ألمانيا.. من اقتصاد قوي إلى بلد مريض
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
مع ارتفاع حالات غياب الموظفين في ألمانيا، يلجأ أصحاب العمل مثل شركة تسلا إلى أداة جذابة لتحفيز العمال على الحضور تتمثل في مكافأة مقابل الحصول على أيام مرضية أقل، بحسب وكالة بلومبرغ.
إن حوافز الحضور هذه تعد مثيرة للمشاكل - ليس أقلها لأنها تحفز الحضور حتى في حالة المرض، مما قد يؤدي إلى انتشار العدوى بين العمال - ولكن حقيقة أن الشركات تفكر في مثل هذه التدابير الاستثنائية تكشف عن شدة أزمة القوى العاملة التي تجتاح أكبر اقتصاد في أوروبا.
لقد أدى مزيج من زيادة التهابات الجهاز التنفسي في أعقاب كوفيد وتدهور الصحة العقلية إلى دفع حالات الغياب المرضي إلى أعلى مستوى في تاريخ ألمانيا بعد إعادة التوحيد، مما أضعف النمو الاقتصادي وفاقم من أزمة نقص العمالة، في حين ألقى بأعباء إضافية على الشركات ونحو ثلث العمال الذين يحضرون باستمرار.
وأوضح كاتب التقرير كريس براينت، والذي كان يعمل سابقا في صحيفة فاينانشال تايمز، أن الشكوك حول قيام بعض الموظفين بالبقاء في المنزل حتى عندما يكونون أصحاء قد ارتفعت، وذلك بفضل المزايا المالية المغرية المقدمة أثناء المرض بالإضافة إلى القواعد التي تم وضعها خلال الوباء والتي تجعل من الأسهل الاتصال للإبلاغ عن المرض.
لكن الوضع ما يزال بعيدا كل البعد عما يحدث في الولايات المتحدة، التي لا تضمن حتى الآن إجازة المرض المدفوعة، حيث يأخذ العمال في المتوسط يومين إجازة في السنة بسبب المرض، في حين أن العاملين في المملكة المتحدة يغيبون حوالي 8 أيام في المتوسط كإجازة مرضية.
في ألمانيا، ارتفع هذا الرقم إلى 15 يومًا على الأقل لكل موظف، وبعض التقديرات تشير إلى اقتراب عدد الأيام من الـ 20 يوما. هذا أحد أعلى المعدلات في أوروبا؛ ويقول خبراء الاقتصاد إنه لو كان الحضور أفضل، لكان من الممكن أن تتجنب ألمانيا الركود في العام الماضي.
وبحسب صحيفة بيلد الألمانية، حذر مديرو شركة فولكس فاغن، الذين يعتزمون إغلاق المصانع الألمانية والتسريح الإجباري لأول مرة، من أن حوالي 10 بالمئة من عمال خطوط الإنتاج في حالة غياب الآن. وهذا أكثر من ضعف المستوى المتوقع ويكلف شركة صناعة السيارات مليار يورو (1.1 مليار دولار) سنويًا.
وفي مواجهة مشاكل مماثلة في التوظيف في مصنعها بالقرب من برلين، تعمل تسلا على إيجاد حلاً غير عاديا وهو: مكافأة تصل إلى 1000 يورو للحضور المستمر.
وفي الوقت الحالي، يقتصر البرنامج التجريبي لتسلا على 100 موظف فقط، كما قال مدير المصنع أندريه ثيريج لصحيفة هاندلسبلات في يونيو، مضيفًا أنه للحصول على المبلغ بالكامل، يحتاج العمال إلى معدل حضور لا يقل عن 95 بالمئة سنويا.
لكن شركة تسلا ليست الوحيدة، فشركة النقل في مدينة كيل، KVG، تدفع لسائقي الحافلات ما يصل إلى 250 يورو إضافية كل ربع سنة مقابل الحضور الجيد، بحيث يحصل الموظف على المبلغ بالكامل في حال سجل حضورا بنسبة 100 بالمئة، بينما يحصل الموظفون الذين يأخذون ثلاثة أو أربعة أيام إجازة على نصف المكافأة، كما بدأت مجموعة مرسيدس-بنز AG في تقديم مكافأة حضور بقيمة 50 يورو للعاملين الألمان في عام 2017، ولكن تم إيقاف البرنامج بعد عامين.
وبحسب التقرير، فإن أخر شيء تحتاجه ألمانيا هو موظفين في حالة صحية سيئة ينشرون الفيروسات فقط لكسب بعض المال الإضافي؛ كما أن هذه السياسات تعاقب العمال الذين يعانون من حالات صحية خطيرة أو مزمنة ليس لديهم فرصة للحصول على مكافأة.
إن دفع المال للناس مقابل الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية يخاطر أيضًا بتقليل قيمة العمل، وتسميم الانسجام في مكان العمل، وتسبب في عواقب غير مقصودة - عندما تم عرض حوافز الحضور على المتدربين في سلسلة سوبر ماركت ألمانية، زاد الغياب بنحو 50 بالمئة، لأن الحوافز المالية جعلت التهرب يبدو مقبولاً، وفقًا لدراسة أجريت عام 2023.
لكن أرباب العمل يفتقرون إلى خيارات سهلة لمكافحة التغيب على العمل: فحتى الآن، كانت سوق العمل القوية نسبيا، إلى جانب نقص العمالة في القطاعات الرئيسية، سببا في منح الموظفين اليد العليا.
وبينما لا يزال الألمان معروفين دوليا بأخلاقيات العمل لديهم، فإنهم لا يخجلون من الاتصال بالأطباء لإبلاغهم بأنهم مرضى: فقد اعترف ما يقرب من 60 بالمئة منهم بأنهم فعلوا ذلك عندما كانوا في الواقع لائقين للعمل، وفقا لمسح أجرته شركة التأمين الصحي برونوفا بي كيه كيه في نوفمبر. (ووجد نفس المسح أن الموظفين أصبحوا أكثر ترددا في الذهاب إلى العمل عندما يشعرون بالتعب ــ وهو تطور إيجابي).
أخلاقيات العمل الألمانية؟إليكم كيف استجاب الألمان عندما سُئلوا عن مدى تكرار غيابهم عن العمل بسبب المرض، أو طلبهم عذرًا من الطبيب، في حين أنهم كانوا في الواقع لائقين للعمل.
ليس من السهل على المديرين طرح مثل هذا الموضوع الحساس، ولا يوجد سوى الشعور بالذنب لإقناع الموظفين بعدم البقاء في المنزل. يتمتع الألمان بحق الحصول على ما يصل إلى ستة أسابيع من إجازة المرض براتب كامل؛ تتحمل الشركات التكاليف والتي تبلغ حوالي 70 مليار يورو سنويًا. (بعد ذلك، يمكن للعمال الحصول على ما يصل إلى 70 بالمئة من الأجور الإجمالية التي تغطيها شركة التأمين الصحي الخاصة بهم لمدة تصل إلى 72 أسبوعًا).
لا تنتهي إعانات المرض في ألمانيا عند هذا الحد: يمكن للعمال المنهكين أن يطلبوا من طبيبهم إرسالهم إلى منتجع صحي لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع، مع تحمل شركة التأمين الخاصة بهم معظم التكاليف.
قال نيكولاس زيبراث، خبير اقتصاديات الإجازة المرضية في مركز لايبنيز للبحوث الاقتصادية الأوروبية ZEW، لوكالة بلومبرغ ""يصاب الأميركيون بالذهول عندما يسمعون عن النظام الألماني؛ فإذا ضمنت للعمال 100 بالمئة من رواتبهم لعدة أسابيع، فمن الطبيعي أن يتصل الناس للإبلاغ عن المرض، إن الألمان ببساطة لا يقبلون أن يتم معاقبتهم لكونهم مرضى".
ويبدو إن إصلاح النظام مستحيلا سياسيا: فعندما خفضت حكومة هلموت كول من يمين الوسط إعانات المرض إلى 80 بالمئة من الدخل الإجمالي في تسعينيات القرن العشرين، كانت الاحتجاجات شرسة لدرجة أن السياسة سرعان ما تم عكسها.
لقد وعدت حكومة الائتلاف اليوم على الأقل بمراجعة اللوائح التي تسمح للأطباء بإعفاء المرضى من العمل لمدة تصل إلى 5 أيام عبر الهاتف - دون رؤيتهم شخصيًا. تم وضع القواعد أثناء الوباء لمنع المرضى من الازدحام في عيادات الأطباء ونشر العدوى.
ومع ذلك، فإن الوضع الراهن غير مستدام ويخاطر بإنشاء دائرة مفرغة: القوى العاملة في ألمانيا تتقدم في العمر وبالتالي ستصبح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. ومع انكماش عدد السكان في سن العمل، سيزداد الضغط على الموظفين في الشركات والمؤسسات التي تعاني من نقص في الموظفين، مما يعني أنهم يميلون إلى الإصابة بالمرض بشكل متكرر. (معدلات المرض المرتفعة بشكل خاص بين العاملين في مراكز الرعاية النهارية؛ إذا كانت المرافق التي تعاني من نقص الموظفين مجبرة على الإغلاق، فقد يُجبر الآباء على غيابهم عن العمل).
وإذا كانت الشركات مجبرة على دفع المزيد من المكافآت للموظفين لضمان حضورهم، فقد تقرر في المرة القادمة التوظيف أو الاستثمار في مكان آخر.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات المرض انتشار العدوى العمال الشركات ألمانيا الوباء ألمانيا الاقتصاد ألمانيا الركود فولكس فاغن التوظيف العمال الموظفين ألمانيا اقتصاد ألمانيا المرض انتشار العدوى العمال الشركات ألمانيا الوباء ألمانيا الاقتصاد ألمانيا الركود فولكس فاغن التوظيف العمال الموظفين اقتصاد عالمي فی ألمانیا بالمئة من تصل إلى
إقرأ أيضاً:
وفاة معتقل سياسي مصري بسبب الإهمال الطبي.. مريض بالقلب
وثّق مركز الشهاب لحقوق الإنسان في مصر وفاة المعتقل السياسي ياسر خشاب، المنحدر من محافظة دمياط شمال البلاد، داخل سجن وادي النطرون الجديد، وذلك بعد معاناة طويلة مع مرض القلب، نتيجة ما وصفه المركز بـ"الإهمال الطبي المتعمّد" ورفض إدارة السجن نقله لتلقّي العلاج اللازم رغم خطورة حالته الصحية.
وأوضح المركز، في بيان صادر، الإثنين، أنّ خشاب كان بحاجة ماسة لإجراء عملية قلب مفتوح منذ أكثر من عامين، غير أنّ جهاز الأمن الوطني رفض نقله إلى مستشفى القصر العيني، بذريعة وجود مركز طبي داخل مجمّع السجون.
وأشار إلى أن هذا المركز، الذي يُعرف بين المعتقلين بـ"المركز القاتل"، يفتقر إلى أدنى مقوّمات الرعاية الصحية، لافتًا إلى أن مرضى القلب يخرجون منه جثثًا هامدة، بسبب الإهمال وسوء المعاملة من قبل الأطباء، الذين يُلقبون داخل السجن بـ"الجزارين".
وأكد المركز الحقوقي أن إدارة السجن، وفي اعتراف نادر، أقرّت بتقصير الكوادر الطبية وامتناعهم عن أداء مهامهم، في وقت تتدهور فيه صحة عشرات المعتقلين، لاسيما أولئك المصابون بأمراض مزمنة كالقلب والكبد، وسط غياب تام للرعاية الصحية.
وأضاف البيان أن إدارة السجن أعلنت، بعد تدهور حاد في حالة خشاب، نقله إلى مستشفى القصر العيني، إلا أنه فارق الحياة قبل أن يتلقى العلاج المطلوب.
وطالب مركز الشهاب لحقوق الإنسان النائب العام المصري بفتح تحقيق عاجل وشفاف في الحادثة، ومحاسبة جميع المتورطين في الإهمال الطبي الذي أدى إلى الوفاة، محذّراً من ارتفاع حالات الوفاة داخل السجون ومقار الاحتجاز في مصر في ظل انعدام المساءلة وغياب التحقيقات الجادّة من قِبل النيابة العامة.
وفي سياق متصل، وثّقت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، الأحد الماضي، وفاة شاب يُدعى محمود أسعد (26 عامًا) داخل قسم شرطة الخليفة بمحافظة القاهرة، بعد أيام من توقيفه، وسط اتهامات بتعرضه للتعذيب على يد أفراد من الشرطة.
من جانبها، أصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانًا نفت فيه تعرّض أسعد للتعذيب، مشيرة إلى أنه كان محبوسًا على ذمة قضية اتجار في المواد المخدرة، وبحسب رواية الوزارة، فقد انتابته نوبة هياج داخل محبسه، واعتدى على عدد من النزلاء، ما تسبب في نشوب مشاجرة بينهم، وعليه تم نقله إلى غرفة حجز أخرى، حيث اشتبك مجددًا مع أحد النزلاء، ثم شعر بإعياء ونُقل إلى المستشفى لكنه توفي لاحقًا.
وأضافت الوزارة أنها اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة، وأبلغت النيابة العامة بالواقعة.
في المقابل، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة وتصريحات من أسرة الشاب، بينهم والدته وابنة خالته إسراء سلامة، وهي مسؤولة في حزب "حماة الوطن"، أكدتا فيها أن محمود قُتل نتيجة تعذيب مبرّح، وطالبتا بعرض جثمانه على مصلحة الطب الشرعي لإجراء تحقيق مستقل.
وسبق أن وثّقت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" في تقارير سابقة عشرات حالات الوفاة داخل السجون وأقسام الشرطة في مصر، مشيرة إلى أن معظمها لم يشهد تحقيقات جدية أو محاسبة للمسؤولين، وهو ما يعزز مناخ الإفلات من العقاب في ظل ما وصفته بـ"تواطؤ النيابة العامة وتقصيرها في الرقابة والتفتيش على أماكن الاحتجاز".
كما أشارت تقارير حقوقية إلى أن عام 2024 شهد أكثر من خمسين حالة وفاة بين السجناء السياسيين في أماكن الاحتجاز المختلفة، نتيجة الإهمال الطبي وسوء أوضاع الحبس، فيما وثّقت حملة "لا تسقط بالتقادم" التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات 137 حالة وفاة وقعت خلال الفترة بين عامي 2022 و2024، شملت أقسام شرطة ومراكز احتجاز رسمية وأخرى غير رسمية مثل مقار الأمن الوطني ومعسكرات الأمن المركزي.
ويُطلق على السجناء السياسيين في مصر وصف "معتقلين" من قبل المنظمات الحقوقية، إذ جرى توقيفهم بموجب قوانين مشددة سُنّت في السنوات الأخيرة، مثل قوانين مكافحة الإرهاب، والتظاهر، والطوارئ، وغالبًا ما يُحاكمون أمام محاكم استثنائية كالقضاء العسكري أو محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، ويواجهون اتهامات سياسية مثل "بث ونشر أخبار كاذبة، التحريض على العنف والإرهاب، وتهديد الأمن القومي"، وغيرها من التهم التي تدخل تحت مظلة هذه القوانين.