في ذكرى مولد إمام الأنبياء والمرسلين/ ماجد دودين
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
في ذكرى مولد إمام الأنبياء والمرسلين/ #ماجد_دودين
سيدُ ولدِ آدمَ … الأسوة الحسنة … الشاهد والمبشّر والنذير والسراج المنير -صلى الله عليه وسلّم -بعدد ورق الأشجار …وبعدد قطر الأمطار …وبعدد النجوم والشموس والأقمار …
اللهمّ صلِّ على سيدنا محمد، ما ذكرهُ الذاكرون الأبرار، وصلِّ عليه ما تعاقب الليلُ والنّهار.
كان ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم منّة عظيمة من الله تعالى على الناس إذْ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم. ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (164)) سورة آل عمران.
مقالات ذات صلة تغذية راجعة في انتخابات ذهبية 2024/09/12لقد احتفى القرآن الكريم ببعض الرسل وتحدث عن حياتهم من ولادتهم الى موتهم وبهذا أصبح الحديث عن ميلادهم قرآنا وشرعا.
” ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ…” هكذا أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن سبب صومه ليوم الإثنين.
من الدروس المستفادة من ذكرى المولد النبوي الشريف أن تعيش الأمةُ رسالتَها إذا أرادت أن تعود إلى خيريَّتها وريادتها وعزّتها.
إنّها ذكرى تتكرّر وتتكرّر… لا لتُذكّر الناس بمولد إنسان وإنْ كان هذا الإنسان العظيم أعزّ خلق الله على الله ولكن الذكرى تأتي لتذكّر الأمّة التي رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلّم نبياً ورسولا بمولد الرسالة الخالدة والعقيدة الصادقة التي أحيت القلوب، ورقّقت المشاعر، وأقامت تصوراً صحيحاً، وبنت فهماً شاملاً لعلاقة الإنسان بخالقه وبالكون والموجودات من حوله.
محمّد خَاتَم الأنبياء والمرسَلِين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين…
برسالته وبعثته ونبوّته جاء الحق وزهق الباطل، وانقشعت ظلمة الجهل وجبروت الجاهلية، وتنسمت الدنيا رياح التسامح والمودة والتراحم والأمن والأمان والصدق والإخلاص والإيثار وكل الخصال والأخلاق المحمودة، وكلها خصال وسلوكيات لم يكن لها وجود يُذكر قبل مولده الشريف إلا من النزر اليسير. إنها ليست ذكرى عادية… بل ذكرى مولد خير الأنام، وسيد ولد آدم، وخاتم النبيين والمرسلين، صاحب الحوض والشفاعة.
يقول أســتاذ الفلســفة راما راو: (إنّ إلقاء نظرة على شخصية محمد تسمح لنا بالاطلاع على عدد كبير من المشاهد: فهناك محمد الرسول، ومحمد المجاهد، ومحمد الحاكم، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملجأ الأيتام، ومحمد محرّر العبيد، ومحمد حامي المرأة، ومحمد القاضي، ومحمد العابد لله.. كل هذه الأدوار الرائعة تجعل منه أسوة للإنســانية.)
يقول تعالى:(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الأحزاب.
إن ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فوق أنها تجدد في الأذهان والقلوب ذكرى الهادي البشير والسراج المنير، فإنها تذكر الأمة الإسلامية بانها خير أمّة أخرجت للناس، وأنها أمّة الوسط والاعتدال، وأنها الأمّة التي نالت الشرف العظيم بأن جعلها الله آخر الأمم، وأمّة خاتم الرسل.. إنه لفضل لا يدانيه فضل، وشرف لا يطاوله شرف…
يقول الزيّات: “لما بُعث الرسول الكريم بَعَثَ الحريّة من قبرها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل التنافس في الخير، والتعاون على البر، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة، وعدل بين الحقوق بالمساواة.. حتى شعر الضعيف أنْ جـنْــد الله قـوّتــه، والفقير أنّ بيت المال ثروتـه!! والوحيد أنّ المؤمنين جميعـاً إخوتــه..”..
إنّه الرسول الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلّم… صاحب الرسالة العظمى إلى خلق الله قاطبة… ملتقى الفضائل المشرقة ومظهر المثل العليا التي صوًرتها الخيالات ثم صاغها الله عز وجل برحمته وكرمه إنسانا يمشي على الأرض مطمئنا وذلكم هو الرسول الكريم سيد ولد آدم وحامل لواء الحمد يوم القيامة وأول شافع ومشفع يوم القيامة وأول من يجوز الصراط يوم القيامة وأول من يفتح له وبه باب الجنة يوم القيامة …
لقد صاغ صاحب الخلق العظيم ورحمة الله للعالمين الإنسان من جديد ليكون أثمن درة في عقد فريد…
لقد كان الإنسان ميْتا فأحياه الله بالإسلام …وفي غمرة النور الوافد بين يديْ خير وافدٍ صحا النائم يوما ورأى النور فما أغفى … ولكنه انتفض عملاقا جديدا يبني الحياة من جديد … وتحولت الخطوات المرتعشة الواجفة على حصباء مكة حركة تغمر الوجود كله بالنور والبركة … والعربي النافر من الحق كالغزال الشارد تحكمه من دين الله ضوابط فإذا هو فارس يمتطي صهوة جواده… يمزّق البساط الناعم ويمزق معه قيماً ومعتقدات زائفة … ويصرخ ربعي بن عامر رضي الله عنه بكلمات خالدة في وجه “رُسْتُم فرخزاد” قائدُ الجيشِ الفارسيِّ في عَهدِ آخر مُلوكِ الدَّولةِ السَّاسانيَّةِ يزدجرد الثَّالث ويوضّح له الهدف والغاية والرسالة في جمل خالدة:” الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة ربّ الناس … ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام … ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ” …لقد كانت هذه الكلمات مشاعل حق أطلقها ربعي الأعرابي العربي المسلم المؤمن التقي النقي …وصدع بها في وجه” رستم” صاحب تاج الذهب وكرسي الذهب وسرير الذهب ليقول له : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وليبين للبشرية بأسرها هدف رسالة محمد عليه السلام وليؤكد أن السعة والسعادة لا تكون بالمتاع والرياش والذهب والمناصب …
وفي غمرة النور الوافد وُلدت الآمال وبعثت كوامن الشعور … وحوّل الرسول صلى الله عليه وسلم الخصومات مودة والتنافر انسجاما والبغضاء محبة … لقد وجد الإنسان ذاته الضائعة… وارتفع بعقله يرنو إلى السماء … وجد نفسه وما أروع أن يجد الإنسان نفسه بعد ضياعها بين وهج المصباح ورنين الأقداح ومتاهات الحياة … إنّ من يعيد إليك ذاتك لا تملك الوفاء بحقه ولو قدمت ملء الأرض ذهبا … وذلك هو الرسول الكريم الشاهد والمبشر والنذير والسراج المنير …
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) سورة الأحزاب.
ويعجبني ذلك الأعرابي الذي أضاع بعيره فراح ينادي في الطرقات:” منْ يردّ لي بعيري فله بعيران؟!” …. فقيل له: واحد باثنين؟! كيف يكون هذا؟!
قال لهم: ” أنتم لا تعرفون متعة الوجدان ” ونستشعر مع الرجل المشتاق لذّة وجدانه ببعيره العائد الذي يسترجع به قطعة من حياته وذكرياته …هي أثمن لنفسه من ثمنها المضاعف…وهنا يقفز السؤال بل الأسئلة إلى الذاكرة والعقل والروح والوجدان … منْ الذي عاد الينا بوجودنا؟ منْ الذي عرفنا بخالقنا؟ منْ الذي دلّنا على كل خير وحق ونور وحذرنا من كل باطل وظلم وشر؟ منْ الذي رسم لنا المنهاج القويم ودلّنا على الصراط المستقيم؟ منْ هو رحمة الله للعالمين؟ منْ هو خاتم الرسل وإمام النبيين؟ إنّه النور الوافد … ونفخر أننا أتباعٌ لأعظم الناس خلقا، وأحسنهم عملا، وأصدقهم نصحا، وأكثرهم خيرا للناس أجمعين:
ومما زادني شرفا وتيهـــــــــــــــــــــــــا وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَرت أحمــــــــــــــــد لي نبيا
وما أروعها وأجملها وأبلغها من جملة قالها خالد بن الوليد رضي الله عنه حين سُئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال للسائل:” أأطْنب أم أوجز؟” قالوا: بل أوجز فقال: ” الرسولُ على قدْرِ المُرْسِل” المُرْسِل هو الله الذي له كلّ صفات الجلال والكمال سبحانه … والرسول هو سيدُ ولدِ آدمَ وإمام الأنبياء والمرسلين…
ما أعظم الإسلام مُرْسِلا ورسولاً ورِسالة!
قال صلى الله عليه وسلّم: ” أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر، وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر، ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ.”
يُبيِّنُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه سيِّدُ وَلدِ آدمَ يَومَ القيامةِ، والسَّيِّدُ: هُو الَّذي يَفوقُ قَومَه في الخيرِ. وقيل: هوَ الَّذي يُفزَعُ إِليه في النَّوائبِ والشَّدائدِ، فيَقومُ بأُمورِهم، ويَتحمَّلُ عَنهم مَكارِهَهم ويَدفعُها عنهم، والتَّقييدُ بيَومِ القيامَةِ مَع أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سيِّدُهم في الدُّنيا والآخرَةِ، مَعناه: أنَّه يَظْهَرُ يومَ القيامةِ سُؤدُدُه بِلا مُنازعٍ ولا مُعاندٍ، بِخِلافِ الدُّنيا، فَقدْ نازعَه فيها مُلوكُ الكُفَّارِ وزُعماءُ المشركينَ. وأَوَّلُ مَن يَنشَقُّ عنه القَبرُ، أي: أَوَّلُ مَن يُبعَثُ مِن قَبرِه ويَحضُرُ في المحشَرِ. وأَوَّلُ شافعٍ، أي: في ذلكَ المحضَرِ، وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ أي: أَوَّلُ مَن تُقبَلُ شَفاعتُه عَلى الإِطلاقِ في أَنواعِ الشَّفاعاتِ.
وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي تؤكد أفضليته على باقي الرسل كثيرة نذكر بعضا منها مما جاء في الكتاب والسنة:
أن الله عز وجل خصَّ القرآن الكريم المُنَزَّل عليه بالحفظ دون غيره من الكتب، قال تعالى: (إنّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنّا له لحافظون) الحجر/9، أما الكتب الأخرى فقد وَكَلَ الله أمْرَ حفظها إلى أهلها قال تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يَحْكُم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربَّانِيُّون والأحبار بما اسْتُحْفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) المائدة/44.
أنه خاتم الأنبياء والمرسلين قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40].
اختصاصه بأنه أرسل إلى الناس عامة قال تعالى ???? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)) سورة الفرقان.
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم في الآخرة: أنه صاحب المقام المحمود يوم القيامة قال تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يَبْعَثَكَ ربك مقاماً محموداً) الإسراء/79، قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل: ذلك المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس، لِيُرِيحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم. تفسير ابن كثير
أنه سيد الخلق يوم القيامة: أنه أول من يَجُوزُ الصِّراط بأمته يوم القيامة …أخرج البخاري في ذلك حديث أبي هريرة الطويل، وفيه …..” فأكون أول من يَجُوزُ من الرسل بأمته ” (الأذان/764). ومن الأدلة الواضحة على أنه أفضل الأنبياء أنهم كلهم لا يشفعون، ويحيل الواحد منهم الناس على الآخر، حتى يحيلهم عيسى عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا، ثمَّ يتقدم فيشفع للجميع، فيحمده على ذلك الأولون والآخرون، والأنبياء وسائر الخلق.
وخصائصه عليه الصلاة والسلام التي وردت في الآيات والأحاديث الصحيحة أكثر من أن نذكرها في مقام مُوجَز، فقد أُلِّفَتْ فيها الكتب.
والخلاصة: أننا نفضل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والناس، للأدلة الواردة في ذلك، مع حفظنا لحقوق جميع الأنبياء والمرسلين والإيمان بهم وتوقيرهم.
أما قول الله تعالى: (لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه) البقرة/285، قال ابن كثير في تفسيرها: المؤمنون يصدِّقون بجميع الأنبياء والرسل، والكتب المُنَزَّلة من السماء، على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يُفَرِّقون بين أحدٍ منهم، فَيُؤْمِنُون بِبَعْضٍ ويَكْفُرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بَارُّون راشدون مَهْدِيُّون هادون إلى سبيل الخير، وإنْ كان بعضهم يَنْسَخ شريعة بعض، حتى نُسِخَ الجميع بشرع محمدٍ خَاتَم الأنبياء والمرسَلِين، الذي تَقُومُ الساعة على شريعَتِهِ. تفسير ابن كثير.
أما تفاضل الأنبياء بعضهم على بعض فإن الله عز وجل أخبرنا بذلك فقال: (تِلْكَ الرُّسل فضَّلنا بعضهم على بعضٍ منهم من كَلَّم الله ورَفَعَ بعضهم دَرَجَاتٍ) البقرة/253، فأخبرنا الله أن بعضهم فوق بعض درجات ولذلك كان المصطفى من الرسل الذين هم ألو العزم قال تعالى: (وإذ أخذنا من النَّبيينَ ميثاقَهُمْ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) الأحزاب/7.
ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم ويَدَلُّ على ذلك أنه إمامهم ليلة المعراج، ولا يقدم إلا الأفضل ومما يدل على أنه أفضلهم ما جاء عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ” رواه مسلم
قَالَ الْعُلَمَاء : وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم ) لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا ، بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلا فَخْرَ ) وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ ) وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ ، وَيَعْتَقِدُوهُ ، وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ ، وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى . وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ; لأَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الآدَمِيِّينَ أي أهل الطاعة والتقى أفضل مِنْ الْمَلائِكَة، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل الآدَمِيِّينَ وَغَيْرهمْ.
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) سورة الأحزاب
محمد صلى الله عليه وسلّم: سليل أكرم نبعة، وقريع أشرف بقعة. جاب بأمته الظلمات إلى النور، وأفاء عليهم بالظلّ بعد الحرور. وهو خيرة الله من خلقه، وحجّته في أرضه.
الهادي إلى حقّه، والمنبه على حكمه. والداعي إلى رشده، والآخذ بفرضه. مبارك مولده، سعيدة غرّته، قاطعة حجّته، سامية درجته، ساطع صباحه، متوقّد مصباحه، مظفّرة حروبه، ميسّرة خطوبه، قد أفرد بالزعامة وحده، وختم بأن لا نبيّ بعده. يفصح بشعاره على المنابر، وبالصلاة عليه في المحاضر، وتعمر بذكره صدور المساجد، وتستوى في الانقياد له حالة المقرّ والجاحد. آخر الأنبياء في الدنيا عمرا، وأولهم يوم القيامة ذكرا، وأرجحهم عند الله ميزانا، وأوضحهم حجّة وبرهانا. صدع بالرسالة، وبلغ بالدلالة.
أرسله الله قمرا للإسلام منيرا، خير من افتتحت بذكره الدعوات، واستنجحت بالصلاة عليه الطلبات. خير مبعوث، وأفضل وارث وموروث. وخير مولود، دعا إلى خير معبود. صلى الله على كاشف الغمّة عن الأمة. الناطق فيهم بالحكمة، الصادع بالحق، الداعي إلى الصدق، الذي ملك هوادي الهدى، ودلّ على ما هو خير وأبقى. صلى الله عليه بشير الرحمة والثواب، ونذير السطوة والعقاب. صلى الله على أتمّ بريته خيرا وفضلا، وأطيبهم فرعا وأصلا، وأعلاهم منصبا وفخارا، وعلى أهله الذين عظّمهم توقيرا، وطهّرهم تطهيرا هم مقاليد السعادة ومفاتيحها، ومعارج البركة ومصابيحها. الطيبون الأخيار، الطاهرون الأبرار. الذين أذهب عنهم الأرجاس، وجعل مودتهم واجبة على الناس.
إنّها ذكرى رسول الإنسانية، ومخرج البشرية من الظلمات الى النور، وخاتم الانبياء والمرسلين، وصاحب الدين الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أضاء الكون بمولده بعد أن اطبق عليه الظلام، واستفحل الباطل، واستأسد الضلال، وباتت الدنيا لا تعرف للنور طريقا، ولا للحق سبيلا، ولا للعدل مخرجا، وكان الناس يعيشون في جاهلية تلاشت أمام سطوتها القيم الانسانية النبيلة وانحسرت في مواجهتها الفطرة السليمة، واحتجبت العقول عن التفكير واستسلمت للهوى والرغبة، حتى نزل الانسان من عليائه وسجد للحجر والشجر والدواب…فجاء السراج المنير الذي بدد الظلام، وأضاء الكون بإشراقته في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول، الذي أُرخ له حسب البيئة «بعام الفيل» الموافق العام (571) من الميلاد.
لا يمكن الإحاطة بجوانب عظمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، إلاّ إذا أمكن الإحاطة بجميع أطواء الكون، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عالَماً في فرد، فكان بهذا فرداً في العالم
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ماجد دودين محمد صلى الله علیه وسل الأنبیاء والمرسلین صلى الله علیه وسل م صلى الله علیه وسلم ى الله علیه وسل م یوم القیامة م الأنبیاء قال تعالى أول من ی ولا فخر
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
المناطق_واس
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله الجهني المسلمين بتقوى الله ومراقبته سبحانه وتعالى، فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأن يتدبروا كتاب الله المجيد وما فيه من الوعد والوعيد ، ولا تغرنهم الحياة الدنيا ولا يغرنهم بالله الغرور.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام ” كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا أفصح العرب لسانًا، وأوضحهم بيانًا، وأعذبهم نطقًا، وأسدهم لفظًا، وأبينهم لهجة، وأقومهم حجة، وأعرفهم بمواقع الخطاب، وأهداهم إلى طرق الصواب، تأييدًا ولطفًا إلهيًا ، وعناية ربانية ، ورعاية روحانية ، ولم يكن فاحشًا متفحشًا ولا لعانًا ولا طعانًا، فاللسان رعاكم الله عضو من أهم أعضاء الجسد، وهو من نعم الله تبارك وتعالى العظيمة على عباده امتن به عليهم فهو ترجمان الأفكار والقلوب، وبه يُعَبِّرُ الإنسانُ عن مَكنونِ نَفْسِه، ويُظهِرُ ما يَحويه قَلبه وعَقلُه ونَفسه من الخَير أو الشَّرّ، ومِن الإيمان والكُفرِ، وغَيرِ ذلك من دواخل الإنسانِ، وقد أُمِرنا بإمساكِ اللِّسانِ عنِ السُّوء والشَّرّ” .
وأضاف ” وكَفَّ اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، ومن ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه، وما لم يستخدم العاقل لسانه فيما يرضاه الله تعالى من الكلام كان وبالًا وحسرة على صاحبه يوم القيامة.
وأكد الشيخ عبد الله الجهني أن من أبلغ الوصايا وأقيمها وأجلها وأنفعها ، حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أصبح ابن آدم ، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ، تقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا.
وبين أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا الكلام الذي تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه قال صلى عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.
وشدد فضيلته على أن من أعظم آفات اللسان العظيمة القول على الله بغير علم والكذب والغيبة والنميمة والبهتان وقذف المحصنات الغافلات ، فزلة من زلات هذا العضو الصغير قد تؤدي بالإنسان إلى الهلاك والعطب ، فليحذر العاقل مما يجري به لسانه ، من انتهاك حرمات المسلمين ، وإساءة الظن، والطعن بالنيات ، والخوض بالباطل فيهم ، وعليه التعود على حفظ لسانه من الوقوع في القيل والقال ، حينئذ سيعتاد عليه ويستقيم أمره، ويسهل عليه التحكم في لسانه وينجو من شرّه ولو أن عبدًا اختار لنفسه ما اختار شيئًا أفضل من الصمت ورحم الله امرأ حفظ عن اللغو لسانه ، وعن النظر المحرم أجفانه ، وعن سماع الملاهي آذانه، وعمر أوقاته بالطاعات وساعاته بكتب الحسنات وتدارك بالتوبة النصوح ما فات، قبل أن يصبح وجوده عدمًا، وصحته سقمًا، وعظامه رفاتًا وحياته مماتًا في برزخ لا يبرح من نزله حتى يلحق آخر الخلق أوله ، فحينئذ زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها، وجوزيت الخلائق بأعمالها ، ووفيت جزاء كسبها وأفعالها ، فطوبى لعبد قال خيرًا فغنم ، أو سكت عن الشر فسلم.
ولفت إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن من محاسن إسلام المسلم وتمام إيمانه ابتعاده عما لا يخصه ولا يهمه ولا يفيده وما لا يفيده من الأقوال والأفعال، وعدم تدخله في شؤون غيره ، وعليه الحذر من المعاصي والفواحش ما ظهر منها وما بطن، فالعباد مجزيون بأعمالهم، ومحاسبون على أقوالهم وأفعالهم وكفى بالله محصيًا أعمال عباده ومجازيًا لهم عليها .
كما أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، المسلمين بتقوى الله، فبها يعظم الأجر ويصلح العمل قال تعالى (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا )) .
وأوضح آل الشيخ أن استبصار أسباب الهدى والفلاح يؤدي إلى العزة والسعادة والصلاح .
وأكد فضيلته أن آيتين من كتاب الله متى أدرك مفهومهما بوعي وإدراك، تدلان على سبل الهداية تنير للأمة مواطن السلامة ومقومات الأمن وعناصر النجاة، ورسمت طريق الخلاص من أسباب الهلاك والشقاء قال تعالى (( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ))
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن خضوع الأمة الإسلامية للتوجيهات الإلهية وطاعتها لربها والعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تزكية النفوس وتنقيح الأفكار والأخلاق بما حمله الإسلام هو ما يضمن لها عزها وصلاحها ، مشيرًا إلى أن الإسلام في مصادره وأهدافه حدد الهدف الأسمى للإنسان ليحقق العبادة الشاملة لله.
وبيَّن فضيلته أن سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم قال جل من قائل (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ )) أي أن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ونوه بأن الواجب على المسلمين القيام وفق الإمكانيات لحفظ الأمن وسلامة المجتمع، وأن الجميع مسؤول أمام الله ، كما أن الإدراك التام علاج لمشاكل الحياة والتغيير الهادف لسنن الحياة، والتوكل على الله والاعتصام بالله.
وفي الخطبة الثانية بيَّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن أعظم ما يجب على المسلمين أن يعيدوا النظر في أحوالهم ويراقبوا الله في جميع الأمور وأحوالهم والعودة إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة والحرص على أخوة الدين والتعاون على حفظ الأوطان وسلامة المجتمع.