لا تنفصل المؤسسات الدينية فى بلغاريا الواقعة جنوب شرقى أوروبا عن مثيلاتها فى مصر، إذ تُعد دار الإفتاء المصرية والمؤسسات الدينية فى بلد الأزهر الشريف هى الرائدة فى مجال تجديد الخطاب الدينى فى أوروبا، وهى بمثابة الركن الأساسى الذى يضع اللبنة الأولى لمواجهة خطاب التطرّف والكراهية والإسلاموفوبيا، من خلال سعيها الدائم لتجديد الخطاب الدينى، بما يتناسب مع معطيات وأوضاع القارة العجوز.

وقال الشيخ مصطفى حجى، المفتى العام لجمهورية بلغاريا، إنه بفضل النّهج الوسطى الذى تتبعه دار الإفتاء المصرية، قامت المؤسسات الدينية فى بلغاريا بتبنى رؤيتها وتمكّنت من إيصال فكرة جيدة عن الإسلام. وتابع: «لذلك نرى إقبالاً ملحوظاً من قِبل المفكرين فى بلغاريا والغرب بشكل عام نحو اعتناق الإسلام، خاصة بعدما جربوا مرارة الحياة الحرة التى لا قيود ولا منهج لها».

ولفت إلى أنّ المسلمين يسعون لإظهار الصورة الحقيقية للإسلام فى جميع ربوع العالم، ويدافعون عن دينهم مهما كانت أوضاعهم، ومهما كان المكان الذى يعيشون فيه، فلا بد أن يتكاتفوا لتحقيق ذلك. وأضاف: «السبب الرئيسى لانتشار الإسلاموفوبيا فى أوروبا هو عدم معرفة حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة التى تحضّ دائماً على المحبة والإخاء والتسامح»، مؤكداً أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى يستطيع أن يعيد كرامة الإنسان ويساعده فى أن يجد نفسه، ودار الإفتاء تلعب دوراً مهماً جداً فى إظهار تلك الصورة الحقيقية.

وأضاف: «يجب على العلماء أن يُسقطوا القضايا على الواقع، لإيجاد الفتوى المناسبة لهذه الأيام، وفى الوقت نفسه ندافع عن ديننا، لأننا نتعرّض لهجوم على الإسلام والمسلمين»، موضحاً أن بعض الأشخاص ممن يتحدّثون باسم الدين إذا لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هدفهم بطريقة مقبولة لا يتردّدون فى استخدام العنف والقوة، وحتى استخدام السلاح، وهذا هو مبدأ التطرّف، محذّراً من أن استخدام العنف باسم أى أيديولوجيا شىء خاطئ وخطير.

وتحدّث «حجى» عن دور المؤسسات الدينية عامة والإفتائية خاصة فى مواجهة تلك التحديات، موضحاً أن الإسلام هو المنقذ الوحيد، وفيه إمكانية أن يقف أمام التحديات المعاصرة، وأن يساعد الناس لخروجهم من الضلال والابتعاد عن القيم الإنسانية، خاصة الشباب، من الأفكار المسمومة التى تؤدى إلى الفساد الأخلاقى، ولهذا السبب ينبغى التركيز على إيجاد الكوادر والدعاة لدعوة الإصلاح والرجوع إلى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا، مشدّداً على ضرورة التعاون مع الخبراء فى علم النفس وعلم المجتمع وعلم السياسة، وكل الجهات التى من شأنها أن تُغير المجتمع إلى الأفضل، مؤكداً أنّ الإرشاد وتعليم الدين ينبغى أن يكون باللغة الحديثة المناسبة والبسيطة، حتى لا يصعب على الجيل الجديد فهمها.

وبشأن جهود مؤسسة الإفتاء الوطنية فى مواجهة التحديات، أكد المفتى العام لجمهورية بلغاريا أنهم يعيشون فى أوروبا ويتعايشون مع غير المسلمين لقرون طويلة، ورغم ذلك لا بد من بذل جهد أكبر للحفاظ على تلك المكتسبات، التى بتجاهلها سيعود التطرّف والإسلاموفوبيا مرة أخرى إلى الواجهة. وأضاف: «حينها لن تكون الأوضاع مستقرة، وسيتزعزع الأمن والأمان، ولذلك نحن ملتزمون بالتأكيد على اتباع المنهج الإسلامى الوسطى». وتابع: وذلك تطبيقاً للآية الكريمة «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ». وواصل: «فى حلقات القرآن لا نكتفى بقراءة القرآن فقط، بل نحاول أن نربى أطفالنا تربية إسلامية بالوسائل الحديثة، وأخيراً نقيم الدورات والمخيمات للطلاب، خاصة لطلاب الجامعات فى أماكن مختلفة، وفى ما بعد نستخدم المشاركين فى هذه المخيمات للعمل مع زملائهم والطلاب الصغار».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الإسلاموفوبيا الإسلام المسلمين المؤسسات الدینیة

إقرأ أيضاً:

الكفيفة التى أبصرت بعيون القلب

مع قوافل العائلات الهاربة من حرارة القاهرة والأقاليم، جئنا إلى مرسى مطروح حسناء المتوسط بحثًا عن الاستجمام. كنا نتوقع أن نجد المتع المألوفة من شمس وأمواج وأطباق شهية من ثمار البحر. لكن ما لم يكن فى الحسبان، أن نقابل تلك الشابة الرائعة التى أذهلتنا ببصيرتها رغم فقدانها نعمة البصر.

دعونا نسمّيها «ماريا». فقدت بصرها وهى طفلة، ولكن ما فقدته فى حاسة الرؤية، عوّضته بأعين قلب يرى ما لا تدركه الأبصار. كانت نقاوة روحها هى التى تجذبنا إليها، وضحكتها كانت تطرق آذاننا كأمواج البحر، وذكاؤها كان كسيفًا حادًا، يقطع جمود الأحاديث بنكاتها و»قلشاتها».

كنّا نرى ثنائيات الحياة من حضور وغياب، وسر وعلانية، وبراءة و»شقاوة» متمثلات فى «ماريا»: غياب البصر فى مقابل حضور البصيرة، انقباض الإعاقة فى مقابل بسطة الروح، ظلمة العمى فى مقابل إشراقة الصوت الجميل.

لم يكن فقدان البصر إلا نافذة تطلّ على عالم أوسع فى قلبها. كانت تستشعرنا بحسّ لا يملكه المبصرون: تعرف أدقّ تفاصيل مشاعرنا، وتقرأ قلوبنا كما يقرأ المرء كتابًا مفتوحًا، وتعرف متى تحتاج أرواحنا إلى راحة الضحكة وروقان البال.

«ماريا» لم تكن وحدها من يثبت أن البصيرة تفوق البصر. كانت تذكرنا بعظماء الأدب الذين تجاوزوا قيود الإعاقة مثل أبى العلاء المعرى الذى رأى فى عماه بصيرة فلسفية عميقة تغوص فى أسئلة الوجود، وطه حسين، الذى قهر الظلام ليكون مشعل فكرٍ وقلم، وهوميروس، الشاعر الإغريقى الكفيف صاحب ملحمتى «الإلياذة» و»الأوديسة»، الذى بيّن لنا أن الرؤية الحقيقية تأتى من سويداء القلب لا من حدقة العين.

فى كل لقاء لنا مع ماريا، كنا ندرك سرًا لم نجرؤ على البوح به. كنّا، نحن المبصرين، دائمًا ما نتجنب أمامها استخدام كلمات تشير إلى العين أو النظر أو البصر؛ لم يقصد أحد منّا أن يشعرها بأن فقدانها للبصر شىء يلفت انتباهنا أو يحصرها فى زاوية خاصة. لكن المدهش أنها هى التى خفّفت، بفكاهتها، الرهبة من ذكر العمى وعلّمتنا أن الإعاقة ليست حاجزًا أمام العيش بحب وانفتاح مع الآخرين. كانت تُظهر لنا، نحن المبصرين، أن الحياة الحقيقية تتطلب رؤية أعمق من مجرد حاسة البصر.

أصرّت «ماريا» أن تشاركنا فى لعبة «الضمنو». كانت تتحسّس أرقام المربعات بأناملها، لتفوز علينا فى «فورة» عقب الأخرى وهى تضحك ضحكات تجلجل فى فضاءات المقهى. الغريب أننا كنا نضحك معها، ونفرح بفوزها علينا، رغم أنها كانت تشمتُ فينا علنًا وتهلّل وتضرب بكفها مسند المقعد كما يفعل جُلُّ الفائزين.

مع نهاية العطلة، أدركنا أن «ماريا» لم تكن مجرد ذكرى صيفية عابرة فقد أضحت فى نظرنا رمزًا لما يمكن للبشرية أن تحقّقه عندما ترى بما هو أعمق من رؤية العيون.

 

مقالات مشابهة

  • مكانة الصلاة في الإسلام وحكم تاركها
  • (الإجراءات الجنائية).. وإجراءات الحوار!!
  • السيسي: مهمة بناء الإنسان تحتاج لتضافر جهود المؤسسات الدينية والعلمية والأسرة (فيديو)
  • السيسي: بناء الإنسان مسئولية تضامنية تحتاج كل المؤسسات الدينية والعلمية (فيديو)
  • الرئيس السيسي: بناء الإنسان مسئولية تضامنية تحتاج كل المؤسسات الدينية والعلمية
  • «الإصلاح والنهضة»: الدبلوماسية المصرية نموذج استثنائي لدعم الاستقرار في المنطقة
  • سينما المؤلف التى غابت
  • كوارث عمر أفندى!
  • الكفيفة التى أبصرت بعيون القلب
  • أشرف غريب يكتب: أعظم ما في تجربة سيد درويش