من الاستيطان إلى خطة الحسم هكذا فرغت إسرائيل أوسلو من مضمونها
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
القدس المحتلة – وظفت حكومات إسرائيل المتعاقبة اتفاقية أوسلو من أجل توسيع المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفرض وقائع على الأرض تحول دون تطبيق حل الدولتين عبر الوصول إلى خطة الحسم، بفرض سيادة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وضمها لنفوذ إسرائيل.
وأجمعت قراءات بعض المحللين على أن إجراءات وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تناغمت فيما بينها في كل ما يتعلق بالتحلل التدريجي من اتفاقية أوسلو وتفريغها من مضمونها، وعدم الالتزام بملاحقها إلا بما يتناسب مع المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية.
وهناك من المحللين من يعتقد أن اتفاقية الخليل المعقدة والشائكة كانت بمثابة المسمار الأخير من وجهة نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين في اتفاقية أوسلو، التي يعتبرها الجمهور الإسرائيلي كارثية.
ووفقا لقراءات المحللين وتقديرات مراكز الأبحاث في تل أبيب، فإن حكومات إسرائيل أبقت على اتفاقية أوسلو عالقة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وبالمقابل اعتمدت إجراءات مختلفة وفرضت وقائع على الأرض تحول دون إقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية ضمن حدود الرابع من يوينو/حزيران 1967.
رافق هذه الإجراءات من قبل مختلف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وفق المحلل السياسي عكيفا إلدار، "حملة منظمة لشيطنة اتفاقية أوسلو بأوساط المجتمع الإسرائيلي، الذي تعززت لديه القناعة بأن هذه الاتفاقيات كارثية وأسوأ ما جلبه اليسار الصهيوني على اليهود، وهو ما بات خطابا رائجا لمعسكر اليمين الذي ما زال يروج أن اتفاقية أوسلو بديل أثبت فشله".
ويضيف إلدار للجزيرة نت أن "حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ أيام حكومة نتنياهو الأولى حتى حكومته الحالية منعت أي إجراءات وتعمدت عرقلة وإحباط أي خطوات من شأنها المضي قدما نحو تطبيق اتفاقية أوسلو بحذافيرها، ونتنياهو الذي وقع على اتفاقية الخليل مع الراحل ياسر عرفات، اختار نسف الاتفاقية وترحيل الصراع".
وإزاء هذه الإجراءات والوقائع الميدانية، يعتقد إلدار أن اتفاقية أوسلو باتت كالمنجل عالقة في حنجرة إسرائيل، إذ إن السياسات الإسرائيلية أفضت إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وأوصلتها إلى شفا الانهيار.
خطة الحسم
وأمام حالة الضعف التي تعيشها السلطة الفلسطينية بسبب سياسات حكومات إسرائيل والتصعيد، يقول المحلل السياسي ذاته، تحولت خطة الحسم التي وضعها رئيس "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش في عام 2017 إلى برنامج عمل لحكومة نتنياهو في 2023، وذلك من خلال الحرب على غزة واعتداءات المستوطنين بالضفة والتي ترافق العلميات العسكرية للجيش.
وأوضح المحلل السياسي أن خطة الحسم التي تأتي تتويجا لتوسيع المشروع الاستيطاني بالضفة، تعدّ القول الفصل في كل ما يتعلق باتفاقية أوسلو، التي باتت في عداد الماضي من وجهة نظر معسكر اليمين والنخب السياسية الإسرائيلية والأحزاب اليهودية من مختلف التيارات والمعسكرات التي يغيب عن برامجها الانتخابية حلّ الدولتين.
ولفت إلدار إلى أنه عند التوقيع على اتفاقية أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993، كان تعداد المستوطنين بالضفة 150 ألفا، واليوم بعد 31 عاما على توقيع الاتفاق الذي كان من المفروض أن ينهي الصراع ويؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، يقترب تعدادهم من المليون، وهذا الواقع يحول دون تطبيق الاتفاقيات أو إقامة أي كيان مدني للفلسطينيين.
ويتفق المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير مع طرح المحلل السياسي إلدار، ويؤكد أن المشروع الاستيطاني وتوسعه المتدرج كان سببا أساسيا في نسف اتفاقية أوسلو من قبل حكومات إسرائيل، والتي فرضت وقائع على الأرض بالضفة والقدس الشرقية.
وأشار آدم كلير إلى أن الوقائع والإجراءات تلخصت في توسيع المشروع الاستيطاني، الذي يضم بعد 31 عاما على توقيع اتفاقية أوسلو 146 مستوطنة و155 بؤرة استيطانية و60 مزرعة استيطانية في الضفة والقدس الشرقية.
كان من المفترض أن تنتهي اتفاقية أوسلو، كما يقول كلير للجزيرة نت، "في عام 1999 باتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة فلسطينية ذات سيادة. إذ نصت الاتفاقية على أن القضايا الأساسية المتعلقة بالمستوطنات والقدس والحدود سيتم تحديدها في المفاوضات، لكنها منعت إنشاء مستوطنات جديدة أو تغيير الواقع على الأرض".
وفي الممارسة العملية، ورغم المحظورات، يضيف كلير "ازدهر المشروع الاستيطاني، ويعود الفضل بشكل رئيسي إلى 5 عوامل مختلفة: توسيع المستوطنات القائمة، وإنشاء مئات البؤر الاستيطانية، ومزارع الراعي، وبناء آلاف الكيلومترات من الطرق الالتفافية، وجذب اليهود الحريديم إلى المستوطنات، وإنشاء المستوطنات داخل الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية".
المصالح الإستراتيجية
في قراءة للسياسات التي اعتمدتها حكومات إسرائيل لتفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها، قال الصحفي الإسرائيلي المختص في الشؤون العربية والفلسطينية يوآف شطيرن إن تل أبيب اعتمدت نهج الازدواجية في المعايير في كل ما يتعلق بتطبيق الاتفاقيات أو التحلل من بنودها وملاحقها بما يتلاءم ومصالحها الإستراتيجية.
وأشار شطيرن، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن ما مكّن حكومات إسرائيل من المضي قدما في تفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها هو انعدام وجود البدائل، إذ لم يطرح أي تيار سياسي إسرائيلي أي بديل عملي قابل للتطبيق على أرض الواقع من أجل إنهاء وتسوية الصراع مع الفلسطينيين.
وأوضح أن جوهر اتفاقية أوسلو ارتكز على مبدأ التعاون والتنسيق والثقة المتبادلة بين الجانبين، وهو المبدأ الذي بقي رائجا لسنوات طويلة، الأمر الذي عكس ازدواجية المعايير من الجانب الإسرائيلي الذي تمسك بالتفاهمات الأولية التي تنص على التعاون والتنسيق وتحلل من كافة المراحل والإجراءات والخطوات لتطبيق الاتفاق، مما ساهم في تراجع الرؤية المتعلقة بالثقة المتبادلة.
واستعرض شطيرن الإجراءات التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية مع الإبقاء عليها في سياق التنسيق الأمني، مقابل توسيع المشروع الاستيطاني وتأسيس دولة المستوطنين في الضفة على حساب الفلسطينيين.
ولفت الكاتب الإسرائيلي إلى أنه حتى الإجراءات التي قامت بها حكومة إسرائيل والمشتقة من جوهر اتفاقية أوسلو، مثل إعادة الانسحاب من قطاع غزة أو إخلاء المستوطنات من شمالي الضفة، هي إجراءات أحادية الجانب ولم تنسق مع السلطة الفلسطينية ونفذت في حينه لمصالح إسرائيلية.
وذكر شطيرن أن سياسات حكومات إسرائيل وتعمدها تفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها أفضت إلى حالة عدم الاستقرار واحتدام الصراع.
وتوقع الكاتب الإسرائيلي أن تكون المرحلة المقبلة دموية أكثر، قائلا "لم نصل إلى القاع بكل ما يتعلق بانعدام الاستقرار، وسنشهد المزيد من سفك الدماء، خصوصا وأن إسرائيل ليس لديها بدائل للتسوية وستواصل تنفيذ السياسات ذاتها ما لم تُفرض عليها الحلول من جهات إقليمية ودولية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السلطة الفلسطینیة اتفاقیة أوسلو من المحلل السیاسی حکومات إسرائیل الضفة الغربیة على الأرض ما یتعلق إلى أن
إقرأ أيضاً:
الاستيطان الاسرائيلي يستهدف البدو الفلسطينيين في مزارع الرعي بالضفة
نشر موقع "زمان إسرائيل" العبري، مقالا، للمراسلة نوريت يوحنان، جاء فيه أنه: "ما زال الفلسطينيون بالضفة الغربية يواجهون الأمرّين من جرائم المستوطنين، وتستّر جيش الاحتلال عليهم، وآخرها تهجير أكثر من ألف من سكان المجتمعات خلال عام ونصف من الحرب على غزة، عبر حملات سرقة وعنف ينفذها المستوطنون، ويتجاهلها الجيش، أو يتعاون معها".
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي تواصل "تمويل البؤر الاستيطانية التي تشكل مصدرا للعنف، وتُخطط لتخصيص المزيد من الأراضي في المنطقة للمستوطنين".
وأوضح: "يواجه الفلسطينيون مزيجًا من المضايقات المستمرة من قبل الجيش وعنف المستوطنين، والتهديدات اليومية، والأضرار الاقتصادية الجسيمة، ما أجبر مئات العائلات على مغادرة أراضيهم التي كانت موطنهم عقودا عديدة، وأدى لإخلائهم قسرًا".
وأضاف أنّ: "التجمعات البدوية الفلسطينية عاشت في هذه المناطق عقودا طويلة، بعد أن تم طردهم بالأساس من النقب خلال حرب النكبة 1948، واستقروا لاحقًا بالضفة الغربية، وبعضهم يسكنها حتى قبل هذا التاريخ، وينتشرون ضمن شبكات عائلية ممتدة من جبال الخليل في الجنوب، إلى طوباس في الشمال، وغور الأردن في الشرق، ويعيش البعض على أراضٍ فلسطينية خاصة مستأجرة، بينما يمتلك آخرون الأرض التي يعيشون عليها".
وأوضح: "أبرز المناطق المتضررة من عنف المستوطنين شريط مساحته مائة ألف دونم بين رام الله وأريحا، حتى عام 2022 عاشت هناك سبع تجمعات بدوية، يبلغ عدد سكانها ألف نسمة، أما اليوم، فلم يتبق سوى تجمع واحد، المعراجات، مع أربعين عائلة فقط".
"بدت عشرات المنازل والخيام وحظائر الأغنام مهجورة بعد هجمات المستوطنين الكبيرة، وبعد أيام قليلة من هجوم حماس في السابع من أكتوبر واندلاع الحرب، دخل مستوطنون مسلحون تجمع وادي السك، وأمروا الفلسطينيين بالمغادرة، وأطلقوا النار في الهواء بوجود الجيش" وفقا للتقرير نفسه.
وأشار إلى أنه: "خلال الحادثة، أقدم المستوطنون والجنود على ضرب ثلاثة فلسطينيين، وجرّدوهم من ملابسهم، وصوّروهم بملابسهم الداخلية، وبعد الحرب لم يعودوا يسمحوا للبدو بالخروج مع قطعانهم للرعي، وبدأوا بفعل ما يحلو لهم، بات الوضع مرعبًا، الأطفال خائفون، وهي ذاتها الطريقة التي هُجّروا بها من النقب عام 1948، وحين عادوا بعد أيام لجمع ممتلكاتهم، فوجئوا بأن كل شيء اختفى، لم يجدوا شيئًا، كل شيء كان مُحطّمًا ومحترقًا".
وأبرز أنّ: "هؤلاء البدو انتقلوا للعيش في بلدة عرعرة على بُعد بضع كيلومترات قرب قرية رامون، لكنه الإدارة المدنية أخبرتهم بعدم السماح لهم بالبقاء هناك، والآن لا يعرفون أين يذهبون، يرون المكان الذي عاشوا فيه، لكنهم لا يستطيعون الوصول إليه، وإذا فعلوا، فسيموتون، بسبب المستوطنين".
وفي السياق ذاته، استشهدت المراسلة، بقصة الفلسطيني، محمد كعابنة، أحد سكان وادي السيق السابقين، بالقول: "يعيش حاليًا في خيمة قرب قرية طيبة بين أشجار الزيتون، يُربي قطيع أغنامه في حظائر بسبب قلة المراعي، ووضعه المالي صعب للغاية، وبعد أن كان ينفق عشرة آلاف شيكل شهريًا على علف المواشي".
واسترسلت: "الآن ينفق ثلاثين وأربعين ألف شيكل، وبعد أن كان لديه مائة رأس من الأغنام، فقد تبقى لديه ثلاثون فقط، لأنه اضطر لبيع معظمها، ومات بعضها جوعًا، وبعد أن كان يكسب رزقه من رعي الأغنام والماعز وبيعها للحوم، فإنه اليوم غارق في الديون، ويكافح من أجل البقاء".
وأضافت بأن "العديد من البدو النازحين يؤكدون أنهم أُجبروا على التخلي تمامًا عن أسلوب حياتهم التقليدي المعتمد على تربية الحيوانات وبيعها للحوم، ولكن بسبب عدم القدرة على الوصول للمراعي، باع بعضهم قطعانهم، وانتقلوا إلى المطقة "أ"، ما أدى لتدمير عقود من حياة الرعي في المنطقة "ج"، وقد تؤدي قرارات جديدة للإدارة المدنية لمزيد من تآكل أراضي الرعي الخاصة بالبدو".
وكشفت أنّ: "مفوض الأملاك الحكومية المهجورة وافق على منح تصاريح رعي مؤقتة على أراضي الدولة لجهات خاصة لم تُحدد هويتها، وهي أول خطوة من نوعها في الضفة، مع أن جميع المناطق الست المخصصة تقع بجوار بؤر استيطانية، بما فيها رأس عين العوجا، حيث يعيش 1500 بدوي".
وأشار المقال: "وافق على هذه السياسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بصفته الإضافية وزيرًا بوزارة الحرب، وأثارت هذه السياسة مخاوف البدو، الذين يخشون تخصيص الأرض للمستوطنين، وفقدان حق الوصول إليها".
وكان الباحث الحقوقي، جوناثان كنونيتش، قد أصدر كتاب "مجتمعات مُهجّرة.. أناس منسيون"، وصف فيه "ظاهرة تهجير البدو بالتزامن مع زيادة حادة في النشاط الاستيطاني، لأنه بين 2019 و2024، أُنشئت 11 بؤرة استيطانية حول التجمعات البدوية، وتلقت تمويلًا من الدولة، أو جهات تدعمها، بما في ذلك المنظمة الصهيونية العالمية والوزارات الحكومية".
وكشفت منظمتا "السلام الآن" و"كيرم نافوت" المعنيتان بمراقبة الاستيطان، عن إنشاء سبعين مزرعة جديدة للبؤر الاستيطانية خلال العامين الماضيين، ليصل عددها الإجمالي في كل الضفة 140 مزرعة، مع تمويل حكومي قدره ثمانين مليون شيكل".