هل يتوحد الهندوس المنبوذون مع المسلمين لمواجهة تطرف مودي؟
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
بالنسبة إلى المراقب من الخارج، يبدو المشهد السياسي في الهند، على مأساويته في بعض النواحي، واضحا وبسيطا للغاية: أغلبية هندوسية تصطف وراء رئيس وزراء قومي يميني يقمع هو وحزبه عددا من الأقليات المضطهدة في مقدمتها المسلمون، ويجيّش الجماهير "المتعصبة" ضدهم ضمن طقس ديني سياسي متطرف.
لكن الحقيقة التي أظهرتها الوقائع الأخيرة، ومنها نتائج الانتخابات التي أُجريت في وقت سابق من هذا العام، تشير إلى غير ذلك، حيث تثبت ببساطة أن الهندوس ليسوا كتلة سياسية متجانسة على الطريقة التي يصورها رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه، وأنهم يضمون فئات متعددة، يعارض بعضها حكم مودي، بل إن بعضهم يتعاطف مع المسلمين المضطهدين لأنهم ببساطة يكتوون مثلهم بنيران التطرف الهندوسي ذاتها.
في مقدمة هؤلاء طبقة من يُعرفون بـ"الداليت"، وهم أقلية كبيرة يقدر عددها بالملايين، لكن نظام الطبقات الذي رسخته الهندوسية على مدى أكثر من 3 آلاف عام، دفعهم بقسوة إلى قاع السلم الاجتماعي باعتبارهم فئة منبوذة بحكم إلهي. لكن ذلك لم يمنع النظام الحاكم في الهند وطبقة المتنفذين في البلاد على مدى سنوات من محاولة استمالتهم وتجييشهم لخدمة "النضال المقدس" ضد الإسلام والمسلمين عبر السماح بضمهم للمنظمات الهندوسية المتطرفة، وشحنهم بالمشاعر والأفكار المعادية المسلمين.
خدمت هذه السياسة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند بطرق عديدة، فمن ناحية وفرت له رافدا مهما للحشد المناهض للمسلمين الذي يعد اليوم ركيزة أساسية لحكم مودي، ومن ناحية أخرى وفر الشحن الهوياتي والصراع مع المسلمين ملهاة لطبقة منبوذة تنسيها أوضاعها المزرية في خضم حرب ثقافية ومواجهة طائفية.
ولكن الكثير من المؤشرات تدل على أن هذه الإستراتيجية لم تتكلل بالنجاح إلى حد بعيد، إذ باتت قطاعات واسعة من الداليت ترى في صعود الحزب القومي الهندوسي الحاكم تكريسا لمعاناتها الطبقية المؤسسة على أسس دينية، بل إنها باتت ترى في المسلمين حلفاء "محتملين" في مواجهة الهندوس المتطرفين.
المنكسرونلفهم معاناة طبقة الداليت وأسرار نبذها علينا أن نعرج سريعا على جذور التقسيم الطبقي في الديانة الهندوسية، التي تنطوي على تقسيم هرمي صارم وفق أسس "روحية"، فالطبقة العليا من العلماء والكهنة خلقت من رأس الإله براهما، وطبقة الحكام والمحاربين خلقت من ذراعه، أما التجار والحرفيون فقد خلقوا من فخذه، ويليهم الفلاحون والعمال الذين خلقوا من قدمه، ثم ما دون ذلك هم طبقة الداليت الذين يعاملون معاملة دون البشر، إذ إنهم جاؤوا للحياة ليعاقبوا على ما فعلوه في حيواتهم السابقة وفق الاعتقاد الهندوسي، وعليهم أن يقوموا بالمهام التي لا تريد الطبقات العليا "تلويث" نفسها بالقيام بها.
تظهر هذه الفكرة حتى في الأصول اللغوية لكلمة "داليت" التي تعني المضطهدين أو المنكسرين أو المسحوقين، وهو الاسم الذي اختارته هذه الطبقة لنفسها تمردا على الاصطلاحات الهندوسية التي كانت تفضل وصفهم بـ"المنبوذين". ويُعتقد أن أعداد الداليت تتراوح بين 200 و250 مليون شخص، مما يجعلهم أقلية في الهند التي يقارب عدد سكانها اليوم 1.5 مليار نسمة، لكن إذا تخيلنا أن دولة واحدة جمعت أبناء هذه الطبقة فإنها ستكون ضمن أكبر 6 دول على وجه الأرض من حيث عدد السكان.
لكن التعداد الكبير للداليت في الهند لا يشفع لهم لنيل معاملة عادلة أو لائقة، يكفي لمعرفة حجم مأساة تلك الطبقة أن نعرف أن أحد مجتمعاتها يسمى "موساهارز" في ولاية بيهار وهي كلمة تعني "شعب الفئران"، وذلك لأنهم فقراء ومعدمون لدرجة أن نظامهم الغذائي يعتمد في الأساس على اصطياد الفئران وأكلها، فهم يظلون بلا عمل لمدة تصل لثمانية أشهر في العام، ثم يعملون لوقت قليل في أكثر الأعمال سخرة في الأراضي الزراعية للملاك الأغنياء حين يحتاجون إلى خدماتهم.
أحد المجتمعات الأخرى للداليت يعرف باسم "بهانغيس"، وتعني أولئك الذين يجمعون القمامة يدويًا، وتحكي إحدى المنتميات إليهن لصحيفة "إن بي آر" الأميركية أن الحل الوحيد لها للنجاة في الحياة في الهند هو محاولة إخفاء طبقتها، إذ إن لقب طبقتها وعائلتها في حد ذاته يعد أسوء إهانة يمكن توجيهها لشخص في الهند.
على مدى التاريخ القريب، خاض الداليت نضالات عديدة لمحاولة تحسين أوضاعهم ضمن الهيراركية الهندوسية، وفي المجتمع الهندي بشكل عام، لكن ما حققوه فعليا كان ضئيلا في أفضل الأحوال. أبرز هذه المحاولات وقعت في أعقاب استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947 حين اختير باباساهب أمبيدكار وزيرًا للقانون والعدل، وقد كان من أبناء طائفة الداليت وواحدا من الآباء المؤسسين لجمهورية الهند الحديثة والواضعين لقواعدها الدستورية.
وقد تضمن الدستور الذي خط قواعده أمبيدكار، حظر التمييز الطبقي في البلاد، بل إقرار سياسة التمييز الإيجابي لصالح أبناء طائفة الداليت والمتمثلة في توفير التعليم وفرص العمل كتعويض عن الظلم التاريخي الذي تعرضوا له، لكن سرعان ما اكتشف باباساهب أمبيدكار أن سطوة التقاليد الدينية الهندوسية أقوى بكثير من أية قوانين يمكن سنها، ومن ثم استقال الوزير، واتخذ خطوة راديكالية إذ اعتنق البوذية ودعا أبناء طائفة الداليت إلى أن يخرجوا من الديانة الهندوسية التي تقمعهم، وبالفعل تحوّل إلى البوذية مع 200 ألف من أبناء طائفته وسط مراسم كبيرة.
لم تفلح إذن فورة الإصلاحات التي صاحبت الاستقلال في تغيير أوضاع الداليت بشكل جذري، وإن كانت حسّنت أوضاعهم القانونية قليلا مقارنة بالسابق، فقبل ذلك الوقت لم يكن يسمح مثلا للطلاب الداليت المحظوظين الذين تمكنوا من الالتحاق بالمدارس، بأن يلمسوا الكتب أو السبورة لأن لمسها يعني تدنيسا لها، إذ كان ينبغي عليهم أن يجلسوا خارج الفصل ويكتبوا الدرس في الوحل إذا ما أرادوا متابعة ما يقوله المعلم.
ورغم أن الداليت يُسمح لهم حاليا بالانخراط في السلك التعليمي، فإن الجذور الثقافية للتمييز لا تزال تطاردهم، ففي عام 2016 أقدم الطالب والباحث المشهود له بالتفوق روهيث فيمولا المنتمي لتلك الطبقة على الانتحار وعمره لم يكن قد تجاوز 26 عامًا نتيجة التنمر والطبقية العنيفة التي يواجهها بسبب أصوله، وقد وصف فيمولا في رسالة انتحاره ما تعرض له طوال حياته قائلًا "لقد كان ميلادي حادثًا مميتًا".
وفي عام 2020 فوجئ رئيس جمهورية الهند آنذاك (وهو منصب شرفي إلى حد كبير) رام ناث كوفيند برسالة جاءته من شاب من الداليت، يستأذنه فيها بأن ينضم إلى الفصائل المسلحة التابعة للجماعة الشيوعية الماوية في الهند (الناكساليت) التي كانت تقود حرب عصابات ضد قوات الأمن الهندية، لأن القانون والدستور قد خذلاه وهو يريد الحفاظ على كرامته، حسب قوله.
وقتها، تعرض الشاب براساد من ولاية أندرا براديش الجنوبية إلى التعذيب والإهانة الجسيمة في مركز الشرطة بسبب طبقته المنبوذة، وهي الحادثة التي اعترفت بها الشرطة بالفعل بعد ذلك، مؤكدة أنها قبضت على الضابط المتورط في الانتهاك.
وبحسب صحيفة "التايمز" البريطانية، فقد انتشرت في عام 2022 حوادث لهجمات القرويين من أبناء الطبقات العليا على الذكور من الداليت الذين يجرؤون على ركوب أحصنة بيضاء في ليلة زفافهم، لدرجة أن الشرطة في إحدى الولايات قد قررت أن تمارس الحماية المباشرة للعرسان من الداليت في ليلة زواجهم، خاصة بعد أن وصلت تلك الحوادث إلى حد الرجم.
تظهر هذه الممارسات مجتمعة، وغيرها، أن البنية التحتية المؤسسية لاضطهاد الداليت لم تتغير بشكل جدي، وأن النظام الطبقي النابع من الجذور والتقاليد الدينية لا يزال يفرض نفسه حتى لو حاولت بعض القوانين المحلية إصلاح الأوضاع ظاهريا. وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، سُجلت جريمة كل 10 دقائق ضد الداليت في عام 2020 وحده، كما تفشت حوادث الاغتصاب الوحشي لنسائهم، والأنكى أن الجناة عادة ما يفلتون من العقاب.
وعلى مستوى أعمق، لا تزال القطاعات الأوسع من أبناء الداليت يفتقرون إلى الموارد الأساسية ويتلقون دعمًا شحيحًا يوازي حفنة ضئيلة من السلع الغذائية، ولا تزال أغلبيتهم تعمل في مهن متواضعة في أراضي الأغنياء أصحاب الأراضي الزراعية الكبيرة، في حين لا يتذكر الحكام والسياسيون مظالمهم إلا في مواسم الانتخابات وحسب، وسرعان ما تتبخر أي وعود يحصلون عليها بعد انقضاء المصالح الانتخابية.
في مواجهة مودي
"قبل الاستقلال كان الداليت يعاملون مثل العبيد، وإذا ما استمر مودي في الحكم سيعودون عبيدًا من جديد".
زعيم المعارضة بمجلس الشيوخ الهندي ماليكارجون كهارج
في انتخابات عام 2014 لعب الداليت دورًا كبيرًا في الانتصار الساحق الذي أحرزه حزب مودي القومي الهندوسي بهاراتيا جاناتا، وارتقائه إلى السلطة في الهند لأول مرة بعدما قدم مودي حزبه بوصفه حزبًا يمثل كل الهندوس، وأعطى وعودًا بالتنمية الاقتصادية للجميع والارتقاء بحياة الفقراء، وقد لاقى خطاب مودي تصديقًا واسعًا لأنه هو نفسه ينتمي لأسرة من طبقة متواضعة في الهند كما يقدم نفسه، وقد وصل حجم تأثير الخطاب الحزبي القومي في الفئات المضطهدة في الهند إلى حد فوزه بـ40 مقعدا من إجمالي 84 مقعدا برلمانيا مخصصة لطبقة الداليت.
لكن سرعان ما انقلبت العلاقة بين الداليت ومودي بعد ذلك، إذ ظهر الوجه الحقيقي لحزب مودي باعتباره حزبا للهندوس الأغنياء، وظهر أنه لن يعطي الداليت إلا تغييرات رمزية، وبدأت استطلاعات الرأي تظهر تراجع تأييد الداليت لمودي وانحسار شعبيته بينهم، كما هزت حوادث انتحار طالبين جامعيين من الطبقة ذاتها الرأي العام الهندي في عامي 2016 و2017، وبدأ الداليت يعبرون بوضوح بحلول عام 2018 عن أن وضعهم لم يتحسن، بل يسوء أكثر فأكثر.
وبحسب نيلانجان سيركار، الزميل الزائر في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، فخلال الفترة الأولى من حكم مودي حاول هو وحزبه استخدام لغة تعد جميع الطبقات في الهند بالرخاء، لكن سرعان ما اتضح بعد ذلك أن هناك استقطابا طبقيا ملحوظا في البلاد.
لم تعمل سياسات مودي الاقتصادية بشكل عام لصالح الفقراء في البلاد وعلى رأسهم الداليت بشكل أساسي، وأصبح معدل البطالة بحلول عام 2024 هو الأعلى في الهند منذ 46 عامًا، إذ يعاني شاب من كل 6 شباب من البطالة، وعلى الجانب الآخر تضاعف حجم الطبقة العليا التي يبدأ دخلها السنوي من 37 ألف يورو ثلاث مرات في العقد الأخير، ويمكن لهذه الأرقام أن تخبرنا بحقيقة الانحيازات الطبقية للحزب الحاكم، والتي تعكسها سياساته الاقتصادية بوضوح ودون مواربة.
في ضوء ذلك، ركزت المعارضة في الهند في السنوات الأخيرة على هذا الجانب، مسلطة الضوء على سجل اللامساواة والتمييز لمودي وحزبه بحكم الطبقات الفقيرة ومنهم الداليت، الذين لا يجدون من يمثلهم في وسائل الإعلام أو أجهزة الدولة أو الصناعات الكبرى، ولا يزالون "يموتون من الجوع"، في حين يمتلك 3% من الهنود جميع الامتيازات. كان هذا جزءا رئيسيًا من خطاب المعارضة الذي زعزع مكانة مودي والذي لاقى رواجًا كبيرًا بين الداليت.
وبحسب سيدة هندوسية من طبقة الداليت كانت قد صوتت لمودي في عام 2014 واسمها رشما، فإن حياة الداليت كانت صعبة دائمًا، لكن في ظل حكم ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا أصبحت الأمور أكثر سوءًا، وبحسبها يواجه أطفال الداليت التمييز والاضطهاد في المدارس، ويتعرض رجال الداليت للقتل إذا ما وقعوا في حب نساء من طبقات أعلى، في حين تتعرض نساء الداليت للاغتصاب، وإذا ما ذهب الداليت للأماكن الدينية يتعرضون للإهانات والاضطهاد أيضًا.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فقد تدهورت بالفعل أوضاع طبقة الداليت تدريجيًا تحت حكم مودي في ظل الأيديولوجيا الهندوسية القومية المتطرفة التي يروج لها والتي تُعرض الأقليات الدينية والداليت لأخطار العنف والتمييز الطائفي.
في ضوء ذلك، بدأ يُنظر على نطاق واسع إلى الداليت في السنوات الأخيرة باعتبارهم ضمن ضحايا أجواء الاضطهاد والتمييز التي رسخها مودي وحزبه، شأنهم شأن المسلمين، خاصة وأنهم يتعرضون للعنف أيضا من جماعات حماية الأبقار من أقصى اليمين المتطرف في الهند والتي تحظى بحماية الحزب الحاكم، وهي الجماعات المسؤولة عن إعدام وجلد المسلمين والداليت خارج نطاق القانون حين يتهمونهم بذبح الأبقار وبيع لحمها في حالة المسلمين، أو سلخ جلودها بعد وفاتها للاستفادة منها في حالة الداليت.
وغالبًا ما يتم تصوير حوادث العنف ضد المسلمين والداليت من تلك الجماعات ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ورغم ذلك، يفلت الجناة في الكثير من الأحوال من العقاب، إذ لا تمر إلا نصف الحوادث إلى المحاكم. إحدى أبرز هذه الحوادث وقعت عام 2016 في ولاية كوجارات حيث جرى ربط 7 أفراد من عائلة واحدة من طبقة الداليت بسيارة، وجلدهم علنًا بعد تجريدهم من كامل ثيابهم وتجريسهم في البلدة، لأنهم كانوا يسلخون بقرة اشتروها بعد وفاتها لينتفعوا بجلدها، لكن جماعة حماية الأبقار اتهمتهم بذبحها.
بحلول موعد الانتخابات الأخيرة في وقت سابق من العام الحالي (2024) بدا أن القمع الذي يتعرض له الداليت والمسلمون وغيرهم من الأقليات، بالإضافة إلى البطالة التي يواجهها الشباب والسياسات الاقتصادية المنحازة للأغنياء، قد أعادت كلها رسم المشهد السياسي، مُوجهةً ضربة قاصمة لتوقعات مودي وحزبه المغرورة باكتساح نتائج الانتخابات. وقد حصد حزب بهاراتيا جاناتا فوزًا بطعم الخسارة بـ240 مقعدا فقط لحزبه و293 مقعدا لتحالفه الحاكم، في حين حصل تحالف المعارضة الهندية على 243 مقعدا. وتعني هذه النتائج أن مودي سوف يبقى في السلطة، ولكن مع تفويض شعبي أقل، وسوف يكون مجبرا على الحكم ضمن تحالف انتخابي وليس منفردا كما كان الحال في السنوات العشر الفائتة.
لقد بات واضحًا -بحسب صحيفة التايمز البريطانية- أن مودي قد أخطأ التقدير وظن أن قمع الأقليات وإعادة بناء معبد هندوسي على أطلال مسجد تاريخي للمسلمين وقمع الصحافة وميله المفرط ناحية أقصى اليمين سيمنحه فوزا كاسحا لكن هذا لم يحدث. وبحسب الصحيفة، فقد كانت الصدمة الكبرى لمودي من طبقة الداليت التي عاقبته بأصواتها. لقد شعر الداليت بالخطر من أن مودي لو حصل على المقاعد التي تؤهله لتغيير الدستور قد يحذف كل الامتيازات القليلة التي حصل عليها "المنبوذون" طول العقود الفائتة بما يتضمن الحصة في الوظائف الحكومية والمعونات الاجتماعية.
في الخلاصة، لعب الهندوس من الداليت دورًا واضحًا في النتائج المخيبة لمودي وحزبه في الانتخابات الأخيرة بعد أن ذاقوا مرارة الحكم الطائفي الذي يقسم المجتمع بناء على الهوية الدينية ويكتسب شعبيته من خلال إشعال الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، واستطاع الداليت مع المسلمين والقوى المعارضة المتمسكة بحياد الدستور أن يرسلوا رسالة إنذار بأن الهند لا يمكن أن تحكم طويلًا بسياسات طائفية، وسيتوقف مستقبل حزب مودي وأقصى اليمين المتطرف في البلاد على مدى قدرة معارضيه جميعا (وفي مقدمتهم الداليت والمسلمون) على التوحد معًا والتعاون من أجل تقديم معارضة فعالة وقوية للمشاريع الطائفية، فلا تعد الانتخابات الماضية إلا بداية معركة المعارضة لتجميع نفسها والصمود أمام محاولات ترسيخ حكم طائفي يكتوي الجميع بنيرانه، بلا استثناء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد بهاراتیا جاناتا مع المسلمین فی البلاد فی الهند من أبناء على مدى من طبقة فی حین إلى حد فی عام
إقرأ أيضاً:
دار الأوبرا.. مسارح القاهرة التي لا تنام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
منذ أن قرر الخديوي إسماعيل في عام 1869 إنشاء دار للأوبرا لتكون منارة للفن، وحتى افتتاح الأوبرا الحديثة عام 1988، ظلت مصر رائدة في تقديم الفنون الرفيعة إلى العالم العربي. وحتى الآن يقف كيان الأوبرا المصرية شامخا، وشاهدا على مسيرة طويلة من الإبداع الفني.
كانت الأوبرا الخديوية هي الحلم الذي اشتعل بنيران الفجر. ففي نهايات القرن التاسع عشر، قرر الخديو إسماعيل الاحتفال بافتتاح قناة السويس، لم يكتفِ بالمراسم التقليدية، بل أراد أن يُهدي العالم تحفة فنية تضاهي كبريات دور الأوبرا الأوروبية. فكلّف المهندسين الإيطاليين "أفوسكاني و"روسي" ببناء دار للأوبرا وسط القاهرة في ميدان الأزبكية. وبالفعل، تم تشييدها خلال ستة أشهر فقط، مستخدمين أجود الأخشاب والزخارف الفخمة. وكان من المفترض أن تُفتتح الأوبرا بعرض "عايدة" للموسيقار الإيطالي فيردي، المستوحى من التاريخ المصري، لكن بسبب الحرب الفرنسية الألمانية تعذّر شحن الملابس والديكورات، فتم استبدالها بأوبرا "ريجوليتو".
وظلت الأوبرا الخديوية منارة ثقافية لأكثر من قرن، حتى جاء فجر 28 أكتوبر 1971، حين اندلعت النيران في المبنى، لتحوله إلى رماد وتُطوى صفحة من تاريخ الفنون في مصر. لكن، لم يكن احتراق الأوبرا نهاية الحلم، بل كان بداية لصرح جديد يعكس روح العصر ومع تزايد الحاجة إلى مركز ثقافي يليق بمكانة مصر، جاء التعاون المصري الياباني ليُثمر عن دار الأوبرا المصرية الحالية، التي شُيدت على أرض الجزيرة بالقاهرة، بمنحة من الحكومة اليابانية فبدأ البناء عام 1985، واستغرق 34 شهرًا، ليتم افتتاحها رسميا في 10 أكتوبر 1988. جاء التصميم المعماري مستوحى من الطراز الإسلامي الحديث، ليعكس التقاء الحداثة بالتقاليد العريقة. ومنذ افتتاحها، أصبحت الأوبرا منصة للإبداع، تحتضن الفنون العالمية والمصرية، وتفتح أبوابها أمام العروض الراقية من مختلف الثقافات.
من ريجوليتو إلى "عايدة".. أشهر الفرق تكتب تاريخها على مسارح الأوبرا المصرية
تضم دار الأوبرا المصرية عدة مسارح، لكل منها طابعه الفريد، لتناسب مختلف الفنون والعروض. فهناك المسرح الكبير الذي يتسع لـ 1086 مشاهدا، وهو المسرح الرئيسي الذي تُقدم عليه عروض الأوبرا العالمية، عروض الباليه، الحفلات السيمفونية، والعروض الموسيقية الضخمة كما يضم منطقة للأوركسترا تتسع لـ 144 عازفًا.
أمّا المسرح الصغير فتبلغ سعته 360 مشاهدا، يستضيف حفلات موسيقى الحجرة، الموسيقى العربية، الندوات الثقافية، والصالونات الأدبية. في حين يشمل مسرح النافورة أحدث المسارح التي أُنشئت بعد جائحة كوفيد-19، في الهواء الطلق، ويتسع لـ 2000 مشاهد، ويستضيف الحفلات الغنائية والمهرجانات الكبرى بينما يتميز المسرح المكشوف بطابع شرقي جذاب، ويتسع لـ 600 مشاهد، ويُخصص لعروض الجاز، الموسيقى الخفيفة، والمسرح الغنائي. وإلى جانب ذلك يوجد مسرح الجمهورية الذي شُيّد عام 1912، ويقع بجوار قصر عابدين، وكان في الأصل دارًا للسينما قبل أن يتحول إلى مسرح يقدم الحفلات الغنائية والعروض الدرامية.
وفي الواقع، لم يكن دور الأوبرا مقتصرا على العاصمة فقط، بل امتد إلى محافظات أخرى، لترسيخ الثقافة والفنون في كل أنحاء مصر. فهناك أوبرا الإسكندرية (مسرح سيد درويش) الذي بُني عام 1921 بتصميم مستوحى من أوبرا فيينا ومسرح أوديون بباريس، وأعيد ترميمه عام 2004 ليكون مركزًا للإبداع السكندري. ودار أوبرا دمنهور التي تعّد تحفة معمارية بُنيت في عهد الملك فؤاد الأول عام 1930، وكانت تُعرف بـ "تياترو فاروق"، ثم تحولت إلى مركز ثقافي رائد في الوجه البحري.
ولم تكتفِ دار الأوبرا بتقديم العروض فقط، بل حرصت على توثيق تاريخها من خلال متحف يروي قصة الأوبرا الخديوية، عبر صور ووثائق نادرة، بالإضافة إلى جناح خاص يعرض مسيرة الأوبرا الجديدة منذ افتتاحها. كما يضم المبنى قاعة "صلاح طاهر" للفنون التشكيلية، التي تُعد مساحة للإبداع الفني المعاصر. فمنذ إنشائها وحتى اليوم، تظل دار الأوبرا المصرية رمزًا للحضارة والفن الراقي، تربط بين تراث الأجداد وطموح الأجيال الجديدة. هنا، يلتقي الشرق بالغرب، وتتلاقى الألحان مع الإيقاعات، لترسم لوحة ثقافية نابضة بالحياة، تليق بمصر وتاريخها العريق.
حفلات وعروض
شهدت مسارح دار الأوبرا المصرية تقديم العديد من الحفلات حيث بدأت من خلالها فرق جديدة تظهر على الساحة، مثل فرقة الشيخ سعيد الدسوقي، التي قدمت عروضًا متنوعة في عام 1886، بالإضافة إلى فرق إسبانية. وفي العام التالي، استمرت العروض مع الشيخ الدسوقي بدر، كما قدمت فرقة قرداحي موسمًا حافلًا في مارس 1887. وخلال هذه الفترة، بدأت الفرق الأوروبية الشهيرة تعود إلى القاهرة، ومن أبرزها فرقة الأوبريت "بوني وزوكينو".
وفي عام 1888، زارت القاهرة النجمة الفرنسية الشهيرة سارة برنار، حيث قدمت عروضًا مسرحية مميزة استمرت لشهر كامل. وكانت هذه الزيارة بمثابة نقطة تحول، حيث أعادت للأوبرا زخمها السابق. وفي عام 1889، شهدت الدار عودة فرق الأوبرا الأوروبية، حيث قدمت الفرقة اليونانية "كاراياني" موسمًا حافلًا خلال شهري مارس وأبريل.
كما لم تكن العروض مقتصرة على الفرق الأوروبية فقط، بل استمرت الجمعيات والهيئات الخيرية في تقديم حفلاتها، إلى جانب الفرق العربية مثل فرقة محمود رفقي وعبده الحامولي والشيخ الدسوقي بدر. وشهد عام 1890 ظهور الفرقة الإنجليزية "فانتوش توماس هولدن"، والتي قدمت عشر حفلات مميزة. وفي نفس العام، جاءت الفرقة الإيطالية الشهيرة "إليونورا دوز" لتقدم مجموعة من الروائع المسرحية، من بينها "أنطونيو وكليوباترا"، و"غادة الكاميليا"، و"فيدورا"، و"أوديت"، و"زوجة كلاوديو". وفي أبريل 1890، نظمت فرقة "ديلير" موسمًا فرنسيًا للأوبرا والأوبريت، حيث قدمت أعمالًا إيطالية شهيرة مثل "عايدة"، و"تروفاتوري"، و"ريجوليتو"، و"حلاق إشبيلية"، و"كارمن". وخلال عامي 1891 و1892، نظمت فرقة "أولمان" موسمًا استثنائيًا امتد لسبعين حفلة، ثم تلاه موسم آخر بنفس الزخم. لكن في نهايته، تم إلغاء خمس حفلات حدادًا على وفاة الخديو توفيق.
القرن العشرين.. الانتعاش الكبير
مع اقتراب نهاية القرن التاسع عشر، كانت الأوبرا تحتفي بكبار المؤلفين مثل فيردي وفاجنر. فقدمت أوبرا "فولستاف" لفيردي، والتي كان قد ألفها عام 1893 وهو في الثمانين من عمره. كما تميز موسم 1899 بتقديم أعمال فاجنر مثل "لهونجرين"، و"الفالكوره"، و"تريستان وإيزولده"، التي عرضت لأول مرة في القاهرة.
وفي عام 1900، قدمت فرقة الإنجليزي موريس باندمان عشر حفلات أوبريت تضمنت عروضًا شهيرة مثل "سيجال"، و"كريستوفر كولومبوس الصغير"، و"فلورادورا"، و"فتاة الجيشة". ومع حلول عام 1901، شهدت الأوبرا حدثًا مؤثرًا، حيث توفي المؤلف الإيطالي جوزيبي فيردي عن عمر ناهز 88 عامًا. وأقيمت له حفلة تأبين ضخمة في دار الأوبرا، حيث تم تقديم أوبرا "ريجوليتو"، التي كانت بداية تعاونه مع أوبرا القاهرة.
كما شهدت الأوبرا المصرية ميلاد عهد جديد مع المؤلف الإيطالي جياكومو بوتشيني، حيث قُدمت رائعته "توسكا" في عام 1901، بعد عام واحد فقط من عرضها الأول في إيطاليا. كما تم تقديم أوبرا "لابوهيم"، التي حققت نجاحًا كبيرًا. وقد زار بوتشيني مصر بنفسه خلال هذه الفترة، حيث حضر بعض عروض أعماله في مسرح زيزينيا بالإسكندرية، وكذلك في القاهرة.
وكانت هناك محاولات للتجديد في برامج الأوبرا، حيث تم تقديم أوبرا "هينزل وجريتل" من موسيقى هومبردينك، وكذلك "إيفيجينا في توريد" للمؤلف جلوك. وقدمت فرقة باروش موسمًا ضخمًا اشتمل على ستين حفلة من الأعمال الإيطالية والفرنسية، بالإضافة إلى روائع فاجنر مثل "تريستان وإيزولده"، و"تانهويزر"، و"سالومي" للمؤلف الألماني ريتشارد شتراوس.
مبدعون على مسارح دار الأوبرا المصرية
عبر عقود، شهدت دار الأوبرا المصرية ومسارحها وقاعاتها عدد لا يُحصى من المبدعين في جميع ألوان الفن، ليس فقط المصريين، ولكن العرب كذلك. والذين حققوا شهرة واسعة في مجالات الغناء، والتمثيل، والتلحي، وبالطبع، قيادة الأوركسترا.
استطاعت الأوبرا -منذ افتتاحها- تقديم الدعم للمبدعين في مختلف المجالات الفنية، من موسيقى وغناء ورقص وأداء تمثيلي. لعبت دورًا محوريًا في اكتشاف وصقل المواهب، ووفرت منصة رفيعة المستوى لتقديم العروض الفنية الراقية. ولم تقتصر الأوبرا على تقديم العروض الفنية فحسب، بل أصبحت مصنعًا للمواهب الفنية. فمن خلال معاهدها الموسيقية وورش العمل المتخصصة، استطاعت الأوبرا توفير تدريب أكاديمي على أعلى مستوى. يتلقى طلاب معهد الكونسرفتوار ومعهد الباليه التابعين لدار الأوبرا تعليمًا موسيقيًا وأكاديميًا شاملًا، مما يجعلهم مستعدين لمواجهة التحديات الفنية محليًا وعالميًا.
ولم يكن الأمر مقتصرًا على الموسيقيين والمطربين فقط، بل ساهمت دار الأوبرا المصرية في تقديم مجموعة من راقصي الباليه الذين حصدوا شهرة عالمية. من خلال عروض فرقة باليه القاهرة، استطاعت دار الأوبرا تصدير الفن المصري إلى العالم، مبرزة مواهب عديدة تألقت في كبريات المسارح الدولية. فرقة باليه القاهرة التي تأسست في أوائل الستينيات تطورت بشكل ملحوظ تحت رعاية دار الأوبرا، وقدمت عروضًا شهيرة مثل "بحيرة البجع" و"كسارة البندق".
وفي مجال الغناء الأوبرالي، شهدت دار الأوبرا المصرية بروز العديد من المطربين الأوبراليين الذين أصبحوا سفراء للفن المصري في الخارج. من بينهم السوبرانو فاطمة سعيد، التي قدمت عروضًا مبهرة في دور الأوبرا الأوروبية. تميزت بصوتها القوي وأدائها التعبيري، مما جعلها تحصد جوائز دولية مرموقة. كذلك قدم التينور المصري رجاء فؤاد عروضًا في دور الأوبرا الكبرى حول العالم، ليكون مثالًا آخر على تأثير دار الأوبرا في صقل المواهب.
أيضًا لا يمكننا إغفال إسهامات الأوركسترا السيمفوني المصري، الذي لعب دورًا أساسيًا في تطوير المشهد الموسيقي في مصر. بقيادة عدد من المايسترو المتميزين، قدم الأوركسترا حفلات موسيقية كلاسيكية في مختلف المسارح العالمية، وشارك في فعاليات ثقافية دولية. وقد ساهمت هذه العروض في تقديم صورة مشرقة عن الثقافة الموسيقية المصرية.
ومن بين المبدعين الذين برزوا أيضًا، نجد الموسيقية نسمة عبد العزيز التي تخصصت في العزف على آلة الماريمبا. استطاعت نسمة أن تقدم عروضًا مميزة تمزج بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الشرقية، ما جعلها واحدة من أبرز العازفات المصريات.
ولم تكتفِ دار الأوبرا بتقديم المواهب فقط، بل قدمت أيضًا إنتاجات فنية كبرى، جمعت بين الموسيقى والغناء والتمثيل، ما أتاح للفنانين المبدعين فرصة للتألق والتميز. من بين هذه العروض الأوبرالية الشهيرة "عايدة" التي لاقت نجاحًا عالميًا. كما احتضنت الأوبرا عروضًا لفرق موسيقية عالمية، ما أتاح للجمهور المصري التعرف على مختلف أنماط الفنون الراقية.
كما تقدم دار الأوبرا المصرية برامج تعليمية وورش عمل لصقل مهارات الفنانين الشباب. يشمل ذلك دورات تدريبية في الموسيقى الكلاسيكية والرقص الأوبرالي، بجانب استضافة فنانين عالميين لتقديم خبراتهم. من خلال هذه الجهود، استطاعت الأوبرا أن تكون مركزًا لنشر الثقافة الفنية وتبادل الخبرات بين الشرق والغرب.
لم تقتصر إسهامات دار الأوبرا على العاصمة فقط، بل امتدت إلى الأقاليم من خلال تقديم العروض الفنية في مختلف المحافظات المصرية. هذه الخطوة ساعدت في تحقيق العدالة الثقافية، حيث أتيحت الفرصة لجمهور واسع لمشاهدة العروض الأوبرالية والموسيقية الراقية.
ومن المشاريع المهمة التي تبنتها دار الأوبرا هو التعاون مع معاهد الموسيقى الدولية، لتوفير منح دراسية للمواهب الشابة، الأمر الذي أتاح للفنانين المصريين فرصًا مميزة لصقل مواهبهم في الخارج. كما حرصت دار الأوبرا على تنظيم مهرجانات دولية مثل مهرجان القلعة للموسيقى والغناء، والذي استضاف عددًا من الفنانين العالميين والمحليين، ليصبح ملتقى ثقافيًا يتيح للجمهور التعرف على ثقافات موسيقية متنوعة.
وتظل دار الأوبرا المصرية صرحًا ثقافيًا شامخًا، يساهم في تخريج أجيال من المبدعين في مختلف المجالات الفنية. بفضل جهودها المستمرة، تستمر في رسم ملامح المشهد الثقافي المصري والعالمي، وتقديم فنون تعكس الهوية المصرية بحرفية وإبداع.
أصوات لا تُنسى
موسيقار الأجيال
قد لا يعرف الكثيرون أن محمد عبد الوهاب، أحد أعظم المبدعين في تاريخ الموسيقى العربية، قضى ردحا من مشواره الفني في دار الأوبرا المصرية، حيث قدم عروضًا غنائية في مرحلة شبابه. لكنه -بالطبع- سرعان ما أصبح أحد أعظم ملحني ومطربي القرن العشرين، ولقب بـ"موسيقار الأجيال".
كان لـعبد الوهاب تأثير كبير على تطوير الأغنية العربية، فهو اول من أدخل الآلات الغربية، مثل الجيتار والساكسفون، في الموسيقى العربية، مما أحدث ثورة موسيقية. كما ساهم موسيقار الأجيال في تحديث الأغنية العربية، حيث انتقل بها من التقليدية إلى الموسيقى الحديثة مع الاحتفاظ بالأصالة.
حفلات كوكب الشرق
هي واحدة من أعظم المطربات في تاريخ الموسيقى العربية، إن لم تكن أعظمهن، وعلى الرغم من أنها لم تكن تابعة رسميًا لدار الأوبرا، إلا أن حفلاتها في الأوبرا المصرية كانت من أشهر الأحداث الفنية، والتي تحولت صاحبتها من ذات صوت عظيم إلى أسطورة في عالم الطرب العربي؛ بعد أن بدأت الغناء في سن صغيرة بريف مصر، حيث كانت تؤدي التواشيح الدينية مع والدها، وعند انتقالها إلى القاهرة، تبناها عدد من كبار الموسيقيين، وعلى رأسهم الشيخ أبو العلا محمد وداود حسني.
قدمت أم كلثوم أولى حفلاتها الرسمية في دار الأوبرا المصرية، التي أصبحت بعد ذلك منبرها الأساسي لتقديم حفلاتها الشهرية التي كانت تُبث على الهواء مباشرة، ويترقبها الجمهور في كل أنحاء العالم العربي. ورغم رحيلها إلا أنه لا تزال حفلاتها تبث حتى اليوم، وما زالت أغانيها تحظى بجماهيرية واسعة، وتدرس أعمالها في المعاهد الموسيقية حول العالم.
حفلات "العندليب"
كان "العندليب الأسمر" عبد الحليم حافظ واحدا من أعظم وأشهر المطربين في تاريخ الأغنية العربية، التحق بمعهد الموسيقى العربية، حيث تعلم العزف على العود، ثم انضم إلى فرقة الإذاعة المصرية كعازف، واكتشفه الإذاعي حافظ عبد الوهاب، الذي منحه اسمه الفني "عبد الحليم حافظ".
انطلق عبد الحليم حافظ على مسارح دار الأوبرا المصرية، حيث قدم أولى حفلاته هناك، لكنه واجه صعوبة في البداية بسبب اختلاف أسلوبه عن السائد آنذاك، وكان من اوائل الفنانين الذين قدموا حفلات في دار الأوبرا المصرية، ثم أصبح "العندليب الأسمر" وأحد رموز الغناء العربي.
عمار الشريعي
هو أحد أبرز الموسيقيين الذين تخرجوا من دار الأوبرا المصرية. برع في التأليف الموسيقي وقدم أعمالًا خالدة في السينما والتليفزيون. مزج بين التراث الموسيقي المصري والتقنيات الموسيقية الحديثة، ما جعله من أبرز المبدعين في مجال الموسيقى التصويرية. شارك في تقديم موسيقى تصويرية لأكثر من 50 عملاً دراميًا وسينمائيًا، وكانت موسيقاه تعكس أجواء مصرية خالصة تلامس وجدان الجمهور. ومن بين أبرز أعماله، الموسيقى التصويرية لمسلسلات مثل "رأفت الهجان" و"عصفور النار".
محمد العزبي
كان للأوبرا دور كبير في إبراز صوته الذي قدم الأغاني الفلكلورية المصرية بأسلوب مميز. من خلال الحفلات التي قدمها في الأوبرا، انتشرت شهرته ليصبح أحد رموز الغناء الشعبي. امتاز العزبي بأدائه الحماسي وحضوره القوي على المسرح، وأدى أشهر الأغاني التراثية التي باتت جزءًا من الذاكرة الفنية المصرية مثل "الأقصر بلدنا" و"عيون بهية".
هاني شاكر
يُعد هاني شاكر واحدا من أبرز المطربين في العالم العربي، فهو أحد أبرز خريجي دار الأوبرا المصرية، حيث تعلم الموسيقى الكلاسيكية هناك، ثم أصبح من أهم مطربي الأغنية الرومانسية في العالم العربي، بل ولقب بـ "أمير الغناء العربي".
تميز هانى شاكر بصوته العذب وأدائه الرومانسي الطربي، فاستطاع أن يحافظ على مكانته في الساحة الفنية لأكثر من 50 عامًا، حيث جمع في أغنياته بين الأصالة والتجديد.
بدأ هاني شاكر الغناء منذ طفولته، حيث شارك في كورال الأطفال وكان يغني في الحفلات المدرسية، ودرس في معهد الموسيقى العربية، مما صقل موهبته الصوتية. وسرعان ما انطلق فنيًا في دار الأوبرا المصرية، حيث أدى أغاني لكبار المطربين مثل عبد الحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب.
لا يزال هاني شاكر محافظًا على مكانته كأحد أعمدة الغناء العربي، فهو يستمر حتى الآن في تقديم أغانٍ جديدة بين الحين والآخر، ويحيي حفلات في دار الأوبرا المصرية ومهرجانات عربية كبرى.
نادية مصطفى
نادية مصطفى هي واحدة من أبرز المطربات المصريات اللواتي حافظن على الأغنية الطربية الأصيلة، تميزت بصوت دافئ وإحساس مرهف جعلها من الأصوات التي ارتبطت بوجدان الجمهور العربي. ولا تزال تحافظ على لونها الغنائي وسط التغيرات الموسيقية الحديثة وتحافظ على هويتها الطربية.
بدأت نادية مصطفى بالغناء في دار الأوبرا المصرية، حيث كانت تقدم أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وسرعان ما لفتت الأنظار بسبب صوتها الطربي وإحساسها العالي، وحققت شهرة واسعة بأغانيها المميزة مثل الصلح خير ومسافات.
ميادة الحناوي
ميادة الحناوي هي مطربة سورية، وتُعد واحدة من أهم المطربات العربيات في العصر الذهبي للأغنية العربية، ولقبت بـ "مطربة الجيل". تميزت بصوتها القوي وأسلوبها الطربي الأصيل، وارتبط اسمها بكبار الملحنين مثل بليغ حمدي، الذي كان له دور كبير في شهرتها.
قدمت "مطربة الجيل"، العديد من الحفلات الناجحة في دار الأوبرا المصرية، وكانت انطلاقتها الفعلية من هناك، حيث كانت تحيي أمسيات طربية عديدة هناك، مما ساعد في انتشار فنها الكلاسيكي الراقي. هكذا، استطاعت أن تجمع بين الجمهور المصري والعربي بفضل أسلوبها الشرقي الأصيل وأغانيها العاطفية المؤثرة.
لطفي بوشناق
يُعد المطرب التونسى لطفي بوشناق أحد أعظم الأصوات في العالم العربي، حيث لٌقب بـ "فارس الأغنية التونسية"، وهو فنان متكامل يجمع بين الغناء الطربي، التلحين، والعزف على العود. يتميز بقدرته الفائقة على أداء الموشحات، الأغاني الطربية، والأغاني الوطنية بأسلوب فريد يجمع بين الأصالة والتجديد.
كانت بداياته القوية عربيا من خلال دار الأوبرا المصرية، حيث قدم أعمالًا جمعت بين الطابع الطربي والموسيقى الحديثة، وصار رمزًا للأغنية العربية الراقية، ورفض تقديم الأغاني التجارية، وظل يحافظ على هويته الموسيقية الأصيلة رغم التغيرات التي شهدها الفن العربي، مما زاد احترام الجمهور له. كما تناولت أعماله قضايا إنسانية واجتماعية، ولٌقب بـ "صوت المقاومة"، بسبب أغانيه الوطنية المؤثرة التي تدعم القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية.
حسن كامي
اشتهر الفنان الراحل حسن كامي بكونه فنانًا متعدد المواهب، فهو مغني أوبرا عالمي، وممثل سينمائي ومسرحي، وإداري ثقافي، حيث بدأ مغنيًا أوبراليًا في دار الأوبرا المصرية، وقدم العديد من العروض الأوبرالية العالمية مثل "عايدة" و"كارمن"، وحقق شهرة عالمية بعد أن غنى في أكثر من 270 أوبرا عالمية في دور الأوبرا الشهيرة مثل أوبرا باريس، أوبرا فيينا، وأوبرا روما، ولٌقب بـ أول مغني أوبرا مصري عالمي. لكنه انتقل لاحقًا إلى التمثيل وشارك في العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية.
لم يكتفِ هذا الرجل متعدد المواهب بالفن فقط، بل تولى إدارة دار الأوبرا المصرية لفترة، حيث ساهم في تطويرها ونشر الثقافة الأوبرالية، حيث كان يمتلك مكتبة تاريخية نادرة في وسط القاهرة، تحوي كتبًا ووثائق ثقافية نادرة، والتي أصر على الحفاظ عليها حتى آخر أيامه، رحل تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وإنسانيًا غنيًا.
أنغام
هي واحدة من أبرز المطربات المصريات في العصر الحديث، ولٌقبت بـ "صوت مصر"، وتميزت بقدرتها على المزج بين الأغنية الطربية والموسيقى الحديثة، وهي ابنة الموسيقار الكبير محمد علي سليمان، مما جعلها تنشأ في بيئة موسيقية ساعدت في صقل موهبتها.
بدأت أنغام مشوارها الغنائي في سن مبكرة جدًا، حيث قدمها والدها للجمهور من خلال حفلات دار الأوبرا المصرية، فتعلمت أصول الغناء الكلاسيكي، وغنت لكبار الفنانين مثل أم كلثوم، وعبد الحليم، ووردة الجزائرية. ثم اتجهت إلى الأغنية العصرية وبدأت تقدم أغانٍ بموسيقى حديثة تناسب الأجيال الشابة، سرعان ما لفتت الأنظار بصوتها العذب وإحساسها العالي، مما جعلها تنطلق بسرعة نحو النجومية، واصبحت من أشهر المطربات في الوطن العربي. وتعاملت مع كبار الملحنين مثل محمد الموجي، حلمي بكر، عمار الشريعي، وبليغ حمدي في بداياتها، ثم تعاونت لاحقًا مع ملحنين شباب مثل عمرو مصطفى، إيهاب عبد الواحد، وخالد عز.
علي الحجار
بدوره واحدا من أعظم الأصوات المصرية والعربية على الإطلاق، وأحد أبرز الفنانين الذين غنوا على مسارح الأوبرا المصرية، التي قدم فيها حفلات مميزة جعلته من الأسماء المعروفة في المشهد الفني، واستطاع المزج بين الغناء الطربي والموسيقى الحديثة، وقدم العديد من أغاني المسلسلات الناجحة.
نشأ في أسرة فنية، وكان والده الموسيقار إبراهيم الحجار، تميز بصوته القوي وإحساسه العميق، واستطاع أن يمزج بين الأغنية الطربية، الوطنية، والشعبية بأسلوب فريد جعله من رموز الفن المصري.
مدحت صالح
هو أحد أبرز المطربين المصريين الذين جمعوا بين الأصالة والتجديد في الأغنية العربية. يتميز بصوت قوي وإحساس مرهف، واستطاع أن يحافظ على مكانته في الساحة الفنية لأكثر من 40 عامًا. وانطلق مدحت صالح من دار الأوبرا المصرية، حيث كان يؤدي الأغاني الطربية، حيث درس الموسيقى والغناء الأصيل، ثم أصبح نجمًا في مجال الغناء المعاصر والتمثيل أيضًا. ولا يزال يحافظ على مكانته في الساحة الفنية، ويقدم حفلات متميزة، خاصة في دار الأوبرا المصرية.
غادة رجب
هي واحدة من أبرز المطربات المصريات، وُلدت في أسرة فنية، حيث إن والدها رضا رجب كان موسيقيًا وأحد كبار العازفين على العود، وتتميز بصوتها الطربي القوي وقدرتها الفائقة على أداء الأغاني الكلاسيكية والطربية بأسلوب عصري. بدأت مسيرتها الفنية في دار الأوبرا المصرية وهي في سن الثامنة، واشتهرت بأدائها المتميز للأغاني الطربية وأغاني أم كلثوم ونجاة، وليلى مراد، وبعد ذلك اتجهت الى الأغاني العصرية وأصدرت البوماتها الناجحة.
ورغم تركيزها على الغناء، خاضت تجربة التمثيل في بعض الأعمال مثل "السندريلا"، حيث قدمت شخصية نجاة الصغيرة. ولا تزال تقدم حفلات في دار الأوبرا المصرية والعديد من المهرجانات العربية، وجمهورها يرى أنها امتداد لجيل العمالقة، نظرًا لقوة صوتها وإحساسها العالي.
مروة ناجي
هي واحدة من أبرز الأصوات الطربية في مصر والوطن العربي، اشتهرت بأدائها المميز لأغاني أم كلثوم والأغاني الطربية الأصيلة. تتميز بصوت قوي وإحساس عالٍ، مما جعلها من أهم مطربات جيلها، ولٌقبت بـ "خليفة كوكب الشرق". وتُعد من أقوى الأصوات التي تخرجت من دار الأوبرا المصرية، حيث كانت واحدة من أهم نجوم فرقة الموسيقى العربية بقيادة المايسترو سليم سحاب، وتألقت في أداء الأغاني الطربية ثم شاركت في برامج مثل The Voice، ما جعلها تحظى بشهرة أوسع.
ياسمين علي
من أبرز الأصوات الشابة في مصر، اشتهرت بصوتها العذب وأدائها المميز للأغاني الطربية والكلاسيكية، بدأت الغناء في سن صغيرة، حيث اكتشفها المايسترو سليم سحاب، وقدّمها في حفلات دار الأوبرا المصرية ضمن كورال الأطفال. تدربت على الغناء الطربي وغنت لكبار الفنانين مثل أم كلثوم، فيروز، وعبد الحليم حافظ، ومع مرور الوقت، بدأت في تقديم حفلات منفردة وأصبحت واحدة من الأصوات المميزة في المشهد الغنائي المصري.
حققت شهرة واسعة بعد انتشار مقاطع فيديو لها وهي تغني أغاني الطرب الأصيل بصوت قوي وإحساس مرهف. وحتى الآن تعمل على إطلاق مزيد من الأغاني الجديدة التي تناسب جمهورها من عشاق الطرب، وتجمع بين الأصالة والحداثة.
===
المايسترولم تحتضن دار الأوبرا المصرية المواهب الغنائية فقط، ولكنها أخرجت للعالم أعظم الموسيقيين، الذين نالوا شهرة عالمية، حيث تتصارع دور الأوبرا العالمية لجذبهم، ورغم ذلك يفتخرون بكونهم أبناء دار الأوبرا المصرية، ويحملون لها كل الحب والانتماء.
نادر عباسي
يٌعد المايسترو نادر عباسي، القائد الأساسي لأوركسترا السلام بفرنسا التي تقدم عروضا منتظمة في أوروبا ومؤخرا في مسرح شاتلية في باريس، لُقب بـ "قائد المشاعر"، حيث اشتهر نادر خلال قيادته للحفلات بقدرته على جذب الجمهور.
قاد عباسي، أوبرا "ماريا جولفين" لمينويتى بأوبرا مارسيليا عام 2006، وذلك في حضور المؤلف نفسه، ثم تلاها عدة دعوات لقيادة أوبرا "الحفل التنكري" و"عايدة" لفيردي بدار أوبرا شنغهاى في الصين.كما قاد العديد من الأوركسترات العالمية، مثل أوركسترا "راينلاند" بفالس الفيلهارمونى في ألمانيا، أوركسترا "مارسيليا" الفيلهارمونى، أوركسترا "هايدلبرج" الفيلهارمونى، أوركسترا "جنيف" للحجرة، أوركسترا "شتراوس"، أوركسترا "كونسرفتوار ميونخ"، أوركسترا "جوانا خواتو" السيمفونى وأوركسترا "لاسويس ريموند" وغيرها.
أحمد الصعيدي
ينتمي المايسترو الكبير أحمد الصعيدي إلى الجيل الثالث من مؤلفي الموسيقى المصريين، حيث درس الفلسفة في جامعة الإسكندرية وتخرج فيها عام 1968، ودرس بعدها في المعهد العالي الموسيقى "الكونسيرفتوار" بالقاهرة من عام 1968 إلى عام 1971 ليحصل منه على البكالوريوس بتقدير امتياز.
سافر بعدها أحمد الصعيدي إلى موسكو ليدرس التأليف الموسيقي في كونسيرفاتوار تشايكوفسكى في الفترة ما بين عامي 1973 و1947، بعدها سافر إلى فيينا ليدرس بالمدرسة العليا للموسيقي والفنون الدرامية في الفترة ما بين عامي 1976م و1984م، وقد تخرج في قسم قيادة الأوركسترا عام 1982م ومن قسم التأليف الموسيقي عام 1984م وحصل على الماجستير عام 1985م، وقد منح الجنسية النمساوية في نفس العام. وكان أول ظهور فني عالمي له بقاعة كونسرتهاوس بفيينا عام 1983م، حيث قاد الاوركسترا السلوفاكي للحجرة، وتولي منصب القائد الأساسي لأوركسترا موسيقي فيينا للحجرة في الفترة من عام 1986م حتى عام 1988.
عين أحمد الصعيدي أستاذا مساعدا في المعهد العالى الموسيقى "الكونسيرفتوار" عام 1988، تولي بعدها قيادة الأوركسترا المصري للحجرة في الفترة من عام 1989 حتى عام 1995، وتولي قيادة أوركسترا القاهرة السيمفوني في الفترة من عام 1991 حتى عام 2003.
أسس أحمد الصعيدي الورشة الدولية لقيادة الأوركسترا في القاهرة عام 2001م، وهو أيضا مؤسس ورئيس الجمعية الفيلهارمونية المصرية، وقد قاد الصعيدي أكثر من 50 أوركسترا لعديد من دول أوروبا مثل النمسا وألمانيا وبولندا ورومانيا.
ناير ناجي
يُعد المايسترو ناير ناجي، مؤسس وقائد كورال القاهرة الاحتفالي المكون من 120 عضوًا، حيث لمع اسمه مؤخرا في عالم الموسيقى، وعرف بين أوركسترات العالم بتقنياته الموسيقية وتفانيه في عمله. ويعد أحد العازفين البارعين لآلة البيانو، له العديد من المؤلفات الموسيقية للكورال والأوركسترا، بدأ مجال قيادة الأوبرا في عام 2003 بتقديم ثلاث أوبرات كوميدية لروسيني، ومنذ عام 2004 وهو قائد ضيف بأوركسترا القاهرة السيمفوني، ويشغل حاليًا منصب القائد الأساسي والمدير الفني لأوركسترا أوبرا القاهرة.