أزمة السودان في شهرها الخامس.. اشتداد ألم أم ولادة أمل؟
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
قبل أربعة أشهر ، كان السودانيون ومعهم العالم، يعتقدون أن الدخان المتصاعد من سماء العاصمة، ما هو إلا سحابة عابرة.
لكن سرعان ما تلبدت سماء الخرطوم بغيوم سوداء، وتناثرت حمم الغضب في كل شارع وزقاق، وتفرق القريب والبعيد على معابر الفرار، باحثين عن وسيلة تنقذهم من جحيم المعارك وتحملهم إلى الجانب الآخر من بلدهم المضطرب.
في ذلك الوقت وتحديدا في الخامس عشر من أبريل/نيسان، اختصم “الصديقان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو الملقلب بـ”حميدتي”، فحولا السودان إلى ساحات للقتال بين الأصدقاء. حينها، اعتقد الجنرالان أنهما سيفوزان بالمعركة، لكن حسابات العسكر أخطأت في حسابات الميدان، فلا هذا انتصر ولا ذاك، وبقي السودانيون يبحثون عن سودان ما قبل أبريل.
الخبير العسكري محمد عبد الكريم يرى أن الحرب في السودان “أخذت وقتا أطول مما كان متوقعا لها بل أكثر من الزمن الذي قدّره من خطّطوا لها”. وقال عبدالكريم لوكالة فرانس برس: ” لم يكن أحد يتوقع أن تستمر هذه الحرب لأكثر من أسبوعين في أسوأ أحوالها”. مضيفا “الجيش كان يظن أن الحسم سيتم في وقت وجيز على اعتبار أنه يعرف تفاصيل تسليح قوات الدعم السريع وأن لديه ضباطا منتدبين للعمل في الدعم السريع”.
وهو ما ينطبق على “الدعم السريع”، حيث يقول ضابط سابق في الجيش السوداني طلب عدم الكشف عن هويته، في حديثه لوكالة فرانس برس، إن الأولى “أعدت خطوط إمدادها ولذلك كانت أولوياتها السيطرة على مداخل العاصمة”.
واليوم، تسيطر قوات حميدتي على المدخل الغربي للخرطوم الرابط بين العاصمة وولايتي دارفور وكردفان عند الحدود الغربية لأم درمان (ضاحية الخرطوم). كما تسيطر علي الطريق الذي يربط الخرطوم بولايات الوسط وشرق السودان.
وبحسب الضابط السابق، فإن الجيش “اختار حماية قواعده الأساسية، غير أن قوات الدعم السريع كسبت أرضا في الأحياء السكنية التي كانت أقامت مقارا فيها وباتت منذ بداية الحرب تسيطر على العديد من المنازل والمستشفيات ومؤسسات بنى تحتية أخرى”.
غير أنه بالنسبة للخبير العسكري محمد عبد الكريم، فإن “هذه حرب بطبيعتها تفترض الاعتماد بشكل أساسي على قوات المشاة بما أنها حرب داخل مدينة”. إلا أن الجيش- يكمل عبدالكريم- “منذ سنوات طويلة لم يعد مهتما بسلاح المشاة الحاسم في مثل هذه المواجهات، حيث اعتمد خلال الحرب في جنوب السودان (الذي أصبح دولة مستقلة عام 2011) على متطوعي الدفاع الشعبي”.
وأضاف “بعد انتهاء حرب الجنوب وبداية القتال في إقليم دارفور، استعان الجيش بحرس الحدود، وهي قوات من القبائل العربية لا من الجيش النظامي، وبعد ذلك بالدعم السريع”.
من جهته، يقول الباحث أليكس دو وال، إن قوات الدعم السريع “أثارت شكوكا في الطريقة التي يقدم بها الجيش نفسه باعتباره ممسكا بالسلطة” عندما فاجأته بانتشارها في الخرطوم.
لكن برأي وال، فإن “ما كسبته قوات حميدتي عسكريا خسرت مقابله سياسيا”. مفسرا ذلك بقوله إنها “فقدت بشكل نهائي تعاطف الشارع بسبب الفظاعات التي ارتكبتها”. وهو عكس البرهان، الذي “كسب سياسيا” ولكن فقط “بسبب الرفض الشعبي لخصومه، فالرجل ليس شخصية سياسية ولا يمتلك كاريزما”، بحسب الباحث نفسه.
الصراع الذي بدا في بدايته قتالا بين جنرالين على السلطة، بات اليوم ساحة لأطراف متداخلة، بعد أن دعا الطرفان الى التعبئة العامة، فقفز الإخوان يصبون الزبت على نار المعركة، في مشهد قد يطيل من أمد القتال وتعقيد العلاقات الدبلوماسية للسودان.. هكذا يرى الضابط السابق. ويقول الضابط إن البعض يقاتل لـ”دعم إخوتهم”، والبعض الآخر يقاتل “من أجل المال”
في هذا الوقت، تتوسع دائرة الصراع يوميا، وتمتد من الخرطوم إلى مدن جديدة، في ظل انسداد أفق الحل السياسي، وسط مخاوف من أن يدوم الاقتتال لسنوات.
“العين الإخبارية”
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الحركة الشعبية والدعم السريع- رؤى متضاربة وصراع المصير
زهير عثمان
تشهد الساحة السودانية تصاعداً في تعقيد الصراعات السياسية والعسكرية، حيث تُعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وقوات الدعم السريع فاعلين رئيسيين في المشهد السوداني. ورغم اختلاف أهدافهما وسياقاتهما، يتشاركان النفوذ العسكري والسياسي. يُثير هذا التساؤل حول مصير البلاد إذا ما قررت الحركة الشعبية إعلان حكومة في مناطق نفوذها، وما قد يعنيه ذلك على المستويين الداخلي والإقليمي.
الفروق الأساسية بين الحركة الشعبية والدعم السريع
الأيديولوجيا والأهداف
الحركة الشعبية لتحرير السودان , تعتمد الحركة على رؤية سياسية واضحة تُعرف بـ"السودان الجديد"، التي تسعى لإعادة تشكيل الدولة السودانية على أسس المواطنة والمساواة واحترام التنوع. تهدف إلى إنهاء التهميش التاريخي لمناطق مثل جبال النوبة والنيل الأزرق.
الدعم السريع وطرحه نعلم انها تفتقر قوات الدعم السريع إلى أيديولوجيا متماسكة أو رؤية سياسية طويلة المدى. يُنظر إليها كقوة عسكرية تهدف إلى تعزيز نفوذ قيادتها، وعلى رأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مع التركيز على تحقيق مكاسب تكتيكية بدلاً من طرح مشروع وطني شامل.
القاعدة الشعبية والجغرافية
الحركة الشعبية اسست والان تمتلك قاعدة شعبية راسخة في المناطق المهمشة مثل جبال النوبة والنيل الأزرق، وتطرح نفسها كممثل للمهمشين والمظلومين في السودان.
الدعم السريع قاعدته الأساسية في دارفور مع توسع نفوذها إلى مناطق أخرى، لكنها تُعتبر أكثر ارتباطاً بالبُنى القبلية والمصالح الاقتصادية لقادتها.
الشرعية والممارسات
الحركة الشعبية بالرغم تعرضها لانتقادات في قضايا كثيرة مثل علمانية الحكم والحقوق المدنية ، إلا أنها تُعتبر فاعلاً سياسياً مشروعاً يسعى إلى تغيير بنية الدولة السودانية.
الدعم السريع يواجه انتقادات شديدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان واعتمادها على القوة العسكرية المفرطة في حروبها كلها .
إعلان حكومة من قبل الحركة الشعبية: السيناريوهات والتداعيات
الأثر على وحدة السودان
إعلان حكومة في مناطق نفوذ الحركة الشعبية سيُعيد إلى الأذهان تجربة جنوب السودان. قد يُعزز ذلك الشعور بانعدام الثقة بين الأطراف السودانية المختلفة، ويُؤدي إلى مزيد من الاستقطاب.
التحديات الداخلية
الاعتراف الدولي أول ما ستواجه الحركة تحدياً كبيراً في الحصول على اعتراف دولي بحكومتها.
الخدمات والبنية التحتية: تعتمد هذه المناطق على المركز في تقديم الخدمات، ما يعني أن إعلان حكومة سيضع عبئاً هائلاً على موارد الحركة.
التداعيات الإقليمية
التدخل الإقليمي وقد يدفع إعلان حكومة دول الجوار مثل إثيوبيا وجنوب السودان إلى اتخاذ مواقف متباينة، بناءً على مصالحها.
التوازنات الجيوسياسية سيُربك ذلك حسابات القوى الدولية والإقليمية لفترة وخاصة التي تسعى لاستقرار السودان.
مقارنة مع تجربة الدعم السريع
إذا كانت قوات الدعم السريع تُركز على تثبيت نفوذها داخل النظام الحالي، فإن الحركة الشعبية قد تسعى لتأسيس كيان مستقل تماماً. الفرق الجوهري هو أن الدعم السريع لا يمتلك مشروعاً سياسياً متكاملاً، بينما للحركة الشعبية رؤية تتجاوز حدود السلاح.
وفي حال أعلنت الحركة الشعبية حكومة في مناطق نفوذها، سيشكل ذلك تحولاً جذرياً في المشهد السياسي السوداني. بينما تظل احتمالات نجاحها مرتبطة بقدرتها على كسب الاعتراف الدولي والتعامل مع تحديات داخلية معقدة. ومع ذلك، يبقى الحل الأمثل هو السعي نحو تسوية سياسية شاملة تُعالج جذور الأزمات السودانية وتجنب البلاد سيناريوهات التفكك والمزيد من الصراع.
zuhair.osman@aol.com