إسلاميو الأردن وانتخابات 2024.. انتصروا لغزة فانتصر لهم الناخبون
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
أن يتصدر حزب جبهة العمل الإسلامي قائمة الأحزاب الفائزة في انتخابات 2024 النيابية في الأردن، فهذا أمر يندرج في باب تحصيل الحاصل، مع أن "محللين" و"خبراء رصد" شككوا في مجرد حصول أمرٍ كهذا، وأعطوا أحزابًا حديثة العهد والولادة قصب السبق في المعركة الانتخابية، ليثبتوا أنهم "مصنّعون" كما الأحزاب التي بشّروا باكتساحها الحلبة الانتخابية.
لكن أن يأتي فوز "الذراع السياسية" لجماعة الإخوان المسلمين كاسحًا، أو على صورة "تسونامي"، فهذا أمرٌ فاق توقعات الجميع، أصدقاء الحزب والجماعة، وخصومهما، وأحسب أنه فاجأ الحزب والجماعة معًا.
في الانتخابات الفائتة، حصد مرشحو الحزب في مختلف دوائر المملكة الانتخابية: الفائزون منهم والخاسرون، أقلَّ من 90 ألف صوت، وفي الانتخابات التي سبقتها، حصد هؤلاء ما يزيد قليلًا عن 180 ألف صوت.. هذه المرة، حصدت قوائم الحزب الوطنية ما يقرب من نصف مليون صوت، وبواقع 31 مقعدًا، وهي نتيجة لم تحصل عليها الجماعة على امتداد ثمانية عقود من المشاركة المتصلة في الانتخابات العامة، باستثناء انقطاعات و"مقاطعات" محدودة، كانت الاستثناء ولم تكن القاعدة.
أسباب "التسونامي" وسياقاتهفي محاولة لتحليل الأسباب العميقة لهذا الفوز الكبير للجماعة الإسلامية، برغم المضايقات وحملات "الشيطنة" والضغوطات، يذهب المراقبون الجدّيون والموضوعيون مذاهب شتى، وأستثني من التحليل ما يرد على ألسنة نفرٍ من الكتّاب الذين يطلق عليهم الرأي العام الأردني وصف "كتّاب التدخل السريع":
في المقام الأول، ليست الجماعة بالكيان الوافد على الأردن والأردنيين، فهي حركة تعود بداياتها الأولى إلى عام الاستقلال (1946)، وسبق لها أن حصلت على أكثر من ربع مقاعد أول مجلس نيابي يُنتخب بعد استئناف الحياة الحزبية والبرلمانية في الأردن عام (1989).
وفي مسيرتها النيابية سجلت لحظات صعود وهبوط، مشاركةً ومقاطعةً، وراوحت كتلتها التصويتية بين 100-200 ألف صوت، تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا. وثمة ما يشبه الإجماع لدى الأردنيين جميعًا، خصوم الحركة قبل مريديها، بأنها أكبر أحزاب المعارضة والموالاة على حد سواء، وأنها الأكثر تنظيمًا و"ضبطًا وربطًا" من بينها جميعًا، وأنها الحزب الوحيد الذي يستند إلى "بنية تحتية"، اجتماعية – اقتصادية – تربوية – دعوية – إغاثية، واسعة وعريضة، حتى بعد أن وضعت الحكومة يدها على "جمعية المركز الإسلامي الأردني"، ذراعها الاجتماعية – الاقتصادية الأهم والكبرى في العام 2007.
وفي المقام الأخير، واكب الحزب والجماعة الحرب الإسرائيلية على غزة منذ يومها الأول، وحتى "الصمت الانتخابي".. صمتت الحملات وأغلقت مراكز الاقتراع أبوابها، لكن هتافات الحركة الإسلامية في الشوارع والميادين لم تهدأ، ولا أحسب أنها ستهدأ حتى تضع حرب الفاشيين الجدد على غزة أوزارها.
لم يفعل حزبٌ آخر ما فعله حزب جبهة العمل الإسلامي في هذا المضمار، ولم يأخذ الأردنيون بحكاية "أننا جميعًا غزة"، فقد ميّز الرأي العام بين حزب منخرط في حملات النصرة والتضامن، من رأسه حتى أخمص قدميه، وأحيانًا بكل ما تمتلكه آلة الحشد والتعبئة النشطة التي يتوفر عليها، وبين أحزاب عمدت إلى إجراء وقفات رمزية متباعدة، وبشعارات فُصّلت على مقاسات الموقف الحكومي ودفاعًا عنه، وغالبًا من أجل عدم ترك الميدان خاليًا إلا من الإسلاميين.. هذه الملاحظة أمكن تلمسها من خلال عشرات اللقاءات والندوات التي تحدث بها وشارك فيها كاتب هذه السطور شخصيًا.
الإسلاميون انتصروا لغزة، ولصناديق الذخيرة التي أفرغتها المقاومة في وجه جيش النازيين الجدد، والأردنيون انتصروا لهم في صناديق الاقتراع.. انتصروا لغزة، التي انتصرت لهم في يوم الاقتراع الكبير، الذي شهدت المعارضة قبل الموالاة، بأنه كان نظيفًا ونزيهًا وشفافًا.. وذلكم تطور مشهود في العمليتين: الانتخابية والسياسية الأردنيتين، سيكون له ما بعده، أقله، لجهة بدء مشوار إعادة الاعتبار لـ"شرف" صناديق الاقتراع.
حزب جبهة العمل الإسلامي حقق فوزًا كاسحًا في انتخابات 2024، بحصوله على نصف مليون صوت و31 مقعدًا، وهي نتيجة غير مسبوقة في تاريخ الجماعة الممتد لثمانية عقود من المشاركة السياسية
وبين المقامين: الأول والأخيريمكن استدخال جملة من الأسباب ساهمت مجتمعة في تشكيل فوز الإسلاميين الكاسح في الانتخابات.. من بينها "تصويت النكاية"، فبعض مصوتي قوائم الإخوان، ليسوا من قماشة الحزب ولا من مريدي شيوخ الحركة الإسلامية، منهم شيوعيون ويساريون وليبراليون وقوميون سابقون، ومنهم مسيحيون تفجّرت مشاعرهم الوطنية والقومية والإنسانية النبيلة، على وقع المجازر اليومية ضد أهل القطاع المنكوب، والتي لم تميز بين فلسطيني مسيحي ومسلم، إسلامي وعلماني، مؤيد لحماس أو مناهض لها.
ومن بين هذه الأسباب أيضًا، هزال وتآكل أحزاب "تاريخية"، قومية ويسارية، عجزت مجتمعة على اختلاف ألوانها ومرجعياتها، في اجتياز عتبة الحسم وصولًا لقبة البرلمان، والفائز الوحيد من هذا التيار اليساري (البرتقالي)، جاء على متن الصوت العشائري والقوائم المحلية.. هزيمة هذه التيارات لم تكن مفاجئة أبدًا، وهي في مطلق الأحوال، هزيمة متكررة، رصدنا أرقامها في انتخابات سابقة، محلية وبرلمانية، وكانت النتائج مروّعة للغاية، ولا تليق بإرثها الكفاحي التاريخي.
لم تتعلم هذه الأحزاب من دروس انهيار مرجعياتها في موسكو ودول المعسكر الاشتراكي، ولا من دروس الانكسار في عواصم "القومية العربية" المركزية، كما أنها لم تتعلم من دروس فشلها المتكرر.. لم تُجرِ تغييرًا جديًا في خطابها، ولا مراجعات معمقة في مرجعياتها، كما لم تستحدث التطوير والتحديث المطلوبين في بُناها التنظيمية وأدوات عملها، ولم "يتطوع" أي من قادتها على "الاستقالة" اعتذارًا عن هزائم سابقة وحالية، ولولا استقالة سمر دودين بعد فشل حزبها و"التيار الديمقراطي" الذي قادته في الانتخابات الأخيرة، لقلنا إن مفردة "الاستقالة" ليست في قواميس هذه الأحزاب، وإن العناية الإلهية وحدها، بالموت أو المرض أو الطعن في السنّ، هي المحرك الوحيد للتغيير والتجديد.
أما الأحزاب الجديدة، وبعضها ليس جديدًا كليةً، إذ مضى على تأسيسه ربع قرن من السنوات، أكثر أو أقل، وبعضها حديث العهد بالعمل الحزبي والشعبي، تأسس في ضوء مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وإقرار قانوني الأحزاب والانتخابات قبل عامين.. هذه الأحزاب، وصفت بأنها مصنّعة، وتشكلت بتوجيه وتحفيز من دوائر، وحظيت برعاية تلك الدوائر التفضيلية، يبلغ عددها نصف الدزينة من الأحزاب، يصعب إيجاد مبررات موضوعية، فكرية واجتماعية لتعددها، ارتبطت غالبيتها برموز معروفة من "بيروقراطية الدولة الأردنية"، وبعضها كان أحزاب وجهاء وأعيان، ثبت بالملموس أنها ليست متجذرة في أعماق البيئة الاجتماعية والسياسية الأردنية، برغم حملاتها الدعائية والانتخابية الباذخة، كما ثبت بالملموس أنها عجزت عن بلورة "معنى" خاص بها، يحفز المواطنين على اختيارها والتصويت لها.
وبمقارنة بسيطة بين ما تحصلت عليه الأحزاب السياسية من مقاعد، نرى أن أغلبية مقاعد حزب جبهة العمل الإسلامي جاءت من "القائمة الحزبية الوطنية"، أي من التصويت السياسي، وأن قائمته الوطنية حظيت بعشرات ألوف الأصوات من دوائر لم يكن للحزب مرشحون وقوائم محلية فيها، والقانون الانتخابي، كما هو معلوم، أتاح للمواطن الأردني اختيار مرشح منطقته وعشيرته ودائرته الضيقة، وغالبًا لأسباب خدمية، ولكنه وفّر له صوتًا ثانيًا لاختيار الحزب الذي يريد.. النتيجة التي يمكن استخلاصها هي أن معظم نواب حزب جبهة العمل الإسلامي، جاؤوا بتصويت سياسي بامتياز.
أما الأحزاب الأخرى، فقد جاء حصادها "السياسي" في القوائم العامة ضئيلًا، أكثرها تحصل على أربعة مقاعد لا أكثر، فيما كتلها النيابية المنوي تشكيلها، ستنتفخ بمرور الأيام بأعداد من النواب الذين حملهم الصوت العشائري والحمائلي، وسنشهد قريبًا "بازار" استقطابات لنواب جاؤوا للقبة بلا خلفية سياسية أو حزبية.
الأردنيون انتصروا للإسلاميين في صناديق الاقتراع بعدما وقف الحزب في طليعة التضامن مع غزة، في حين عجزت الأحزاب الأخرى عن مجاراة قوته الشعبية والتنظيمية
ولكن مما يجدر ذكره، أن عملية التحديث السياسي إذا ما تواصلت كما هو مرسوم لها، فإن المستقبل سيكون من نصيب "التصويت السياسي"، والحزب الذي يريد أن يحتل مساحة أكبر تحت القبة، عليه أن يبلور هوية فكرية – سياسية – برنامجية، مقنعة للأردنيين، لأن السنوات العشر القادمة ستكون لصالح الأحزاب كقنوات للمشاركة والتمثيل، بعد أن قضى الأردنيون أزيد من ثلاثة عقود في اعتماد العشيرة و"الحمولة" كقنوات للتمثيل.
الهيئة المستقلة للانتخاب، أعلنت عن وجود 104 نواب حزبيين في "البرلمان العشرين" من أصل 138 نائبًا، وأحسب أن أكثر من نصف هؤلاء الحزبيين المسجلين لدى الهيئة كحزبيين، قد خاضوا المعركة الانتخابية بأدواتهم القديمة، واعتمدوا على الصوت العشائري والحمائلي، ولم تكن هويتهم الحزبية هي السبب في اجتذاب أصوات المقترعين لقوائمهم، وهذا الحال لن يستمر في الانتخابات المقبلة، ومن مصلحة الأحزاب التأمل في دروس انتخابات 2024، قبل أن تدهمها الانتخابات القادمة، وهي تدور في مربعات المراوحة.
والنتيجة
أيًا كانت الأسباب والعوامل الكامنة وراء الفوز غير المسبوق لإسلاميي الأردن في انتخابات 2024، وأيًا كان وزن كل سبب وعامل منها وحجمه في صياغة هذه المفاجأة، فإن الأمر الذي لا جدال فيه، أنها "بركات طوفان الأقصى" وقد حلّت في صناديق اقتراع الحركة الإسلامية.
نصف الكأس الممتلئالمفاجأة التي عقدت ألسنة كثيرين، سرعان ما أخذت تتبدد، مع شروع عقلاء البلاد في النظر إلى نصف الكأس الممتلئ، بدل الاكتفاء بـ"هجاء" قانون الانتخاب، واتهام الحركة الإسلامية بامتطاء صهوة الحرب على غزة.. البعض رأى في هذا النصف الممتلئ، ما سيمكّن الأردن داخليًا من تبديد أجواء الاحتقان السياسي وضعف الثقة بالعملية السياسية، وخارجيًا في حال أحسنت الدبلوماسية استثمار هذه النتائج، لمقاومة الضغوط والتحديات التي تجابه البلاد على جبهة الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية الدائرة في غزة، والمتنقلة في مدن الضفة الغربية وبلداتها.. يمكن الاستناد إلى نتائج الانتخابات لإبراز غضب الشارع الأردني بوصفه ورقة ضغط مضادة، يمكن بها تحييد الضغوط الخارجية وتبديدها.
ويمكن للانتخابات أن تكون رسالة أردنية قوية للأشقاء كذلك، الذين أداروا ظهورهم للأردن، وتركوه في مواجهة واحدة من أسوأ "الجوائح" الاقتصادية التي مر بها: فقر وبطالة وتباطؤ في النمو وارتفاع في المديونية وعجز في الموازنة… رسالة فحواها: بدل التحريض على الإخوان المسلمين والحث على استئصالها، تفضلوا بدعم الدولة الأردنية للوفاء بالتزاماتها حيال مواطنيها، فذلكم هو الطريق الأسلم والأسلس لتعزيز جهاز المناعة المجتمعية، وتقوية التيارات الأضعف المحسوبة على الحكم، بدل إضعاف التيار الأقوى المعارض للحكومات..
فلسفة إضعاف القوي (وهو غالبًا إسلامي المرجعية) سقطت وكانت وصفة للخراب في دول عربية وإسلامية عدة، أما بديلها فتقوية الأضعف من أخصامهم ومجادليهم، من خلال حفز التنمية ومعالجة ذيول الضائقة الاقتصادية التي تعتصر الأردنيين والأردنيات وفتح أفق سياسي لا رجعة عنه، على طريق الإصلاح والتحديث والتحول الديمقراطي.
يبقى أن نجاح الهيئة المستقلة في إدارة انتخابات نزيهة وشفافة، أقله في حدود ولايتها، نجاح يمكن البناء عليه، ليظل المطلوب تفعيل مبدأ "حياد الدولة" ووقوفها على مسافة واحدة من مختلف الأحزاب، والتوقف عن ممارسة "لعبة الهندسات"، الحزبية أو الانتخابية، فأحد دروس الانتخابات الأخيرة، أن الكيمياء أقوى من الهندسة، كيمياء العلاقة بين الحزب وناخبيه أقوى بكثير من أي "هندسات" أو عمليات إنزال جوي، بالقفز الحر كانت أم بالبراشوت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حزب جبهة العمل الإسلامی الحرکة الإسلامیة فی الانتخابات فی انتخابات انتخابات 2024 أحزاب ا
إقرأ أيضاً:
دعوها فإنها مأمورة
القاضي/ علي يحيى عبدالمغني
لا يخفي الغرب دهشته وإعجابه بالمستوى الذي وصلت إليه حركة أنصار الله، وكيف استطاعت هذه الحركة التي تأسست في قرية يمنية صغيرة وبجهود فردية قبل عقدين من الزمن تقريباً أن تتوسع وتنتشر في اليمن عموماً بهذه السرعة، وكيف تبخرت تلك الأحزاب والجماعات التي وقفت بوجه هذه الحركة التي لا تمتلك شيئاً يذكر مما تمتلكه تلك الأحزاب والجماعات التي تأسست في اليمن منتصف القرن الماضي تقريباً، لم تتصور هذه الأحزاب والجماعات التي تنافست على السلطة وتقاسمت الثروة وشكلت إمبراطوريات اقتصادية وإعلامية أن نهايتها ستكون على يد هذه الحركة التي ظهرت في شمال الشمال تلعن اليهود وتنادي بالموت لأمريكا وإسرائيل وتدعو بالنصر للإسلام، وهي لا تمتلك حزباً سياسيًّا ولا قائداً عسكريًّا ولا وسيلة إعلامية ولا مؤسسة اقتصادية ولا يعرفها الكثير من أبناء الشعب اليمني، هذه هي إرادة الله سبحانه وتعالى، ومن يتابع تاريخ حركة أنصار الله متى ظهرت وكيف نشأت وتطورت سيزداد إيماناً بوجود الله عز وجل، وأنه من بيده الأمر كله.
كان الفرس في تنافس مع الرومان حينما ظهرت الدعوة المحمدية في الجزيرة العربية، وكانت كلّ إمبراطورية تعد نفسها لمواجهة الأخرى ولم تكن أي منهما تتوقع أن زوالها سيكون من قبل هذه الدعوة التي أسسها طفل يتيم في مكة، لم تكن أي منهما تتوقع أن تخرج هذه الدعوة من حدود مكة وقد جندوا زعماء قريش لمواجهتها، إلا أنها انتصرت وتوسعت وانتشرت على أيدي اليمنيين وظهر أمر الله وهم كارهون، هذا باختصار هو تاريخ حركة أنصار الله التي أسسها ابن رسول الله الحسين بن بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه؛ ففي ظل تنافس الروس مع الأمريكان للسيطرة على العالم ظهرت هذه الحركة في بادية من البوادي اليمنية، فحينما كانت كلّ إمبراطورية تعد نفسها لمواجهة الأخرى بدأت هذه الحركة تتوسع، ولم تكن أي من الإمبراطوريتين تتوقع أن هذه الحركة ستخرج من حدود صعدة لا سيَّما وقد جندت عملاءها وأدواتها في اليمن والمنطقة لمواجهتها والقضاء عليها، إلا أنها انتصرت وتوسعت وانتشرت وأصبحت قوة إقليمية، وفي مواجهة مباشرة مع الإمبراطورية الأمريكية وستنتصر عليها، لأنها تمتلك ما كانت تمتلكه الدعوة المحمدية، وهو الإيمان الراسخ بالله عز وجل والثقة بنصره.
هذه الحركة انطلقت من القرآن الكريم لذلك فهي لا تحسب حساباً إلا لله سبحانه وتعالى، ولا تخشى قوة إلا قوة الله؛ فحينما وصف رئيس النظام السابق أمريكا العصا الغليظة وصفها الشهيد القائد -رضوان الله عليه- بالقشة، وحينما قال رئيس النظام السابق بأن عليه ضغوطات من أمريكا أجاب عليه الشهيد القائد بقوله “ونحن علينا ضغوطات من الله عز وجل”، هذا الإيمان هو من جعل حركة أنصار الله تقف في وجه النظام السابق وتقاوم عشرات الألوية والمعسكرات التي حاصراتها من كلّ جانب، وتصبر على القصف والحصار والجوع والعطش حتى انتصرت، هذا الإيمان هو من جعل هذه الحركة تقف بداية الأمر بمفردها في وجه التحالف الدولي للعدوان على اليمن لعشر سنوات، هذا الإيمان وهذه التضحيات هو من جعل الشعب اليمني يلتف حول هذه الحركة الوطنية الصادقة المخلصة للدفاع عن الوطن، هذا الايمان وهذا الشعب هو من جعل القيادة الثورية والسياسية تتخذ قراراً تاريخيًّا عجزت عن اتخاذه كافة الدول العربية والإسلامية وهو الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة وأغلق البحار في وجه المعتدين عليه واستهداف أساطيلهم وبوارجهم جهاراً نهاراً أمام العالم.
من دفع الشعب اليمني لاتخاذ هذا الموقف الذي حير العالم هو القرآن الكريم والثقة بالله عز وجل، فهذه الحركة لا تحسب لأمريكا أو غيرها أي حساب؛ بل إن هذه الحركة اعتبرت أمريكا وإسرائيل عدوها الوحيد منذ اليوم الأول لانطلاقتها، وتعتبر أن الحروب السابقة التي خاضتها ما هي إلا إعداد وتأهيل إلهي لهذا الشعب لخوض هذه المعركة التي انتظرها طويلاً، لا يوجد لأي حزب من الأحزاب ولا لطائفة من الطوائف ولا لنظام من الأنظمة فضل على هذا الشعب وهذه الحركة فيما وصلت إليه من القوة والعزة والتمكين وإنما الفضل لله وحده، لا تمنع هذه الحركة ولا تحمل في فكرها وعقيدتها ما يمكن أن يمنع أي حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات أو طائفة من الطوائف من الانتماء إليها وهذا ما جعلها تتوسع يوماً بعد يوم حتى باتت شعاراتها في بعض البلدان العربية والإسلامية، لذلك نقول للأعراب والمنافقين دعوا هذا الشعب وهذه الحركة فإنها مأمورة من رب العالمين، واتعظوا بما جرى لكم من قبل وبمن سبقكم في مواجهتها، ودعوها تكمل مسارها لتعيد للأمة عزتها ومكانتها وتستعيد أرضها ومقدساتها وهي إلى النصر أقرب من أي وقت مضى .
* أمين عام مجلس الشورى