شركات أوكرانيا تلجأ للنساء والأطفال في ظل نقص الرجال
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
بعد أن أمضت سنوات في وظائف وصفتها بأنها "مملة وغير نشطة" في مكاتب عديد من الشركات الأوكرانية، حصلت ليليا شولها (40 عاما) على وظيفة أحلامها سائقة شاحنة مع "مجموعة فوزي"، أكبر تجار التجزئة في أوكرانيا. وقالت لرويترز "لطالما حلمت بالسيارات الكبيرة. بدلا من (اللعب) بالدمى، فقد كنت أقود السيارات عندما كنت طفلة".
وقالت شولها وهي ترتدي زي العمل أمام شاحنة كبيرة: "الآن، أصبح الوضع متاحا للأشخاص، حتى ولو كانوا بدون خبرة… وقد كنت محظوظة".
ومع استنزاف الحرب مع روسيا القوى العاملة وتجنيد عشرات الآلاف من الرجال في الجيش، تحاول الشركات تغطية النقص الحاد عبر توظيف مزيد من النساء في الأدوار التي يهيمن عليها الذكور عادة، واللجوء إلى الفتيان والطلاب والعمال الأكبر سنا.
وأظهرت بيانات البنك المركزي الأوكراني أن البلاد فقدت أكثر من ربع قوتها العاملة منذ بدء الحرب في فبراير/شباط 2022.
ووفقا لمسح أجرته وزارة الاقتصاد الأوكرانية لأكثر من 3 آلاف شركة، فإن ما يقرب من 60% من الشركات قالت إن التحدي الرئيس الذي يواجههم هو العثور على عمالة.
وقالت تيتيانا بيتروك، كبيرة مسؤولي الاستدامة في شركة الصلب ميتينفيست، وهي واحدة من أكبر أرباب العمل في أوكرانيا بقوة عاملة تبلغ نحو 45 ألف عامل، "الوضع حرج بالفعل"، فلديها حاليا 4 آلاف وظيفة شاغرة. وأكدت أن العجز في الموظفين يؤثر بشكل ملحوظ على الإنتاج.
وأشارت إلى أن هذه هي حال كل الشركات في مختلف أنحاء البلاد، حيث تواجه نقصا في الموظفين.
استمرار الحرب فسح المجال لبعض النساء للعمل في أعمال عادة ما يقوم بها الرجال (رويترز) نقص الموظفينتحدثت رويترز مع ممثلي 9 شركات أوكرانية، من الشركات الصناعية الكبرى إلى مجموعات التجزئة ورواد الأعمال الصغار، وقال الجميع إن نقص الموظفين وعدم التوافق المتزايد بين المهارات يشكلان تحديات كبيرة.
وقالت الشركات إنها تعمل على تغيير ممارسات التوظيف والأعمال، وأتمتة وتدوير الموظفين الحاليين وتعديل مواصفات الوظائف، وإعادة توظيف المتقاعدين وتقديم مزيد من المزايا، خاصة للعاملين الأصغر سنا.
كما اضطروا إلى زيادة الأجور. ويبلغ متوسط الأجر الشهري الآن نحو 20 ألف هريفنيا (470 دولارا) مقارنة بحوالي 14 ألفا و500 هريفنيا (340 دولارا) قبل عام.
ولفتت مدرسة كييف للاقتصاد إلى أن "هناك تحولا ملحوظا بعيدا عن التحيز بين الجنسين والعمر في اختيار المرشحين، إذ يعدّل أصحاب العمل المعايير لجذب الموظفين المطلوبين". وأوضحت أن "هذا الاتجاه يمتد أيضا إلى ريادة الأعمال، حيث تنمو حصة رائدات الأعمال بشكل كبير".
وقال البنك المركزي الأوكراني إن الصناعات التي يهيمن عليها الذكور تتأثر بشكل أكبر بنقص الموظفين. فقد عانى قطاع البناء والنقل والتعدين وغيرها من القطاعات بسبب التعبئة العسكرية، التي عادة يعمل بها الرجال التي أعمارهم بين 25 و60 عاما.
وفي قطاعي إنتاج الطاقة والأسلحة، يحق لـ100% من الموظفين تأجيل التجنيد. وفي بعض القطاعات الأخرى، يمكن للشركات الاحتفاظ بـ50% من الموظفين الذكور.
ومع تشديد الحكومة قواعد التعبئة هذا العام، زاد عدد الرجال الذين يفضلون العمل غير الرسمي، مما يسمح لهم بالابتعاد عن سجلات البيانات العامة، وفقا لبعض الشركات.
وفي إقليم ميكولايف الجنوبي الذي يمتاز بوفرة الأراضي الزراعية، يجري تدريب النساء لتصبح سائقات جرارات. وتقول الشركات إن النساء يعملن بشكل متزايد سائقات ترام وشاحنات، وعمال مناجم الفحم، وحراس أمن وعاملات مستودعات.
وقالت ليوبوف أوكرانياتس، مديرة الموارد البشرية في شركة سيلبو، وهي جزء من مجموعة فوزي، "نقدم التدريب والوظائف للنساء اللاتي لديهن خبرة ضئيلة".
وتضم الشركة 6 سائقات شاحنات، بما في ذلك شولها، وتعمل بشكل أكثر نشاطا في توظيف النساء لوظائف أخرى كانت يهيمن عليها الرجال في السابق، بما في ذلك أعمال التحميل، وتقسيم اللحوم، والتعبئة، وحراس الأمن.
وتنمو حصة الموظفات في قطاعات مثل إنتاج الصلب.
وقال بيتروك إن الموظفات يشكلن نحو 30-35% من قوة العمل في ميتينفيست، وإن الشركة توظف الآن نساء في بعض الوظائف السرية.
مراهقون يعملون بأحد فروع شركة فودافون للاتصالات في كييف (رويترز) فتيان وطلابيتوقع رجال الأعمال والاقتصاديون أن تستمر تحديات سوق العمل. ويوجه أصحاب العمل اهتمامهم إلى الفتيان من خلال تقديم التدريب والخبرة الوظيفية وحزم المزايا المستهدفة.
وقال بيتروك إن شركة ميتينفيست، التي كانت تركز في السابق على الطلاب، تعمل الآن بشكل متزايد مع الكليات المهنية.
وتعمل شركة سيلبو بشكل أكثر نشاطا في توظيف المراهقين لوظائف مستوى الدخول في محلات السوبر ماركت وأطلقت برنامج تدريب داخلي متخصصا للطلاب.
من جهتها، أعادت شركة فودافون للهاتف المحمول صياغة برنامجها للشباب، مما أوجد فرصا لنحو 50 مراهقا في 12 مدينة للحصول على أول تجربة عمل لهم.
وقالت إيلونا فولوشينا من فودافون ريتيل: "نريد أن نقدم أول تجربة مناسبة للوظيفة الرسمية لهذا الجمهور الشاب. وهدف آخر هو بناء مجموعة من المواهب".
وقالت في متجر فودافون في كييف، حيث كان الزوار يستشيرون 6 مراهقين يعملون في المكان، "نريد أيضا أن نفهم الشباب".
وقد أطلقت الحكومة والشركاء الأجانب عديدا من البرامج لمساعدة الأوكرانيين على إعادة تأهيل أنفسهم.
من ناحيتها، قالت تاتيانا بيريزنا نائبة وزير الاقتصاد: "نقدم الفرصة للجميع على نفقة الدولة للحصول على مهنة جديدة مطلوبة في سوق العمل، أو رفع مستواهم المهني".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
الثقة والتوازن.. ما سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة في الدنمارك؟
في الدنمارك، حيث التوازن بين العمل والحياة يُعتبر أولوية وطنية، تجد البلاد نفسها دائمًا ضمن أفضل خمس دول في العالم في هذا المجال. وبالنسبة لغابريل هوكيس، الموظف في شركة تكنولوجيا بكوبنهاغن، كلمة واحدة تلخص التجربة: "الثقة".
يوضح هوكيس في تقرير نشرته شبكة "بي بي سي"، "لا يمارس أحد الإدارة التفصيلية عليك (وضعك تحت مراقبة مستمرة والتحكم في التفاصيل)، أو تشعر بالقلق لم قد يحدث لك".
ويضيف أن المديرين في الدنمارك يركزون على نتائج العمل بدلاً من مراقبة ساعات العمل، قائلا: "لا يهتمون بالتأكد من أنك تعمل لثمان أو لتسع ساعات في اليوم، لأنهم يهتمون فقط بما إذا كنت قد أنجزت مشاريعك".
يشير هوكيس إلى أن هذه الطريقة في الإدارة تخلق بيئة عمل ديمقراطية للغاية، حيث لا يشعر الموظفون بوجود تسلسل سلطات صارم. ويضيف: "تحقق طريقة العمل هذه الكثير من الثقة في الدنمارك".
إحصائيات تؤكد التوازن
وفقًا لأحدث الأرقام الدولية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يعمل 1.1% فقط من العاملين في الدنمارك 50 ساعة أو أكثر في الأسبوع. وهذه النسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 10.2%. بالمقارنة، تصل نسبة العاملين لساعات طويلة في بريطانيا إلى 10.8%، وفي الولايات المتحدة إلى 10.4%.
يسلط مايك ويكنغ، مؤلف كتاب "فن الحياة الدنماركية" ورئيس مؤسسة أبحاث السعادة الدنماركية، الضوء على السياسات التي تعزز هذا التوازن. ويقول: "الدنماركيون سعداء في العمل بالفعل. ويؤكد حوالي 60% منهم على أنهم سيواصلون العمل حتى إذا فازوا باليانصيب وأصبحوا مستقلين ماليًا".
ويشير ويكنغ إلى مجموعة من السياسات التي تُعد نموذجًا للدول الأخرى، مثل الحق في الحصول على إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة خمسة أسابيع على الأقل في السنة، إضافة إلى العطلات الرسمية.
بحسب التقرير، فإن هذه السياسة تفوق ما هو متاح في العديد من الدول الأخرى، إذ تصل الإجازة مدفوعة الأجر في بريطانيا إلى 5.6 أسابيع لمعظم العاملين، بينما لا تزيد في الولايات المتحدة عن 11 يومًا فقط.
كما تقدم الدنمارك ستة أشهر مدفوعة الأجر كإجازة أمومة وأبوة لكلا الوالدين، وهي فترة طويلة مقارنة بما هو متاح في دول أخرى.
في بريطانيا، يحصل الأب أو الشريك غير الوالد عادة على إجازة أبوة مدفوعة الأجر لمدة أسبوع إلى أسبوعين، بينما في الولايات المتحدة لا توجد سوى إجازة غير مدفوعة الأجر بضمان فيدرالي، باستثناء بعض الولايات مثل كاليفورنيا التي تقدم إجازة مدفوعة الأجر.
الثقافة الجماعية مقابل الفردية
ترى سامانثا ساكسبي، خبيرة الموارد البشرية الأمريكية ومديرة التسويق في الجمعية الوطنية للموارد البشرية في الولايات المتحدة، أن الدنمارك تتمتع بتوازن جيد بين العمل والحياة لأنها "تعطي الأولوية للرفاهية الجماعية".
وتضيف: "على النقيض، فإن الولايات المتحدة شددت لفترة طويلة على الإنجاز والطموح الفردي، وهو ما قاد إلى ظهور ابتكارات هائلة، ولكن في كثير من الأحيان على حساب التوازن بين العمل والحياة".
لكن ساكسبي تشير إلى أن المزيد من الشركات في الولايات المتحدة بدأت في تقليد النموذج الدنماركي والدول الإسكندنافية الأخرى من خلال تقديم مزايا مثل إجازة مدفوعة الأجر غير محدودة، وأيام مخصصة للصحة العقلية، وبرامج التعافي.
وتقول ساكسبي: "الموظفون الذين يحصلون على قسط كافٍ من الراحة ويتمتعون بالتوازن يقدمون أفكارًا جديدة، ومهارات أفضل في حل المشكلات، ومشاركة أكبر. ويبدأ الموظفون في الشعور بالتمكين للحصول على الوقت الذي يحتاجون إليه دون التضحية بالتقدم الوظيفي".
من خلال هذه السياسات والممارسات، تثبت الدنمارك أنها نموذج رائد للدول والشركات التي تسعى لتحسين جودة حياة موظفيها. ويُظهر التركيز على التوازن بين العمل والحياة كيف يمكن للثقة والرفاهية الجماعية أن تسهم في خلق بيئة عمل إنتاجية.