الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (4)
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
سمات الصراع الشخصي وأسس الصراع الفكري
أشار دستور الحزب إلى أهمية الصراع الفكري كضرورة حيوية لتطوير الحزب ولا يجوز التغاضي عنه أو تمويهه أو قمعه، إلا وتحول إلى صراع شخصي... التشديد الأخير من عندي. والصراع الفكري هو مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة والرأي بالرأي الآخر، وقد وضع له الحزب أطر وقواعد لإدارته.
الصراع الشخصي له سمات عدّة منها الثرثرة، التكتل، البلاغات الكيدية، واستقلال النفوذ باسم المركزية الديمقراطية، التي تنص على إلزام الهيئات الدنيا بقرارات الهيئات العليا. وكثيراً ما نجد داخل الهيئة نفسها، ولضعف الوحدة الفكرية وغياب المنهجية، يتم حسم القضايا بالتصويت مع رأي الأغلبية الميكانيكية الذي يتخذ أحياناً دون مسوغات وحجج مقنعة، أو تحت مؤثرات موضوعية مثل وزن ومكانة الشخص أو الهيئة التي قدمت الاقتراح الذي يتم التصويت عليه. وغالباً ما ينتهي التصويت بأن يفقد الحزب أحد طرفي الصراع، إما بالفصل أو بالتوقف والتمرد من العضو أو بالاستقالة. وهناك ظاهرة جديدة استشرت في الحزب مؤخراً تتمثل في تجميد النشاط، بأن يبتعد العضو عن ممارسة النشاط الممثل في حضور الاجتماعات وتسديد الاشتراك، تظل عضويته معلقة في غياب اللائحة.
معظم هؤلاء الأعضاء المبتعدين اختياريا، بعد أن صار الحزب كياناً طاردا، أو ابتعدوا مكرهين بعد تهميشهم أو توقيفهم، لا زالوا يحملون الولاء للفكر الشيوعي مؤمنين بسلامة الرؤى الماركسية لدراسة وتحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية، لم يخونوا أو يبيعوا قضايا الحزب والشعب، ولم تخبُ جذوة النضال فيهم. آثروا الابتعاد وتجميد النشاط هرباً من اغتيال الشخصية معنوياً. مع أنّ أرواحهم ظلت معلقة بالحزب، وتاريخهم النضالي وتضحياتهم هي زادهم لمواصلة الحياة والعطاء.
وقد أسفرت الصراعات الشخصية عن وجهها القبيح وخرجت للعلن بشكل مؤثر في وبعد المؤتمر السادس للحزب، الذي حقق فيه التيار المتشدد نصره المؤزر على تيار التغيير. أعاد كلّ ما تجاوزته اللائحة والبرنامج في المؤتمر الخامس من مركزية ديمقراطية وبناء الشيوعية. ولم يكتفي ذلك التيار التنظيمي المتشدد، أو بالأحرى مركز القوى المتكتل داخله، بتلك المكاسب، بل عمل على إبعاد رموز التغيير، ففقد الحزب خيرة كوادره ورموزه وقياداته التاريخية أمثال الدكتور المناضل الشفيع خضر، الطبيب الوحيد الذي تفرغ للعمل الحزبي قرابة الأربعين عاماً قبل الفصل التعسفي الذي طاله، كما طال الفصل العديد من كوادر الحزب التي حملت عبء وجوده وحمايته وتأمين قياداته في أحلك الظروف والأوضاع السياسية والأمنية، مثل الأستاذ حاتم قطان الذي حمل على ظهر بعير الأستاذ التجاني الطيب بابكر وطوى به صحراء العتمور إلى أن أوصله آمنا سالماً إلى القاهرة في رحلة محفوفة بالمخاطر. وكذلك المرحوم عبد الماجد بوب الذي خرج غاضباً وكتب استقالة كلها إدانة وغضب، وللأسف رحل قبل أن يتلقى رد الحزب عليها تاركاً إياها كصخرة سيزيف تحملها هذه القيادة على ظهرها إلى أن تتم معالجة أسبابها المعالجة الشجاعة الصحيحة.... وهناك العديد من الأسماء والأعضاء، لا يسع المجال لذكرهم تم تهميشهم ولم يشفع لهم تاريخهم ولا ما قدموا من تضحيات وتفاني من أجل أن تظل راية الحزب عالية خفاقة، مناراً ومرشدا وهاديا للنضال والكفاح من أجل وطن جميل جدير بالحياة.
هذه صورة بانورامية لَمَّا يجري الآن بعد أن فقد الحزب توازنه التاريخي بين المكونين. التوازن الذي حافظ على وجود الحزب تنظيمياً وجماهيريا في أحلك الظروف، حين كان التياران مكملان لبعضهما البعض، يعملان في تناغم، بادراك ووعي بأن لا غنى لأي منهما عن الآخر ... وإن ظلت القيادة والهيمنة الفكرية ورسم خط الحزب دوماً بيد التيار الجماهيري إلى أن جاء المؤتمر السادس، الذي انقلبت فيه الأوضاع رأسا على عقب، وصارت الهيمنة بيد التيار المتشدد الذي - للأسف – كان قد أهم ركائزه وهو الأستاذ التجاني الطيب. فتولت مجموعة صغيرة زمام الأمر، تنقصها الخبرة والحكمة، فبادرت إلى حملة إقصاء طالت الكثيرين من قيادات الحزب وجزءا كبيرا منهم كان محسوباً على نفس التيار، إلا أنهم اختلفوا معهم في رفض السياسة الإقصائية التي تنتهجها القيادة الجديدة.
وثالثة الأثافي التي أصابت الحزب تمثلت في خروج الدكتور المناضل مصطفى خوجلي رئيس وزراء حركة 19 يوليو 1971. وكما قال لي أحد الشيوعيين السابقين، بأن حزب يستقيل منه قيادي مثل الدكتور القامة مصطفى خوجلي عليه أن يراجع نهجه وسياساته وأن يبحث عن أخطائه وعن مكامن الداء فيه. ولا ننسى الاستقالة الجماعية التي تقدم بها تسعة عشر طبيباً، التي هي في فحواها رسالة عنقودية وليست استقالة عادية. فمن المعروف - حسب اللائحة - أن الاستقالة في الحزب الشيوعي عمل فردي. ولا أظن تلك الحقيقة غائبة عن موقعيها، ولكنهم أرسلوا رسالة- يا للأسف - لم يحقق فيها أو مع أي فرد من مقدميها! وبينما الجميع في الانتظار، فاجأت القيادة الجميع وأصدرت قرارها بفصلهم، في خطوة أشبه بأسلوب رؤساء الأنظمة الشمولية، وكأنهم كانوا هماً وكابوساً وعبئا ثقيلا جثم على صدر القيادة وانزاح.
في كل الأحزاب السياسية، سواء في السودان أو في العالم، حينما تسقط عضوية أي من منتسبيها، لأي سبب كان، بالفصل أو الاستقالة ويتجمد نشاط العضو الحزبي، تظل العَلاقة والصداقة والروابط بينه وبين حزبه وعضويته طبيعية مهما كانت درجة الخلاف التي استدعت ابتعاده عن الحزب، عدا في الحزب الشيوعي السوداني، فمهما كانت درجة العلاقة والتضحيات، وكمّ العطاء الذي قدمه العضو قبل ترجله، فهو بمجرد خروجه يتحول لخصم لدود، كل من يتعامل أو يتقارب معه من الأعضاء حتى ولو في المناسبات الاجتماعية، يصير موضع شك وريبة، وتسد كافة الطرق لعودته للحزب من جديد، وذلك للأسف بسبب شخصنة الصراع الذي يولد الكراهية والبغضاء، وقد لامسنا جميعاً كيف تم التعامل مع الذين غادروا الحزب ولا زالوا ينشطون في العمل العام مؤخراً، مثلما جرى مع الدكتور عبد الله حمدوك فبمجرد أن استعان ببعض من المجموعة التي تم فصلها من الحزب، وكذلك بسبب علاقته بالدكتور الشفيع خضر، تحول إلى خصم لدود، وأي نجاح يمكن أن ينسب له سواء في الاقتصاد أو السياسة، هو مرفوض وموضع شك وذم وتبخيس وتخوين، وهذه الحالة ليست وليدة هذه القيادة، بل هي أزمة ملازمة للحزب منذ نشأته، فهو يغفر الأخطاء جميعاً إلا خطأ ترك الحزب، واختيار سكة أخرى للنضال، فبمجرد اختيار طريق آخر للعطاء والعمل العام تتحول إلى عدو ذميم، وسيسعى الكثيرون لتدمير سمعتك، وستقع ضحية لما صار يعرف باغتيال الشخصية وذلك بتشويه سمعتك، والتشكيك في مصداقيتك، وستدور حولك الأقاويل المضللة، والإشاعات، ويتم التلاعب بالحقائق لتقديم صورة غير صحيحة عنك ... كل ذلك يتم بطرق مستقيمة وأخرى ملتوية.
وللحديث بقية ...
في اللقاء القادم (5) الماركسية والحزب
عاطف عبدالله
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مصر والسعودية تبحثان مشروعات تخزين الكهرباء وتنفيذ مشروع ربط التيار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
التقى الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة والأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي بالعاصمة السعودية الرياض لبحث سبل دعم وتعزيز التعاون والشراكة فى مجالات الطاقة وفتح آفاق جديدة فى مجالات تخزين الكهرباء والطاقات المتجددة والوقوف على مستجدات تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين البلدين.
وتناول اللقاء أوجه التعاون بين مصر والمملكة العربية السعودية في مجال الكهرباء والاستفادة من الخبرات السعودية فى مشروعات تخزين الكهرباء بتقنية البطاريات المستقلة وما حققته من استقرار للشبكة الكهربائية ودورها فى تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء وتحقيق مرونة فى النظام الكهربائي داخل المملكة، وتم التطرق إلى العدادات الذكية وأنظمتها التقنية ووسائل الاتصال الخاصة بها والتحول الرقمي على طريق تحويل الشبكة من نمطية إلى شبكة ذكية تكون قادرة على استيعاب القدرات الهائلة من الطاقات المتجددة، وكذلك مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء فى البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة فى إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال فى الدولتين، لتعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.
وشمل اللقاء التباحث حول فتح آفاق جديدة وزيادة الاستثمارات الخاصة فى مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة والجهود المشتركة للاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فى إطار سياسة الدولتين وخطط العمل التى تستهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودعم التعاون فى مجال نقل وتبادل الخبرات الفنية والتقنيات الحديثة في مجالات توليد ونقل وتوزيع الكهرباء.
وفى هذا الإطار، قام الدكتور محمود عصمت بجولة ميدانية تفقد خلالها العديد من مشروعات بطاريات التخزين المستقلة، واستمع إلى شرح تفصيلي حول القدرات التخزينية الحالية والمستقبلية ودورها فى استقرار الشبكة والتغذية الكهربائية وضمان استمرارية التيار الكهربائي فى ظل التوجه نحو الاعتماد على الطاقات المتجددة وتم التوافق حول التعاون وسبل دعم وتسهيل تنفيذ التوجه المشترك بإقامة مشروعات الطاقة وتعزيز البنية التحتية الكهربائية.
وأشاد الدكتور محمود عصمت بالتعاون بين الدولتين والجهود المبذولة لتعزيز سبل الشراكة فى مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة والتى تعد نموذجا لتحقيق الفائدة المشتركة وتعظيم العوائد من الموارد الطبيعية المتاحة خاصة فى مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، مشيرا إلى خطط المملكة لتنفيذ مشروعات لتخزين الكهرباء بقدرات تصل إلى 26 جيجاوات و48 جيجاوات بحلول عام 2030، وكذلك الشراكة الاستراتيجية بين مصر والمملكة العربية السعودية لتحقيق أمن الطاقة والتوجه نحو الاعتماد على الطاقات الجديدة والمتجددة، موضحًا أن هناك جهود كبيرة من قبل جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصرى السعودى وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة مطلع الصيف المقبل وفى سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله ويواصل عمله لتذليل كافة العقبات لضمان الالتزام بالجدول الزمنى لإنهاء أعمال المشروع، وان تشغيل هذا المشروع العملاق سيفتح المجال أمام مشروعات عديدة أخرى خلال المرحلة المقبلة فى إطار سياسة التوسع فى مشروعات الطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الكربون والحد من استخدام الوقود الأحفوري.
ويأتى ذلك في إطار استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة وبرنامج عمل وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة لتنويع مصادر الطاقة وزيادة مساهمة الطاقات المتجددة فى مزيج الطاقة، وإدخال مشروعات تخزين الكهرباء بتقنية البطاريات لتعزيز استقرار الشبكة وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتحقيق المرونة للشبكة الموحدة، وفى ضوء تحسين جودة التشغيل والارتقاء بمعدلات الأداء والحد من الفقد الفنى وخفض استهلاك الوقود وتحسين جودة التغذية الكهربائية والحفاظ على استقرار واستدامة التيار الكهربائي، والحرص على التحول إلى شبكة ذكية ومراقبة الاستهلاك وطبيعته ومتابعة التغير فى الأحمال وتوفير المعلومات لمشغل الشبكة القومية للكهرباء لتحقيق الكفاءة العامة للتشغيل.