أحلام هوائية ورغبة الشعب حتمية وماضية: بل هم الدولة أيها العسكر
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
في ظل الظروف التي تعيشها السودان، تأتي تصريحات ياسر العطا، أحد قادة الجيش، لتفتح بابًا جديدًا من الجدل حول دور الجيش في الحياة السياسية، ولتطرح تساؤلات خطيرة عن نوايا القيادة العسكرية الحقيقية تجاه الانتقال الديمقراطي في البلاد. تصريحاته التي أعلن فيها نية الجيش الاستمرار في السلطة حتى بعد الانتخابات لدورات متتالية، تُعد خروجًا واضحًا عن المسار الديمقراطي وتجاهلًا تامًا لرغبات الشعب السوداني.
الجيش ودوره في الدولة الديمقراطية
في أي دولة ديمقراطية، الجيش ليس جهة سياسية أو حزبًا يمتلك أجندات سياسية؛ بل هو مؤسسة وطنية تهدف إلى حماية البلاد والحفاظ على سيادتها، وليس التدخل في الحياة السياسية أو السيطرة على مقاليد الحكم. هذا التوجه الذي عبر عنه العطا في تصريحه يعكس نية واضحة لدى القيادة العسكرية للبقاء في السلطة بأي وسيلة، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلًا.
الشعب السوداني قد عانى لعقود من الحكومات العسكرية التي استغلت السلطة لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب تطلعاته في الحرية والديمقراطية. وها هو الآن، وبعد ثورات وانتفاضات عديدة، يسعى لتحقيق حلمه في بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم إرادته وتحترم سيادة القانون.
الاستمرار في السلطة: مسار إلى الاستبداد
تصريح العطا بأن "القائد العام للقوات المسلحة سيظل رأس الدولة حتى بعد الانتخابات لدورات متتالية" يمثل نموذجًا خطيرًا لفرض الحكم العسكري على البلاد. هذا التصريح لا يخدم سوى تأكيد نية الجيش في تأسيس نظام استبدادي يهيمن على السلطة لسنوات طويلة. فبدلاً من أن تكون الانتخابات وسيلة للتداول السلمي للسلطة وتأكيد إرادة الشعب، يريدون تحويلها إلى مجرد واجهة شكلية للبقاء في السلطة.
الجيش ليس حزبًا سياسيًا، وليس له الحق في توجيه دفة البلاد وفق مصالحه أو مبرراته الخاصة. "عسكريتنا دي" ليست حزبًا، بل هي مؤسسة وطنية تخضع لأوامر الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، ولا تتجاوز حدودها إلى التدخل في السياسة أو التحكم في الدولة.
رغبة الشعب السوداني لا تُستباح
الشعب السوداني هو المصدر الوحيد للشرعية، وهو من يقرر من يحكمه وكيف يُحكم. من الواضح أن هناك نية للتلاعب بإرادة الشعب والاستمرار في السلطة بالقوة. هذا الأمر يتنافى مع مبادئ الحرية والديمقراطية التي يطالب بها الشعب السوداني. لقد خرج الشعب في ثورة من أجل التخلص من الاستبداد، ولا يمكن للجيش أن يعيد البلاد إلى الوراء بفرض حكم عسكري مقنع تحت مسمى "رأس الدولة بصلاحيات سيادية".
تصريحات العطا تتجاهل بشكل صارخ مطالب الشعب في الحكم المدني والديمقراطي، وهي لا تمثل سوى إهانة لإرادة الأمة السودانية التي قدمت التضحيات في سبيل تحقيق أهدافها. لن يقبل الشعب بهذه التصريحات ولن يقبل بأن تتحكم فيه مجموعة عسكرية تسعى للاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن.
الجيش مطالب بالانصياع لإرادة الشعب
إذا أراد الجيش أن يحتفظ بمكانته كحامي للوطن وركيزة للأمن والاستقرار، فعليه أن يلتزم بدوره الدستوري الذي يحصره في الدفاع عن البلاد وليس حكمها. الشعب السوداني لن يسمح بتكرار أخطاء الماضي، ولن يسكت على أي محاولة لفرض حكم عسكري جديد.
الجيش مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانصياع لرغبة الأمة السودانية في التحول إلى نظام ديمقراطي مدني، حيث يُحترم فيه صوت المواطن وتُعطى الأولوية لسيادة القانون. نحن كأمة لن نسمح بتقويض هذه التطلعات ولن نقبل بأي محاولة لفرض الحكم العسكري بأي شكل من الأشكال.
لا إسراف في الأحلام
الحديث عن بقاء الجيش في السلطة لدورات انتخابية متتالية هو إسراف في الأحلام السياسية غير الواقعية. هذه الرؤية لا تأخذ في الحسبان أن الشعب السوداني لم يعد يقبل بالاستبداد أو الحكم العسكري. التجارب السابقة قد أثبتت أن الحكم العسكري لا يؤدي إلا إلى المزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إننا نرفض هذا الطموح السلطوي، وندعو الجيش للابتعاد عن التدخل في السياسة، وأن يترك الحكم لمن يختاره الشعب بإرادته الحرة. السودان يستحق مستقبلًا أفضل، مستقبلًا مبنيًا على الحرية والديمقراطية، وليس على الحكم العسكري.
تجاوز تصريحات ياسر العطا يكشف عن رؤى خطيرة تنتهك أساسيات الدولة المدنية وحقوق الشعب في تقرير مصيرهم السياسي. عندما يصرح قائد عسكري بأن "حزبنا عسكريتنا" ويضع الجيش كأداة للاستمرار في السلطة حتى بعد الانتخابات لعدة دورات، يتضح أن هذه الرؤية لا تتناسب مع تطلعات الشعب السوداني نحو بناء دولة ديمقراطية.
الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع، وخاصة القيادة العسكرية، هي أن الشعب هو أساس الشرعية. الجيش كمؤسسة وطنية دوره حماية البلاد والدستور، وليس احتكار السلطة أو التحكم بمصير الأمة. هذا النوع من الطموحات ليس فقط غير واقعي، بل يتناقض مع مبادئ الدولة الحديثة التي تقوم على سيادة الشعب.
ما يطمح إليه الشعب السوداني واضح: دولة مدنية وديمقراطية تتيح المجال لحرية الاختيار، حيث يكون الجيش أحد أدوات الحفاظ على السيادة، وليس وسيلة لتكريس الحكم. تصريحات مثل هذه تكشف عن رغبة في تعزيز الحكم العسكري وهي أحلام هوائية تتناقض مع حتمية إرادة الشعب.
على الجيش أن يعي أنه لا بديل عن الانصياع لرغبة الأمة. تطلعات الشعب ستظل حتمية، ولا يمكن لأي قوة عسكرية أن تقف أمامها. الشعب هو الدولة، والدولة هي الشعب.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشعب السودانی الحکم العسکری فی السلطة
إقرأ أيضاً:
بعد عامين من الحرب .. تفاصيل سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم؟
قسمت استعادة الجيش السوداني غالب أجزاء العاصمة الخرطوم ظهر قوات الدعم السريع، بعد أن كانت تتمدد في مفاصل العاصمة ومواقعها الإستراتيجية قرابة العامين. وكان وجودها في مواقع حساسة -بينها القصر الرئاسي ومباني الإذاعة والتلفزيون- بحكم المشاركة في تأمينها، قد أتاح لها الفرصة لتستولي عليها فور بدء القتال العنيف منتصف أبريل 2023.
التغيير ـــ وكالات
ويتفق خبراء عسكريون على أن استعادة الجيش القصر الرئاسي يوم 21 مارس/آذار الماضي مثلت الضربة الأقوى لقوات الدعم السريع، خاصة أن ذلك تحقق بعد نحو ستة أيام من إعلان قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” يوم 15 آذار الماضي أنهم لن يغادروا القصر، وستبقى قواته في المقرن وفي الخرطوم.
وظهر حميدتي وقتها لأول مرة مرتديًا الكدمول -غطاء الرأس- مع الزي العسكري، متحدثًا عن أن الدعم السريع قد تغير تمامًا وأصبح لديه تحالفات سياسية وعسكرية، مهددًا بأن القتال في الفترة المقبلة سيكون مختلفًا “ومن كل فج عميق”. لكن الوقائع أثبتت أن قوات حميدتي لم تصمد أمام هجمات الجيش وحلفائه.
بداية الحصاركثف الجيش السوداني والقوات المساندة له الحصار على الدعم السريع في الخرطوم منذ إطلاق الهجوم البري الواسع يوم 26 سبتمبر 2024، وتمكن خلاله من الاستحواذ على رؤوس الجسور الرئيسية في شمال وغرب العاصمة، وهي جسر الحلفايا وجسر الفتيحاب وجسر النيل الأبيض الرابط بين أم درمان والخرطوم والموصل إلى منطقة المقرن القريبة من وسط الخرطوم، حيث دارت مواجهات شرسة امتدت لأسابيع طويلة.
بالتوازي مع ذلك، كان الجيش يحقق انتصارات متوالية في ولايات السودان الوسطى التي كانت خاضعة لقوات الدعم السريع، حيث تمكن من تحرير جبل موية بولاية سنار في أكتوبر الماضي، ليشكل هذا التقدم علامة فارقة في مسارح العمليات العسكرية المباشرة، تفككت بعدها قدرات الدعم السريع وقوته الصلبة، مع استعادة الجيش مدن الدندر والسوكي وسنجة عاصمة ولاية سنار وغيرها من المناطق، لتتراجع قوات الدعم السريع جنوبًا حتى حدود دولة جنوب السودان، وشمالًا نحو ولاية الجزيرة.
وبعد تحرير الجزء الأكبر من ولاية سنار، واصل الجيش تقدمه حتى تمكن من استعادة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في يناير الماضي، وأعقب ذلك إبعاد قوات الدعم السريع من مدن وقرى الولاية، وصولًا إلى جسر سوبا شرقي الخرطوم.
ويقول قائد قوات العمل الخاص بمحور سنار فتح العليم الشوبلي للجزيرة نت إن اكتمال عملية تحرير الجزيرة أسهم في فرض حصار على الدعم السريع داخل الخرطوم، وكانت إحدى مفاتيح تحريرها.
ويضيف “القوات التي حررت الجزيرة هي التي أحكمت الخناق على الدعم السريع داخل الخرطوم ورفعت من وتيرة تحركات الجيش وتحرير مواقع كانت تحت سيطرة المليشيا، حيث تم تطويق الدعم السريع من ثلاثة محاور، وهي: شرق النيل (سوبا شرق)، وجنوب الخرطوم (الباقير)، ومحور جبل أولياء”.
تضييق الخناقبالتزامن مع تلك التحركات، ظلت قوات الجيش القادمة من أم درمان غربًا تتقدم ببطء بهجمات برية مسنودة بالطيران والمسيرات والقصف، حتى تمكنت من إنهاء قبضة الدعم السريع على الخرطوم بحري، وربط القوات مع سلاح الإشارة، ثم التقدم صوب مقر القيادة العامة بالخرطوم.
ومع تمكن الجيش من فك الحصار عن القيادة العامة، بدأ التحضير سريعًا لخطة تحرير القصر الرئاسي والوزارات المهمة التي تحيط به، وعلى رأسها الخارجية ومجلس الوزراء.
وبحسب مصدر عسكري من القوات المساندة للجيش تحدث للجزيرة نت، فإن قادة الجيش وضعوا خطة محكمة للسيطرة على وسط الخرطوم، الذي كان يتسم بخطورة كبيرة بحكم انتشار قناصة الدعم السريع في مبانيه العالية المحيطة بالقصر وحتى البعيدة نسبيًا عنه كقاعة الصداقة وبرج الفاتح، لافتًا إلى أن القناصة كانوا مزودين بأسلحة متطورة وصواريخ موجهة.
ويشير المصدر العسكري إلى أن القوات القادمة من أم درمان واجهت مقاومة شرسة في منطقة المقرن، وهي من المواقع الحاكمة في التوجه صوب القصر.
ويؤكد أن الجيش ومسانديه من القوات الأخرى فقدوا أعدادًا كبيرة من المقاتلين في هذه الجبهة، حيث تم استهدافهم على يد عناصر الدعم السريع بأسلحة القنص، ومع ذلك كان الإصرار متعاظمًا وسط قوات الجيش للتقدم، مسنودًا بقصف المسيرات والمدفعية، وفقما يقول.
المعركة الفاصلةبعد الحصار المطبق على عناصر الدعم السريع وسط الخرطوم والقصر الرئاسي، لم تستسلم قوات الدعم السريع بسهولة، بل دفعت بقوات كبيرة من جنوب الخرطوم حاولت فتح الطريق لخروج القوة المحاصرة في القصر وسحبها باتجاه الجنوب.
وبالفعل دارت معارك عنيفة يومي 18 و19 الماضي في شارع القصر، لكن موقف الجيش تعزز وقتها بالتقاء جنود سلاح المدرعات بالقيادة العامة، مما قاد لترجيح كفة الجيش بقوة ليستمر في التقدم باتجاه القصر.
يقول المصدر العسكري إن هذه المواجهة الشرسة كسرت شوكة قوات الدعم السريع، وتلقت خلالها ضربات قوية، حيث تم تدمير ما لا يقل عن 100 عربة وقتل حوالي 600 من عناصر الدعم، بعد أن لعب الطيران المسيّر دورًا محوريا في الحسم، واستهداف القوة الصلبة والدفاعات المتقدمة للدعم السريع وسط الخرطوم.
الانهيار الكاملمهدت هذه المعركة الحاسمة لتمكين الجيش من استلام القصر الرئاسي يوم 21 مارس وانهارت بعدها دفاعات قوات الدعم السريع، وبدأت تلك القوات في الانسحاب تباعًا من المواقع الحيوية في شرق الخرطوم وجنوبها.
ولم تشهد المقار التي كانت تحتلها وتتخذ منها مراكز للقيادة والسيطرة في ضاحية الرياض، والمدينة الرياضية، وحي المطار، وجامعة أفريقيا العالمية، أي قتال بعد أن اختارت ما تبقى من قوات الدعم السريع الانسحاب جنوبًا ومغادرة الخرطوم.
يُشار إلى أن الجيش لم يعلن حتى الآن رسميًا تحرير الخرطوم، حيث لا تزال المواجهات العسكرية محتدمة في غرب أم درمان، مع تقدم ملحوظ للجيش الذي أعلن المتحدث باسمه اليوم الثلاثاء عن التمكن من “سحق وتدمير شراذم مليشيا آل دقلو” -في إشارة للدعم السريع- في مناطق الصفوة والحلة الجديدة وقرية الصفيراء ومعسكر الكونان، مشيرًا إلى “استمرار ملاحقة وتصفية ما تبقى من جيوب محدودة” في المنطقة.
المصدر : الجزيرة
الوسومالجزيرة الجيش الخرطوم الدعم السريع سنار