مراكش- "اهربوا بسرعة، اخرجوا إلى أعالي الجبل، انجوا بحياتكم"، كان ذلك هو آخر تحذير وصل إلى أهالي دوار أوكرضا إسموغن بجماعة تمنارت بإقليم طاطا (نحو 550 كيلومترا جنوبي مراكش)، قبل أن تقع الكارثة المدمرة.

تلك الوديان الصغيرة التي تعيش جفافا منذ سنوات طويلة، سرعان ما شربت من مياه الأمطار الطوفانية التي ضربت المنطقة خلال ساعات قليلة يوم السبت، وامتلأت عن آخرها بشكل غير مسبوق، فجاست خلال الديار.

تفجرت الشلالات الجارفة من بين فجاج الجبال، وحملت السيول كل ما وجدته في طريقها من أحجار ضخمة وأشجار، وتجمعت في مجرى الوادي الكبير، وتقدمت لا يحبسها حابس، بحيث تجاوزت الحد الذي شهده الشيوخ الكبار في أعوام مضت، وكانوا يروون تفاصيله المرعبة للأجيال اللاحقة.

لكن لا أحد من أولئك الشيوخ، أو غيرهم، كان يظن أن هذا السيل القادم سيكون الأقسى والأكثر تدميرا في تاريخ المنطقة، بحيث لم يشهد له مثيلا.

لذلك عندما وصل تحذير ساكنة دوار أكجكال -الذين يمر السيل الجارف أمام أعينهم- لمعارفهم في الدوار القريب أوكرضا إسموغن، ظن الأهالي في الدوار المنكوب أنه مجرد سيل قد يكون قويا، لكنه ليس بتلك الخطورة، فلجؤوا إلى بيوتهم الإسمنتية في انتظار أن يمر، وربما يصعدون إلى أسطح منازلهم، ويلتقطون له صورا يرسلونها لأحبابهم.

لكن مستوى المياه الغاضبة العنيفة كان مرتفعا جدا، ولم تبق ضمن ما عهده الأهالي، بل وصل إلى علو نحو 40 مترا كما أكد لنا في اتصالات هاتفية أكثر من مصدر من عين المكان، وصاحب ذلك هبوب رياح قوية كانت قد حذرت منها هيئة الأرصاد الجوية المغربية، مما زاد الوضع سوءا.

خلال ثوان قليلة، أصبح دوار أوكرضا إسموغن معزولا، من دون كهرباء ومن دون اتصالات، فانفردت المياه الجارفة بالبيوت الإسمنتية وأصحابها فانقضت عليهم، وجرفتهم معها بحيث أصبحوا مجرد أثر بعد عين.

فرق الوقاية المدنية والجيش بذلت جهودا كبيرة للبحث عن الضحايا (مواقع التواصل) تعايش مرعب

في العديد من المناطق الجبلية المغربية، وخاصة تلك التي توجد جنوبي مدينة مراكش، مثل الحوز وتارودانت وطاطا، اعتاد الأهالي على بناء منازلهم على جنبات الوادي، حيث يتركون المنطقة السفلى للوادي الذي قد يعود إلى طريقه في أي يوم مطير.

فيما يصعدون هم إلى الأعلى لبناء مساكنهم معتقدين أنها معادلة تعايش عادلة تضمن للوادي خلو طريقه من البشر، فيما يضمن لهم هو مروره بسلام في طريقه المنخفض، دون أن يجرف معه فلذات أكبادهم أو ممتلكاتهم في الأعلى.

لكن "الوادي لا ينسى طريقه ولو بعد قرن"، كما يردد الشيوخ الكبار، ولا يرضى عن طريقه بديلا، ولا يقبل بأي معادلة يفرضها البشر لوحدهم، دون استشارته، ودون فهم قوانينه رغم أنها واضحة كل الوضوح.

يحكي رئيس جمعية فاعل خير بإقليم طاطا محمد علي واحمان لنا أن سكان أوكرضا إسموغن سارعوا -كالعادة- للاحتماء بمنازلهم بالأعلى بعدما وصلتهم تحذيرات الدواوير المجاورة، لكن المياه الجارفة كانت بمستوى غير مسبوق فجرفت كل شيء أمامها.

وتابع أن وجود هذا الدوار المنكوب وسط أخدود عميق بين جبلين جعل من إمكانية تقديم المساعدة العاجلة مسألة شبه مستحيلة، خاصة مع تواصل هطول الأمطار العنيفة، وهبوب الرياح القوية.

ذلك ما أكده لنا عمر بوهوش رئيس جماعة تمنارت التي يتبعها إداريا الدوار المنكوب، حيث أوضح أنه مع نزول الظلام، استحال الوصول إلى دوار أوكرضا إسموغن، حيث انقطعت الطرق، ومنعت العاصفة والأمطار القوية الجارفة طواقم الإنقاذ من القيام بأي خطوة لإنقاذ المنكوبين.

السيل الجارف خلف دمارا هائلا بدواوير تمنارت وخاصة أوكرضا إسموغن (مواقع التواصل)

ووصف ناجون من الكارثة ما جرى بأنه فوق التصور، حيث اختطفت مياه الوادي العنيفة عددا من أحبابهم عندما كانوا يسرعون للبيت للاحتماء بجدرانه.

هذه فقدت أختها، وتلك فقدت أباها وأمها، وفي هذا المكان مسح السيل العنيف أسرتين بمنازلهما. "وأن نفقد هذا العدد من الأحباب والجيران في دوارنا الصغير فهي مأساة فوق التصور"، يحكي شهود عيان.

ويقول حسن أقمصي، رئيس جمعية محلية بدوار أوكرضا لنا إن السيل اجتث أكثر من 12 منزلا من مكانه، إلى جانب مدرسة الدوار.

ولحدود الآن، بلغت حصيلة الضحايا في دواري أوكرضا وإغمير 18 قتيلا، بينهم 3 أجانب، فيما يستمر البحث عن بضعة مفقودين. قد يبدو الرقم صغيرا في أعين كثيرين، لكن عندما تعلم أن عدد الأسر في أوكرضا إسموغن لا يتجاوز الـ60 أسرة، عندئذ تتضح فداحة الكارثة التي مسحت الدوار من الخريطة.

رئيس بلدية تمنارت عمر بوهوش أكد أن كارثة دوار أوكرضا إسموغن غير مسبوقة (مواقع التواصل) هل ينسى الوادي طريقه؟

يشرح رئيس جماعة تمنارت بوهوش أن السكان في هذه الدواوير ومثيلاتها في مختلف مناطق المغرب دأبوا على بناء منازلهم في الأرض التي سكنها أجدادهم، ولديهم ارتباط قوي بها ولا يفكرون البتة في مغادرتها رغم كوارث مثل الطوفان الأخير.

وتابع أن بعض السكان طلبوا -بعد الكارثة- من والي الإقليم ومسؤولي المنطقة إيجاد حلول قد تقيهم شر كوارث مماثلة، مما يعني بشكل واضح أنهم لا يفكرون بتاتا في مغادرة المكان. علما أن السلطات المختصة -إدارية ومنتخبة- اجتهدت في إيصال مختلف الخدمات لهذه المناطق النائية من طرق وكهرباء ومياه صالحة للشرب برغم وعورة التضاريس، يوضح عمر بوهوش.

وبحسب هذا المسؤول الذي لا يكاد يستريح منذ اليوم الحزين فإن "الوادي لا ينسى طريقه أبدا"، ويجب التعامل مع هذه الحقيقة بشكل يقي وقوع ضحايا مستقبلا.

السكن إلى جانب ضفاف الوديان الجافة خطر محدق (مواقع التواصل) أخطار قادمة؟

ولا تقتصر هذه المشكلة على جماعة تمنارت، بل عاينا في مناطق الحوز وجود المشكلة نفسها، إذ يبني الأهالي بيوتا بين فجاج الجبال، ويزرعون بعضا من الزراعات المعيشية في المنطقة المحاذية للوادي.

بل إن بعض المتاجر والمقاهي البسيطة القريبة من الوديان تضع كراسي وطاولات بمجرى الوادي لاستقطاب الزبناء وخاصة السياح منهم، وعندما تُحدّث هؤلاء وأولئك عن مخاطر أن يأتي السيل الخطر -الذي يعرف محليا بـ"الحملة"- ويجرف كل ما في طريقه، يردّون عليك بجواب واحد برغم اختلاف الزمان والمكان: "السيل لم يأت قويا منذ عقود، ومتاجرنا ومنازلنا بعيدة عن مجراه في الأسفل، ونحن نتخذ كل الاحتياطات ولم تحدث أي مشاكل منذ عقود"!.

بالنسبة لعمر بوهوش، رئيس الجماعة التي تضم دوار أوكرضا إسموغن، لا احتياطات مع الوادي ولو كان جافا، وشرح لنا أن اتخاذ حلول جذرية هو أكبر من الجماعات المنتخبة، ويستلزم تدخلا من الدولة بمقدراتها الكبيرة.

يحكي لنا أحمد أوبلا، من أبناء منطقة أوكرضا إسموغن أن شيخا ثمانينيا يعيش بالدوار أخبرهم أنه لم يسمع ولم ير طيلة حياته بهذا المكان -الذي لا يكاد يغادره- مشهدا عظيما مثل هذا المشهد. أما الآن فقد رآه، وشاهد بأم عينه كيف جُرف أبناء بلدته مع الأشجار والأحجار والسيارات القليلة بالدوار.

وهو مشهد لم تُظهر بعض ملامحه سوى نحو 3 مقاطع فيديو قصيرة، يؤكد لنا أوبلا أنه من المحتمل أن بعض ضحايا الوادي هم من صوروها قبل وفاتهم، لتبقى أهوال الكارثة عالقة في أذهان من رأوها لوحدهم، وإلى الأبد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مواقع التواصل

إقرأ أيضاً:

هاتف جديد من سلسلة Oppo K قادم بمعالج Snapdragon 7 Gen 3 وبطارية 6500 مللي أمبير وشحن 80 واط

يقال إن شركة Oppo تخطط لإطلاق هاتف جديد من سلسلة K للسوق الصينية. وفي الآونة الأخيرة، ظهر تسريب على موقع Weibo والذي يكشف عن أن الجهاز المذكور يحمل رقم طراز PKS110.

وفي منشور جديد على Weibo، ذكر تسريب من Digital Chat Station بعض التفاصيل الإضافية حول الجهاز.

في وقت سابق من هذا العام، كشفت شركة Oppo عن الهاتفين الذكيين K12 و K12x في الصين. تأتي هذه الأجهزة مزودة بشرائح Snapdragon 7 Gen 3 وSnapdragon 695 على التوالي.

وكشف التسريب مؤخرًا أن هاتف Oppo PKS110، وهو هاتف قادم من سلسلة K، سيحتوي على بطارية أحادية الخلية تبلغ سعتها 6500 مللي أمبير.

وفي تسريب جديد، يبدو أنه قد تم الكشف عن المواصفات الرئيسية لنفس الجهاز. حيث يبدو ان لجهاز سيحتوي على شاشة OLED توفر دقة FHD+.

ومن الداخل، سيتم تجهيز الهاتف بشريحة Snapdragon SM7550، وهي ليست سوى Snapdragon 7 Gen 3.

هناك شائعات بأن الجهاز سيحتوي على كاميرا رئيسية بدقة 50 ميجابكسل في الخلف. ومن المتوقع أن يحتوي على بطارية بسعة 6500 مللي أمبير مع دعم الشحن السريع بقوة 80 واط.

وعلى الرغم من احتوائه على بطارية ضخمة، فمن المتوقع أن يتميز بتصميم نحيف وخفيف الوزن نسبيًا. ومن حيث التصميم، يُقال أن الجهاز مزود بإطار مركب من البوليمر عالي القوة.

في الوقت الحالي، ليس هناك معلومات حول ما إذا كان الهاتف ينتمي إلى سلسلة Oppo K13 الجديدة أو ما إذا كان سيكون إضافة جديدة إلى تشكيلة K12.

المصدر




Source link

مرتبط

مقالات مشابهة

  • إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة في ترعة بالبحيرة
  • كهرباء عدن تستغيث وتحذر من كارثة وشيكة
  • وزير الدفاع الأمريكي يحذر : دمار كبير قادم لإسرائيل
  • هاتف جديد من سلسلة Oppo K قادم بمعالج Snapdragon 7 Gen 3 وبطارية 6500 مللي أمبير وشحن 80 واط
  • القوات المسلحة تقيم مستشفى ميداني بإقليم طاطا لإسعاف ضحايا الفيضانات
  • الحوثيون يتوعدون إسرائيل بأسلحة نوعية جديدة: ”الرد الحاسم قادم في الوقت المناسب”
  • ترامب يتفوق على هاريس اقتصاديا حسب استطلاع حديث
  • كيف شق قماش الطرطان طريقه ليصبح خيارًا شعبيًا في الأزياء المدرسية الرسمية حول العالم؟
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يحقق في فشل اكتشاف صاروخ قادم من اليمن
  • عام على الفيضان المدمر.. جهود إعادة إعمار درنة لا تمحو المأساة