بقلم: إسماعيل الحلوتي

      بينما كان عديد المواطنات والمواطنين المغاربة يعتقدون جازمين أن ظاهرة "الموظفين الأشباح" التي ظلت لسنوات طويلة تثير جدلا واسعا بينهم، سواء في البيوت أو في المقاهي ومقرات العمل أو على منصات التواصل الاجتماعي وتشغل بال المسؤولين وتقض مضاجعهم، قد أصبحت جزءا من الماضي إثر الحملات التي طالما شنتها السلطات عليها من أجل محاربتها، وأن المؤسسات التي كانت إلى وقت قريب تشكو كثيرا من استنزاف هؤلاء "الموظفين" الطفيليين لميزانياتها تخلصت منهم بصفة نهائية.

     فإذا بهم يباغتون بما فجره رئيس مجلس مقاطعة مولاي رشيد محمد اجبيل المنتمي إلى حزب "الأصالة والعاصرة" من فضائح ذات العيار الثقيل حول تفشي ظاهرة الموظفين الأشباح بمجلس مدينة الدار البيضاء، الذين يلتهمون المال العام دون القيام بمهامهم، حيث أشار في تصريحات إعلامية يوم 27 فبراير 2024 إلى أن هؤلاء الموظفين كانوا يستنزفون 60 في المائة من ميزانية الجماعة التي يرأس مجلسها منذ 1992، كاشفا عن أن 400 موظف بالمقاطعة من أصل 450 موظف لا يقومون بأي عمل ويعتبرون في عداد الأشباح، حيث أنهم يتلقون دون موجب حق أجورا تزيد قيمتها الإجمالية عن ثلاثة ملايير سنتيم سنويا.

      ويشار في هذا الإطار إلى أنه سبق لعمدة الرباط السابقة أسماء اغلالو "المستقيلة" في 28 فبراير 2024 أن أثارت جدلا واسعا في الشارع المغربي وعلى مختلف وسائل الإعلام، جراء ما صرحت به في أحد اللقاءات التلفزيونية خلال شهر يونيو 2022 من وجود نحو 2400 "موظف شبح" من أصل 3400 موظف يعملون في مجلس المدينة، وهم أشخاص يتسلمون أجورهم بصفة منتظمة دون قيامهم بأي خدمة في غياب المراقبة والمحاسبة، مؤكدة على أن منهم من يتواجدون خارج أرض الوطن، مما اضطرها إلى مباشرة مسطرة العزل في حقهم، واصفة ظاهرة "الموظفين الأشباح" بأنها شكل من أشكال "الريع واستغلال النفوذ" وداعية إلى ضرورة الانكباب على محاربتها بكل حزم.

      وبعد أشهر قليلة من تفجيرها فضيحة الموظفين الأشباح بمجلس المدينة، وتطبيقا لمقتضيات القانون رقم 62-99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية وبناء على البرنامج السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، قام المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط-سلا-القنيطرة بتوجيه مراسلة إلى عمدة الرباط، كاشفا بواسطتها عن شروعه في مراقبة تدبير الموارد البشرية عبر تعيين لجنة للمراقبة مكونة من مستشارين، ومطالبا إياها (العمدة) بضرورة تزويدهم بكل المعلومات الخاصة، كالهيكل التنظيمي، سجل الحضور، ملفات التوظيف، ملفات الموظفين الموضوعين رهن الإشارة، ملفات الموظفين الخاصة بالإحالة على الاستيداع، ملفات الترقية، ملفات خاصة بالتكوين، محاضر وقرارات المجالس التأديبية وملفات النزاعات المتعلقة بالموظفين...

      ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نقل برلمانيون الملف إلى المؤسسة التشريعية وطالبوا الحكومة بفتح تحقيقات حول تلك التصريحات التي خلفت استياء واحتقانا شديدين حتى خارج صفوف موظفي جماعة الرباط وغيرها من الجماعات الترابية، التي مازالت تعج بأعداد غفيرة من صنف "الموظفين الأشباح". إذ فضلا عما شكلته تصريحات عمدة الرباط من صدمة للرأي الوطني وتجاوز صداها الحدود المغربية، وما كشف عنه مؤخرا التقرير الصادر عن المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط -سلا -القنيطرة حول وضعية الموارد البشرية بجماعة الرباط، بخصوص صرف أجور لموظفين لا يؤدون عملهم، هناك تذمر واسع في أوساط الموظفين والشباب العاطلين ذوي الشهادات الجامعية، الذين يطالبون بتطبيق القانون والمساطر الجاري بها العمل في حق الموظفين الأشباح كيفما كان شأنهم، وضد كل من ثبت تواطؤه معهم والتستر عليهم...

      فمن غير المستساغ أن يتواصل استنزاف المال العام من قبل "موظفين أشباح" دون حسيب ولا رقيب، في وقت تتفاقم فيه معدلات البطالة وما انفك ملك البلاد ومعه شرفاء الوطن ينادون بتخليق الحياة العامة وتفعيل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن ما يتردد من أقوال حول محاربة الظاهرة لا يعدو أن يكون كلاما للاستهلاك، وغالبا ما لا يترجم إلى إجراءات مشددة وملموسة على أرض الواقع. ثم كيف يعقل أن تصرف المجالس والجماعات الأجور لموظفين أشباح وتمتعهم بالامتيازات والترقيات على غرار الموظفين الفعليين، لا لشيء سوى أنهم ينتمون لأسر ذات نفوذ سياسي أو اقتصادي وغيره أو أقارب لمسؤولين كبار هنا وهناك في المؤسسات المنتخبة؟

      مؤسف حقا أن تستمر ظاهرة "الموظفين الأشباح" في إسالة مداد الغيورين وإثارة الكثير من السخط وردود الفعل الغاضبة، علما أن بلادنا أصبحت اليوم في عصر التكنولوجية المتقدمة و"الرقمنة"، تتوفر على كافة الإمكانات والوسائل التي من شأنها الإسهام بفعالية في التصدي لها، وأنه يكفي فقط أن يمتلك المسؤولون القليل من الجرأة والإرادة السياسية اللازمة لمواجهة مختلف مظاهر الفساد، والضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطهم في استنزاف المال العام...

 

 

 

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: الموظفین الأشباح

إقرأ أيضاً:

الثقة والتوازن.. ما سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة في الدنمارك؟

في الدنمارك، حيث التوازن بين العمل والحياة يُعتبر أولوية وطنية، تجد البلاد نفسها دائمًا ضمن أفضل خمس دول في العالم في هذا المجال. وبالنسبة لغابريل هوكيس، الموظف في شركة تكنولوجيا بكوبنهاغن، كلمة واحدة تلخص التجربة: "الثقة".

يوضح هوكيس في تقرير نشرته شبكة "بي بي سي"، "لا يمارس أحد الإدارة التفصيلية عليك (وضعك تحت مراقبة مستمرة والتحكم في التفاصيل)، أو تشعر بالقلق لم قد يحدث لك".

ويضيف أن المديرين في الدنمارك يركزون على نتائج العمل بدلاً من مراقبة ساعات العمل، قائلا: "لا يهتمون بالتأكد من أنك تعمل لثمان أو لتسع ساعات في اليوم، لأنهم يهتمون فقط بما إذا كنت قد أنجزت مشاريعك".


يشير هوكيس إلى أن هذه الطريقة في الإدارة تخلق بيئة عمل ديمقراطية للغاية، حيث لا يشعر الموظفون بوجود تسلسل سلطات صارم. ويضيف: "تحقق طريقة العمل هذه الكثير من الثقة في الدنمارك".

إحصائيات تؤكد التوازن
وفقًا لأحدث الأرقام الدولية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يعمل 1.1% فقط من العاملين في الدنمارك 50 ساعة أو أكثر في الأسبوع. وهذه النسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 10.2%. بالمقارنة، تصل نسبة العاملين لساعات طويلة في بريطانيا إلى 10.8%، وفي الولايات المتحدة إلى 10.4%.

يسلط مايك ويكنغ، مؤلف كتاب "فن الحياة الدنماركية" ورئيس مؤسسة أبحاث السعادة الدنماركية، الضوء على السياسات التي تعزز هذا التوازن. ويقول: "الدنماركيون سعداء في العمل بالفعل. ويؤكد حوالي 60% منهم على أنهم سيواصلون العمل حتى إذا فازوا باليانصيب وأصبحوا مستقلين ماليًا".

ويشير ويكنغ إلى مجموعة من السياسات التي تُعد نموذجًا للدول الأخرى، مثل الحق في الحصول على إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة خمسة أسابيع على الأقل في السنة، إضافة إلى العطلات الرسمية.

بحسب التقرير، فإن هذه السياسة تفوق ما هو متاح في العديد من الدول الأخرى، إذ تصل الإجازة مدفوعة الأجر في بريطانيا إلى 5.6 أسابيع لمعظم العاملين، بينما لا تزيد في الولايات المتحدة عن 11 يومًا فقط.

كما تقدم الدنمارك ستة أشهر مدفوعة الأجر كإجازة أمومة وأبوة لكلا الوالدين، وهي فترة طويلة مقارنة بما هو متاح في دول أخرى.

في بريطانيا، يحصل الأب أو الشريك غير الوالد عادة على إجازة أبوة مدفوعة الأجر لمدة أسبوع إلى أسبوعين، بينما في الولايات المتحدة لا توجد سوى إجازة غير مدفوعة الأجر بضمان فيدرالي، باستثناء بعض الولايات مثل كاليفورنيا التي تقدم إجازة مدفوعة الأجر.

الثقافة الجماعية مقابل الفردية
ترى سامانثا ساكسبي، خبيرة الموارد البشرية الأمريكية ومديرة التسويق في الجمعية الوطنية للموارد البشرية في الولايات المتحدة، أن الدنمارك تتمتع بتوازن جيد بين العمل والحياة لأنها "تعطي الأولوية للرفاهية الجماعية".

وتضيف: "على النقيض، فإن الولايات المتحدة شددت لفترة طويلة على الإنجاز والطموح الفردي، وهو ما قاد إلى ظهور ابتكارات هائلة، ولكن في كثير من الأحيان على حساب التوازن بين العمل والحياة".


لكن ساكسبي تشير إلى أن المزيد من الشركات في الولايات المتحدة بدأت في تقليد النموذج الدنماركي والدول الإسكندنافية الأخرى من خلال تقديم مزايا مثل إجازة مدفوعة الأجر غير محدودة، وأيام مخصصة للصحة العقلية، وبرامج التعافي.

وتقول ساكسبي: "الموظفون الذين يحصلون على قسط كافٍ من الراحة ويتمتعون بالتوازن يقدمون أفكارًا جديدة، ومهارات أفضل في حل المشكلات، ومشاركة أكبر. ويبدأ الموظفون في الشعور بالتمكين للحصول على الوقت الذي يحتاجون إليه دون التضحية بالتقدم الوظيفي".

من خلال هذه السياسات والممارسات، تثبت الدنمارك أنها نموذج رائد للدول والشركات التي تسعى لتحسين جودة حياة موظفيها. ويُظهر التركيز على التوازن بين العمل والحياة كيف يمكن للثقة والرفاهية الجماعية أن تسهم في خلق بيئة عمل إنتاجية.

مقالات مشابهة

  • ضعف الرواتب والأجور في سوريا يفاقم معاناة الموظفين والمواطنين
  • أستاذ علوم سياسية: حفل تنصيب ترامب قد يشهد مفاجآت
  • أستاذ علوم سياسية: شخصية ترامب لا تجعلنا نستغرب ما يقوم به وما يقرره
  • أستاذ علوم سياسية: ترامب لا يلتزم بالبروتوكولات وحفل تنصيبه قد يشهد مفاجآت
  • أستاذ علوم سياسية: ترامب لا يلتزم بالبروتوكولات الرسمية وحفل تنصيبه قد يشهد مفاجآت
  • محمود مسلم ينتقد ظاهرة تكدس سائقي التاكسي في المطارات وغياب بصمة العين
  • الثقة والتوازن.. ما سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة في الدنمارك؟
  • «هدنة غزة» بين تأثير ترامب وغياب أفق سياسي
  • وزير الخارجية: لابد من توافر إرادة سياسية لدى إثيوبيا للتوصل لاتفاق بشأن سد النهضة|فيديو
  • ارتفاع اسعار ايجار السكن وغياب الدور الحكومي