جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-02@17:56:35 GMT

معنى الانكسار

تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT

معنى الانكسار

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي **

 

عندما كنت على مقاعد الدراسة الجامعية، كان مدرس مادة الدراسات المالية مدرسًا مُتمكنًا من المادة وكان عميدًا للكلية في نفس الوقت، وبالرغم من أنه يحمل درجة الأستاذية، لكنه كان يتسم بالتواضع، وكان يتحاور مع طلابه، ويُبدي رأيه في كثير من القضايا المالية التي تشغل الرأي العام في ذلك الوقت، ويربط هذه الآراء بما يحتويه المقرر الدراسي.

ومن بين هذه القضايا، العجز المالي والدين العام والبطالة وسعر الصرف والخصصة، والغريب أن هذه القضايا المالية هي نفسها التي ما زلت تشغل العالم العربي منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وبالرغم من تواضعه لكنه كان ذا شخصية قوية، وفي كثير من الأحيان يطرد العديد من الطلبة خارج قاعة المحاضرة، لعدم التزامهم بالانضباط وإثارة الهرج في المحاضرة. وفي يوم من الأيام، وصل إلى المحاضرة لكنه لم يتقبل أي أسئلة كعادته، وبدى حزينًا مُنكسرًا، لم يفوت الطلبة الفرصة وأرادوا معرفة سبب هذا الانكسار والحزن، فتحدث بعيون دامعة بأنَّه فقد والده منذ يومين، فتقدَّم عدد من الطلبة لمواساته.

عرفتُ من يومها معنى الانكسار الحقيقي، عندما تفقد أحدهم إلى الأبد ويرحل عن دنياك مهما كنت، وخاصة إذا كان هذا الراحل هو أحد والديك. ومن موقف هذا الأستاذ الجامعي، عندما انكسر وسمح لدموعه أن تسقط بهذه الغزارة أمام طلابه، وهو الذي كان يمثل لهم العزة والكبرياء والشموخ وهو في هذه السن لفقدانه والده، يُمكن أن تعرف ببساطة ما يعنيه الأب في حياة الإنسان.

وها هي الأيام تمر وذكرى رحيل والدي العزيز- رحمة الله عليه- تُذكِّرُني بهذه القصة كل عام، تُذكِّرُني بمعنى الإحساس بالانكسار عندما تفقد من كان سببًا في وجودك بعد الله في هذه الحياة، وهو الذي بنى حياتك وشخصيتك وربّاك وعلّمك.

كنت لا أعرف القراءة والكتابة، لكن أبي أصر ألا يُفارِق يدي القلم، وألا يفارق ناظري الكتاب، وقد كنتُ ولدًا شقيًا كحال أبناء جيلنا في ذلك الزمن، نعشق كرة القدم حتى الثمالة، ونطاردها أين ما حلت، وكان يُعنفني لأني أُهمل دروسي، وعندما حاولت أن أختصر الطريق، والقبول بفرص للعمل، كانت تلك "اللا" الوحيدة من طلباتي الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى!

كان يركب الطرقات ويجوب الشوارع ويتتقل بين مركبات الأجرة لكي يصل إلى مقر عمله، ليوفر لي ما أُريد حتى لا  يساورني التفكير في ترك الدراسة. وأتذكرُ أنه عندما عُدتُ من مسقط في ذلك اليوم وأنا أحمل كشف درجاتي لأخبره بنبأ حصولي على شهادتي الجامعية الأولى، لم تسعه الفرحة، وكأن أحدهم بُشِّر بمولود بعد طول انتظار.

وعندما مرَّت السنون، وأُخبِرتُ بأني حصلت على الدرجة العلمية الثانية، كان الوقت قد تأخر، لكنني ذهبت إلى غرفته وأيقظته من النوم لكي أخبره بهذا النبأ، لأني كنت أريد أن أمنحه فرحة كبيرة ليقيني بأنَّه لا خبر سيُفرِحه أكثر من هذا الخبر.

وعندما حصلت على آخر درجاتي العلمية، كنتُ أتمنى أن أبحث عنه لكي أخبره، لكن مع الأسف، تأخرتُ كثيرًا هذه المرة، فقد ودّعنا وفارق هذه الدنيا للقاء ربه، وتركنا ورحل منذ بضع سنين.

في شريط الذكريات، أتذكر أنه عندما انشغلت عنه بالعمل والأسرة، كنت عندما أعود إليه أتعمد أن أسمعه ولا أضيع الوقت في الحديث عن أي شيء يخصني، وأتذكر عندما أُخبِره عن ما يفرحه تتساقط دموعه وهو يدعو لي بأن يزيدني الله من العلم والمعرفة، وأظن بفضل الله وهذا الدعاء اشتعل رأسي شيبًا، وما زلت أحمل الكتاب أين ما ذهبت وأين ما حللت.

هكذا تنكسر كإنسان، ففي الجانب الآخر من هذه الحياة ثمة مواقف قد تُسبِّب لك أشد الآلام، فقد يخذلك أحدهم في العائلة، أو في العمل، أو قد يخذلك أحد الرفاق عندما تحتاج إليه لأي أمر!

غير أن أصعب الانكسارات هو انكسار الأُمّة، وما يحصل اليوم في غزة الجريحة، من خذلان أمة بأكملها لشعب أعزل يُعتدى عليه ويُباد ويُذبَّح أطفاله ونساؤه وشيوخه من الوريد للوريد منذ ما يقارب السنة، فقط لأنه يدافع عمّا تبقى من شرف هذه الأمة، ولم يرض بالظلم ويطالب بأرضه ووطنه، بينما الأمة ما تزال مشغولة بتجميع الأوراق والقراطيس والأدلة، لتذهب بها لتشتكي في أروقة المنظمات والمؤسسات التي تُدار من قوى البغي والشر والعدوان.

** خبير في الشؤون المالية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف تستعد روحيًا لشهر رمضان؟.. خطوات عملية

يُعتبر شهر شعبان فرصة عظيمة للتحضير النفسي والروحي لشهر رمضان الكريم، حيث يُعدّ بمثابة نقطة انطلاق لتهيئة القلوب والنفوس لاستقبال الشهر الفضيل بروحانية عالية، لا يقتصر التحضير لرمضان على الأيام التي تسبقه، بل هو مسار طويل يبدأ من شعبان، وهو الوقت المثالي لتجديد العزائم وتنقية القلوب.

التوبة النصوح والعودة إلى الله

يعتبر شهر شعبان فرصة ذهبية للتوبة النصوح والعودة إلى الله، إذ تُعدّ التوبة من أولى الخطوات اللازمة للتحضير الروحي لشهر رمضان. 

فالتوبة الصادقة تتطلب ندمًا حقيقيًا، وإخلاصًا لله، وعزمًا على ترك المعاصي. ويُستحب في هذا الشهر الإكثار من الاستغفار، والابتعاد عن المحرمات، بالإضافة إلى تعويض الأخطاء من خلال الاعتذار أو إرجاع الحقوق لأصحابها.

زيادة العبادات وتحصين القلب

يُستحب الإكثار من العبادات في شهر شعبان، ليس فقط من حيث العدد، ولكن من حيث الإخلاص في أدائها. 

من أبرز العبادات في هذا الشهر الصيام، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شعبان، وكذلك قراءة القرآن بتدبر، والإكثار من الذكر والدعاء، وصلاة الليل، هذه العبادات تساعد في تحصين القلب وتجهيزه لاستقبال رمضان بروح نقية.

كما أن الصدقة تُعد من الأعمال المحببة في هذا الشهر، حيث تُطهر المال وتُكفّر السيئات، في حين أن صلة الرحم تُزيد من البركة وتقوي الروابط الأسرية.

التخطيط لاستقبال رمضان

التحضير لرمضان يتطلب تخطيطًا مسبقًا. يمكن استغلال شهر شعبان في تنظيم الأولويات وتوزيع الوقت. 

من الجوانب المهمة في هذا التخطيط تحديد مواعيد الصلاة والحرص على أدائها في المسجد، وتنظيم جدول لقراءة القرآن بهدف ختمه خلال شهر رمضان.

يُستحب أيضًا التدرب على قيام الليل تدريجيًا ليصبح من العادات الثابتة في الشهر الكريم.

 بالإضافة إلى ذلك، يُفضل التخطيط للأعمال الخيرية مثل تقديم وجبات إفطار للصائمين أو التبرع للجمعيات الخيرية. كما يُستحسن تجهيز المواد الغذائية الأساسية لتوفير الوقت والجهد أثناء أيام الصيام.

تنقية النفس من الصفات السلبية

شهر شعبان هو الوقت المناسب للتخلص من الصفات السلبية مثل الغضب والحسد، التي قد تمنع الإنسان من الشعور بالروحانية في رمضان.

 يمكن العمل على التحلي بالصبر وضبط النفس والتسامح مع الآخرين، مع الدعاء لله أن يملأ القلوب بالهدوء والمحبة.

تعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية

شهر شعبان هو أيضًا فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية، مما يساهم في خلق أجواء روحانية دافئة خلال رمضان. يُستحب تخصيص وقت للعائلة لتنظيم جلسات تواصلية، مثل قراءة القرآن معًا أو الاستماع إلى محاضرات دينية، مما يسهم في رفع الوعي الإيماني والاستعداد لشهر رمضان.

 

شهر شعبان ليس مجرد فترة زمنية تسبق رمضان، بل هو محطة مهمة للتحضير الروحي والنفسي. من يستغل هذا الشهر في ترسيخ العادات الحسنة وتقوية العلاقة مع الله، يجد نفسه يدخل رمضان بروح نقية وطاقة إيمانية عالية. فليكن شعبان بداية رحلة روحية نحو شهر الرحمة والمغفرة.

مقالات مشابهة

  • بيرم: أهل الجنوب يصنعون المعادلة التي تحمي الوطن
  • نائب: لا يمكن الانكسار فى ظل وجود رئيس وجيش قوى
  • برلمانية الوفد بالشيوخ: لا يمكن الانكسار في ظل وجود رئيس وجيش قوي
  • كيف تستعد روحيًا لشهر رمضان؟.. خطوات عملية
  • معنى الإلحاد في أسماء الله .. عالم أزهري يجيب
  • أحمد مراد: كريم عبدالعزيز يحمل بالنسبة لي معنى كبيرًا
  • رهف القحطاني: رفضت أترك أبي يموت من الوحدة… فيديو
  • معنى الظلم في (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
  • خطيب المسجد النبوي: توسط الأموات والأولياء بين المسلم وربه في الدعاء يضيع معنى العبودية
  • معنى وأصل تسمية الجنادرية .. فيديو