سينما تكشف مافيا صناعة الداء إلى احتكار الدواء
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
تجارة الأدوية واحتكارها تسيطر عليها مافيا كبيرة... فى الشهور الأخيرة دخلت مصر عش الدبابير فى محاولة لترسيخ صناعة الأدوية وتوطينها فى مصر، وهى بذلك دخلت حربا شرسة، ظهرت آثارها إما فى صعوبة الحصول على المواد الفعالة لصناعة الدواء، أو مع مافيا احتكار الأدوية واخفائها وتهريبها للخارج... شركات الأدوية العملاقة فى العالم تخلق الأوبئة التى تحصد أرواح الآلاف من البشر تعمل بنفس تكنيك شركات الأسلحة التى تخلق الحروب فى العالم لتبيع السلاح.
ففى (مسكن للألم) نكتشف كل شىء الخطوط الفاصلة بين الخيال والواقع. ويتناول بالتفصيل القصة المروعة لكيفية تسبب شركة الأدوية، بيرديو فارما، فى انتشار وباء المواد الأفيونية.. إنها قصة كلاسيكية عن الأرباح على حساب الأخلاق.
وفيلم (آثار جانبية) للمخرج الكبير ستيفن سودربيرج، أشار بوضوح لما يحدث للبشر نتاج التداعيات النفسية والعقلية والصحية لضحايا شركات الأدوية الكبرى ودخل فى مواجهة مع شركات صناعة الأدوية والتجارب التى تقوم بها من خلال فيلمه (آثار جانبية). حيث تعتمد شركات الأدوية على مناطق الأوبئة المنتشرة بين السكان لتحصد أرباحها ولا توجد شركة دوائية تكون فى سلم أولوياتها شفاء المرضى أو علاجهم بل ينصب اهتمامها على خلق وابتكار أمراض جديدة. وتتركز قصة الفيلم حول الاستخدام اليومى لعدد من الأدوية وآثارها الجانبية على حياة زوجين من الطبقة الوسطى يبدأ الفيلم بزيارة ايميلى لزوجها فى السجن الذى قضى أربع سنوات بعد خسارته فى تعاملات بورصة وول ستريت لتجد الزوجة نفسها فى ورطة من الاكتئاب السريرى، إذ تحاول الانتحار دون جدوى على اثر ذلك يفلح فى استدعاء طبيب نفسى بريطانى لرعايتها. وتبدأ فى الخضوع لعلاج نفسى تتناول فيه عقارا مهدئا يقلل من أعراض الاكتئاب المسيطرة عليها. غادر د. بنكوس بريطانيا لأسباب عدة منها وجود شركات عملاقة لصناعة الأدوية فى أمريكا وسعيه للثراء حيث يعثر على الطبيبة الجميلة «فيكتورى سيبرت» التى جسدت دورها الممثلة (كاثرين زيتا جونز)، ليجد فيها حليفا له لتحقيق اهدافه، ولنعرف أن العقار الذى تتناوله البطلة طرح حديثا فى الأسواق ولم يتم التأكد من آثاره الجانبية بعد، ثم يبدأ هذا العقار بالنيل من إيميلى، فتقوم بقتل زوجها وهى تحت تأثير العقار النفسى الذى يغيبها عن الوعي، وبعد تناولها لعدد من الأدوية التقليدية يقوم بانكوس بإقناعها بأنه يوفر لها أحدث الأدوية وأفضلها. وتتحسن صحة ايملى تدريجيا وتشعر بالسعادة ثانية، فتتحمس لذلك وتمارس حياتها بصورة اعتيادية. وسرعان ما تظهر آثار جانبية – يقف فى طليعتها القلق والأرق وتعتاد على أنماط وعادات جديدة وغريبة فى النوم.
وفى فيلم أنا أسطورة (I Am Legend) من إخراج فرانسيس لورانس وبطولة ويل سميث، مأخوذ عن رواية المؤلف الأمريكى ريتشارد ماثيسون أنا أسطورة وهو ثالث فيلم يتناول هذه الرواية بعد الفيلمين آخر رجل على الأرض عام 1964 وفيلم أوميجا مان عام 1971. ويلعب ويل سميث دور روبرت نيفيل الخبير فى علم الفيروسات الذى يبقى وحيدا على قيد الحياة فى المدينة بعد إصابة الجميع بفيروس جعلهم يتحولون إلى مسوخ بشرية لا يعيشون إلا فى الأماكن المظلمة ويحاول سميث من خلال الفيلم أن يكتشف علاجا للمرض من أجل إنقاذ البشرية. وبعد انتشار الفيروس القاتل عام 2009 أصبح إخصائى الفيروسات روبرت نيفيل هو الوحيد غير المصاب بالفيروس الموجود فى مدينة نيويورك وربما فى العالم كله. ومع حلول عام 2012 اكتشف روبرت نيفيل من خلال برامج إخبارية ووثائقية قديمة أن الفيروس القاتل تم إنتاجه من التعديل فى الخصائص الوراثية لفيروس الحصبة من أجل استخدامه فى علاج السرطان ولكنه أدى فى الواقع إلى نتائج كارثية حيث توفى 90٪ من سكان العالم فى نهاية العام نتيجة الإصابة بهذا الفيروس وأصيب 9٪ من الباقين ولكنهم لم يموتوا ثم تدهورت حالتهم إلى أن أصبحوا لا يستطيعون التعرض لأشعة الشمس مما أجبرهم على الاختباء فى الأماكن المظلمة أثناء النهار، أما الـ1٪ الباقي فهم من النادرين الذين يمتلكون مناعة ضد هذا الفيروس فقد تعرض معظمهم للصيد والقتل على يد المسوخ البشرية وأقدم البعض على الانتحار نتيجة العزلة التى عانوا منها، مما جعل روبرت نيفيل يظن أنه الوحيد الباقى على قيد الحياة. ويقضى روبرت نيفيل أيامه بعد انتشار الفيروس فى محاولات لإيجاد علاج للوباء ورحلات للصيد ولجلب الطعام والمؤن، الذهاب إلى الشارع جنوب الميناء وإرسال رسائل لاسلكية على مختلف الموجات من أجل البحث عن ناجين آخرين.
وفى بعد 28 يوما (28 Days Later) الفيلم البريطانى من نوع الرعب والخيال العلمى من إخراج دانى بويل سنة 2002. المؤلف هو أليكس جارلاند والفيلم من بطولة سيليان ميرفى ونعومى هاريس وبريندان غليسون وميغان برنز وكريستوفر إكسليستون. يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحى قصير، حيث نرى حيوانات من نوع قردة الشمبانزى محتبسة داخل أقفاص وموضوعة أمام شاشات تعرض لقطات لأحداث عنيفة مرعبة، وهذا لإجراء بحوث طبية عليها وفجأة يـقتحم المكان ناشـطون يدافعـون عن حقوق الحيوانات، فيقـومون بإطلاق سراح القردة من الأقفاص، لكن ما لا يعلمونه - وما يحذرهم منه عالم تواجد فى المكان - أن الحيوانات تلك تحمل فيروساً خطراً ينقل العدوى إلى الإنسان، فتهاجم القردة الناشطين وتبدأ عوارض غريبة بالظهور عليهم خلال مدة لا تزيد على نصف دقيقة.
بعـد 28 يوماً من تلك الحادثة، يستيقظ ساعى البريد جيم (سيليان ميرفى) من غيبوبته فى مستشفى قد تم هجره، فيغادر متجولاً بين الشوارع والمعابر، ليدرك بأن مدينة لندن بأكملها تخلو من أى حياة. يستمر جيم فى التجول والبحث حتى يفاجأ بأناس لوثهم الفيروس يقومون بمهاجمته، ولحسن حظه ينقذه اثنان من الناجين، مارك (نوا هنتلى) وسيلينا (نعـومى هاريس).. ثم يوضحان له ما يحدث. يعـرف جيم منهـما أن فيروساً انتشر فى شتى المـدن، وحول الناس إلى عديمى العـقل لا يسعـون سوى لقتل ومهاجمة جميع الكائنات الحية التى من حولهم، ويعلم أن الفيروس ينتقل عبر الدم، وتتم عملية التحول خلال حوالى 20 ثانية فقط. فيما بعد، يسافـر هؤلاء الناجون عبر المدينة حتى يكتشفوا ناجين آخرين، وهما والد يدعى فرانك (بريندن جليسون) وابنته هـانا (ميجان بيرنز)، اللذان يعيشان فى بناية مهجورة. يريهما فرانك إذاعة راديو مسجلة تم إرسالها من قبل جنود يقطنون فى مدينة مانشستر، وهم يدعون أنهم يملكون حلاً للقـضاء على التلوث، والقدرة على توفير الحماية للناجين. فينطلقون سوياً نحو موقع الجنود.. آملين النجاة ومكاناً آمناً يحميهم. الفيلم قـصته تأمـلية تبعث أفكاراً قوية وتحوى اهتماماً ببناء علاقات جيدة ومقبولة بين الشخصيات، وصنع بعـد درامى خلف المشاهد ضمن تطورات قصصية جيدة غير متوقعة، واهتماما مناسبا لأبعاد الشخصيات. ويطرح الفيلم أفـكاراً وتسـاؤلات عدة لدرجة يمكن وصفـه بدراسة خاصة للطبيعة البشرية، ويملك فى نفس الآن مقومات فنية أخرى جيدة، لا تتوافر بأفلام نوعه. إنه يعامل موضوعيته بحرفـية وجدية عالية، ويعـالجها بأساليب متميزة جداً تبتعد عن الصورة التقليدية المعهودة بأفلام الرعب والخيال ذات نفس توجهه القصصى.
الفيلم متأثر بالروايتين «أيام نبتة الترفد» و«رجل الأوميجـا»، حيث جمع من كلتا الروايتين بضعة أحداث وأفكار ليظهر من خلال مشهد فلاش باك أن زوجة روبرت نيفيل وابنته قد ماتتا فى حادثة تحطم طائرة -نتيجة الفوضى- أثناء نقلهم خارج المدينة قبل بداية الحجر الصحى على المدينة (قبل 3 أعوام). فيفكر روبرت أن يقوم باستخلاص علاج للفيروس من دمه حيث إنه من النادرين الذين يمتلكون مناعة ضد هذا المرض لذلك يقوم بإعداد فخ واصطياد امرأة مصابة من أجل إجراء الاختبارات عليها بعد أن اكتشف مكان تواجدهم فى أحد المبانى المهجورة. ويعود بها إلى مختبره الخاص الموجود داخل منزله، بينما كان يراقبه رجل مصاب آخر، يحاول روبرت علاج المرأة ولكنه يفشل وبعد خرجه من بيته فى إحدى الرحلات يتعرض روبرت لفخ مثل الذى صنعه للمرأة ويفقد الوعى ثم يستيقظ باقتراب حلول الظلام فيجاهد من أجل الهرب سريعا قبل حلول الظلام حتى لا يتعرض للهجوم من قبل المسوخ، وأثناء هروبه من المكان يتعرض روبرت للهجوم من كلاب مصابة بالفيروس فيقاتلهم بالتعاون مع الكلبة «سام» والتى تصاب إصابة بالغة إثر عراكها مع تلك الكلاب وعند عودته للمنزل يأخذ روبرت الكلبة «سام» ويتفقد إصابتها فيكتشف أنها قد أصيبت بالفيروس وتبدأ الكلبة بالهجوم عليه إلا أنه يتمكن من خنقها وهو يبكى نتيجة فقدانها، وبعد هذه الأحداث الصعبة يصاب روبرت بحالة نفسية سيئة نتيجة شعوره بالوحدة التامة بعد مقتل «سام» فيخرج بسيارته لقتال مجموعة من هؤلاء المسوخ لكنه يخسر أمامهم وأثناء هجومهم عليه تظهر امرأة سليمة لانقاذه تسمى «آنا» ومعها طفلها الصغير أتيا من ولاية ماريلاند بعد سماعهما لرسالته اللاسلكية ويقومان بتوصيله إلى المنزل ثم تقص «آنا» عليه كيفية نجاتها مع طفلها حتى الآن وتخبره بأنهم يجب أن يذهبوا إلى معسكر الناجين فى فيرمونت. ويتعرض منزل روبرت للهجوم من قبل المسوخ بعد أن عرفوا مكانه، يحاول روبرت إيقافهم ولكنه لا يستطيع لذا ينسحب نازلا إلى قبوه مع آنا وطفلها إلى أن يصلا لغرفة ذات زجاج مانع للصوت وضد الانكسار ومع فزعه وخوفا من أن يتم كسر زجاج من طرف المسوخ يكتشف أن المرأة التى حقنها بالدواء قد بدأت تتعافى وتظهر عليها آثار تعافٍ فيقوم بأخد عينة من دمها التى تحتوى على المصل ويقوم بإعطائها لـ«آنا» ويطلب منها أن تختبئ مع ابنها.
وفى فيلم أوميجا مان عام 1971 من إخراج بوريس ساجال وبطولة تشارلتون هيستون باعتباره أحد الناجين من وباء عالمى. كتبه جون ويليام كورينجتون وجويس كورينجتون، استنادًا إلى رواية 1954 «أنا أسطورة» للكاتب الأمريكى ريتشارد ماثيسون.
أما فيلم سبلايس (Splice)، فهو فيلم كندى يدور حول إدخال مادة البروتين لتكوين شكل إنسان على هيئة مسخ. يعمل العالمان كليف وإليسا فى مؤسسة للأبحاث الصيدلانية، ويحاولان خلط الحامض النووى للحيوانات المختلفة لعمل كائن جديد له مزايا جينية خاصة يمكن الاستفادة منها فى صناعة أدوية جديدة. ويتمكن العالمان من صناعة كائن هجين، ثم يحاولان خلط الحامض الخاص بآخر بشرى، حتى يتمكنا من تحسين وظائف الكائن الجديد. لكن لسوء حظهما تقرر إدارة المؤسسة إيقاف مشروعهما، ما يدفعهما نحو الاستمرار فى تجربتهما سرا حتى يتمكنا من صناعة كائنهم نص البشرى. وتنمو الكائنة بسرعة ليكتشفا تمتعها بذكاء كبير، ويطلقا عليها اسم درين، وبعد إغلاق معملهما يأخذان درين لمزرعة مهجورة، ويقومان بتربيتها كابنتهما، لكن عندما تصل درين لمرحلة البلوغ تسبب لهما فى مشكلات لم تخطر على بالهما.
أما فيلم صحوة كوكب القردة من خراج روبرت وايت وتجرى احداث قصة فيلم وايت فى سان فرانسيسكو فى وقتنا الراهن، وظاهرة كوكب القردة بدأت مع رواية بيير بولى عام 1936 والفيلم الذى انتج عام 1968 من بطولة تشارلتون هستون والذى امتد فى سلسلة افلام من اربعة اجزاء فضلا عن مسلسل تليفزيونى عام 1970 ورسوم متحركة.
وأفلام كوكب القردة لم تكن مجرد افلام عن قرود مدججين بالسلاح مع كثير من الخيال العلمى.. ولكن كما يقول ريج هاندلى مؤلف كتابى معجم كوكب القردة (2010) هذه الافلام «تبدو فى الظاهر انها عن القردة لكنها فى الواقع عن البشر»، «انهم يحملون مرايا امامنا – وثمة انعكاسان فى هذه المرآة إلا أن لا احدا منهما يبدو مغريا جدا». ونرى فى الفيلم الاول بشرا يختزلون إلى متوحشين لا عقول لهم، وقرودا ذكية تقلد حرفيا السلوك البشرى وتقوم بافعال سيئة مثلهم: فما زالوا يظهرون تعصبا ودوغمائية دينية وبارانويا عسكرية». ويقول هاندلى إن «كلا من البشر المتوحشين والقرود الذكية المتغطرسة هم فى الواقع انعكاس للاإنسانية الانسان»، مشيرا إلى أن السلسلة تستكشف قضايا أخرى أمثال البارانويا النووية والتطرف الدينى والقسوة الحيوانية. وفى فيلم صحوة كوكب القردة الذى يعتمد بحوث الجينات الوراثية والاختبارات التى تجرى على الحيوانات كقضية اساسية فى الفيلم، كما يبحث فى العلاقة بين الآباء والأبناء. ويؤدى الممثل جيمس فرانكو فى الفيلم دور ويل رودمان العالم الذى يبحث عن علاج لمرض الزهايمر، وينجم بحثه جزئيا من أن والده (يؤدى دوره الممثل جون ليثجو) كان مصابا بهذا المرض. وعندما يتم اغلاق المشروع يواصل رودمان العمل بتجاربه فى بيته على شمبانزى يؤدى دوره الممثل اندى سيركيس. وينتهى الأمر بهذا القرد ذى الذكاء العالى فى أن يجد لنفسه ملجأ خاصا وتتسارع الأحداث لتصبح الأمور خارج سيطرة الانسان.
Virus فيلم هندى (2019) استوحيت أحداثه من الواقع، إذ يحكى قصة فيروس نيباه (Nipah) الذى انتشر فى ولاية كيرلا فى جنوب غرب الهند، واستمر لمدة شهر، وحصد حياة ما يقرب من 20 شخصًا. الفيلم يقترب من الحالات المصابة والمتوفين أكثر من القرارات السياسية والهلع الإعلامى الذى تناولته أفلام أخرى.. كما يحكى كواليس حيوات المصابين وعلاقاتهم الإنسانية قبل الإصابة بالفيروس، كما يقترب من الأطباء والعاملين فى مجال الصحة العامة أثناء مواجهة هذا الفيروس. من التفاصيل المهمة التى تناولها الفيلم عملية التخلص من الجثث سواء من خلال الدفن فى الأرض أو الحرق، ومدى تأثير ذلك على انتشار الفيروس وأى طريقة أكثر أمانـًا بما لا يتعارض مع الثقافة الخاصة بطقوس ما بعد الموت. لم يغفل الفيلم سيناريو نظرية المؤامرة مثل كثير من الأعمال السينمائية، وقدم طرحًا يتعلق بالحروب البيولوجية إلا أن هذه النظرية واجهتها نظرية أخرى ترى أن البيئة تحتوى على الفيروسات والبكتيريا بشكل أوسع وأكبر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حنان أبوالضياء تجارة الأدوية الشهور الأخيرة دخلت مصر عش الدبابير صناعة الأدویة من خلال من أجل
إقرأ أيضاً:
ترامب وحلم السطوة
ظهر «ترامب» ملتحفا بحلم القوة الذى ظل يراوده منذ أن اعتلى سدة الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية. ومع فوزه بفترة ثانية تعمق الحلم وتعامل مع نفسه وكأنه القوة التى تهيمن على العالم وتفرض سطوتها على دوله. ولهذا خرج مؤخرا ليدعو إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم فى قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن. نسى «ترامب» نفسه وظن أن بإمكانه فرض ما يراه على الآخرين. نسى أن الدول التى اختارها هى دول مستقلة وذات سيادة، وبالتالى لا يمكن أن تكون تابعة له لكى يفرض عليها سطوته. ولعل ما أراده هو أن يخلى الأرض الفلسطينية من أجل إسرائيل الكيان الغاصب الذى يتماهى معه ويحاول بقدر الإمكان تحقيق كل تطلعاته، بل يذعن لنزواته.
نسى «ترامب» أن الفلسطينيين لا يريدون الرحيل عن أرضهم ووطنهم، وأنهم رفضوا التهجيرلأن أحلامهم تظل مرتبطة بأرض الوطن. غاب عن « ترامب» أن يشاهد الفيديوهات التى أظهرت عودة أهل غزة إلى شمالها وهم يقبلون أرض الوطن، فهم يأبون الرحيل عن أرضهم. واليوم نقول لو أنصف «ترامب» فعليه أن يلوذ بالصمت وينسحب من المشهد بعد أن منيت مغامراته بالهزيمة.
لربما أراد «ترامب» أن يتظاهر بالإنسانية فخرج يقترح نقل نحو مليون ونصف المليون من سكان غزة إلى كل من الأردن ومصر لتكون تلك الخطوة وفق تصوره مقدمة ضرورية نحو الحل الدائم والعادل. تظاهر «ترامب» بالإنسانية، وأنه حريص على أن يعيش سكان غزة فى منطقة أكثر أمانا واستقرارا. نسى أن الجانب الآخر من مقترحه سيؤدى فيما إذا تم تنفيذه إلى إفراغ قطاع غزة من أغلبية سكانه ليكون ساحة مباحة أمام إسرائيل، وبالتالى يمكنها وقتئذ إعادة احتلالها له وتحويله إلى بؤر استيطانية للمتطرفين الصهاينة الذين يتحينون الفرصة للسطو على الأرض الفلسطينية. بل إن الخطوة إذا تحققت ستكون مقدمة لتشجيع الصهاينة على تنفيذها فى الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن الذى لا يزال اليمين الإسرائيلى المتطرف ينظر له بوصفه الوطن البديل.
إن ما يقترحه «ترامب» هو نفسه مخطط التهجير الذى يحلم الكيان الصهيونى بتنفيذه لكى تؤول إليه الأرض الفلسطينية كاملة ويتم التخلص من الفلسطينيين بشكل كامل. لقد أسقط « ترامب» من اعتباره الأسس والثوابت الرئيسية والتى ترتكز على الالتزام بالقانون الدولى والمواثيق الإنسانية، والاعتبارات الأخلاقية والسياسية. لقد أراد «ترامب» بأطروحته تصفية القضية الفلسطينية بما يعنى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم عنوة ليتم ذلك تحت ذرائع واهية.
وحسنا ما فعلته مصر إذ شكلت حائط صد ضد التهجير سواء أكان قسرا أم طوعا. بل إن موقفها أماط اللثام عن المؤامرة التى رسمتها إسرائيل وشاركت الولايات المتحدة فى نسجها. فكان العدوان الإسرائيلى على غزة لكى يتم عبره استهداف الفلسطينيين بالتهجير، وهو مخطط جابهته مصر برفضها له بوصفه مشبوها لا يمكن تنفيذه لكونه يعنى عملية إحلال وتبديل يجرى بمقتضاها ترحيل الفلسطينيين من أرضهم ليتم ترسيخ الصهاينة فى الأرض الفلسطينية. ولقد عبرت مصر قيادة وشعبا عن رفض مخطط أمريكا الإجرامى الذى يحاول الزج بمصر فى مستنقع التهجير ليحملها آثامه. فمصر كانت وستظل حريصة على الفلسطينيين وعلى قضيتهم، وعلى أن ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة كاملة ويأتى فى صدارتها حق تقرير المصير، وحق إقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وذلك تحقيقا للأمن والاستقرار لجميع دول وشعوب المنطقة.