جمال التفاعل الإنساني
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
سلطان بن محمد القاسمي
في الحياة، نلتقي بأشخاص يعبرون طريقنا وكأنهم نسمات من الإلهام. هؤلاء الأفراد ليسوا مجرد أشخاص عاديين؛ إنِّهم بمثابة الشموع التي تضيء دروبنا، ويتركون أثرًا عميقًا لا يُنسى. تأثيرهم يمتد إلى أعماق نفوسنا، يغيروننا بطريقة هادئة لكنها جوهرية، يقودوننا نحو الأفضل دون أن نشعر أحيانًا.
وعند النظر في حياتنا، ندرك أن الأثر الأكبر يأتي من الأشخاص الذين يضيفون قيمة حقيقية لحياتنا. هؤلاء الأفراد يمتازون بنظرتهم المتفردة للعالم، وهي نظرة تختلف عن السائد، تشجعنا على أن ننظر إلى الحياة من زوايا جديدة. إنهم يدفعوننا للخروج من قوالبنا المعتادة، لنتحدى أنفسنا ونواجه مخاوفنا. وفي هذا السياق، أتعلم من هؤلاء الأشخاص أن الإلهام لا يأتي من الكلمات فقط، بل من الأفعال التي نراها في حياتهم اليومية.
وفي كل لحظة نتفاعل فيها مع هؤلاء الأشخاص، نشعر بأنهم يغرسون فينا قيمًا وأفكارًا تساعدنا على تطوير أنفسنا. فلا يُمكننا أن نتجاهل أن التغيير الحقيقي يأتي عندما نرى شخصًا يُجسّد تلك القيم بأفعاله لا أقواله فقط. وهنا يتعلم المرء أنَّ التواضع هو أساس العظمة، وأن النجاح لا يُقاس بما نحققه فقط، بل بما نقدمه للآخرين. إن هؤلاء الملهمين يعلموننا أن كل خطوة نتخذها نحو الأمام تُعد إنجازًا، حتى وإن كانت صغيرة.
وكلما مررنا بتجربة أو تحدٍ جديد في حياتنا، نجد أن ما تعلمناه من هؤلاء الأشخاص يُشكل العمود الفقري لما ننجزه. في إحدى اللحظات المهمة، قد أجد نفسي مترددًا أمام عقبة، لكن تذكري لكلمات الشخص الذي ألهمني يعيد لي الثقة. هذا هو تأثيرهم؛ يتركون فينا أثرًا طويل الأمد يدوم ويتعمق بمرور الزمن.
إلى جانب ذلك، فإن أحد أبرز الدروس التي تعلمتها من شخص ملهم في حياتي هو قيمة الصبر. لقد علمني أن التحديات ليست عقبات توقف تقدمنا، بل هي فرص تعليمية تساعدنا على التطور. كان دائمًا ما يذكرني بأن الأمور العظيمة لا تأتي بسهولة، وأن الطريق إلى النجاح مليء بالعقبات التي تشكل جزءًا من الرحلة. لقد جعلني أفهم أن قيمة الإنجاز لا تكمن فقط في الوصول إلى الهدف، بل في الجهد الذي نبذله خلال هذه الرحلة. ومع كل تحدٍ أواجهه، سواء في الحياة الشخصية أو في محاولاتي لصقل مهاراتي، كانت الكتابة تمثل لي واحدة من تلك الرحلات التي تتطلب الصبر والمثابرة.
ومع مرور الوقت، أدركت أن الكتابة لم تعد مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر، بل أصبحت وسيلة للتغيير. كما تعلمت من هذا الشخص أن الكلمات تحمل قوة لا يمكن تجاهلها، وأنها قادرة على تحويل الأفكار إلى حقيقة، وتغيير حياة الآخرين. هذا الدرس جعلني أرى الكتابة بأعين جديدة؛ إنها ليست مجرد جمل تُرتب على ورق، بل هي انعكاس للفكر والروح. ومن هنا، بدأت أدرك أن الكتابة الحقيقية تأتي من القلب، وأن النصوص الصادقة هي التي تترك أثرًا دائمًا.
كان لهذا الشخص الملهم أثر بالغ في حياتي من خلال تجربة واقعية لم أنسها. ذات يوم، قال لي إنه يرى فيَّ موهبة شعرية رغم أنني لم أكن قد جربت كتابة الشعر من قبل. استغربت كثيرًا من كلامه، وكيف يمكن لشخص مثلي، الذي لم يعتبر نفسه يومًا شاعرًا، أن يصوغ قصيدة. لكنه أصر على أن لدي القدرة، وقال لي: "أعطيك أربعة أشهر لتكتب قصيدة بالشكل السليم." قبلت التحدي، رغم شكوكي في البداية. ومع مرور الوقت، كان يمدني بالدواوين الشعرية، ويصطحبني إلى المكتبات لاستعارة كتب العروض والنحو والبلاغة. كنت مهتمًا ومتحمسًا لهذه الرحلة الجديدة، وكلما تعمقت في التعلم، ازداد شغفي بالشعر.
وبعد أربعة أشهر، جئت إليه بقصيدة من 18 بيتًا. كان انبهاره واضحًا، وقال لي بابتسامة فخر: "أرأيت أنك قادر على ذلك؟" تلك اللحظة كانت نقطة تحول كبيرة في حياتي؛ لم أتعلم فقط كيفية كتابة القصائد، بل اكتسبت الثقة في قدراتي. ورغم أنني لم أصبح شاعرًا محترفًا، إلا أنني تعلمت شيئًا جميلاً أضاف إلى شخصيتي الكثير. وكل هذا بفضل الله، ثم بفضل ذلك الشخص الذي آمن بقدرتي ودعمني في هذا الطريق.
واليوم، لا يمكنني أن أنسى هذا الشخص أبدًا، فهو حاضر دائمًا في ذاكرتي، وأذكره بالخير في كل موقف أمر به. كان بمثابة النجمة التي أضاءت طريقي في أوقات الظلام، وغيّر مني بطريقة لم أكن أتخيلها. مثلما ترشد النجوم البحارة في أعماق البحر، كان هو يرشدني في مسارات الحياة المتعرجة، يلهمني بالشجاعة والصبر، ويزرع في نفسي الثقة والإيمان. كل كلمة أو نصيحة قدمها لي كانت أشبه بنور يشع في داخلي، يدفعني للأمام ويُذكّرني بأن الطريق نحو النجاح يبدأ بالثقة والتوجيه الصادق.
ومن هنا، يمكن القول إن هؤلاء الأشخاص المُلهمين ليسوا مجرد معلمين عابرين؛ بل هم قدوة تستمر في إلهامنا حتى بعد غيابهم. حيث تعلمت منهم أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بما نحققه لأنفسنا، بل بما نساهم به في حياة الآخرين. كان تأثيرهم عليَّ أشبه بنهرٍ جارٍ يغذي مسارات أفكاري ويدفعني دائمًا نحو الأمام.
وبالحديث عن الإلهام، لا يمكن أن ننسى أن هذا التأثير الإيجابي يعزز فينا الشعور بالمسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. حيث تعلمت من هؤلاء الأشخاص أن النجاح ليس فقط إنجازات فردية، بل هو مسؤولية اجتماعية. وكذلك نحن مدينون لكل من ألهمنا أن ننقل هذا الإلهام إلى الآخرين. فمن خلال تقديم الدعم والتشجيع، نساهم في خلق دائرة إيجابية من التفاعل تُثمر نجاحات أخرى.
وفي الختام، أستطيع القول إن وجود هؤلاء الأشخاص في حياتنا يُعد نعمة لا تُقدر بثمن. إنهم يجسدون الفكرة القائلة بأن الإنسان لا يعيش بمفرده، بل يتأثر بمن حوله ويؤثر فيهم. كل لقاء مع شخص ملهم هو فرصة لاكتشاف أبعاد جديدة في أنفسنا، وفرصة لنمو لا حدود له. وفي ظل هذه العلاقة، نتعلم أن الحياة ليست مجرد رحلة نعيشها بمفردنا، بل هي سلسلة من التفاعلات والتجارب التي نصنعها مع الآخرين، ومن خلالهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، فإن الامتنان لمن ألهمنا وساعدنا في مسيرتنا هو جزء من تقديرنا للنعم التي وهبها الله لنا.
هذا هو جمال التفاعل الإنساني؛ إذ إنه يفتح لنا الأبواب نحو الإبداع، ويكشف لنا عن القوة الداخلية التي ربما لم نكن نعلم بوجودها. هؤلاء الملهمون يعلموننا كيف نصبح أفضل نسخة من أنفسنا، وكيف نحول حياتنا إلى قصة ملهمة تستحق أن تُروى.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“بعيدون عن الشعب”.. رأي “صادم” لعادل إمام في المثقفين
كشفَت الكاتبة العراقية إنعام كجه جي عن رأي صادم للفنان عادل امام تجاه المثقفين، وخاصة أدباء جيل الستينيات، وذلك خلال لقاءٍ لها مع الفنان في عام 1987 في باريس.
وفي هذا اللقاء، وعندما سُئل عن سبب عدم تقديمه عملاً مسرحيًا بناءً على نصوص لكتّاب كبار مثل يوسف إدريس، صرح عادل إمام بأن هؤلاء المثقفين “بعيدون عن الشعب” وأصحاب “منظور قديم” لا يتفاعلون مع الناس أو يشعرون بهم.
وفي حديثها على صفحتها بموقع فيسبوك، كشفت كجه جي أن الواقعة تعود إلى عام 1987، عندما كانت حاضرة في لقاء بمنزل الناقد والمفكر المصري الراحل غالي شكري في باريس، الذي دعا إمام وعددًا من الأصدقاء والصحفيين لاستكمال السهرة في بيته.
وفي هذا اللقاء، أطلق عادل إمام ما وصفته كجه جي بـ “قنبلته الصغيرة”؛ إذ قال إنه رفض تقديم مسرحية للكاتب المصري البارز يوسف إدريس، الذي تم تحويل العديد من أعماله إلى أفلام سينمائية مثل “الحرام” (1965) و”قاع المدينة” (1974).
وكان الجميع يتوقع استمرار الجلسة في جو من الدعابة والضحك، إلا أن النقاش تحول إلى ندوة أدبية فريدة، لا تخلو من مواجهة فكرية، وقد بدأ غالي شكري الحوار بسؤال إلى عادل إمام: “كيف تفسّر أنك لم تمثل دورًا من نصوص كبار كتّاب المسرح المصري مثل نعمان عاشور، وألفريد فرج، وسعد الدين وهبة، ويوسف إدريس؟”.
وأجاب إمام قائلاً إنه لا يرى ضرورة لذكر أسماء محددة، موضحًا أنه فنان يهتم بالناس وبالتفاعل معهم، وأنه يسعى للوصول إلى الجمهور والتأثير فيه. وأكد إمام: “أنا فنان مع الناس وللناس”، مشيرًا إلى أن هذا هو الهدف الأكبر بالنسبة له، وهو التأثير في الجمهور وتقديم أعمال تتحدث عن أفكاره الشخصية.
ورغم دفاع غالي شكري عن هؤلاء الكتاب باعتبارهم “خلاصة المسرح المصري”، أصرّ إمام على أن هؤلاء الكتاب ينتمون إلى جيل الستينيات، وهو “عصر انتهى”.
وأضاف: “نحن أبناء اليوم، والمثقفون بعيدون عن الشعب، أما أنا فإني من الشعب. لست مجرد ممثل يجسد أفكار غيري، لي أفكاري الخاصة التي أعيشها وأقدمها على خشبة المسرح”.
وتابع إمام مشيرًا إلى أنه لا يقتصر على تقديم الضحك للناس، بل إنه يعكف على إضحاكهم من أنفسهم، من خلال تسليط الضوء على الأخطاء والانحرافات التي ترافق حياتهم اليومية. وقال: “أنا ملك الضحك الذي تغلغل في حياتهم، والضحك أصعب من البكاء”.
ثم عاد غالي شكري للسؤال: “هل هناك نص مسرحي في مصر؟”، ليجيب عادل إمام ردًا حاسمًا: “لا، لا يوجد. لأن هناك أزمة فكرية”.
وأصر شكري على أن هناك إبداعًا أدبيًا في مصر، مشيرًا إلى وجود رواية، قصة قصيرة، وشعر، مستشهدًا بمبدعين مثل نجيب محفوظ، إدوار الخراط، صنع الله إبراهيم، بهاء طاهر، وجمال الغيطاني. إلا أن عادل إمام تساءل مستنكرًا: “كم يبيع أحسن كتاب؟”، مؤكدًا أن الرواية يقرأها عدة آلاف بينما يشاهد مسرحه الملايين في العالم العربي.
وأصرّ إمام على أن المسرح هو الوسيلة التي يستطيع من خلالها إيصال أفكاره إلى أكبر عدد من الجمهور، مشيرًا إلى أنه لا يجد في نصوص هؤلاء الكتاب المحاورات التي تتناسب مع توجهاته الفنية. وأوضح أنه لا يرغب في ذكر أسماء بعينها، لكنه أكد رفضه تقديم مسرحية “البهلوان” للكاتب يوسف إدريس.
بهذا النقاش، طرح عادل إمام رؤية فنية مختلفة تُظهر تصوره للمسرح كمجال يهدف إلى التأثير الواسع في الجمهور العربي، بعيدًا عن التقيد بمفاهيم أدبية قديمة قد تراها غير قادرة على التواصل مع هموم الناس المعاصرة.
إرم
إنضم لقناة النيلين على واتساب