جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-17@16:06:42 GMT

إسرائيل.. بين اليهودية والصهيونية

تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT

إسرائيل.. بين اليهودية والصهيونية

 

د. عبدالله الأشعل **

عندما قام تيودور هرتزل ببلورة المشروع الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر، اعتقدَ أن الصهاينة هم فئة مُضلَّلَة من يهود العالم، وهم عصابة جُهِّزت لكي تنقض على فلسطين؛ لذلك لا بُد من إيجاد المُبرِّرات التى تجذب الصهاينة من بين اليهود.

أما اليهود الحقيقيون، فقد هاجموا المشروع وقالوا إنِّه لا يليق بالشريعة اليهودية أن تسرق وطن الغير، لذلك بذلت بريطانيا مع عصابة الصهاينة جهودًا مُضنية للتبرير الديني للهجرة إلى الأرض المقدسة وهي أرض الميعاد، وقالوا إنَّ خِيرة لليهود هم الذين ينتظمون في المشروع الصهيوني، فرارًا من الاضطهاد؛ باعتبارهم "شعب الله المختار"، وأعلن الحاخام الأكبر لليهود استغلال التوراة المُزوَّرة لخدمة المشروع، وأكد أنَّ مساندة إسرائيل واجب ديني في التوراة.

والدليل على أن التوراة مُزوَّرة مِصداقًا لإخبار القرآن الكريم أنَّ الحاخام وغيره أصدروا تصريحات بإبادة الأغيار، وهذا يُناقض التوراة الحقيقية التى تُعلي من شأن النفس البشرية وتُحيطها بالقداسة، وأي كتاب مُقدس يُناقض هذه القاعدة يكون موضوعًا، ويخرج من عِداد الكتب المقدسة. اليهودي الحقيقي ضد إنشاء إسرائيل وضد المشروع الصهيوني، ولكن الصهاينة يُوظِّفون الدين لتبرير جرائمهم في فلسطين وفي المنطقة؛ وهرتزل التبس عليه الفارق بين المشروع السياسي الإحلالي والاستعماري والإبادي، وبين الشريعة اليهودية الغراء.

وكان واضحًا مُنذ البداية أن المشروع الصهيوني مشروعٌ سياسي يتمسَّح بالدين، ويُردِّد أوصافًا تجذب العامة بين اليهود. لذلك نشأت إسرائيل كدولة علمانية تطمح لأن تكون دولة يهودية، وهذا مستحيل، وكانت الإشارة المبكرة إلى اليهودية في المشروع الصهيوني في قرار التقسيم رقم 181 الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947، وكان هذا القرار تدليسًا على العالم؛ لأن جوهر المشروع الصهيوني يدَّعي أن فلسطين ملكٌ لليهود الصهاينة، وأنهم يرفضون تقسيم أرضهم، كما أوضح ساستهم مؤخرًا، خاصة عندما أصدرت محكمة العدل الدولية في 17 يوليو 2024 رأيًا استشاريًا وأكدت أن علاقة الصهاينة بفلسطين "علاقة احتلال"، وهذا وصفٌ ترفضه إسرائيل كما نرفضه أيضًا، لأن الصهيونية مشروع استعماري يهدف إلى اغتصاب فلسطين وإبادة أهلها لكي يحل محلهم الصهاينة، فمن يقبل المنطق الصهيوني المُشار إليه من بين اليهود يترك اليهودية ويندرج فى دولة المافيا.

قرار التقسيم أشار إلى تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب، وغفل عن تصحيح الوصف ليكون تقسيم فلسطين بين الصهاينة وبين الفلسطينيين. ويبدو أن العرب أدركوا الحقيقة بعد قيام إسرائيل على قرار التقسيم علمًا بأن إسرائيل رفضت الاعتراف بالقرار، ورغم أن العرب رفضوا القرار- ومعهم كل الحق- إلّا أن إسرائيل اتهمت العرب على أساس أن رفض قرار التقسيم يمثل رفضًا للسلام، وفات العرب أن يدركوا أن السلام يعني عند إسرائيل تحقيق أهدافها وهو بمعنى "Pax" (أي حقن مهدئة) وليس "Peace" (أي السلام). كان المنهج الإسرائيلى مُناقِضًا للقانون الدولي، وكان هذا المنهج يقضي بأن تعتدي إسرائيل على الدول المجاورة وتحتل أراضيها، وتعتبر هذا الاحتلال مكافأة النصر ورهينة لكي ترد الأرض بتصرفٍ مقابل الاعتراف والتسليم لها استقواءً بواشنطن. والغريب أن إسرائيل أصدرت قانونًا عام 2017 يعتبر إسرائيل دولة يهودية، وهذا افتراء على الشريعة اليهودية، حتى من جانب اليهود المُتدينين والمتطرفين الذين هم أبعد ما يكونوا عن قيم اليهودية الحقة؛ ذلك أن شعاراتهم تُكرِّس سرقة الأوطان واللصوصية، وهي محتوى الصهيونية. وطبيعي أن تُصدِر إسرائيل قانونًا آخر يحظُر قيام دولة فلسطينية ما دامت الحركة الصهيونية تزعم أنها تملك فلسطين بمزاعم توراتية مُزوَّرة. من هنا أسقطت إسرائيل أسطورة "حل الدولتين".

إسرائيل الصهيونية تقضي علي المجتمع الفلسطيني، كما تقضي على كل مقومات الحياة، ومنها إصدار قانون يقضي بعدم الاعتراف بوكالة "الأونروا" ويعتبرها منظمة "إرهابية"، علمًا بأن اسرائيل دمّرت كافة مدارس الوكالة، وقتلت حوالي 190 من موظفيها.

المطلوب دوليًا سعي دول العالم- خاصة العرب والمسلمين- في إطار الأمم المتحدة، لاعتبار الصهيونية بسلوكها الإبادي أخطر من العنصرية والتطهير العرقي؛ بل إن الصهيونية عدو البشرية والإنسانية. والقرار الذي اتُخِذ في عام 1975 بمساواة الصهيونية مع العنصرية، لم يعد يكفي، كما إن المقاربة بين مصير العنصرية فى إسرائيل وجنوب إفريقيا ليس دقيقًا؛ لأن البِيض فى جنوب إفريقيا لم يَبيدوا السود، وإنما استعبدوهم، وهناك فارق بين الإبادة والاستعباد، ومصير جنوب إفريقيا أنها تحوَّلت إلى دولة ديمقراطية، ويستحيل أن تتحول ديمقراطية العصابة لكي تشمل أصحاب الأرض! ثم إن البعض فى جنوب إفريقيا لم يدَّعوا أنهم يستردون أرضهم، وإنما يعترفون بأن السود أصحاب الأرض. ولذلك يجب أن تتوقف المقاربة بين الوضع الفلسطيني ووضع جنوب إفريقيا.

وأخيرًا كان من الخطأ الجسيم إبرام اتفاقية سلام لتؤمِّن سرقات اللصوص، خاصة مصر التى يستهدفها المشروع الصهيوني؛ فكانت المعاهدة مع مصر تُعبِّر عن عدم فَهْم بمضمون المشروع الصهيوني إذا حسُنت النوايا.

الخلاصة.. مطلوبٌ داخل الدول في العالم تجريم الصهيونية، وبيان أنها أخطر انتهاك لقواعد القانون الدولي، ويمكن أمام القضاء الأمريكي تحدِّي قرارات الكونجرس الأمريكي التي تمتدح الصهيونية والتي تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل علاوة على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو موضوع دعوى رفعتها بالفعل الدولة الفلسطينية.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صاروخ يمني واحد يُرعب الصهاينة ويُوقظ العالم

 

 

إنجاز يمني نوعي وإستراتيجي ثالث في عمق الكيان منذ الإعلان عن خوض المواجهة ضد العدو “الإسرائيلي” إسنادًا لغزة ومقاومتها الباسلة التي بدأت بعد السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي تاريخ عملية “طوفان الأقصى” المباركة والتاريخية.
في الإنجاز الاول استهداف “إيلات” (أم الرشراش) ثم “تل أبيب” (يافا)، بطائرة مسيَّرة لتدخل القوة الصاروخية بقوة محدثة هزة أمنية وسياسية في الكيان ونقلة نوعية في تاريخ المواجهة بصاروخ جديد من منظومة الصواريخ “الفرط صوتية” والذي بعون الله نجح في الوصول إلى هدفه متجاوزًا كل منظومات دفاعات الأعداء وشركائهم الغربيين والعرب المطبعين.
القوات المسلحة اليمنية أكدت في بيانها، أن الصاروخ “الفرط صوتي” قطع مسافة تقدر بـ 2040 كلم في غضونِ إحدى عشرةَ دقيقةً ونصفِ الدقيقة، وهذا المدى هو الأطول الذي تعرّضت له “إسرائيل” منذ قيامها ولم تنجح الدفاعات الجوية في اعتراضه وفق خبير عسكري صهيوني والوقت القصير يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن اليمن كدولة تمتلك أهم وأحدث المنظومات الصاروخية التي تعجز كل الدفاعات الموجودة أمريكية أو “إسرائيلية” عن اعتراضها والتصدي لها.
في الموقف المعلن والرسائل من العملية المؤيدة بفضل الله وبركة المولد النبوي الشريف، عوائق الجغرافيا والعدوان الأمريكي البريطاني ومنظومات الرصد والتجسس والتصدي لن تمنع اليمن من تأدية واجبه الديني والإنساني انتصارًا للشعب الفلسطيني، وبالتالي على العدو أن يعيش وسط دوامة من الخوف والرعب والانتظار لمزيد من الضربات والعمليات النوعية على أعتاب الذكرى الأولى من عملية “طوفان الأقصى” المباركة.
رسالة أخرى من اليمن تزيد من قلق المستوطنين وأزمة قادتهم، الرد على “الحديدة” قادم لا محالة وهذا الصاروخ اعتبروه “تيست» (Test) والتوقيت قد يكون مرتبطًا بالذكرى الأولى لعملية “طوفان الأقصى” وعمليات الإسناد ستستمر طالما استمر العدوان على غزة والحصار الجائر.
قبل الحديث عن الدلالات في بعدها الأمني تجدر الإشارة إلى أن توقيت الضربة مع مناسبة المولد النبوي الشريف كانت متوقعة وذلك لإشعار الصهاينة بأولوية الجهاد والمواجهة لدى شعب الأنصار اقتداء برسول الله حتى زوال العدو “الإسرائيلي” الذي باغتته الضربة رغم أنه مع شركائه الأمريكيين والغربيين وما دونهم من الأنظمة المطبعة كانوا في أقصى درجة الاستعداد متوقعين ردًا من إيران على اغتيال الشهيد القائد إسماعيل هنية ومن اليمن، على اعتداء الحديدة.
مع ذلك استطاع صاروخ واحد أن يتجاوز كل الرادارات المعادية المنتشرة على مساحة شاسعة في المنطقة، وبعد اختراق كل الأحزمة الدفاعية في محيط الكيان فشلت دفاعات جيش العدو الأربعة بما فيها “حيتس” في رصد الصاروخ واعتراضه، بل إن عشرين صاروخًا أطلقت من هذه الدفاعات زادت من حجم الخسائر في “تل أبيب” وشكّلت عامل ضغط لهروب أكثر من مليوني مستوطن إلى الملاجئ.
عملية المولد النبوي أثبتت الفشل الذريع للأمريكي بتحالفاته البحرية، وترسانات أسلحته، وإمكاناته التي سخرها لحماية الصهاينة داخل فلسطين المحتلة، ومن شأن هذه العملية لناحية نوعية السلاح وطبيعة الهدف أن يكون لها مفاعيل مهمة في مسار ومآلات معركة طوفان الأقصى.
في الحقيقة كان من اللافت إجماع الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين أن نظرية “إسرائيل” المكان الأكثر أمنًا لليهود في العالم” قد سقطت وتهشمت وأصبحت فلسطين المحتلة المكان الأكثر خطرًا على هؤلاء الصهاينة الذين تحاصرهم النيران من خمس جبهات خارجية غير الضفة وغزة والداخل المحتل الذي يعد كالنار تحت الرماد.
قلق إستراتيجي هائل يعاني منه كيان العدو، وانكشاف سياسي لحكومة نتنياهو غير القادرة على حسم المعركة في غزة وردع جبهات الإسناد وتطبيع وجودها في المنطقة رغم مخطط التطبيع ومشاريعه التآمرية، واليمن بعمليته النوعية يعمق الأزمة ويضع نتنياهو على مفترق طرق إما التمادي والإمعان في ارتكاب الجرائم وهذا المسلك سينتهي به في مزابل التاريخ أو النزول عن الشجرة وتخفيف عيار التهديدات بتوسيع الصراع في الشمال والقبول بصفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بغزة وفي كلتا الحالتين مستقبله السياسي انتهى.
إعلام العدو يقول: إن الدفاعات “الإسرائيلية” لم تنجح في اعتراض الصاروخ أساسًا بسبب طريقة صنعه وقدرته على تغيير مساره فجأة، وهذا مصداق لوعود السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بتطوير تقنيات وتفعيلها بما يفاجئ الأعداء، والقادم يؤكد السيد القائد أعظم وأشد وأنكى.
من الدلالات على فاعلية الضربة أن أضرار الصاروخ وفق بيانات جيش العدو امتدت في دائرة قطرها أكثر من 15 كلم من منطقة بلدة “كفار دانيال” القريبة من مطار بن “غوريون” إلى “مودعين والرملة».
وتفسير ما حدث بالنسبة لجيش العدو قد يكون صعبًا، في ظل مزاعمه بأن الصاروخ انفجر في الهواء لكن الأصعب عليه كيف سيكون حال الكيان لو امتد الصراع وتعرّض لعشرات الصواريخ الدقيقة، وهل تكفي الملاجئ لأكثر من مليوني مستوطن تدافعوا أمام بواباتها هرباً من صاروخ واحد من اليمن ونتج عن ذلك تسعة جرحى.
الخلاصة، أنه بكل الحسابات كيان العدو يعيش في مأزق، من البحر والجو والبر، غزة صامدة، وجبهة حزب الله أكثر سخونة، واليمن يضيف الإثارة ويرفع المعنويات والمفاجأة الكبرى نتوقعها مع مرور عام على “طوفان الأقصى».

مقالات مشابهة

  • استهداف العمق الصهيوني بصاروخ “فلسطين 2” انتصار يمني يتوج الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
  • الحوثي: صاروخ ‎فلسطين2 أحدث تآكلاً في مفهوم الردع لدى الصهاينة
  • صاروخ يمني واحد يُرعب الصهاينة ويُوقظ العالم
  • الحوثيون يكشفون مواصفات صاروخ "فلسطين 2" الذي استهدفت به إسرائيل
  • مسؤول عُماني يؤكد أن بلاده لن تطبع مع إسرائيل ويقول إن الأخيرة استغلت تطبيعها مع العرب ضد فلسطين
  • الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: الرد اليمني الباليستي في عمق الكيان الصهيوني تعزيز لمعادلة الردع
  • بمشروع أمريكي ضخم..هل تستعد إسرائيل للحرب ضد إيران؟
  • وزيرة خارجية فلسطين: يجب على الدول مقاطعة المستوطنات للضغط على إسرائيل
  • وزيرة خارجية فلسطين: يجب الضغط على إسرائيل لوقف الحرب
  • وزيرة خارجية فلسطين: يجب على الدول مقاطعة إسرائيل للضغط عليها