تفاصيل أكبر مشروع لنقل الغاز بآسيا دشنته طالبان
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
كابل- أفغانستان التي تقع على مفترق طرق الحضارات قديما، والتي كانت محطة مهمة على طريق الحرير القديم الذي وصل الصين بأوروبا عبر آسيا، هي كذلك همزة الوصل بين وسط آسيا وجنوبها. وسط آسيا حيث الدول الغنية بمنابع الطاقة كالغاز والنفط، وجنوبها حيث تعاني باكستان والهند نقصا في الطاقة.
تعود كابل لتمارس دورها الحضاري القديم من خلال تدشين مشروع "تابي" لنقل الغاز، حيث جرى، أمس الأربعاء، حفل تدشين هذا المشروع على الحدود بين أفغانستان وتركمانستان بحضور رئيس وزراء حكومة طالبان ملا حسن آخند ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الغني برادر ووزير المناجم وأعضاء من الحكومة.
وسينطلق العمل رسميا في الجزء الأفغاني من خط أنابيب الغاز بولاية هرات. ووفقا لذبيح الله مجاهد المتحدث الرسمي لحكومة طالبان، فإن المرحلة الأولى من المشروع ستبدأ في هرات وأكد "سيكون انتقال الغاز لصالح الشعب الأفغاني".
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par أفغانستان بالعربي (@afghanarabc)
ما مشروع "تابي"؟بحسب موقع وزارة المناجم الأفغانية، يُعتبر مشروع نقل الغاز من تركمانستان إلى باكستان والهند عبر أفغانستان "تابي" (وهو اسم يشير إلى الحروف الأولى لأسماء الدول المشاركة فيه) من المشاريع الإقليمية الضخمة والواعدة لنقل الغاز بين وسط وجنوب آسيا.
ويبلغ الطول الإجمالي لخط أنابيب غاز "تابي" 1814 كيلومترا، ويمر عبر ولايات هرات وفراه ونيمروز وهلمند وقندهار في الجزء الأفغاني، حيث يبلغ طول الخط داخل الأراضي الأفغانية 816 كيلومترا. وفي أفغانستان أيضا، يمتد هذا الخط على طول طريق هرات قندهار السريع، ثم يمر عبر كويتا ومولتان في باكستان، وصولا إلى مدينة فزيلكا في الهند.
وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذا المشروع 22 مليارا و500 مليون دولار. ومن المتوقع أن ينقل قرابة 33 مليار متر مكعب من الغاز، سيكون نصيب أفغانستان منها 500 مليون متر مكعب وسيتم تقسيم الباقي بين باكستان والهند.
وبحسب المتحدث الرسمي لوزراة المناجم والبترول همايون أفغان، فقد تم اتخاذ جميع الاستعدادات للبدء بهذا المشروع الذي سيوفر فرص عمل لآلاف الأشخاص بشكل مباشر وغير مباشر. وأضاف أنه من المتوقع أن يبدأ العمل فيه بشكل عملي بدءا من أمس، وستتمكن البلاد من الحصول على طاقة رخيصة ومستدامة.
متى بدأت فكرة المشروع؟تعود فكرة المشروع إلى 30 عاما ماضية وخلال فترة حكومة طالبان السابقة في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن الحروب وعدم الاستقرار أعاقا بدء العمل في الجزء الأفغاني منه.
واستمرت المفاوضات بين تركمانستان والدول الأخرى لسنوات، وعام 2003 -وبدعم من بنك التنمية الآسيوي- دعت الهند للاشتراك بهذا المشروع والتي وافقت لاحقا عليه. وعام 2016 تم توقيع اتفاقية بين الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي ورئيسي باكستان وتركمانستان ووزير البترول الهندي.
كان وزير الخارجية في حكومة طالبان المولوي أمير خان متقي قد أعلن في وقت سابق أن أفغانستان ستجني نحو 450 مليون دولار سنويا كرسوم عبور، وذلك خلال اجتماع تحضيري لمناقشة بدء العمل في مشروع "تابي".
ووفقا للاتفاقية بين كابل وعشق آباد، ستحصل أفغانستان لمدة 30 عاما على 500 مليون متر مكعب من الغاز سنويا في السنوات العشر الأولى، ومليار متر مكعب في السنوات العشر الثانية، ومليارين ونصف المليار في السنوات العشر الثالثة. كما سيتم توفير آلاف فرص العمل للأفغان خلال عمليات الإنشاء والتعمير.
وترى غرفة التجارة الأفغانية أن تنفيذ هذا المشروع مهم جدا في تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة.
يأمل عضو مجلس إدارة الغرفة خان جان الكوزي أن يبدأ العمل فورا بهذا المشروع، وقال "نأمل ألا يكون هناك المزيد من التأخير، إن أهمية هذا المشروع عالية للغاية، أعتقد أنه سيكون هناك تغيير كبير للغاية في اقتصادنا".
من جانب آخر، فإن هذا المشروع سيتيح فرص عمل كثيرة لاسيما في عملية البناء وصيانة الأنابيب والخدمات الفنية والاستشارية والنقل.
ما المشاريع الأخرى التي يتم تنفيذها مع خط "تابي"؟سيتم تنفيذ العديد من المشاريع الأخرى على طول خط الأنابيب، ومنها مشروع نقل الكهرباء بقدرة 500 كليوواط بين تركمانستان وباكستان عبر أفغانستان.
وبناء على التصريحات الحكومية، ستحصل كابل على ما يصل إلى 110 ملايين دولار من حقوق العبور من نقل الكهرباء، وسيتم بناء 3 محطات فرعية للكهرباء في ولايات هرات وفراه وقندهار.
كما سيتم أيضا مد كابلات الألياف الضوئية في المنطقة لربط الدول المجاورة، وهناك مشروع آخر سيتم تنفيذه على طول خط أنابيب الغاز، وهو خط السكة الحديدية الذي يربط باكستان وتركمانستان عبر أفغانستان.
هل سيطفئ "تابي" التوترات بالمنطقة؟باستثناء تركمانستان التي تُعرف بأنها إحدى الدول المحايدة في الشؤون العالمية، فإن أفغانستان وباكستان والهند كانت دائما في حالة توتر وحروب قصيرة المدى مع بعضها البعض في العقود القليلة الماضية.
وتزايدت حدة هذه التوترات خاصة بين الهند وباكستان، فبالإضافة للمناوشات العسكرية على الحدود بين البلدين، لطالما تبادل مسؤولوهما التهديدات. كما شهدت أفغانستان توترات حادة مع إسلام آباد خلال العقود القليلة الماضية بين معظم الأنظمة التي توالت على حكم الدولتين الجارتين. لكن هذا المشروع سيعمل على ربط المصالح الاقتصادية المشتركة بين هذه الدول.
وتاريخيا، منعت العلاقات التجارية والاقتصادية حروبا عدة وأرست السلام والاستقرار، مثل التعاون الاقتصادي بين أوروبا ودول وسط آسيا، وعلاقة الصين مع الدول الإقليمية، لذلك فلعل هذا المشروع يكون خطوة أولى باتجاه إرساء الاستقرار في المنطقة المتوترة.
ولعل نجاح مشروع "تابي" يوضح تأثير أفغانستان في التفاعلات الإقليمية والدولية ويمكن أن يشكل بداية لمشاريع مشتركة أخرى مع الدول الأخرى، وإن نجاحها في هذا الاختبار لن يقنع المنطقة فحسب، بل العالم بأنه لديها القدرة على أن تكون شريكا وصديقا يمكن الاعتماد عليه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات هذا المشروع خط أنابیب متر مکعب
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: من طرف خفي 51
كان من المفترض أن يكون ذلك المقال هو استكمال موضوع مقالة من طرف خفي 50 التي تناولت بها علاقة سيناء بتابوت العهد، الا انني فضلت التحدث هنا عن موضوع أكثر خطورة علي الأمن القومي و الهوية المصرية و العربية معا، نظرا لما حدث مؤخرا بشأن ظهور أحد الشخصيات بملابس غير لائقة أثناء تمثيله مصر في محفل دولي .
الفن الهابط أداة للسيطرة وتفكيك الانتماء و يعد أهم استراتيجية اعتمد عليها مشروع الشرق الأوسط الكبير لبرنارد لويس، و سبق و تحدثت عنها مرارا من خلال سلسلة مقالات من طرف خفي ، ومقالات أخرى، فضلا عن مجموعة كتب مغامرات صحفية لكشف الربيع العبري.
في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية، يتعاظم دور الفن والإعلام كأدوات تشكيل الوعي المجتمعي، إلا أن تساؤلًا بات يطرح نفسه بإلحاح: هل ما يُقدَّم على الشاشات الآن هو فنٌ حقيقي؟ أم أنه وسيلة لإلهاء الشعوب وإعادة تشكيل انتماءاتها؟
ولعل الإجابة تقودنا إلى مسارات أعمق ترتبط بما يُعرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وهي خطة جيوسياسية تهدف لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالح قوى كبرى، باستخدام أدوات ناعمة أبرزها الإعلام والفن.
الفن الهابط.. تغييب الوعي لا تنويره
الفن، كما يفترض أن يكون، هو انعكاس للواقع وتعبير عن آمال الناس آلامهم، لكنه في العقود الأخيرة، تحول –بشكل ملحوظ– إلى منتج استهلاكي يروّج للسطحية والانحلال القيمي. مسلسلات وأغاني وبرامج مليئة بالإثارة الإيحاءات، ومليئة أكثر بمحاولات نسف الهوية الثقافية والذوق العام.
يسهم هذا النوع من الفن في قتل الحس النقدي لدى المتلقي، ويخلق أجيالا تبحث عن الشهرة السريعة والمكاسب الرخيصة، بدلا من العلم والعمل والانتماء الحقيقي للأوطان.
السيطرة على الإعلام.. الماسونية
عبر تاريخها، سعت الجماعات السرية مثل الماسونية إلى اختراق مفاصل الإعلام والفن، انطلاقًا من فهمها العميق لتأثير الصورة والكلمة في تشكيل وعي الشعوب.
من خلال امتلاك شركات إنتاج عملاقة، وشبكات بث عالمية، استطاعت تلك القوى أن تفرض رسائل معينة بشكل ناعم ومتكرر: تمجيد الفردية، تفكيك الأسرة، تشويه الرموز الوطنية، والترويج لثقافة الاستهلاك، وكلها تصب في تقويض مفاهيم الانتماء والهوية الجماعية.
في كثير من الأعمال المنتشرة على نطاق واسع، نلحظ رموزًا ماسونية صريحة، أو رسائل مشفرة تخاطب اللاوعي وتخترق دفاعات العقل.
مشروع الشرق الأوسط الكبير.. تفكيك لا تطوير
أطلق هذا المشروع رسميًا في أوائل الألفينات كخطة لتحديث المجتمعات العربية وفق "نموذج ديمقراطي غربي"، لكنه في جوهره كان محاولة لإضعاف الدول المركزية، وإثارة الفوضى الخلّاقة، وإعادة تشكيل الانتماءات من الوطنية إلى الطائفية والعرقية.
الفن الهابط، والإعلام الموجّه، كانا جزءًا من أدوات تنفيذ هذا المشروع. فبدلًا من دعم الفنون الهادفة التي تعزز روح المقاومة والهوية، جرى تلميع "النجوم" المصطنعين، وتهميش الفنانين الحقيقيين، ومحاصرة الأصوات الحرة.
الانتماء.. الضحية الصامتة
في خضم هذه المنظومة، كان الانتماء أول الضحايا. الانتماء للأسرة، للهوية الثقافية، للوطن. فحين يُسخّف التاريخ، ويُستهزأ بالرموز، وتُشيطن الوطنية، يُصبح الفرد فريسة سهلة لأي مشروع خارجي.
ولذلك فإن مقاومة الفن الهابط ليست معركة ذوق فقط، بل معركة وعي ووجود. مقاومة إعلام التسطيح ليست ترفًا، بل ضرورة للحفاظ على ما تبقى من انتماء وهوية في وجه مشاريع التفتيت.
حين نربط بين الفن الهابط، السيطرة على الإعلام، المشروع السياسي الكبير، والانتماء، نكتشف أننا أمام معركة وعي شاملة. والرد لا يكون بالرفض فقط، بل بصناعة البديل: فن راقٍ، إعلام صادق، مشروع ثقافي نهضوي، يعيد بناء الإنسان المصري و العربي على أسس من الانتماء والكرامة والحرية.