عبر نهر دنيبرو.. أوكرانيا تخترق الدفاعات الروسية والهدف مجهول
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
نفذت قوات النخبة الأوكرانية، هذا الأسبوع، غارة جريئة عبر نهر دنيبرو على مواقع العدو في الأراضي التي تحتلها روسيا بالقرب من مدينة خيرسون الجنوبية، وفق تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وشنت أوكرانيا غارات متفرقة على قوات موسكو عبر النهر الرئيسي الذي يعمل كواحد من الخطوط الأمامية الجنوبية للحرب، لكن يبدو أن "الغارة الأخيرة" تشكل جزءا من استراتيجية هجوم مضاد لتحديد القوات الروسية وإنشاء رؤوس جسور متعددة لهجوم أوسع في المستقبل، كما يقول محللون للصحيفة.
تأمل القوات المسلحة الأوكرانية أن تضع "غارة خيرسون" الروس في معضلة حول ما إذا كانت أوكرانيا ستفعل شيئًا أكثر أهمية في الجبهة الجنوبية أم تقوم موسكو بسحب قواتها الاحتياطية، وفقا للواء للخبير العسكري واللواء المتقاعد بالجيش الأسترالي، ميك رايان.
وقال إن كلا الجانبين كانا يحاولان إيجاد نقاط ضعف في خصومهما، وإبقاء العدو في حالة تشكك واستدراجه لتحويل الموارد بعيدا عن المكان الذي يمكن أن تحدث فيه ضربة كبيرة.
وفي نوفمبر، استعادت أوكرانيا مدينة خيرسون وأجزاء من منطقة خيرسون، بعد شهور من الاحتلال الروسي، لكن القوات الروسية تقصف المدينة والمناطق المحيطة بها بشكل منتظم عبر نهر دنيبرو، وفق وكالة "رويترز".
وفي يونيو، باشر الجيش الأوكراني هجوما مضادا واسع النطاق في محاولة لاستعادة مناطق في شرق أوكرانيا وجنوبها احتلها الجيش الروسي، لكن التقدم لا يزال بطيئا حيث روسيا حصنت خطوط دفاعها مع خنادق وأفخاخ مضادة للمدرعات وحقول ألغام، وفقا لوكالة "فرانس برس".
ونفذت القوات الأوكرانية غارات على المواقع الروسية عبر نهر دنيبرو منذ الخريف، وبحلول 6 يونيو كانت قوات كييف متمركزة على الضفة التي تسيطر عليها موسكو من النهر، قبل عودتهم مرة أخرى إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة أوكرانيا في خيرسون، حسب "فايننشال تايمز".
وبعد بضعة أسابيع، عبر الأوكرانيون النهر بالقرب من جسر أنتونيفسكي شمال مدينة خيرسون، حيث تواجدوا بها لمدة أسبوع على الأقل.
وعن ذلك قال الخبير العسكري، مايكل كلارك، إن الغارات كانت على ما يبدو تهدف إلى إنشاء جيوب صغيرة من القوات الأوكرانية يمكن استخدامها بعد ذلك في هجوم أوسع لإخراج القوات الروسية من الضفة الجنوبية الشرقية.
وقد يؤدي جذب المزيد من القوات الروسية للدفاع عن خيرسون إلى تعزيز مواقع أوكرانيا في أماكن أخرى، ولا سيما في الشرق حيث تأمل كييف في قطع جسر بري إلى شبه جزيرة القرم تسيطر عليه القوات الروسية.
واحتلت موسكو شبه الجزيرة في عام 2014 ونشرت أسطولها المطل على البحر الأسود هناك، والذي يستخدم بانتظام لشن هجمات صاروخية على المدن الأوكرانية.
تقدم أوكراني وهدف "مجهول"هذا الأسبوع، قال العديد من المدونين العسكريين الروس إن هناك مناوشات في المناطق التي يشكل فيها دنيبرو خط المواجهة، وأكد أحدهم أن القوات الأوكرانية تمكنت من التقدم 800 متر عبر الدفاعات الروسية بالقرب من مدينة كوزاتشي لاهري.
ومن جانبها قالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، هنا ماليار، "تم تحديد هدف واحد هذا الأسبوع وتم تنفيذه ولكن لا يمكننا هنا الآن أن نقول ما هو بالضبط".
وأكد معهد دراسة الحرب "وقوع المناوشات"، بناءً على بيانات وكالة ناسا التي تستخدم مستشعرات الأشعة تحت الحمراء للكشف عن حرائق الغابات، ويمكن استخدامها أيضا لتحديد نقاط القتال الساخنة في أوكرانيا.
Footage published on August 9 further supports ISW’s assessments that the Ukrainian incursion across the #Dnipro River near Kozachi Laheri in the east (left) bank of #Kherson Oblast on August 8 was likely a limited raid. https://t.co/gWgxxYa2PP https://t.co/yUwhLZhBiQ pic.twitter.com/10dz76LGxt
— ISW (@TheStudyofWar) August 10, 2023وقال المعهد إن القوات الأوكرانية شنت على ما يبدو "غارة محدودة" عبر نهر دنيبرو، لكن "لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القوات الأوكرانية قد أقامت وجودًا دائمًا على الضفة الشرقية".
وفي مكان آخر، على مدى أكثر من 1000 كيلومتر من مواقع الخطوط الأمامية، تواصل أوكرانيا شن هجمات على الرغم من قوة الدفاعات الروسية، والتي تشمل مناطق ملغومة بشدة وشبكات واسعة من الخنادق.
والأربعاء، قالت ماليار، إن أوكرانيا حققت مكاسب إضافية معتدلة في جنوب وشرق البلاد، حيث تحاول القوات تحرير نحو 18 بالمئة من الأراضي التي لا تزال تحتلها روسيا.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: القوات الأوکرانیة القوات الروسیة
إقرأ أيضاً:
مونيكا ويليم تكتب: الهدنة الروسية الأوكرانية: هل تُمهد لتسوية شاملة أم تعيد ترتيب الأوراق؟
أصبحت العلاقات الدولية تشهد تسارعًا ملحوظًا في التغيرات وتشابكًا متزايدًا في الملفات، مما أدى إلى تعقيد المشهد الجيوسياسي العالمي. فلم تعد النزاعات تقتصر على أطرافها المباشرين، بل باتت تمتد تأثيراتها إلى قوى إقليمية ودولية، تتداخل مصالحها وتتفاوت مواقفها بين الدعم والممانعة، هذا التشابك جعل من الصعب تحقيق حسم سريع في الصراعات، إذ أصبحت الدول أكثر اعتمادًا على بعضها البعض، مما يفرض على الجميع حسابات دقيقة قبل اتخاذ أي موقف حاسم.
وتُعد الحرب الروسية الأوكرانية في هذا الإطار، مثالًا واضحًا على هذا الواقع الجديد، حيث لم تبقَي المواجهة محصورة بين طرفي الصراع، بل امتدت تداعياتها لتشمل قوى كبرى وفاعليين إقليمين، مما جعل موازين القوى أكثر تعقيدًا. وعليه، برزت جهود دبلوماسية، كالمباحثات التي استضافتها المملكة العربية السعودية، والتي تعكس رغبة بعض الأطراف في إيجاد حلول وسطية تُجنّب العالم مزيدًا من التصعيد، وذلك بالتزامن مع دراسة ترامب التراجع عن قراره بتجميد المساعدات العسكرية والتبادل الاستخباراتي مع أوكرانيا بشكل رسمي.
أثار هذا قرار العديد من التساؤلات حول دلالاته وتأثيراته المحتملة على مسار الحرب، لاسيما أن هذا التصعيد سوف يُعيد ترتيب ساحة المعركة مع روسيا، إما عن طريق وقف القتال، أو تغيير موازين القوى لصالح روسيا بمنحها ميزة حاسمة.
ارتكزت دلالة قرار الرئيس الأميركي كونه سيؤثر على تدفق الأسلحة والذخيرة بما في ذلك الصواريخ الباليستية أرض- أرض، والمدفعية الصاروخية بعيدة المدى، التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، إذ سيؤدي إلى وقف عمليات تسليم المعدات من مخزونات وزارة الدفاع (البنتاجون)، بالإضافة إلى المساعدات عبر مبادرة "المساعدة الأمنية لأوكرانيا"، التي توفر الأموال التي يمكن لكييف استخدامها لشراء معدات عسكرية جديدة من شركات الدفاع الأميركية بشكل مباشر.
وعلي الصعيد التكتيكي، تزامن هذا القرار مع استعادة روسيا ثلاث قري في كورسك من القوات الأوكرانية، على الرغم من تمسك أوكرانيا بالاحتفاظ بكورسك للمقايضة ضمن مفاوضات إنهاء الحرب، كما تستمر روسيا في غارات وهاجمتها، واستهدفت البنية الطاقة وذلك بالتزامن مع المساعي الأوكرانية لتحسين وضعها التفاوضي والاستقواء بأوروبا.
وبالنظر إلي أن المشهد الحالي يثير عدة تساؤلات، فلابد من قراءة دقيقة ومفصلة لكافة موازين القوي داخل الصراع الروسي الأوكراني والتي تتضمن أطراف مثل أوروبا والولايات المتحدة التي بدأ يحدث تغيير في شكل دعمها وموقفها السياسي، كما يمثل هذا الانسحاب اختبار حقيقي الي حلف الناتو في أول حرب يخوضها أكبر حلف عسكري.
ودفع هذا التصعيد الجانب الأوكراني لقبول الهدنة ووقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً وتوقيع صفقة المعادن الإطارية والتي سوف يتبعها عدد من الاتفاقيات الذي يمتد تأثيرها إلي نمو الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا، والتي تنص على مناحي مختلفة بينها في نظري الحيز الأمني بارتباط المصالح الاقتصادية الأوكرانية بالمصالح الأمريكية.
وعلي الرغم من أن الموقف الأوكراني هش، بل ويفتقر إلى أي أوراق تفاوضية للمساومة، كما يفتقد إلى قوة ميدانية تمكّنه من فرض شروطه، وأثبات استعداده للسلام في مقابل حصوله على بعض الامتيازات، تتمثل في 3 مطالب وسيناريوهات الأول متعلق بانضمام أوكرانيا لحلف الناتو والتي تعتبر أعلي ضمانة أمنية لأوكرانيا تضمن معها عدم حدوث أي اعتداء مستقبلي من قبل روسيا تفعيلاً بالبند الخامس، وفي هذا الإطار يتعين استذكار بان أوكرانيا في عام 1994 تخلت عن ترسانتها النووية مقابل ضمانات أمريكية وروسية وبريطانية.
في حين أن السيناريو الثاني يختص بضمانات تكتيكية من قبل الولايات المتحدة لتعزيز موقف أوكرانيا التفاوضي، إما السيناريو الثالث فهو تعزيز قدرات الجيش الأوكراني لتدعيم قوته ولصد أي هجمات مستقبلية، ومما لا شك فيه أن تنفيذ أي من هذه سيناريوهات سوف ينشب صدام بين الولايات المتحدة وروسيا.
أما من جهة ترامب فهو سعي إلى إرغام زيلينسكي على تغيير موقفه حيال محادثات السلام؛ بما في ذلك الاستعداد لتقديم تنازلات على غرار التخلي عن أراضي لصالح روسيا وأيضا التحرك نحو أجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومن المرجح أن يصر الرئيس الأمريكي عن تنحي زيلينسكي عن منصبه وذلك بعد أن شهدت العلاقات بين الطرفين منعطفًا دراماتيكيًا علي خلفية اللقاء المحتدم بينهما. في ضوء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى بشكل رئيس إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا بهدف تحييد روسيا عن أي تعاون محتمل مع الصين. فهو لا يرغب في أن تكون روسيا قوية بما يكفي لمنافسته، ولا ضعيفة إلى الحد الذي يدفعها لتعميق علاقاتها مع الصين.
فضلا عن أن الولايات المتحدة تعاني من أزمات داخلية متفاقمة تتمثل في أسعار النفط وأيضا حجم الديون الأمريكية تبلغ نحو 36 تريليون دولار.
وفي المقابل بدأت القارة الأوربية تدرس سبل تعويض أوكرانيا عن المساعدات الأمريكية، كما أعلنت فرنسا أنها سوف تستخدم فوائد الأصول روسيا المجمدة لتمويل 95 مليون يورو المساعدات العسكرية المقدمة إلي أوكرانيا.
ومع استقراء خريطة الاحتياجات الأوروبية في حال تم بانسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو الأول حول النظام الدفاعي في أوروبا، فوفقا لسيناريوهات عدة طرحتها فايننشال تايمز نوفمبر 2024 بالتوقع الخاص بانسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو .
فأوروبا سوف تنفق ما يعادل 4% من الناتج القومي لزيادة الإنفاق الدفاعي والموازنة العسكرية، كما أن انسحاب الولايات المتحدة من قواعدها داخل الدول الأوروبية يعني احتياج أوروبا لنحو 300 ألف جندي، و1400 دبابة و2000 عربة قتالية و700 مدفع وبالتالي سوف تحتاج أوروبا ما يقرب من 250 مليار يورو لتعزيز الاستثمار الدفاعي، وفي الوقت نفسه وفقا لتقديرات عدة، فهناك تأويلات حول عدم جاهزية أوروبا لهذا الانسحاب الكلي والمفاجئ.
أما ما يتعلق بسيناريوهات الموقف الروسي، فهناك عدة تساؤلات باتت تطفو علي السطح وذلك علي غرار، هل ستوافق روسيا علي الهدنة ووقف اطلاق النار لمدة 30 يوماً وما هي التحفظات المتوقعة؟
فعلياً، تعتبر روسيا هذه الهدنة هي محاولة لكسب الوقت من ناحية أوكرانيا لاستعادة قواها واستعادة ثقة الولايات المتحدة بعد أن جمدت الولايات المتحدة التعاون الاستخباراتي والدعم الأمريكي، ووفقا للتصريحات الروسية فأن أي اتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا لابد من يأخذ في الاعتبار التقدم العسكري الروسي وإبعاد الناتو عن الحدود الروسية، وفي نظري ثمّة أسبابٌ عديدةٌ تدفع روسيا إلى إنهاء الحرب، يأتي في مقدّمتها رغبتها في إنهائها من موقع قوّة، لا سيّما في ظلّ تحقيقها مكاسب عسكرية ملموسة على الأرض وأيضاً مواقفة الجانب الروسي علاوة علي ذلك تسعى روسيا إلى تجنّب المزيد من الخسائر الاقتصادية، التي قد تتفاقم مع استمرار النزاع، مما يجعل التوصّل إلى تسوية تعزّز مكاسبها الاستراتيجية. وأخيرا نتيجة تنامي السمة التفاوضية والملفات التوافقية بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي والتي تنطلق من نسق عقائدي مفاداه ضرورة أنهاء التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا الذي نشب خلال الثلاث السنوات الماضية.
ختاما، التوصل إلى تسويات حاسمة يظل رهينًا بإرادة القوى الفاعلة ومدى استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية تُنهي حالة الجمود والصراع المستمر.