هل اقتربت بكين من تحطيم التفوق الاقتصادي الأميركي؟
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
في السنوات الأخيرة، أصبحت الصين تهدد التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة بشكل متزايد، حيث اقتربت من تحقيق أهدافها التي وضعتها في خطتها الشهيرة "صنع في الصين 2025".
وفي مقاله بصحيفة واشنطن بوست، يحذر السيناتور الأميركي ماركو روبيو من أن الصين لم تعد مجرد منافس عادي، بل أصبحت الخصم الأكثر تقدما الذي واجهته الولايات المتحدة على الإطلاق.
وكانت الصين قد أطلقت في عام 2015 خطة "صنع في الصين 2025″، وهي إستراتيجية تهدف إلى تحقيق السيطرة على 10 قطاعات حيوية في الاقتصاد العالمي.
ووفقا لتقرير صدر عن مكتب السيناتور روبيو، فإن الصين قد أصبحت الآن رائدة عالميا في 4 من هذه القطاعات الرئيسية:
السيطرة على صناعة السيارات الكهربائية: الصين أصبحت المُصدر الأكبر للسيارات الكهربائية وللسيارات بشكل عام في العالم. الطاقة الشمسية: تسيطر الصين على 80% من سلسلة التوريد العالمية للطاقة الشمسية، وهي نسبة تجعلها تتفوق بفارق كبير على أي دولة أخرى. الطاقة النووية: أكملت الصين إنشاء أول مفاعل نووي من الجيل الرابع في العالم. صناعة سكك الحديد: تمتلك الصين شبكة سكك حديد عالية السرعة هي الأكبر في العالم، بطول 45 ألف كيلومتر. بالإضافة إلى ذلك، تجاوزت صناعة بناء السفن الصينية قدرة الولايات المتحدة بأكثر من 200 ضعف، وفقا لتقرير من مكتب الاستخبارات البحرية الأميركية.هذا التقدم الهائل في الصناعات الحيوية يضع الصين في موقع متفوق في المنافسة الاقتصادية العالمية، وفق روبيو.
رغم النجاح الهائل في بعض القطاعات، فإن الصين لم تحقق كل أهدافها. ففي مجالات مثل الطيران التجاري، لم تحقق الصين بعد المستوى المطلوب، حيث ما زالت شركة الطائرات التجارية الصينية تعاني من التعثر.
ولكن في مجال صناعة الطائرات بدون طيار، حققت الشركات الصينية نجاحا كبيرا، حيث تستحوذ الآن على نحو 70% من السوق الأميركي.
وفي مجال التكنولوجيا الحيوية، لا تزال الشركات الصينية تعتمد بشكل كبير على رأس المال والتكنولوجيا الغربية، على الرغم من تقدمها الملحوظ في إنتاج أدوية وعلاجات جديدة.
من ناحية أخرى، فشلت الصين في تحقيق أهدافها في القطاع الزراعي، حيث زاد العجز التجاري الزراعي بشكل ملحوظ، مما يمثل تحديا كبيرا أمام جهود الحزب الشيوعي الصيني الحاكم لتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي.
لا يجب الاستهانة بالصينوفي مقابلته مع مجلة تايم في يونيو/حزيران 2024، أشار الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أن التحديات الديموغرافية في الصين قد تعرقل مسيرتها الاقتصادية، خاصة مع وجود شيخوخة سكانية تجعل الكثيرين في الصين غير قادرين على العمل.
وأضاف بايدن أن الاعتماد على الديون في الاقتصاد الصيني، الذي يتجاوز 180% من الناتج المحلي الإجمالي، يمكن أن يؤدي إلى انهيار اقتصادي، مشابه لما حدث للاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب الباردة.
لكن السيناتور روبيو يحذر من الاستهانة بالصين. فبينما يعتقد البعض أن الصين قد تنهار تحت ثقل تناقضاتها الداخلية، يشير روبيو إلى أن الصين تمتلك قدرات اقتصادية وتكنولوجية تفوق بكثير تلك التي كانت موجودة في الاتحاد السوفياتي. ويضيف أنه حتى لو كانت هناك ثقة بأن الصين ستفقد قدرتها التنافسية في المستقبل، فإن ذلك لا يحل التحدي الذي تمثله اليوم.
ما الذي يجب على الولايات المتحدة فعله؟بحسب روبيو، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تظل مكتوفة الأيدي أمام التهديد الصيني المتزايد، ولمواجهة هذا التحدي تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني سياسة صناعية قوية، تشمل عدة خطوات حاسمة:
استثمارات ضخمة في القطاعات الحيوية: يجب على الولايات المتحدة الاستثمار في القطاعات الأساسية التي تؤثر على الأمن القومي والازدهار الاقتصادي، وهذا يشمل الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والروبوتات. تحفيز التصنيع المحلي: يعتقد روبيو أن هناك حاجة ملحة لإزالة القيود التنظيمية التي تعيق نمو التصنيع في الولايات المتحدة، وتحقيق هذا الهدف سيساعد على إعادة إحياء الصناعة الأميركية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. فرض تعريفات جمركية وقيود تجارية: يرى روبيو أن فرض تعريفات جمركية وقيود على نقل التكنولوجيا يمكن أن يساعد في حماية السوق الأميركية من المنتجات الصينية المدعومة والتي تشكل تهديدا للشركات الأميركية. مكافحة التجسس وسرقة الملكية الفكرية: هناك حاجة إلى تعزيز الحماية ضد التجسس الصيني وسرقة الملكية الفكرية، إذ يُعتقد أن الشركات الصينية تستفيد بشكل غير مشروع من الأبحاث والابتكارات الأميركية.يؤكد روبيو أن مواجهة إستراتيجية الصين لا تعني تبني الأساليب نفسها التي تستخدمها بكين، مثل تأميم الشركات أو استخدام العمالة القسرية.
وبدلا من ذلك، يدعو روبيو إلى العودة إلى الجذور الأميركية التي تقوم على دعم الصناعات الحيوية وتشجيع الابتكار، ويؤكد أن على الولايات المتحدة أن تستجيب سريعا لهذه التحديات، وإلا فإنها ستجد نفسها في وضعية ضعف أمام القوة الاقتصادية المتزايدة للصين.
ختاما، يحذر روبيو من أن الفشل في التعلم من تجربة "صنع في الصين 2025" قد يؤدي إلى تفوق الصين بالكامل على الولايات المتحدة في العقود المقبلة.
لهذا السبب، يجب على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات قوية وحاسمة للحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية وتفادي الانهيار أمام الخصم الأكثر تقدما الذي واجهته على الإطلاق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على الولایات المتحدة فی الصین أن الصین الصین قد
إقرأ أيضاً:
تداعيات معارك ترامب.. الولايات المتحدة تواجه خطر فقدان نفوذها في القارة مع توسّع نفوذ الصين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق فيتنام وتايلاند وماليزيا تتجه إلى بكين للتعاون الاقتصادى والشراكات الأمنية.. وواشنطن تبدو أقل التزامًا بنظام إقليمى مستقرإصرار الرئيس الأمريكى على ربط الإنفاق الدفاعى بالاتفاقيات التجارية أفقد الثقة فى البيت الأبيض كشريك أمنى موثوق
فى عهد الرئيس دونالد ترامب، انحرفت السياسة الأمريكية تجاه آسيا إلى اتجاه غير متماسك وغير مُجدٍ، ما أدى إلى تفاقم التحديات التى تدفع المنطقة نحو الصين. هذا التحول، الذى اتسم بالرسوم الجمركية والعزلة الاقتصادية الذاتية والسياسة الخارجية غير المتوقعة، يهدد بتقويض الأمن والقيادة الاقتصادية للولايات المتحدة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهى منطقة كانت دائمًا حجر الزاوية فى النفوذ الأمريكي.
لأكثر من سبعة عقود، اعتمدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على الولايات المتحدة كضامن أمنى وشريك اقتصادى رئيسي. ومع ذلك، فى السنوات الأخيرة، تعطلت هذه الديناميكية. فالصعود السريع للصين كقوة اقتصادية جعلها الشريك التجارى المهيمن للعديد من دول المنطقة، ما قلل من نفوذ الولايات المتحدة. لقد ساهم فرض ترامب تعريفات جمركية صارمة على الصين، وخطابه "أمريكا أولًا"، وانسحابه من اتفاقيات تجارية رئيسية مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، فى تسريع هذا التراجع الأمريكى. وبحلول نهاية عام ٢٠٢٤، حلت الصين محل الولايات المتحدة كشريك تجارى رئيسى لمعظم الدول الآسيوية، حيث نمت التجارة البينية إلى ما يقرب من ٦٠٪ من إجمالى التجارة فى آسيا.
فى حين أن سياسات ترامب التجارية تهدف إلى كبح هيمنة الصين وإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، إلا أن هذه الجهود كانت غير متسقة وغير فعالة إلى حد كبير. كان الهدف من التعريفات الجمركية هو الإضرار بالصين، لكنها عطّلت أيضًا الأعمال التجارية فى جميع أنحاء آسيا، وخاصة فى دول مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا، التى أصبحت وجهات مهمة لإعادة التصنيع إلى الوطن فى إطار مبادرة "الصين +١". وبينما تكافح هذه الدول للتكيف مع المشهد التجارى المتغير، يتجه الكثير منها إلى الصين للتعاون الاقتصادى والشراكات الأمنية، حيث تبدو الولايات المتحدة أقل التزامًا بنظام إقليمى مستقر.
السياسة الأمنية
فيما يتعلق بالتعاون العسكري، لا تزال السياسة الأمنية الأمريكية جزءًا أساسيًا من علاقتها مع حلفائها الآسيويين. تواصل الولايات المتحدة دعم اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين فى جهودها لمواجهة ما تسميه "التدخل الصيني"، لا سيما فى بحر الصين الجنوبى وعلى طول محيط تايوان. ومع ذلك، فإن دمج سياسات ترامب الاقتصادية مع التزاماته الأمنية خلق انطباعًا بعدم الاتساق.. على سبيل المثال، أرسلت مطالبات ترامب لليابان بزيادة نفقاتها الدفاعية، مع الضغط عليها فى الوقت نفسه بشأن التجارة، إشارات متضاربة. كما أدت التوترات مع كوريا الجنوبية بشأن تكلفة تمركز القوات الأمريكية وقضية الإنفاق الدفاعى إلى تصدعات فى العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
علاوة على ذلك، فإن إصرار ترامب على ربط الإنفاق الدفاعى بالاتفاقيات التجارية، والذى تجلى مؤخرًا فى نهجه تجاه اليابان، قد قوّض الثقة فى الولايات المتحدة كشريك أمنى موثوق. مع تزايد الضغوط الصينية على القوى الإقليمية، يتضاءل ثقتها بالدعم الأمريكي، لا سيما فيما يتعلق بمخاوف وجودية مثل أمن تايوان. ويزيد عدم القدرة على التنبؤ بسياسة ترامب الخارجية من حالة عدم اليقين.
كما أدى نهج ترامب إلى تراجع كبير فى القوة الناعمة الأمريكية فى المنطقة. ويشير تفكيك وكالات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وإذاعة صوت أمريكا، اللتين دأبتا على الترويج للقيم والثقافة الأمريكية، إلى تراجع فى القيادة العالمية. وقد ترك هذا الانسحاب فراغًا تسعى الصين جاهدةً لملئه، مستخدمةً مبادرة الحزام والطريق وغيرها من الجهود الدبلوماسية لكسب النفوذ فى آسيا وخارجها.
كان التأثير النفسى على الحلفاء عميقًا. فعلى سبيل المثال، أعرب وزير الدفاع السنغافورى عن أسفه لتحول الولايات المتحدة من "محرر" إلى "مُخرب كبير"، بينما أعرب رئيس الوزراء الأسترالى السابق مالكولم تورنبول عن مخاوفه من أن قيم الولايات المتحدة لم تعد تتوافق مع قيم أستراليا. تتزايد شيوع هذه المشاعر فى منطقة كانت تعتبر الولايات المتحدة شريكًا لا غنى عنه.
تنظيم الصفوف
ردًا على تحوّل دور الولايات المتحدة، تتجه العديد من الدول الآسيوية نحو الصين للتجارة والاستثمار، حتى أن بعضها يناقش اتفاقيات تجارية جديدة قد تستبعد الولايات المتحدة. ويُعدّ سعى الصين للانضمام إلى اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، وجهودها للتنسيق مع كوريا الجنوبية واليابان بشأن اتفاقية تجارية ثلاثية، من المؤشرات الرئيسية على هذه الديناميكية الإقليمية الجديدة. إن النفوذ الاقتصادى للصين، إلى جانب توسع نفوذها العسكري، يضعها فى موقع اللاعب الأهم فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما يُبقى الولايات المتحدة مهمّشة بشكل متزايد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تزايد احتمالية التخلى عن الدولار الأمريكى فى التجارة الدولية يُقوّض الهيمنة المالية العالمية للولايات المتحدة بشكل أكبر. ومع سعى البلدان إلى إيجاد بدائل للدولار، وخاصة فى تعاملاتها مع الصين، فإن نفوذ الولايات المتحدة فى آسيا قد يتضاءل بشكل أكبر.
عواقب استراتيجية
أحدثت سياسات ترامب مفارقة فى آسيا. ففى حين أن موقف إدارته المتشدد ضد الصين قد زاد من حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه دفع أيضًا العديد من الدول الآسيوية إلى التقارب مع الصين اقتصاديًا ودبلوماسيًا. ومن خلال تقويض العلاقات التجارية والقوة الناعمة، ومطالبة حلفائها بالمزيد من الإنفاق الدفاعي، أضعف ترامب، دون قصد، مكانة الولايات المتحدة فى المنطقة. ومع استمرار الصين فى تعزيز نفوذها، تُخاطر الولايات المتحدة بالتهميش فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يتزايد عدم اليقين بشأن دورها كشريك اقتصادى وأمنى رائد.
لكى تستعيد الولايات المتحدة مكانتها فى آسيا، يجب عليها إعادة تقييم نهجها، والانتقال من التعريفات الجمركية والمواجهة إلى استراتيجية أكثر توازنًا تُعيد إشراك المنطقة من خلال التعاون الاقتصادي، والاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، والالتزامات الأمنية الثابتة. إذا لم يحدث هذا التحول، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها فى دور متضائل، مع هيمنة الصين الراسخة على مستقبل آسيا.
*فورين بوليسى