرة الغش في المعاملات الاقتصادية، وكذا تعاطي الرشوة، أو السقوط في فخ المعاملات الربوية التي حذر منها القرآن الكريم لما لها من انعكاسات خطيرة على البنية الاقتصادية للدول ولكونها تساهم بشكل كبير في اختلال التوازن في النظام الاجتماعي، وبث روح الاستغلال وسلب الحقوق مما يربك المنظومة الاقتصادية فتتخلف الأمة عن التقدم والرقي الحضاري والهيمنة.
وفي هذا السياق نجد السيرة النبوية تحرص كل الحرص على تطبيق أخلاقيات إدارة المال والأعمال، باعتبار أن ممارسة العملية الاقتصادية في المال والأعمال من أقرب القربات إلى الله عز وجل، إذ أن كل عمل يبتغي فيه صاحبه وجه الله تعالى ونفع أمته والمساهمة في تقدمها وريادتها يعتبر عبادة.
الفقر والسلبية الاجتماعية
الهروب عن التكاليف الاجتماعية، والفروض الكفائية، سلوك معيب في منطق الشريعة، فهو يؤدي بالضرورة إلى الانسحاب من الحياة الاقتصادية، وهذا مرفوض تماما لمصادمته مقصد إعمار الأرض، ومبدأ الاستخلاف الذي أكد عليه القرآن الكريم.
وقد عالج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرة الفقر والبطالة بمعالجات وقائية وعلاجية من خلال التشجيع على السعي في الأرض، وطلب الرزق، وتحصيل فرص العمل المتنوعة، فخرج من المجتمع حينذاك التاجر، والصانع، والمزارع، وكان يشجع كل القطاعات الفاعلة، فشجع قطاع التجارة التي كانت ولا تزال أهم النشاطات الاقتصادية التي توفر للمجتمع مصدرا من مصادر الدخل، وتوفر لهم الأقوات والسلع غير المحلية، ولا ننسى تلك الشهادة النبوية التي تعتبر وساما لكل تاجر تشبّع بقيم الصدق والأمانة، وقد شهد بها النبي ﷺ بقوله: « التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين».
وفي ذلك رسالة منه ﷺ لمن تقاعس عن مهمة التفاعل مع الأنشطة الاقتصادية لمجتمعه، وليصحح بذلك مفهوم العبادة ويوجهها إلى الضرب في الأرض، والمشاركة في التنمية الاقتصادية، التي تحل مشكلة الفقر والبطالة.
الزراعة
وشجع القطاع الزراعي في رسالة منه صلوات الله عليه وآله للتأكيد على أهمية تحقيق الاكتفاء الغذائي، كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما من مسلمٍ يغرِسُ غَرْسًا أو يزرَعُ زَرعًا فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلَّا كانت له صدقةً».
ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم لأي فرد من أفراد المجتمع أن يبقى عاطلا دون كسب أو عمل، بل كان يوجههم لأي فرصة يقدر من خلالها على كسب لقمة الحلال،
وعلم النبي ﷺ درسا وافيا لمن جاءه يتسول، بتوجيهه إلى حل مشكلة فقره بالتفاعل مع الحياة الاقتصادية، فقال له: « لا أرينك إلا بعد خمسة عشر يوما…» ثم قال له: « هذا خير لك من أن تسأل الناس أعطوك أو منعوك».
فلم يعالج النبي ﷺ مشكلة السائل بالإعانة المادية المؤقتة، كما لم يعالج المشكلة بالوعظ والتنفير من المسألة، بل حّمله مسؤولية حل مشكلة فقره، بالاعتماد على نفسه، فقد حّل النبي ﷺ مشكلة الفقر في نطاق العمل الإنتاجي وليس في نطاق الصدقة.
وأما الخطوات النبوية لمعالجة الفقر فتتمثل في أن يَكْفُل الأغنياءُ الموسرون أقاربهم الفقراء، وذلك لما بينهم من الرَّحِمِ والقرابة، بحسب درجاتهم وقربهم، كما في مسند الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي رمثة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يد المعطي العليا، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك»، وفي المسند بسند صحيح عن سلمان بن عامر الضبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الصدقة على المسكين صدقة، وإنها على ذي الرحم اثنتان: إنها صدقة، وصلة».
التكافل الاجتماعي
ثم ينتقل الوجوب إلى المجتمع الموسر، من خلال حلول التكافل الاجتماعي للأفراد العاجزين عن الكسب، في استيعابهم في إطار نظام الزكوات، والصدقات، والكفارات، التي تغطي هذه الفئة التي لا يخلو منها مجتمع بشري، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها مقصورة على الفقير الذي لا يستطيع العمل والكسب.
يقول د. شوقي إسماعيل شحاتة: «وزكاة المال بما تستقطعه من دخول وثروات، وبتخصيص إنفاق حصيلتها في مصارف اجتماعية معلومة ومحددة، تعمل على إعادة توزيع الدخول في المجتمع، فهي تؤخذ من الأغنياء لإغناء الفقراء».

مقالات مشابهة

  • «ندوة الثقافة والعلوم» تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف
  • بمسرح كامل العدد.. أحمد الكحلاوي يشدو بأجمل المدائح في حفل المولد النبوي بالإسكندرية
  • بعروسة المولد والمباخر.. مسرح 23 يوليو بالمحلة يحتفل بالمولد النبوي الشريف
  • النهج النبوي حارب الأنانية والرأسمالية التي يتغول فيها الأغنياء على حساب الفقراء
  • وزير الأوقاف يهدي الرئيس السيسي نسخة من القرآن الكريم بذكرى المولد النبوي
  • أحمد موسى مهنئًا المصريين بالمولد النبوي: "بكرة احتفالية رسمية للأوقاف بحضور الرئيس السيسي"
  • الصلاة فى وقتها وقراءة القرآن.. عالم أزهري يوضح الطرق الأفضل للاحتفال بالمولد النبوي
  • أحمد الكحلاوي يحيي احتفالية المولد النبوي بالإسكندرية
  • بتلاوة القرآن وإنشاد الأشعار والمدائح.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
  • أفضل دعاء يردده المسلم يوم المولد النبوي الشريف.. احرص عليه