أبو ناصر. اسم يتردد على ألسنة “مشاهير” القوم. وحين يلفظونه يبدون في أقصى درجات الود. ولكن، هل هو الود حقًا؟ ما يجمع هؤلاء هدف كان في أول درجات سلم ما تسمى رؤية 2030 التي تنسب إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. أُعطي الإطار اسم الترفيه، وشُكّلت له هيئة (تشكّلت في 7 مايو 2016، وكان أول رئيس لها أحمد بن عقيل الخطيب).
في العام 2019 شهدت الهيئة ولادة جديدة، مع تسليم ابن سلمان رئاستها إلى شاب مثله، قادم من عالم المخابرات، هو تركي آل الشيخ. وهل هي الصدفة أن يوكل أمر التحول من “التشدد” إلى “الانفتاح” (لم يكن التشدد إلا تضييقًا، وكذا الانفتاح لم يكن إلا انحلالاً كامل المواصفات) إلى ابن العائلة التي أوكل إليها آل سعود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طيلة عقود، آل الشيخ، فتقاسموا معهم آل سعود ولاية أمر الناس (سبقه إلى المنصب محمد بن عبد الملك آل الشيخ)؟!.
وبعد أن زج ابن سلمان بعشرات الدعاة الوهابيين في السجون، عرض كل شيء له علاقة بالدين على مقصلة التشذيب. فالمملكة التي لم يكن لها شبيه في كل العالم، في سن قوانين متشددة، وخاصة في ما يتعلق بالمرأة، والحرية الدينية، والتعامل مع الأقليات، فتحت البلاد على مصاريعها لكل المتغيرات، لا سيما فيما يسمى “الجانب الفني”، فاستضافت المملكة عشرات الحفلات الصاخبة لأسماء “مشاهير” لم تكن تخطر بالأحلام أن ترى في السعودية، وقد كان الانتقال سريعًا جدًا.
شوهد تركي آل الشيخ في أكثر من مناسبة وهو يتصرف على أنه ولي أمر الصحافيين والإعلاميين والفنانين .. وكل من يتعاطى شأنًا رصدت له هيئة الترفيه “مكرمة” ما. يمثل في الذهن مباشرة صورة الإعلامي المصري عمرو أديب وأبو ناصر يقول له: “أنت صناعة سعودية”، وأديب يهز رأسه تأييدًا، ويعقب بأنه ينطبق عليه هذا الوصف، لأنه قضى نصف حياته المهنية عاملًا في مؤسسات إعلامية سعودية.
لا شك أن الإعلاميين المصريين هم عماد الإعلام العربي، هذا جعلهم هدفًا أول وأساسيًا لحملة الاستقطاب التي انطلقت قبل إنشاء هيئة الترفيه بسنين طويلة. بعض هؤلاء الإعلاميين مكشوفون أمام الرأي العام لا سيما المصري، ووسمهم الملازم لهم هو “المطبلاتية”، نظرًا إلى الأسلوب المتدني الذي يظهرون فيه مدافعين عن أي تصرف يصدر عن الحكام، فالأساس هو الميل إلى الحكام، لا سيما إن كانوا أميل إلى التطبيع مع العدو الصهيوني، باستثناء من أفسدت قضية ما وده مع السعودية، كقطر وتركيا.
وهنا لا بد من تتبع مواقع التواصل الاجتماعي ورصد ردود أفعال المصريين عامة على هذه النماذج الإعلامية، والمصري لا تنقصه روح النكتة حين يتناول القضايا التي يعايشها، وبهذه المتابعة يمكن تكوين صورة وافية عن توجهات الشارع المصري التي قل ما يعبر عنها معظم إعلاميه والعاملين في المجال الفني، لا سيما المنتجون منهم.
مع بداية حرب الإبادة التي شنها العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لم تتوقف عجلة الترفيه السعودية، ووجهت الدعوات لإحياء الحفلات أو عرض المسرحيات أو غيرها من أنشطة.
وفي مصر تحديدًا، نستطيع أن نرصد هذا الانقسام الذي يسببه الاستقطاب السعودي “الترفيهي”.
الممثل محمد سلّام قرر، بدافع التعاطف مع أهل غزة، ألا يشارك في أي فعاليات حتى لو كانت مبرمجة مسبقًا، وتحديدًا مسرحية كان أحد أبطالها، مؤكدًا أنه لا يستطيع أن يتصرف كأن شيئًا لا يحصل، من دون أن يهاجم أحدًا أو يتحامل على من قرر المشاركة. في المقابل شن عليه بعض زملائه، لا سيما الممثل بيومي فؤاد، والإعلاميون إياهم، حملة تقريع وتوبيخ، ومع أن موقف سلّام لاقى تعاطفًا شعبيًا، في مقابل نقمة على فؤاد، خلص المشهد إلى حملة مقاطعة لسلّام! لماذا؟، لأن القيمين على الأعمال الفنية مرجعيتهم هيئة الترفيه السعودية، فحرم سلّام من أي مشاركة في أعمال فنية داخل مصر وخارجها، وتلك عمادها المنتجون، وقاد الحملة إعلاميًا المطبلاتية أنفسهم، حتى وصل الأمر بأحد المنتجين ليقول: لن يشارك محمد سلّام في أي عمل قبل أن يعتذر من “أبو ناصر”!.
كم من مثقف، كانوا يصطفون للمبايعة في مهرجان الجنادرية، غافلين عن الحرب الظالمة التي تشن على أهل اليمن والمجازر التي ترتكب بحقهم؟ واليوم كم من مثقف أو مؤثر أو صاحب مهنة في مختلف المجالات مستعد لقلب الحق باطلًا والباطل حقًا كرمى لعيون أولياء النعمة الذين تجعل منهم تلك النعمة – النقمة أولياء الأمر والأخلاق والأقلام والمواقف والأرواح والدماء.
ومن غير المعلوم من همس لولي العهد الشاب بأن النمو والتقدم يعني الانحلال الكامل، حتى أن ما سمي حرية ألقيت في طرقات المملكة ومولاتها ومراكز الترفيه فيها صارت تتخطى ما هو موجود في أي مكان آخر. وممنوع على أي كان أن يتعرض لهؤلاء المتحررين. الخط الأحمر الوحيد هو الحاكم و”إصلاحاته”.
وطالما أن المال زاخر في جعبة هؤلاء الحكام، سيبقى التطبيل في أعلى درجات ومن علية القوم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محمد بن سلمان.. ماذا يعني التغيير الكبير لمستقبل السعودية؟
يرسم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان استراتيجية جديدة للنظام العالمي بعد أن تحول من أمير شاب معتدٍ بنفسه قبل عدة سنوات، إلى وسيط دولي مؤثر وقوي، وفقا لوكالة "بلومبرغ".
وقالت بلومبرغ في مقال لبرادلي هوب، الذي نشر هو وجاستين تشيك كتاب "الدم والنفط" في عام 2020 حول الأمير محمد بن سلمان، إن السنوات الأربع الأخيرة من حكم محمد بن سلمان تمثل تغييرا كبيرا عن أول خمس سنوات له، وما يعنيه ذلك لمستقبله ومستقبل المملكة العربية السعودية.
تميز صعود محمد بن سلمان، الذي اختير وليا للعهد في عام 2017، بسلسلة من التعقيدات، بدءا من الحرب المدمرة في اليمن والتضييق على المعارضين والإنفاق الباذخ والمشاكل مع الجارة قطر وانتهاء بمقتل الصحافي جمال خاشقجي والتي ساهمت في توتر علاقات الرياض مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويوضح الكاتب كيف أن محمد بن سلمان تمكن بعد ذلك من تجاوز كل هذه القضايا، ليصبح قوة مؤثرة على الساحة الدولية.
في البداية تصالح مع قطر في عام 2021، وبعدها نجح في تخفيف حدة التوتر مع إيران، العدو التقليدي للسعودية، قبل أن تعود واشنطن للتعامل معه من جديد مستفيدا من الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط.
السعودية أولايقول الكاتب إنه وعلى الرغم من استمرار الانتقادات التي توجهها المنظمات الحقوقية لمعاملة السعودية للمعارضين وغياب الحريات السياسية، لكن العالم الذي سعى إلى عزل محمد بن سلمان أصبح الآن "بلا خيار سوى التفاعل معه."
ويضيف أن عصر محمد بن سلمان، الذي تمتد فيه تأثيرات السعودية إلى ما هو أبعد من أسواق النفط، بدأ الآن.
ويشير إلى أن السياسة الخارجية السعودية باتت تتبع اليوم بوضوح مبدأ "السعودية أولاً".
ويلفت إلى أن تأثيرات السعودية توسعت لتشمل الشركات الكبرى في وادي السليكون إلى ملاعب الدوري الإنكليزي الممتاز وألعاب الفيديو والغولف وكذلك مشاريع الطاقة المتجددة وأبحاث الذكاء الاصطناعي.
ويختتم الكاتب بالقول إن بصمات المملكة أصبحت أكثر وضوحا في الاقتصاد العالمي وإن تداعيات تحول السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان ستستمر في التأثير على ما وراء حدود المملكة لعقود قادمة.
وفي إطار خطته الإصلاحية "رؤية 2030" التي أطلقها قبل عدة سنوات، يسعى محمد بن سلمان إلى تطبيق إصلاحات اجتماعية والى تنويع مصادر دخل بلاده، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، وتحويل المملكة إلى مركز أعمال ورياضة وسياحة.
ومنذ تولي محمد بن سلمان (37 عاما) ولاية العهد في 2017، تشهد المملكة التي ظلت مغلقة لعقود انفتاحا اجتماعياً واقتصاديا واسع النطاق وغير مسبوق.
وتنفق المملكة ببذخ في إطار استراتيجية لتطوير بنيتها التحتية وتحسين صورتها، فتقوم ببناء مرافق سياحية جديدة على ساحل البحر الأحمر ومدينة نيوم المستقبلية بقيمة 500 مليار دولار بالإضافة لاستضافة فعاليات رياضية وترفيهية تضم صفوة نجوم العالم.