سودانايل:
2025-04-17@17:53:02 GMT

عربان الشتات …افك رخيص وعمي ايديولوجي و عداوة للنفس

تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT

د. هشام عثمان

الحديث عن قبائل البقارة وتاريخهم في السودان يثير الجدل حول الهوية والانتماء في سياق السرديات التاريخية والاجتماعية التي ترتبط بالقوميات المختلفة في السودان. الادعاء بأن البقارة "عربان شتات" هو اتهام يحمل طابعاً تقليلياً وتقويضياً لتاريخهم، ويتناقض مع العديد من الحقائق التاريخية والاجتماعية التي تثبت عمق انتماء البقارة للأرض السودانية ودورهم الكبير في مواجهة الاستعمار ومساهماتهم في تشكيل الهوية السودانية المتنوعة.



### 1. **الهوية العرقية للبقارة:**
البقارة هم جزء من القبائل العربية التي هاجرت إلى السودان في أزمنة مختلفة، واستقرت في مناطق وسط وغرب السودان. هم خليط من العرب والأفارقة، ويمثلون نموذجاً للتعايش والتزاوج بين الثقافة العربية والإفريقية. وعلى مر القرون، أسهموا في بناء النسيج الاجتماعي المتنوع في السودان.

وصفهم بـ"عربان شتات" يقلل من حقيقة أن الهوية العرقية في السودان هي نتاج عملية معقدة من التمازج الثقافي والتاريخي. السودان، بتنوعه العرقي واللغوي، يمثل نموذجاً للاختلاط بين مختلف القوميات، وليس من المنطقي تصوير جماعة عريقة مثل البقارة كمجرد "عربان شتات".

### 2. **دور البقارة في مقاومة الاستعمار:**
على مدار التاريخ السوداني، لعبت قبائل البقارة دوراً بارزاً في مقاومة الاستعمار البريطاني والمصري. كان لهم حضور قوي في الصراعات التي شكلت المقاومة الوطنية ضد الهيمنة الأجنبية. من خلال مشاركتهم في الثورة المهدية، على سبيل المثال، كان البقارة جزءاً من الجيوش التي قادت المقاومة ضد الاستعمار. لم يكن هذا الدور هامشياً أو عابراً، بل كان جزءاً من النضال السوداني العام لتحرير البلاد من النفوذ الأجنبي.

### 3. **التاريخ في السودان:**
قبائل البقارة تعيش في السودان منذ قرون، وتعتبر جزءاً من التركيبة السكانية الأصيلة للبلاد. هذه القبائل اعتمدت تاريخياً على الرعي والزراعة وامتلكت نظاماً اجتماعياً متكاملاً. في الغرب السوداني، أسهم البقارة في إقامة نظم اجتماعية واقتصادية وثقافية مستقرة. كانوا دائماً في قلب التطورات السياسية والاجتماعية في السودان، سواء في فترات الاستقرار أو النزاعات.

### 4. **السياسة والهوية في السودان الحديث:**
الفرية التي تتهم البقارة بأنهم "عربان شتات" قد ترتبط بتوترات سياسية واجتماعية معينة بين القبائل والمناطق المختلفة في السودان. هذه التوترات قد تكون نتيجة للأوضاع السياسية الحالية والتنافسات على السلطة والموارد. ومع ذلك، فإن الحقيقة التاريخية تثبت أن البقارة لعبوا دوراً جوهرياً في تشكيل السودان الحديث، وأن لهم جذوراً عميقة في أرض السودان، وليست لهم صفة الطارئين أو الهامشيين.

### 5. **السرديات الاجتماعية ومخاطر التشويه:**
تصوير البقارة بهذه الطريقة يندرج ضمن سرديات تهدف إلى تقسيم المجتمع السوداني وإضعافه من خلال تكريس الهويات الفرعية والطائفية. مثل هذه الروايات تعتمد على التشويه والإقصاء، وتتنافى مع الواقع التاريخي والاجتماعي الذي يؤكد أن السودان يتشكل من تفاعلات معقدة بين مختلف القبائل والمجموعات العرقية.

الادعاء بأن البقارة "عربان شتات" هو محض افتراء لا يعكس الحقائق التاريخية ولا يراعي عمق تواجدهم في السودان ودورهم الكبير في مقاومة الاستعمار والمساهمة في بناء الوطن. السودان بتاريخه الطويل هو نتاج لتفاعل قبائل ومجموعات متنوعة، والبقارة جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ.
افتراء الدرديري محمد أحمد على تاريخ البقارة قد يكون نتاجًا لمجموعة من العوامل المرتبطة بالأيديولوجيا الشخصية والصراعات السياسية والاجتماعية التي تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الخطاب. يمكن تفسير دوافع هذا الافتراء من خلال زاويتين رئيسيتين:

### 1. **العمى الأيديولوجي:**
العمى الأيديولوجي يشير إلى تعصب فكري يمنع الفرد من رؤية الحقائق التاريخية والاجتماعية بموضوعية. الإسلامويون، ومن ضمنهم الدرديري محمد أحمد، يتبنون في بعض الأحيان رؤى ضيقة للعالم تقوم على تقسيم المجتمع إلى فئات موالية أو معادية حسب الولاءات الأيديولوجية أو السياسية. في هذا السياق، قد يعتبر الدرديري أن البقارة، رغم تاريخهم المعروف في مقاومة الاستعمار وعمق تواجدهم في السودان، لا يتماشون مع رؤيته السياسية أو الأيديولوجية للإسلاموية أو للحكم.

الإسلامويون في السودان، خاصة خلال حكم نظام الإنقاذ، كانوا يميلون إلى تبني سرديات تعمل على إقصاء أو تقليل من شأن بعض المجموعات العرقية أو القبلية إذا تعارضت مصالحهم السياسية أو الدينية مع تلك المجموعات. هذا النوع من العمى الأيديولوجي يمكن أن يؤدي إلى تبني مواقف متحيزة تجاه البقارة، ومحاولة تشويه تاريخهم أو تقليله.

### 2. **عداوة النفس والصراعات الداخلية:**
في بعض الأحيان، الدوافع وراء مثل هذه الاتهامات قد تكون أكثر تعقيدًا وترتبط بصراعات داخلية وشخصية. قد ينطوي الافتراء على رغبة في تعزيز النفوذ الشخصي أو السياسي عن طريق تحقير بعض المجموعات التي قد تُعتبر تهديدًا لمصالح الفرد أو جماعته.

البقارة كمجموعة لها تأثير سياسي واجتماعي في مناطق واسعة من السودان، وقد يمثلون منافسًا سياسيًا أو اجتماعيًا في سياق الصراعات المحلية أو القبلية. بالتالي، يمكن أن يكون الافتراء جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض شرعيتهم أو دورهم التاريخي، بغية تحقيق مكاسب شخصية أو سياسية.

### 3. **الإقصاء والتقسيم الاجتماعي:**
في سياق الصراعات السياسية في السودان، لطالما استخدمت بعض القوى السياسية خطاب الإقصاء والتفريق بين المجموعات العرقية والقبلية لتعزيز سلطتها. قد يكون الدرديري، بتبنيه هذه السردية، يساهم في تقسيم المجتمع السوداني بناءً على هويات فرعية، ما يعزز الاستقطاب ويعمق النزاعات بين مختلف المكونات الاجتماعية.

يبدو أن افتراءات الدرديري محمد أحمد على تاريخ البقارة قد تكون مزيجًا من العمى الأيديولوجي وعداوة النفس. سواء كانت دوافعه مرتبطة بالتعصب الأيديولوجي للإسلاموية، أو بصراعات سياسية وشخصية، فإن هذه المواقف تساهم في تقسيم المجتمع السوداني وإضعاف النسيج الاجتماعي.

يتبع

hishamosman315@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

رسالة الدكتور عبدالله حمدوك إلى الشعب السوداني في الذكرى الثانية للحرب

تمر علينا الذكري الثانية لهذه الحرب المدمرة التي اجتاحت بلادنا من أدناها الى أقصاها، وأنه من المؤسف
حقا ورغم كل ما لحق بالبلاد وشعبها من الموت والدمار والخراب، ما زال صوت البندقية هو الأعلى ولا
تزال أطراف الحرب تتوعدنا بالمزيد من القتل والدمار والاجهاز على ما تبقى من حطام الوطن.
إنه لمن دواعي الأسف أيضا أن قوى نظام الإنقاذ البائد، الذي أسقطه شعبنا العظيم في ثورة ديسمبر المجيدة،
لا تزال تؤجج نار الحرب ولا يهمها إلا ما يعيدهم إلى كراسي السلطة ويحافظ على ما نهبوه من موارد الشعب
السوداني.
كما أن الانتشار الواسع للممارسات الداعشية مؤخرا، تعيدنا لذات الممارسات والارتباطات التي
كانت قد أدرجت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب طوال عمر النظام المباد، وتهدد اليوم بتحويل
السودان إلى أرض خصبة لجماعات التطرف والإرهاب الدولي.
ومن المقلق للغاية أن نهج النظام السابق في زعزعة الاستقرار في دول الجوار والدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي والذي قد قاد لعزلة البلاد ثلاثين عاما، أخذت تطل برأسها من جديد. ولعل التهديدات العسكرية الصادرة مؤخراً ضد تشاد وجنوب السودان وكينيا ودول الإقليم والدعوة المرفوعة ضد دولة الامارات في محكمة العدل الدولية مؤشرات خطيرة في ذات الاتجاه.
إننا نثمن ونقدر عاليا تحمل دول الجوار ودول الإقليم عبء استضافة الملايين من أبناء الوطن الذين شردتهم
الحرب كما نقدر مساهمة هذه الدول مع المجتمع الدولي في العديد من المبادرات الرامية لوقف الحرب.
وعوضا عن البحث عن كبش فداء علينا التحلي بشجاعة الاعتراف بأن هذه الحرب أشعلتها أيدى سودانية
وعلى عاتق السودانيين وحدهم تقع مسئولية وقفها فوراً.
لست بحاجة إلى تكرار الحديث إليكم عن الآثار المدمرة لهذه الحرب وما تعانونه من ويلات أكبر كارثة
إنسانية في العالم اليوم، فمعاناتكم ماثلة أمام كل ضمير حي وكل من في قلبه ذرة من إنسانية.
وأود أن أحي هنا كل المبادرات الوطنية في مواجهة الكارثة الإنسانية والتي تقودها بشجاعة نادرة غرف الطوارئ والتكايا والطرق الصوفية.
كما أعرب عن التقدير العميق لكل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية التي لم تبخل على الشعب السوداني أمام محنته الإنسانية. وفي هذا السياق أرحب بمبادرة المملكة المتحدة بعقد الاجتماع الوزاري بلندن اليوم حول الأزمة السودانية وأدعو الدول المشاركة فيه للخروج بقرارات عملية تساهم في وضع نهاية لمعاناة السودانيين بما في ذلك تدابير عاجلة لحماية المدنيين.

أخبار ذات صلة بيان دولة الإمارات بشأن مرور سنتين على اندلاع الصراع في السودان «الإخوان».. أدوار مشبوهة لتأجيج الحرب في السودان المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • الإمارات: القوات المسلحة والدعم السريع لا تمثلان الشعب السوداني
  • العصائب:الإتفاقيات التي أبرمها السوداني مع تركيا باطلة وضد سيادة العراق
  • في ذكرى مأساة 15 ابريل 2023 الحزين … يا وطن أصبحت مفجوع بيك
  • الجيش السوداني يعلن القضاء على 8 أفراد من قوات الدعم السريع
  • فليخسأ الذين يزايدون علي موقف الجيش السوداني من الموقف في الفاشر
  • رسالة الدكتور عبدالله حمدوك إلى الشعب السوداني في الذكرى الثانية للحرب
  • الخارجية الفرنسية تعبر عن موقفها من الحكومة الموازية وتعلق على قرار الجيش السوداني 
  • بيان دولة الإمارات بشأن مرور سنتين على اندلاع الصراع في السودان .. تصريحات معالي لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • سفير الاتحاد الأوروبي: ناقشت مع المنفي العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة