مُذَكِّرَات مُغتَرِب في دَوَل الخَلِيجِ العَرَبي (١٣)
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
وضَعتُ عَصا التَّرحالِ هذه المّرَّة في الجُبَيل البَلَد . كانَتْ المَدرسَةُ المُتوِسِطة مَبنىً كبيراً وفُصُولها مُتَعَدِّدة ، إلاّ أنَّ هذا المَبنَى كانَ يَشكُو مِن القِدَم والاهْمَال .
عَمِلَ معي مِن الزُّمَلاءِ الكِرَام الأسَاتِذة السُّودَانِيين عبدُ الله
دفع الله كرَّار رِياضِيات وإبرَاهِيمُ الطِّرِيفي لُغَة عَرَبِية و عبدُ الله إمَام تَربِية إسْلامِيَّة - وقد كانَ قاضِياً في السُّودَان .
! فقلتُ له بزَعلٍ شَديد : " لا بالله أدّيهُم الجَاز خَلِّيهُم يَحرِقوا المُدَرِسين " !!!! أي والله بِهذا المستوى !!! ثُمَّ صَفَعتُ بابَ مَكتبِه بِشِدَّة وخَرجتُ مِنه . وأحْكِي لكُم نُموذَجاً آخَر حَدثَ لي في مَدرسةِ الجُبيل المُتوسِطة . كنَّا في ذاتِ يومٍ نُوزِّعُ شهاداتِ نتائجَ امتحاناتِ الطُّلاب في نِهايةِ العامِ الدِّراسي . وكنَّا نَستَغٍلُّ شبابيكَ الفُصُول التي تُطِلُ على بَوابةِ المَدرسةِ الرَّئيسة حتّى يأخذَ كلُّ طالبٍ شَهادَته مِن خارجِ الفصول ويَتوَكَّل خارِجاً إلى البوَّابة دونَ أن يَرى الدَّاخِل . وكانَ كُلُّ رائِد فَصْل يَلزَم شُبّاكاً داخِل الصَّف ويَنتَظِر قُدُومَ طُلابِه أمامَ الشَّبابِيك مِن الخَارِج ، وكنتُ مِن ضِمن الرُّواد . كانَ عِندي طالبٌ إسْمُه " فَضُل " وكانَ راسّباً عِندي في اللُّغة الإنجليزية . فذهبَ أولاً لِيسألَ أستاذَ التَربِية الإسْلامِية السُّوري - واسُمُه " يُوسُف " - الذي قالَ له بِحُسنِ نِيَّة " إنت راسِب انجليزي "، فجَاءني " نافِخ رِيشُه " يحْمِل في يدِه مِقلمةَ أظافر كبيرة " ضَفَّارة " ووقفَ أسْفلَ الشُّباك وكانَ طَوَيلَ القَامَة لِحُسنِ حَظّي وسُوءِ حَظه . فقال لي : " والله ما انتَ بْرَجَّال يا أسُتاذ عُمر " ! باللَّهجَة السَّعودية طبعاً ، ثُمَّ كَرَّرها مرةً أخري وقَذفَ بالمِقلَمة ناحِيةَ وجْهي . زُغتُ مِن الضَّفارة وهجمتُ عليهِ وأمْسَكتُه من تَلابٍيبِ جِلبابِه السعودي الضِّيق وكانَ بالخَارِج وأنا بالداخل وهو يَتمَلَّص وأنا أشُدُّه بِكل قُوَّتي مِن الثَّوب حتى تَمزَّق بينَ يَدَي وحِينَها انفلتَ وفَرَّ هارِباً يَركُضُ نحو البّوابَة وهو نِصفُ عارٍ وبَقِيةُ الطُّلابِ الواقِفين عند الشبابيك يَضحَكونَ عليهِ باستِهزاءٍ .( أي والله العَظِيم حدثَ حقَّاً وصِدقاً ) .
وطبعاً بعدَ هاتَينِ الحَادِثَتين وضَعَني مُديرُ المَدرَسة في عَينِ العَاصِفة ، وما إنْ واتَتْهُ الفُرصَة حتَّى طَلبَ نَقلِي ، وطَبعَاً نُفِّذ طَلبُه وتَمَّ نَقلِي .
--------------------------------------
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
معنى الظلم في (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن معنى الظلم في دعاء سيدنا يونس عليه السلام، محمول على معان تليق بمقام النبوة العظيم، منها أنه حمَّل نفسه أكثر مما تطيق، أو أنه تصرف بغير إذن ربه، أو أنه تَرَكَ الأولى والأفضل، أو أنه من جملة تسبيح الله سبحانه وتعالى وذكره له، وهذا الذكر من جملة الدعاء المستجاب الذي له فضلٌ عظيمٌ؛ فمن دعا به طالبًا النجاة من شيءٍ نجاه الله تعالى.
معنى دعاء سيدنا يونس: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)وقالت الإفتاء إنه لا يصح أن يُفهم الدعاء أنه من معاني الظلم المذمومة، فالأنبياء معصومون عن الذنوب كبائرها وصغائرها.
وأضافت الإفتاء أن ما ورد من نسبة سيدنا يونس عليه السلام الظلم إلى نفسه فيما حكاه على لسانه القرآنُ الكريم: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] فليس المراد منه أي معنى من المعاني المذمومة، بل هذا محمول على معان تليق بمقام نبوته العظيمة.
قال الشيخ أحمد ابن عجيبة في "البحر المديد" (3/ 493، ط. الدكتور حسن عباس زكي) في قوله: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي: [لنفسي بخروجي عن قومي قبل أن تأذن لي، أو من الظالمين لأنفسهم بتعريضها للهلكة] اهـ.
وقال الإمام ابن جزي في "التسهيل" (2/ 28، ط. دار الأرقم): [والظلم الذي اعترف به كونه لم يصبر على قومه وخرج عنهم] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "تفسيره" (3/ 467، ط. دار الكتب العلمية): [يعني لنفسي في الخروج من غير أن تأذن لي، ولم يكن ذلك عقوبة من الله؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان تأديبًا، وقد يُؤَدَّبُ من لا يستحق العقاب] اهـ.
قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل في تفسير القرآن" (4/ 47، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: فلولا أنه كان من المسبحين في بطن الحوت؛ قال سعيد بن جبير: يعني قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]] اهـ.
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (22/ 179-181، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، والظلم من أسماء الذم؛ لقوله تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18]... لا شك أنه كان تاركًا للأفضل مع القدرة على تحصيل الأفضل فكان ذلك ظلمًا] اهـ.
وجاء في "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" للنيسابوري (1/ 388، ط. دار الكتب العلمية): [الظلم فيه محمول على ترك الأولى؛ كما في حق آدم: ﴿رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23] لا على الكفر والفسق] اهـ.
وأكدت الإفتاء قائلة: معنى الظلم الذي نسبه سيدنا يونس عليه السلام إلى نفسه كما في الآية المذكورة أنه شق على نفسه ولم يرفق بها في سبيل طاعة الله، وأهل الكمال يعاملون أنفسهم كما يعاملون نفوس الخلق، فهم مطالبون بالرفق عليها، كرفقهم على سائر نفوس الخلق، أو هو فعل خلاف الأولى مطلقًا، أو هو خروجه عن قومه بغير إذن ربه.
وتابعت: ولا يصح أن يُفهم على نحوٍ فيه انتقاص من مقامه الرفيع؛ إذ المقرر عند علماء المسلمين أنه يجب تأويل مثل هذه الألفاظ التي يوهم ظاهرها خلاف الواجب عقلًا فتُحمل على معنًى لائق بمقام النبوة العظيم؛ كما قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (4/ 13، ط. دار ابن عفان): [ولك في التأويل السعة بكل ما يليق بأهل النبوة ولا ينبو عنه ظاهر الآيات] اهـ.
واوضحت الإفتاء أنه ورد في السنة النبوية الحثُّ على هذا الدعاء والتضرع به إلى الله تعالى، وبيان فضله العظيم؛ فمن دعا الله تعالى به نال الإجابة كما نالها يونس عليه السلام.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ:لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» رواه الترمذي في "سننه"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "مستدركه على الصحيحين".
قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 6، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(إلا استجاب الله له) لما كانت مسبوقة بالعجز والانكسار ملحوقة بهما صارت مقبولة] اهـ.
وقال الإمام القشيري في "لطائف الإشارات" (2/ 520، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب): [ثم قال: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾؛ يعني: كلُّ من قال من المؤمنين -إذا أصابه غمٌّ، أو استقبله أمر مهم- مثلما قال ذو النون نجيناه كما نجينا ذا النون] اهـ.