فضاءات الأسيرة المقدسية لمى أبو غوش الأكثر اتساعا
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
نحن إزاء تناول أحد التجليات المتنوعة لظاهرة الاعتقال، والتي تميزت بها الشعوب التي تعرضت للاحتلال، وتعرض أفرادها للسجن على خلفية طلب الحرية، وليس على خلفية جنائية كما يروج الاحتلال المرفوض.
وجدت الصحفية المقدسية لمى أبو غوش، التي اختبرت الاعتقال الفعلي في السجن، نفسها معتقلة في بيتها، فيما يطلق عليه الإقامة الجبرية.
اليوم الأول، والساعات ال 24، وكل ساعة 60 دقيقة، واليوم الثاني، الأسبوع، الشهر، أية حياة ستكون هنا في فضاء البيت الذي صار سجنا؟
هناك، في الشيخ جراح، في ذلك السهل الصغير الذي يتوسط تلال القدس الشمالية، الذي كان أحد الأحياء المقدسية التي تأسست خارج سور البلدة القديمة في القدس الجميلة، في نهاية القرن التاسع عشر؛ فقد ازدهر المكان من العصور القديمة قبل آلاف، منذ الكنعانيين واليبوسيين، لذلك استأنف العرب تجديدهم للمكان، ككل المدن والخرب والتلال الحضارية. في تاريخنا القريب قبل 9 قرون، كان المكان معسكراً للجنود، وفيه لربما مارس الطبيب حسام الدّين الجراح مهنته كمداو للجنود والأهالي الوافدين من القدس. ويمكن تأمل مظاهر العمران المملوكي من خلال المسجد الصغير الجميل هناك، بني ليلبي حاجة السكان بعددهم القليل. لقد تم تأسيس الحي حديثا عام 1865 وأصبح مقراً سكنياً لبعض العائلات المقدسية.
بيت لمى هو من بيوت متناثرة جميلة هناك، افتعل المستوطنون مشكلة قامت على نفي ملكية المقيمين المقدسيين هناك لبيوتهم بحجج غير قانونية، ما دفع الأهالي لمقاومة التهجير، لذلك كانت لمى الصحفية في هذا السياق المقاوم عن حق طبيعي ما دفع الاحتلال لاعتقالها، ومن ثم لاستئناف الاعتقال في البيت.
تاريخ قريب وبعيد يجتمعان هنا، جعل المكان مجالا للتأمل، وهكذا وجدت الصحفية لمى أبو غوش نفسها في هذا الفضاء المحدد للسعي نحو كسره والانعتاق منها؛ فكان الرسم أحد مجالات تجلي هذا الحال: الاعتقال في حيّز صغير، فحتى ولو كان الحيز هو البيت، فإن الاعتقال حتى في البيت صعبا.
تراقب أجهزة الاحتلال الصحفية من خلال القيد الالكتروني، تعدّ عليها الخطوات، لكن لم يكن سهلا اعتقال الروح، فكانت الألوان، وهكذا على مدار أشهر رسمت أبو غوش من الشيخ جراح عوالمها هناك في الاعتقال البيتي.
اختارت الصحفية عنوانا من جنس واقعها كامرأة وأمّ. "أم تحت الإقامة الجبرية"، لعله معرض فني لصحفية تجرب عالم الفن التشكيلي، كأن موهبتها كانت كامنة في النفس حتى جاءت لحظة التجلي الفني، ولادة فنانة.
عبرت الكاتبة-الفنانة عن حالها كمعتقلة من قبل الاحتلال، في سياق الأمومة، والسياق الاجتماعي التي تعتاد هذا الوضع، والأهم اعتقال النفس وحصرها وليس فقط الحصر الجسدي.
في لوحة ظهرت المعتقلة كأنها دمية ماريونيت يتحكم الاحتلال بها كمحرك مسرح العرائس، لربما تذكرت لمى مهرجان مسرح الطفل والماريونيت الذي تم على مدار سنوات في المسرح الوطني على بعد مئات الأمتار من بيتها.
كما ظهر الحصر في رسم انكماش الجسد في زنزانة، أكانت زنزانة الاعتقال الحقيقي الواقعي في معتقل "المسكوبية" أو الإقامة الجبرية في البيت. وقد نجحت فعلا في التعبير عن حالة الضغط الجسدي.
من الظاهر التي لفتتنا في اللوحات، تصوير إغلاق العينين والفم. إنها لوحات ناقدة للاحتلال ومقاومة له، حيث تكشف ما يفعله من التضييق على الحريات الإعلامية، وليس فقط حرية الحركة.
وتحت تأثير الحنين لطفولتها، راحت تستعيد لمى أبو غوش علاقتها القريبة مع مدينتها القدس، وكيف أنها تحلم بعبورها من خلال سلم، وأبدعت أيضا في رمزية السلم الموسيقى في لوحة أخرى، بإيحاء حول إمكانيات الفنون في كسر القيد الالكتروني وباقي القيود لكل الذين صاروا يحرمون من دخول القدس.
ثمة لوحة تعبر عن حالة ملتبسة ظهرت من خلال اللعب باللونين البرتقالي والأسود، كأنها تأملات حول جوهر معنى الحرية، وكيف أن الحال هنا هو أنه بالرغم من القيد الأسود، ثمة أمل قادم.
لقد فاجأتنا الفنانة والكاتبة بالتعبير عن خصوصيات المرأة الأسيرة، وكيف تعاني، من خلال رسمتين صادمتين يتعلقان بالمرأة.
تكررت تيمة القيد عبر أشكال مختلفة ورموز، حيث ظهر القيد بحلقاته المعدنية الثقيلة، في أسلوب ناظم للحالة النفسية التي وجدت لمى نفسها فيها؛ فهي معتقلة فعلا، وهي متحررة النفس والروح، فحتى لو لم حرمت من أن تخطو حول بيتها وفي شارع البيوت الجميل، وحتى لو لم يسمح لها بالتواصل الاجتماعي، فإنه استطاعت الانتصار على القيد حين راحت تتواصل مع روحها لتكتشف تفكيرها ومشاعرها، والبحث عن مجالات للتعبير عن شعور إرادة التحرر.
هي تجربة فنية، يمكن أن تستأنف لمى اختياراتها واختباراتها معا إنسانيا وفنيا. ولعلها أيضا ستفاجئنا قريبا بنصوص معتقلة كتبتها أثناء الاعتقال البيتي الذي تحررت منه مرتين، فقد تحررت منه وهي فيه، وتحررت منه فعليا، بعد انتهاء فترة السجن، ليكون الإفراج عنها ليس أهم من إفراجها عن نفسها، وسط سياق الإغلاق النفسي والاجتماعي الذي سعى لتحقيقه الاحتلال، لكنه مني بفشل ذريع؛ فهذه المعتقلة تحلق وهي في الفضاء المحصور، لا لتحرر نفسها فقط، بل لتحرر شعبها وأمتها، لتمنح الأمل عبر تجريب جمالي يعيش طويلا.
في مركز خليل السكاكيني الثقافي برام الله، ننتقل من لوحة إلى أخرى، وحين تجتاز اللوحة الواحدة والثلاثين اللوحة الأخيرة نكون فعلا قد عشنا تجربة الأسر الحقيقي والبيتي والافتراضي، كأننا إزاء سيرة بصرية معبرة عن أشهر الاعتقال. إنها سيرة مقترحة بادرت لها الكاتبة الصحفية، ربما لتخلق فضاءات ملونة داخل بيتها وداخل نفوسنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يزور المجر في تحد لمذكرة الاعتقال الدولية
يتوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المجر، الأربعاء المقبل، في أول زيارة إلى دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية منذ إصدارها مذكرة اعتقال دولية بحقه.
وقال مكتب نتنياهو، في بيان، إن رئيس الوزراء سيسافر إلى بودابست، حيث سيلتقي نظيره المجري فيكتور أوربان، في زيارة تستغرق 5 ايام، ليعود الأحد المقبل إلى تل أبيب.
وستكون هذه أول مرة يزور فيها نتنياهو دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، مما يعني أنها مُلزَمة نظريا بتنفيذ مذكرة الاعتقال بحقه، وفق صحيفة "يسرائيل هيوم".
وأضافت الصحيفة أن المجر كانت من أوائل الدول التي أعلنت أنها لن تمتثل لمذكرة الاعتقال، وتبعتها لاحقا دول أخرى مثل فرنسا.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وجّه رئيس الوزراء المجري دعوة رسمية إلى نتنياهو لزيارة بودابست، عبر خلالها عن صدمته من القرار "المخزي" للمحكمة الجنائية الدولية، في إشارة لمذكرة الاعتقال.
وأضاف أن المجر تدين بشدة هذا القرار الذي لا يؤثر بأي شكل على التحالف والصداقة المجرية-الإسرائيلية، على حد قوله.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة (مقرها لاهاي) مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت (2022–2024)؛ بتهمتي ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين في غزة.
إعلانوتعني هذه المذكرة أنه يمكن اعتقال نتنياهو إذا سافر إلى أي من الدول الـ120 الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
وفي 18 مارس/ آذار الجاري استأنفت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية بغزة، وقتلت حتى اليوم الأحد نحو 950 فلسطينيا وأصابت 2054 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة بالقطاع.
وفي 1 مارس انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية وقطرية ودعم أمريكي.
ورغم التزام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بجميع بنود الاتفاق، رفض نتنياهو المضي قدما في المرحلة الثانية، واستأنف الإبادة في غزة، استجابة لضغوط الجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمينية.
وإجمالا أسفرت الإبادة الإسرائيلية بدعم أميركي مطلق، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عن أكثر من 164 ألف شهيد وجريح فلسطيني في غزة، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وتحاصر إسرائيل غزة للعام الـ18، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ودخل القطاع أولى مراحل المجاعة، جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.