لماذا فاز الاخوان في انتخابات الأردن؟
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
لماذا فاز #الاخوان في #انتخابات_الأردن؟
د. #خالد_أحمد_حسنين
النتيجة التي حصلت عليها جماعة الاخوان وحزبهم “جبهة العمل الاسلامي” في انتخابات مجلس النواب الأردني العشرين، والتي جرت يوم العاشر من هذا الشهر، كانت مفاجئة للأوساط السياسية جميعها، ومنها الإخوان أنفسهم، فقد كانت توقعات الإخوان للفوز بعشرة مقاعد في القائمة الوطنية عند أكثر المتفائلين في الحزب، ومثلهم في القوائم المحلية، إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت في القائمة الوطنية، حيث حصد الإخوان 17 مقعدا من أصل 41 مقعدا مخصصا للقائمة الوطنية، وبمجموع 31 نائبا من أصل 138 عضوا من أعضاء مجلس النواب، أي ما نسبته 22%.
جاءت المفاجأة في هذا الفوز بسبب العديد من التحليلات والقراءات التي سبقت العملية الانتخابية، فالأوضاع في المنطقة، وخصوصا ما يتعلق بمستقبل الحرب في غزة، أوحت بأن عقل الدولة الأردنية ربما سيدفع باتجاه ضبط مخرجات العملية الانتخابية، كما كان يحصل في كافة العمليات الانتخابية السابقة، ومعرف أن الدولة بأجهزتها وخبراتها المتوارثة كانت قادرة على فعل ذلك، بطرق مباشرة وغير مباشرة، فلماذا تركت الأمور تذهب إلى هذا الحد، وخصوصا في القائمة الوطنية؟
مقالات ذات صلةوقبل أن نجيب على هذا السؤال يمكنني التأكيد أن أجهزة الدولة (وخصوصا الأمنية منها) لم تكن بعيدة عن التدخل في كافة تفاصيل العملية الانتخابية، وخصوصا في الدوائر المحلية، وأنها أوحت للعديد من المرشحين بالاقدام على الترشح من أجل تقليل فرص مرشحين آخرين، وأنها ساهمت في منع ترشح البعض بحجج مختلفة، وبوعود كثيرة تم بذلها للعشرات من أجل ضمان فوز البعض الآخر، وأن هناك عشرات المرشحين ممن كانوا يضربون بسيف الأجهزة، ويدّعون أن مقاعدهم مضمونة، وأن هناك آلاف الإجتماعات التي عقدت داخل الغرف المغلقة (في المؤسسات التابعة لأجهزة الدورة) من أجل ترتيب بعض القوائم، ومحاصرة أي تشويش عليها، كل ذلك وغيره تم بشكل معلن وفي وضح النهار، إلا أن النتيجة كانت مختلفة، فلماذا؟
يمكن القول أن النتائج الخاصة بالقوائم الحلية كانت متوقعة وضمن الترتيبات والمحاصصات المعروفة سلفا، وربما ساهم القانون الجديد المتعلق بالكوتات، في فوز بعض النساء وفوز مسيحي وشركسي على قوائم العمل الاسلامي، وهذا ما أضاف للمقاعد المتوقعة سلفا عددا إضافيا بحيث وصل إلى 14 مقعدا.
نعود للقائمة الوطنية، وهي مربط الفرس في هذا التحليل، حيث لوحظ أن الأحزاب (المحسوبة على الدولة) والتي جرى تشكيلها بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد، مختلفة فيما بينها، مما يوحي بأنها تتبع أجنحة متعددة داخل الدولة، وكل جناح يحاول أن يدفع برجالاته إلى الواجهة عبر القائمة الوطنية، لذا فإن السبب الرئيس لحيادية الدولة تجاه القائمة الوطنية كان في ظني الخشية من تحول الصراع بين الأحزاب إلى إفساد العملية الانتخابية كلها، وبالتالي فإنني أتوقع أن قرارا (ساميا وحاسما) هو الذي ضبط الميزان، وألزم الجميع بترك القائمة الوطنية دون تدخلات، إلا في حدود حشد كل جناح لرجالاته خلف قائمته الحزبية، وذلك حفاظا على عدم انتقال الصراع إلى داخل أجهزة الدولة نفسها.
وأتوقع أن هناك رغبة لدى أجهزة الدولة المختلفة، منها الديوان الملكي، في معرفة الوزن النسبي الحقيقي لكل حزب من الأحزاب المتنافسة، ومدى قدرته على إقناع الجماهير بالتصويت له، وربما لتسهيل عمليات الرهانات المستقبلية في اختيار أحزاب المخزن (كما تسمى في المغرب)، فهذه هي التجربة الأولى لتطبيق القانون الجديد، وكان لا بد أن تكون النتائج صادقة (إلى حد ما) من أجل تقييم هذه الخطوة.
سبب آخر ربما يكون وراء الحياد النسبي لأجهزة الدولة يتعلق بخيار أسوأ الإحتمالات (كما يسمى في الإدارة) وهو فوز هنا حزب جبهة العمل الاسلامي بمقاعد أكثر من المتوقع، وهذا المسار إن حصل (وقد حصل) فلن يكون مؤثرا على قرار المجلس في القضايا المفصلية، فقد أظهرت النتائج أن الاخوان يحتلون أقل من ربع عدد مقاعد المجلس، وربما يكون هناك 6-7 نواب محسوبون على المعارضة (النسبية، أو الولاء الناقد على رأي صديقنا عمر العياصرة) وبالتالي لدى الدولة 100 نائب على الأقل يمكن (التفاهم) معهم على (المصلحة الوطنية العليا) إذا تعذر ذلك مع الاخوان.
السبب الثالث للنتيجة يتعلق بسلوك الإخوان كجماعة، منذ قرار اعتبارهم جماعة أمر واقع وليست جماعة مرخصة فعليا، والتعامل معهم على هذا الأساس، منذ ذلك التاريخ أصبحت حسابات الإخوان دقيقة وحذرة للغاية في التعامل مع الدولة، وأصبحو يشعرون أنهم على حافة مجزرة قانونية تمتلك الدولة كافة أوراقها، ويمكن تفعيلها في أي لحظة، وبالتالي أرسل الاخوان عشرات رسائل حسن النية تجاه العلاقة من الدولة، وبخاصة في مسار الإصلاح السياسي، فتقبلوا على مضض إغلاق مقراتهم، وإزالة اللافتة التاريخية للجماعة عن تلك المقرات، وقبلوا بالعمل كضيوف من داخل مقرات حزب جبهة العمل الاسلامي، وشاركوا بشكل فاعل في لجنة التحديث السياسي، ومرروا التعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخاب، وابتعلوا مرارتها على مضض، وخفضوا سقف المواجهة في معركة نقابة المعلمين، وتسامحوا مع التدخلات المباشرة في انتخابات النقابات (وبخاصة المهندسين والزراعيين)، وضبطوا بشكل معقول تفاعلات الطلاب والجامعات ولم يوصلوها إلى مستوى المواجهة في العديد من المحطات، وكتموا غيظهم إزاء الحصار المفروض عليهم في مجلس النواب التاسع عشر، وأخيرا ضبطوا حراك الشارع الأردني أثناء معركة طوفان الأقصى ضمن الحدود المقبولة للدولة، بالرغم من بعض التجاوزات المحدودة هنا وهناك، كل ذلك ربما أقنع الدولة وأجزتها بأن الإخوان ليسوا خطرا مهددا لبنية النظام، وبالتالي يمكن تجربة خيار أسوأ الاحتمالات، مقابل الفوائد الجمة التي يمكن تحقيقها من وراء ذلك.
السبب الرابع لفوز الإخوان هو معركة طوفان الأقصى، التي تخوضها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس نيابة عن الأمة كلها، والتي تحظى بتأييد أغلبية الشعوب العربية، والجميع يعلم أن حركة حماس جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية، والعلاقة بين حماس وإخوان الأردن علاقة وطيدة، فهم تاريخيا تنظيم واحد، وحماس نشأت في حضن الإخوان الأردنيين ضمن تنظيم بلاد الشام، وبالتالي فإخوان الأردن هم الآباء الرسميون لحماس، وعلى الجانب الآخر نجد أن أغلبية الأردنيين، في المدن والريف والبادية والمخيمات يؤيدون بشكل جارف حركة حماس، ويشعرون بالتقصير تجاه نصرتها، وبالتالي كان التصويت للاخوان (في جانب منه) نوعا من التعبير عن التأييد للمقاومة، ورد الجميل لها ولأهل فلسطين، وقد استثمر الإخوان كثيرا في هذه العاطفة، فجعلوا رمز حملتهم المثلث الأخضر المقلوب، ومعظم خطاباتهم وأناشيدهم الانتخابية عن المقاومة، وذلك في تعبير واضح عن أنهم شركاء في مشروع المقاومة. دون أن نغفل عن التأكيد على وجود الإخوان التاريخي في الشارع الأردني، وأدائهم للأدوار الخيرية والاجتماعية تجاه الفئات المهمشة والمحرومة في المجتمع حتى اليوم، على الرغم من أن الدولة حاصرتهم، ونقلت إدارة جمعية المركز الاسلامي إلى قيادات الحزب الوطني الاسلامي (وربما أثر ذلك ايجابا على نتائج انتخابات الحزب)، ومع ذلك ما زال الاخوان يمارسون أدوارهم السابقة، والتي تعتبر جزءا من إلتزامهم الديني والأخلاقي تجاه المجتمع، مما أكد على مصداقيتهم عند الناس.
السبب الأخير الذي سأختم به مقالتي هذه يتعلق بالنظرة الاستراتيجية للدولة الأردنية إزاء الأوضاع في غزة، واليوم التالي للحرب عليها، ولعل حسابات الدولة تؤكد بأن حماس قوة باقية في المعادلة الفلسطينية حتى لو استمرت الحرب عاما آخر، وبالتالي فلا بد من إعادة تموضع الموقف الأردني بما يؤهله للحفاظ على المكتسبات الوطنية، ومواجهة الخيارات المستقبلة للصهاينة والأميركان (وخصوصا في حال فوز ترامب) والنوايا العدوانية لليمين الصهيوني نجاه الأردن، والرفض القاطع لإقامة الدولة الفلسطينية، فضلا عن تلاشي شعبية السلطة الفلسطينية لدى الفلسطينيين أنفسهم، كل هذه المعطيات تدفع باتجاه حقيقة واضحة تقول بأن حماس ستكون لاعبا رئيسا على الساحة السياسية الفلسطينية خلال السنوات القادمة، ولمّا كان التعامل مع حماس ليس متيسرا حاليا في ظل التحالفات الأردنية (المفيدة مرحليا) مع أميركا ومحور الاعتدال العربي، فإن تعزيز ورقة الإخوان في المشهد السياسي القادم يمكن أن يكون له فائدة في تحقيق علاقة مع حماس، حتى لو كانت في الظل وضمن الأبواب الخلفية، وربما يتمكن الإخوان (ضمن تفاهمات مع الدولة) في إعادة بناء العلاقة مع حماس بما يخدم المصالح الاستراتيجية للدولة، ويساهم في مواجهة مخططات التهجير من الضفة الغربية التي يدفع اليمين المتطرف باتجاه تنفيذها خلال الفترة القادمة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الاخوان انتخابات الأردن خالد أحمد حسنين العملیة الانتخابیة القائمة الوطنیة العمل الاسلامی من أجل
إقرأ أيضاً:
رئيس الدولة: العمل الإنساني من سمات هويتنا الوطنية
استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، أمس – في مجلس قصر البطين في أبوظبي – وفد ممثلي “مؤسسة إرث زايد الإنساني” والجهات التابعة لها بجانب عدد من الشخصيات المانحة للمؤسسة من القطاعين العام والخاص.
وعبر صاحب السمو رئيس الدولة خلال اللقاء.. عن شكره للقائمين على “مؤسسة إرث زايد الإنساني” والجهات التابعة والمانحين لما يقومون به من دور مهم في تعزيز رسالة دولة الإمارات الإنسانية في العالم ونهجها في العطاء والعمل من أجل سعادة الإنسان وتنميته وصون كرامته، إضافة إلى تجسيد الإرث الإنساني للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” كونه مصدر إلهام دائما للأجيال في الخير ومد يد العون للمحتاجين.
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن العمل الإنساني المجرد مسؤولية أخلاقية وسمة أساسية من سمات هويتنا الوطنية، ومن هذا المنطلق تعمل دولة الإمارات من خلال مؤسساتها المعنية على تعزيز القيم الإنسانية التي غرسها الشيخ زايد لتكون حافزاً على مضاعفة الخير والتعاون الإنساني المشترك لتحسين حياة الملايين من البشر في مختلف أرجاء العالم خاصة في المجتمعات التي تحتاج إلى المساعدة.
من جانبهم قدم الوفد أطيب التهاني إلى صاحب السمو رئيس الدولة بمناسبة شهر رمضان المبارك داعين الله تعالى أن يديم على سموه الصحة والسعادة وعلى دولة الإمارات التقدم والازدهار.
وضم الوفد ممثلين عن مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، ومبادرة “بلوغ آخر ميل”، ومؤسسة الإمارات، وجائزة زايد للاستدامة، وصندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية، وصندوق الوطن، والصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى، وجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، وجائزة خليفة التربوية، وجائزة محمد بن زايد للتعليم، والمعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية “غلايد” ومؤسسة الأنهار النظيفة.
يذكر أن مؤسسة إرث زايد الإنساني تأسست خلال شهر نوفمبر عام 2024 بموجب مرسوم اتحادي أصدره صاحب السمو رئيس الدولة فيما تعمل المؤسسة بقيادة سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء رئيس مجلس الشؤون الإنسانية الدولية رئيس مجلس أمناء مؤسسة إرث زايد الإنساني..ضمن خمسة مجالات رئيسية تشمل الصحة العالمية، والتعليم والتمكين الاقتصادي، والزراعة المستدامة والأمن الغذائي، والطاقة والمناخ والبيئة، والموروث الإماراتي والخدمة المجتمعية.
حضر مجلس قصر البطين..سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة وسمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي وسمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان وسمو الشيخ عبد الله بن راشد المعلا نائب حاكم أم القيوين وسمو الشيخ سرور بن محمد آل نهيان وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان وسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وسمو الشيخ خالد بن زايد آل نهيان رئيس مجلس إدارة مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم وسمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون الخاصة ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش ومعالي الشيخ محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان مستشار رئيس الدولة والشيخ عبد العزيز بن حميد النعيمي رئيس دائرة التنمية السياحية في عجمان وعدد من الشيوخ وكبار المسؤولين والمواطنين والضيوف.وام