انجوا بحياتكم، الفيضان قادم.. هل أتاكم حديث كارثة طاطا المغربية؟
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
مراكش- "اهربوا بسرعة، اخرجوا إلى أعالي الجبل، انجوا بحياتكم"، كان ذلك هو آخر تحذير وصل إلى أهالي دوار أوكرضا إسموغن بجماعة تمنارت بإقليم طاطا (نحو 550 كيلومترا جنوبي مراكش)، قبل أن تقع الكارثة المدمرة.
تلك الوديان الصغيرة التي تعيش جفافا منذ سنوات طويلة، سرعان ما شربت من مياه الأمطار الطوفانية التي ضربت المنطقة خلال ساعات قليلة يوم السبت، وامتلأت عن آخرها بشكل غير مسبوق، فجاست خلال الديار.
تفجرت الشلالات الجارفة من بين فجاج الجبال، وحملت السيول كل ما وجدته في طريقها من أحجار ضخمة وأشجار، وتجمعت في مجرى الوادي الكبير، وتقدمت لا يحبسها حابس، بحيث تجاوزت الحد الذي شهده الشيوخ الكبار في أعوام مضت، وكانوا يروون تفاصيله المرعبة للأجيال اللاحقة.
لكن لا أحد من أولئك الشيوخ، أو غيرهم، كان يظن أن هذا السيل القادم سيكون الأقسى والأكثر تدميرا في تاريخ المنطقة، بحيث لم يشهد له مثيلا.
لذلك عندما وصل تحذير ساكنة دوار أكجكال -الذين يمر السيل الجارف أمام أعينهم- لمعارفهم في الدوار القريب أوكرضا إسموغن، ظن الأهالي في الدوار المنكوب أنه مجرد سيل قد يكون قويا، لكنه ليس بتلك الخطورة، فلجؤوا إلى بيوتهم الإسمنتية في انتظار أن يمر، وربما يصعدون إلى أسطح منازلهم، ويلتقطون له صورا يرسلونها لأحبابهم.
لكن مستوى المياه الغاضبة العنيفة كان مرتفعا جدا، ولم تبق ضمن ما عهده الأهالي، بل وصل إلى علو نحو 40 مترا كما أكد لنا في اتصالات هاتفية أكثر من مصدر من عين المكان، وصاحب ذلك هبوب رياح قوية كانت قد حذرت منها هيئة الأرصاد الجوية المغربية، مما زاد الوضع سوءا.
خلال ثوان قليلة، أصبح دوار أوكرضا إسموغن معزولا، من دون كهرباء ومن دون اتصالات، فانفردت المياه الجارفة بالبيوت الإسمنتية وأصحابها فانقضت عليهم، وجرفتهم معها بحيث أصبحوا مجرد أثر بعد عين.
فرق الوقاية المدنية والجيش بذلت جهودا كبيرة للبحث عن الضحايا (مواقع التواصل) تعايش مرعبفي العديد من المناطق الجبلية المغربية، وخاصة تلك التي توجد جنوبي مدينة مراكش، مثل الحوز وتارودانت وطاطا، اعتاد الأهالي على بناء منازلهم على جنبات الوادي، حيث يتركون المنطقة السفلى للوادي الذي قد يعود إلى طريقه في أي يوم مطير.
فيما يصعدون هم إلى الأعلى لبناء مساكنهم معتقدين أنها معادلة تعايش عادلة تضمن للوادي خلو طريقه من البشر، فيما يضمن لهم هو مروره بسلام في طريقه المنخفض، دون أن يجرف معه فلذات أكبادهم أو ممتلكاتهم في الأعلى.
لكن "الوادي لا ينسى طريقه ولو بعد قرن"، كما يردد الشيوخ الكبار، ولا يرضى عن طريقه بديلا، ولا يقبل بأي معادلة يفرضها البشر لوحدهم، دون استشارته، ودون فهم قوانينه رغم أنها واضحة كل الوضوح.
يحكي رئيس جمعية فاعل خير بإقليم طاطا محمد علي واحمان لنا أن سكان أوكرضا إسموغن سارعوا -كالعادة- للاحتماء بمنازلهم بالأعلى بعدما وصلتهم تحذيرات الدواوير المجاورة، لكن المياه الجارفة كانت بمستوى غير مسبوق فجرفت كل شيء أمامها.
وتابع أن وجود هذا الدوار المنكوب وسط أخدود عميق بين جبلين جعل من إمكانية تقديم المساعدة العاجلة مسألة شبه مستحيلة، خاصة مع تواصل هطول الأمطار العنيفة، وهبوب الرياح القوية.
ذلك ما أكده لنا عمر بوهوش رئيس جماعة تمنارت التي يتبعها إداريا الدوار المنكوب، حيث أوضح أنه مع نزول الظلام، استحال الوصول إلى دوار أوكرضا إسموغن، حيث انقطعت الطرق، ومنعت العاصفة والأمطار القوية الجارفة طواقم الإنقاذ من القيام بأي خطوة لإنقاذ المنكوبين.
السيل الجارف خلف دمارا هائلا بدواوير تمنارت وخاصة أوكرضا إسموغن (مواقع التواصل)ووصف ناجون من الكارثة ما جرى بأنه فوق التصور، حيث اختطفت مياه الوادي العنيفة عددا من أحبابهم عندما كانوا يسرعون للبيت للاحتماء بجدرانه.
هذه فقدت أختها، وتلك فقدت أباها وأمها، وفي هذا المكان مسح السيل العنيف أسرتين بمنازلهما. "وأن نفقد هذا العدد من الأحباب والجيران في دوارنا الصغير فهي مأساة فوق التصور"، يحكي شهود عيان.
ويقول حسن أقمصي، رئيس جمعية محلية بدوار أوكرضا لنا إن السيل اجتث أكثر من 12 منزلا من مكانه، إلى جانب مدرسة الدوار.
ولحدود الآن، بلغت حصيلة الضحايا في دواري أوكرضا وإغمير 18 قتيلا، بينهم 3 أجانب، فيما يستمر البحث عن بضعة مفقودين. قد يبدو الرقم صغيرا في أعين كثيرين، لكن عندما تعلم أن عدد الأسر في أوكرضا إسموغن لا يتجاوز الـ60 أسرة، عندئذ تتضح فداحة الكارثة التي مسحت الدوار من الخريطة.
رئيس بلدية تمنارت عمر بوهوش أكد أن كارثة دوار أوكرضا إسموغن غير مسبوقة (مواقع التواصل) هل ينسى الوادي طريقه؟يشرح رئيس جماعة تمنارت بوهوش أن السكان في هذه الدواوير ومثيلاتها في مختلف مناطق المغرب دأبوا على بناء منازلهم في الأرض التي سكنها أجدادهم، ولديهم ارتباط قوي بها ولا يفكرون البتة في مغادرتها رغم كوارث مثل الطوفان الأخير.
وتابع أن بعض السكان طلبوا -بعد الكارثة- من والي الإقليم ومسؤولي المنطقة إيجاد حلول قد تقيهم شر كوارث مماثلة، مما يعني بشكل واضح أنهم لا يفكرون بتاتا في مغادرة المكان. علما أن السلطات المختصة -إدارية ومنتخبة- اجتهدت في إيصال مختلف الخدمات لهذه المناطق النائية من طرق وكهرباء ومياه صالحة للشرب برغم وعورة التضاريس، يوضح عمر بوهوش.
وبحسب هذا المسؤول الذي لا يكاد يستريح منذ اليوم الحزين فإن "الوادي لا ينسى طريقه أبدا"، ويجب التعامل مع هذه الحقيقة بشكل يقي وقوع ضحايا مستقبلا.
السكن إلى جانب ضفاف الوديان الجافة خطر محدق (مواقع التواصل) أخطار قادمة؟ولا تقتصر هذه المشكلة على جماعة تمنارت، بل عاينا في مناطق الحوز وجود المشكلة نفسها، إذ يبني الأهالي بيوتا بين فجاج الجبال، ويزرعون بعضا من الزراعات المعيشية في المنطقة المحاذية للوادي.
بل إن بعض المتاجر والمقاهي البسيطة القريبة من الوديان تضع كراسي وطاولات بمجرى الوادي لاستقطاب الزبناء وخاصة السياح منهم، وعندما تُحدّث هؤلاء وأولئك عن مخاطر أن يأتي السيل الخطر -الذي يعرف محليا بـ"الحملة"- ويجرف كل ما في طريقه، يردّون عليك بجواب واحد برغم اختلاف الزمان والمكان: "السيل لم يأت قويا منذ عقود، ومتاجرنا ومنازلنا بعيدة عن مجراه في الأسفل، ونحن نتخذ كل الاحتياطات ولم تحدث أي مشاكل منذ عقود"!.
بالنسبة لعمر بوهوش، رئيس الجماعة التي تضم دوار أوكرضا إسموغن، لا احتياطات مع الوادي ولو كان جافا، وشرح لنا أن اتخاذ حلول جذرية هو أكبر من الجماعات المنتخبة، ويستلزم تدخلا من الدولة بمقدراتها الكبيرة.
يحكي لنا أحمد أوبلا، من أبناء منطقة أوكرضا إسموغن أن شيخا ثمانينيا يعيش بالدوار أخبرهم أنه لم يسمع ولم ير طيلة حياته بهذا المكان -الذي لا يكاد يغادره- مشهدا عظيما مثل هذا المشهد. أما الآن فقد رآه، وشاهد بأم عينه كيف جُرف أبناء بلدته مع الأشجار والأحجار والسيارات القليلة بالدوار.
وهو مشهد لم تُظهر بعض ملامحه سوى نحو 3 مقاطع فيديو قصيرة، يؤكد لنا أوبلا أنه من المحتمل أن بعض ضحايا الوادي هم من صوروها قبل وفاتهم، لتبقى أهوال الكارثة عالقة في أذهان من رأوها لوحدهم، وإلى الأبد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مواقع التواصل
إقرأ أيضاً:
البرد قادم.. 72 ساعة ويبدأ فصل الشتاء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتساءل المواطنون عن موعد بداية فصل الشتاء لعام 2024/2025، خاصة مع الانخفاض التدريجي في درجات الحرارة والتقلبات الجوية التي تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة، حيث أكدت هيئة الأرصاد الجوية، أن فصل الشتاء يبدأ رسميًا يوم السبت 21 ديسمبر 2024، أي بعد حوالي 10 أيام، وأشارت إلى أن الأحوال الجوية ستشهد استقرارًا حتى منتصف الأسبوع المقبل على الأقل.
فصول السنة حتى نهاية 2024:
بحسب الحسابات الفلكية، فإن فصل الخريف الذي بدأ الأحد 22 سبتمبر يستمر لمدة 89 يومًا و20 ساعة، بينما يبدأ فصل الشتاء في 21 ديسمبر ويستمر لمدة 88 يومًا و23 ساعة.
ظاهرة الانقلاب الشتوي:
يحدث الانقلاب الشتوي نتيجة ميل محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس بمقدار 23.5 درجة، وهذا الميل يؤدي إلى تبادل النصفين الشمالي والجنوبي للأرض في استقبال ضوء الشمس، مما ينتج عنه تغير الفصول الأربعة.
وفي يوم الانقلاب الشتوي، يكون القطب الشمالي مائلًا بعيدًا عن الشمس، مما يجعل النهار أقصر من 12 ساعة في المناطق الواقعة شمال خط الاستواء، بينما يكون النهار أطول من 12 ساعة في المناطق الجنوبية، كما تشهد المناطق الواقعة شمال الدائرة القطبية الشمالية ودائرة القطب الجنوبي ظاهرة "شمس منتصف الليل"، حيث لا تظهر الشمس فوق الأفق أو تبقى مرئية طوال اليوم، في تأكيد علمي على كروية الأرض.
النهار في أقصر حالاته:
في يوم الانقلاب الشتوي، تشرق الشمس من أقصى الجنوب الشرقي وتتحرك في قوس منخفض في السماء، ما يجعل ظلال الأشياء الأطول خلال السنة، وبعد هذا اليوم، تبدأ ساعات النهار في الزيادة تدريجيًا حتى تتساوى مع ساعات الليل عند حدوث الاعتدال الربيعي في 20 مارس 2025.
الشتاء على الأبواب:
ومع اقتراب فصل الشتاء رسميًا، يترقب محبو الأجواء الباردة قدوم هذا الفصل الذي يجلب معه ظواهر جوية مميزة وأجواءً شتوية خاصة.