مجموعة الأزمات: كيف يمكن اجتثاث عنف المستوطنين الإسرائيليين من جذوره؟
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرها للعام 2024 تحت عنوان "القضاء على عنف المستوطنين الإسرائيليين من جذوره" ويتناول جذور العنف الذي يمارسه المستوطنون ودوافعه وأسباب تسارعه في الآونة الأخيرة، وارتباطاته بأهداف الحكومة الإسرائيلية، والعقبات التي يخلفها أمام الجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل ومستدام بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويقترح التقرير -الذي يتألف من 4 محاور رئيسية، إضافة إلى مقدمتين وخاتمة وملحقات- أن تعمل القوى الخارجية المستثمرة في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على فرض عقوبات على المستوطنين العنيفين، كما بدأت بعض الدول الغربية فعل ذلك.
وتبدأ مجموعة الأزمات التقرير رقم 246، حول الشرق الأوسط، بالجذور الأولى للاستيطان عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان عام 1967، وبرر حزب العمل الحاكم وقتها بناء المستوطنات في تلك الأراضي باعتباره إجراء أمنيا ويوفر عمقا إستراتيجيا لإسرائيل، ويعطي مفاوضيها نفوذا فيما يتعلق بوضع الأراضي.
ومع أن إسرائيل زعمت أنها لا تصادر الأراضي إلا بأمر عسكري ولأغراض أمنية بحتة، فإن العديد من البؤر الاستيطانية المصادرة بأمر عسكري أصبحت مأهولة نهاية المطاف بمدنيين إسرائيليين، ثم بدأت مجموعة من المستوطنين المدفوعين أيديولوجيا في بناء مستوطنات دون إذن من الحكومة، وهو ما انتهى في كثير من الحالات إلى القبول ثم الحماية والتبرير لممارسة تُعرف باسم "فرض الحقائق على الأرض" وفرض الأمر الواقع.
مراحل الاستيطان
تم تحديد العقيدة التوجيهية للاستيطان بخطة ألون في يوليو/تموز 1967، والتي سميت باسم ييغال ألون، وهو جنرال شغل منصب نائب رئيس الوزراء بعد حرب عام 1967، وقد أوصت بأن تحتفظ إسرائيل بكل من وادي الأردن و"ممر القدس"، أو المرتفعات المحيطة بالقدس الشرقية الفلسطينية.
وبسبب الرفض الدولي، أصبح التخفي هو الشعار، لتصدر رئيسة الوزراء غولدا مائير تعليماتها لوزراء حكومتها "بالتوقف عن الكلام من أجل وطننا والتحدث أقل والقيام بأقصى ما يمكن" ثم اكتسبت حركة الاستيطان شرعية الدولة عندما تولى حزب الليكود السلطة عام 1977.
وكانت حكومة حزب العمل برئاسة إسحاق رابين عام 1992 هي الأولى والوحيدة التي اتخذت خطوات أولية ملموسة للحد من التوسع الاستيطاني، ولكن المعارضة اليمينية بدأت تشعر بالخيانة وروجت بقوة لأجندة "إسرائيل الكبرى" التي تمتد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط عبر الضفة المحتلة.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت منظمات مثل "أمانة" -وهي جمعية تعاونية غير حكومية تشكل الذراع الأكثر فعالية للحركة الاستيطانية- في إنشاء "بؤر استيطانية رعوية" بالمنطقة (ج) التي تشكل 60% من الضفة، والتي تخضع بموجب اتفاقيات أوسلو للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
عنف المستوطنين ودوافعهوعرّف التقرير عنف المستوطنين بأنه الطرق التي يستخدمها الإسرائيليون الذين يعيشون في الضفة المحتلة لإرهاب وإيذاء الفلسطينيين، وقال إنه يشمل التعدي على الأراضي ومصادر المياه، وإشعال النار في السيارات والمنازل والممتلكات الأخرى، وسرقة الماشية أو إيذائها، وحرق وقطع أشجار الزيتون، وتخريب الكنائس والمساجد وإطلاق النار على المدنيين، إضافة إلى المضايقة والترهيب والإساءة.
وأشار التقرير إلى دافعين رئيسيين في ارتكاب العنف:
أحدهما الانتقام والسلب في أعقاب أي عنف يمارسه الفلسطينيون. والآخر الأكثر جوهرية بالنسبة للمستوطنين هو طرد الفلسطينيين من الضفة والاستيلاء على أراضيهم، وخاصة في المنطقة (ج).ويبرر عدد من المستوطنين في الضفة اختيارهم العيش في الأراضي المحتلة بمجموعة من الآراء، بينها رفض مفهوم الضفة الغربية باعتبارها يهودا والسامرة التوراتية، أو أنها جزء من التراث القديم للشعب اليهودي، أو أنها ببساطة جزء من دولة إسرائيل الحديثة.
ويقول المحلل الإسرائيلي ميراف زونسزين المساهم الرئيسي في التقرير إن "عنف المستوطنين وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث يقوم المستوطنون الإسرائيليون بمضايقة وإرهاب وقتل الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة بأعداد أكبر وبتكرار وحماس أكبر".
وأضاف زونسزين أنه "يتم تشجيعهم من قبل حكومة ملتزمة بتعميق السيطرة على الضفة وإحباط الدولة الفلسطينية. ولوقف عنف المستوطنين، يجب على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى استهداف ليس فقط المستوطنين الأفراد ولكن الكيانات والسياسات الحكومية التي تدعم المشروع الاستيطاني".
هجمات المستوطنين تصاعدت بعد تولي حكومة نتنياهو عام 2022 (الجزيرة) المستوطنون والدولةوقد فشلت الحكومات الإسرائيلية في الحد من هذا العنف وغالبا ما تسامحت معه، لكنه تصاعد بشكل كبير منذ أواخر عام 2022، عندما تولت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السلطة، وارتفع بشكل أكبر بعد الهجوم الذي قادته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأدت الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة -حسب التقرير- إلى تحويل الانتباه عن العنف المنهجي المتزايد الذي يمارسه المستوطنون على الفلسطينيين في الضفة المحتلة، حيث أصبحوا على نحو متزايد يتصرفون بالتنسيق مع الجيش ويرتدون الزي العسكري بأنفسهم، متمتعين بدعم نشط من وزراء الحكومة اليمينيين المتطرفين.
ونبه التقرير إلى أن فرض العقوبات على الأفراد -كما بدأت بعض الدول تفعل- يحجب جوهر المشكلة، ويعزز الرواية القائلة إن عددا قليلا من المخالفين للقانون يتصرفون خارج نطاق سلطة الدولة، وبالتالي على العواصم الغربية التي تتفق في الغالب على أن المستوطنات تنتهك القانون الدولي وأن تذهب إلى أبعد من ذلك.
وخلصت مجموعة الأزمات إلى أن مشروع الاستيطان وما يقابله من حرمان الفلسطينيين من ممتلكاتهم يقتلان ببطء أي أمل في التوصل إلى حل دائم للصراع، وأكدت أن الإفلات من العقاب الذي يتمتع به المستوطنون وكون القادة الإسرائيليين المتشددين والحكومة ذاتها لا يدفعون ثمنا لفشلهم، لا يهدد فقط بتفاقم الصراع، بل إنه قد أدى مع مرور الوقت لتمكين أكثر العناصر تمردا على القانون بالمجتمع الإسرائيلي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مجموعة الأزمات عنف المستوطنین
إقرأ أيضاً:
ما الخطورة في قانون تمليك المستوطنين بالضفة؟
بخُطا متسارعة تمضي حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومنظومته التشريعية في إجراءاتها للسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة الغربية، وضمها وفرض السيادة عليها.
ولم يعد استهداف أراضي الضفة يقتصر على نشر المستوطنات والنقاط والقواعد العسكرية أو مصادرة الأراضي أو البؤر الرعوية، إنما تجاوز الأمر إلى تمليك المستوطنين في أي بقعة من أراضي الضفة.
وغالبا ما تركزت إجراء الاحتلال الاستيطانية في المنطقة المنصفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، والتي تشكل نحو 61% من أراضي الضفة والخاضعة لسيطرة الاحتلال الكاملة، لكنها اتسعت في ظل الحكومة الحالية إلى المنطقة "ب" الخاضعة إداريا للسلطة الفلسطينية، و"أ" التي وضعتها الاتفاقية تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة.
الجديد في الأمر قانون إسرائيلي قيد التشريع، بادر إليه عضو الكنيست شلومو سلمون من كتلة "الصهيونية الدينية" الشريكة في الائتلاف الحكومي، وصادق عليه الكنيست بالقراءة التمهيدية، الأربعاء، ويسهل تملك المستوطنين للأراضي والعقارات في الضفة الغربية، بغض النظر عن المنطقة الموجودة فيها.
نص القانونيلغي مشروع القانون الإسرائيلي، والذي يحتاج إلى 3 قراءات ليكون نافذا، حظر بيع أراض في الضفة، التي هي تحت مسمّى "أراضي دولة" وتدير شؤونها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ليصبح متاحا بيعها، وليس فقط تأجيرها، والقصد بيعها للمستوطنين.
إعلانووفق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، يلغي مشروع القانون أيضا القانون الأردني رقم 40 لسنة 1953، وهو "قانون إيجار وبيع الأموال غير المنقولة من الأجانب"، المعمول به حاليا في الضفة، التي خضعت لحكم الأردن منذ نكبة 1948 وحتى احتلالها عام 1967.
ويلغي أيضا القانون القرارات العسكرية الإسرائيلية التي صدرت وأعطت الإدارة المدنية، أحد أذرع الجيش بالضفة، الحق في التشريع وتفسيرات القانون الأردني بشكل يتلاءم مع مشروع الاستيطان، بزعم أن المستوطنات "حاجة أمنية" وفق تفسيرات المحكمة الإسرائيلية.
الخارجية: السماح للمستوطنين شراء أراضي بالضفة ضم زاحف واستخفاف بالمجتمع الدولي وقراراته
The Ministry of Foreign Affairs: Allowing settlers to buy lands in the West Bank is a creeping #annexation and a disregard for the international community and its resolutions. pic.twitter.com/sdkr5uyU3v
— State of Palestine – MFA ???????????????? (@pmofa) January 29, 2025
تنديد فلسطينيوأدان مجلس الوزراء الفلسطيني مصادقة الكنيست، داعيا "لتكثيف الضغط الدولي على الاحتلال لوقف هذا الإجراءات".
في حين حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من خطورة مشروع القانون، ووصفته بأنه "ضم زاحف واستخفاف بالمجتمع الدولي وقراراته"، ورأت فيه "تعميقا لاستباحة الضفة بما فيها القدس الشرقية، وتطبيقا لقوانين إسرائيلية على الأرض الفلسطينية المحتلة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي".
كما وصف رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح -في بيان صحفي- مشروع القانون بأنه "مخالفة صارخة للقانون الدولي، وانتهاك لقرارات الشرعية الدولية، وفتوى محكمة العدل الدولية التي اعتبرت الاستيطان جريمة حرب وتعديا خطيرا على حقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه".
كما أدانت مشروع القانون مختلف الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
إعلانووفق الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان، فإن "خطورة مشروع القانون تكمن في كونه خطوة من خطوات سعي حكومة اليمين والمستوطنين لتهيئة البنية التحية التشريعية لعملية ضم الضفة الغربية".
وأضاف أن "مشروع قانون تمليك المستوطنين يعني إمكانية شراء أراضي وإقامة مستوطنات وبؤر استيطانية في أي مكان بالضفة وفي أقرب الآجال".
????حركة حماس:
????مصادقة ما يسمى "كنيست" الاحتلال مساء أمس على مشروع قانون يسمح للمستوطنين بشراء أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، هو خطوة إجرامية جديدة ضمن محاولات الاحتلال الفاشي لضم وتهويد الضفة، وهو انتهاك للقوانين والقرارات الدولية التي تجرم الاستيطان بكل أشكاله.…
— فلسطين أون لايـن (@F24online) January 30, 2025
مكمن الخطورةالناشط في حقوق الإنسان ومؤسس "تجمع شباب ضد الاستيطان" عيسى عمرو، يقول إن مشروع القانوني جزء من خطة "ضم الضفة الغربية لإسرائيل وتطبيق القانون المدني الإسرائيلي عليها".
ويوضح أنه "بات بإمكان المستوطن أن يتملك في أي مكان في الضفة الغربية ويسجل العقار أو الأرض باسمه بشكل مباشر، بما في ذلك مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية، وكأنه في تل أبيب".
وهنا يشير إلى أن الجديد في الأمر "تجاوز موافقات وإجراءات طويلة كانت تتم من قِبل قيادة جيش الاحتلال ودوائره وأذرعه العاملة في الضفة الغربية، وأصبح التملك مباشرا".
ومع تشكيل الحكومة الحالية نهاية عام 2022، وحصول وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على وزارة الجيش والمسؤولية عن الإدارة المدنية، أزال الكثير من الإجراءات التي تعيق الاستيطان وتمدده، حيث كانت إقامة المستوطنات والبناء الاستيطاني يحتاج إلى موافقة الجيش.
وفق عمرو، فإن "هناك خطورة في تملك المستوطنين عقارات يدّعون أن أجدادهم كانوا يملكونها قبل أكثر من مائة عام، وشراء أملاك فلسطينية من أصحابها دون عوائق داخل القرى والمدن الفلسطينية".
إعلان
خطة المواجهة
ولفت بشكل خاص إلى أملاك وأراضٍ يتنازعها عشرات وأحيانا مئات الورثة دون أن تفعل السلطة الفلسطينية شيئا لتثبيتها، "وبالتالي بإمكان أي وريث ضعيف النفس أن يبيع حصص كامل الورثة بتعاون قضاء الاحتلال، وهذا حصل في عدة عقارات بمدينة الخليل".
يقول عمرو إن الأمر لا يقتصر على الأرض المصنفة "أملاك دولة"، والتي تشكل نحو 20% من مساحة الضفة، لأنه مستولى عليها بالفعل.
في ظل ما يجري، يشدد الحقوقي الفلسطيني على "ضرورة تعزيز صمود المواطن على أرضه من خلال برنامج وحدة وطنية"، محذرا من أن الوضع في الضفة متجه إلى حبس الفلسطينيين في "كانتونات ومعازل".
ونهاية 2024 قدرت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية عدد المستوطنين بنحو 770 ألفا، يتوزعون على 180 مستوطنة، و256 بؤرة استيطانية، منها 138 بؤرة تُصنف على أنها رعوية وزراعية.
وفي أبريل/نيسان 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتبرت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي يشكّل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.