الشيخ كمال الخطيب يكتب .. المؤثّرون الحقيقيون
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
المؤثّرون الحقيقيون
الشيخ #كمال_الخطيب
لأننا في #زمن_الشقلبة، زمن #انقلاب_الموازين وانعكاس المفاهيم، زمن #الرويبضات ” #السفهاء يتكلمون في أمر العامة” زمن لكع بين لكع “التافه ابن التافه”، الزمن الذي أصبح الحليم فيه حيران، الزمن الذي أصبح فيه المعروف منكرًا والمنكر معروفًا.
وإن من أبرز مظاهر الشقلبة في هذا الزمان ارتفاع #صوت_الباطل وكثرة المروجين له ومحاولة تغييب #صوت_الحق وملاحقة ومحاربة من ينادون به، وليس أدل على ذلك مما سبق وتحدث عنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه لما قال: :سيأتي عليكم زمان من بعدي ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب”.
لقد صمّت آذاننا في هذا الزمان مصطلحات جوفاء لكن لها صدى وطنينًا مثل مصطلح “المؤثرون”، هؤلاء الذين صنعتهم وسائل الإعلام الحديثة عبر تقديم مواد ضحلة وركيكة وتافهة، وإذا ببريق هؤلاء يبلغ آفاقًا واسعة، ومن خلالهم يتم تمرير رسائل سياسية أو اجتماعية يريد البعض إيصالها إلى المجتمعات عبر ضخ أموال كثيرة في جيوب هؤلاء.
إنها قائمة #المؤثرين الذين صنعهم #الإعلام ومنابره، وإن منهم الرقاصة والمغنية ومن وصفوه بالفنان والنجم الذي يلبس الحلق في أذنيه، والمخنث، والمتحول جنسيًا ” #الشواذ ” وأشباه هؤلاء كثيرون ممن لمّعهم الإعلام وصنع منهم أسماء لها بريق ووضعوه في قائمة المؤثرين.
إن نجوم وسائل الإعلام هؤلاء مثل النجوم والكواكب التي تظهر في السماء ثم لا تلبث أن تنطفئ أو يبتلعها كوكب أكبر أو تبتلعها الثقوب السوداء. وهكذا هم المؤثرون الذين ظهروا وكان لهم بريق في ظل حالة تردي وانهيار المنظومة الأخلاقية والقيمية في المجتمعات وفي العالم. وستنطفئ أنوارهم المزيفة في بحر المجتمعات والبيوتات التي تنشأ على الفضيلة والقيم السليمة. وإن من واجبنا في هذا الزمان أن نعيد ضبط الموازين وتقويم الاعوجاج عبر إعادة التذكير بالنجوم الحقيقية بل الأقمار والشموس التي أضاءت ظلمة الدنيا وبددت عتمتها، ومن كانوا هم المؤثرين الحقيقيين الذين استطاعوا التأثير إلى حد إحداث انقلاب في مجتمعات بأكملها بل إحداث انقلاب في مسيرة التاريخ، وكان ذلك لأنهم استمدوا أنوارهم من نور محمد ﷺ {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ} آية 15 سورة المائدة. ومن أنوار القرآن الذي نزل على محمد ﷺ {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} آية 8 سورة التغابن. بل إنهم استمدوا تأثيرهم ونورهم من النور الله جل جلاله {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} آية 35 سورة النور. إنهم أصحاب رسول الله ﷺ.
وكيف لا نحبهم
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “من كان منكم متأسيًا فليتأس بأصحاب محمد ﷺ، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلّهم تكلفًا وأقومهم هديًا وأحسنهم رجالًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على آثارهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} آية 19 سورة التوبة، وكل صادق بعدهم يقتدي بهم وكل من اقتدى بهم يُحشر معهم”.
وكيف لا نحبهم وكيف لا نقتدي بهم وهم الذين امتدحهم الله تعالى لما اختارهم لصحبة نبيه ﷺ، وقد قال في ذلك: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية 100 سورة التوبة.
وكيف لا نحبهم رضي الله عنهم وهم الذين حملوا إلينا رسالة الإسلام وأوصلوها وبلّغوها إلى الدنيا كلها، فماتوا في البلاد التي ذهبوا إليها فاتحين يبلغون الناس دين رب العالمين وُدفنوا هناك. فتشرفت أرض فلسطين وبلاد الشام بأن ضم ثراها أجساد عبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي ريحانة الأنصاري وبلال بن رباح وخالد بن الوليد ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة عامر بن الجراح وآلاف غيرهم. وفي شمال إفريقيا مات ودُفن عقبة بن نافع. وفي تركيا دُفن أبو أيوب الأنصاري، وغيرهم كثيرون في بلاد ما وراء النهر وأدغال أفريقيا وصولًا إلى هضبة الصين، قال رسول الله ﷺ: “الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبهم أحبني، ومن أبغضهم فببغضهم أبغضني، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك الله أن يأخذه”.
وكيف لا نحبهم وهم جميعًا رضي الله عنهم من أهل الجنة، ومن أحب قومًا حُشر معهم. يقول ابن حزم: “الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعًا لقول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ} اية 10 سورة الحديد. ثم قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} آية 110 سورة الأنبياء”. فثبت أنهم جميعًا رضي الله عنهم من أهل الجنة.
وكيف لا نحبهم رضي الله عنهم وهم الذين وصفهم من كان أقرب الناس إليهم ومن كان أعرف بهم من أنفسهم ومن كان أحب إليهم من أنفسهم ومن أولادهم ومن الناس أجمعين، إنه رسول الله ﷺ الذي قال: “أرحم أمتي بها أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم عليّ، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة، وأبو هريرة وعاء العلم، وعند سلمان علم لا يدرك، وما أظلت الخضراء، وما أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر”.
#المؤثرون_الصادقون
بينما موسم حج يوشك أن ينتهي ليرجع العرب المشركون إلى قبائلهم وكان النبي ﷺ يعرض نفسه ودعوته على كل من يلقى، فكان أن رأى ستة من أهل يثرب يستعدون للرحيل بعد موسم الحج فجلس إليهم ﷺ كما يقول عاصم بن عمرو: “فقال لهم رسول الله ﷺ: من أنتم؟ قالوا؟ نفر من الخزرج. قال: أمن موالي اليهود، أي حلفاؤهم؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ فجلسوا فكلمهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن. فأجابوه وقبلوا وقالوا: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك، وسنعرض عليهم هذا الدين فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم”.
وفي موسم الحج التالي رجع الستة ومعهم ستة آخرون فكانوا اثني عشر رجلًا من الأوس والخزرج فأسلموا وبايعوا رسول الله ﷺ وأرسل معهم النبي ﷺ مصعب بن عمير رضي الله عنه يقرؤهم القرآن ويعلمهم الإسلام.
وخلال سنة واحدة وإذا بمصعب يعود إلى مكة ومعه ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان من الأنصار رضي الله عنهم وقد أسلموا وبايعوا النبي ﷺ، إنه مصعب بن عمير رضي الله عنه الشاب الصغير ابن الدلال والرفاهية الشاب الوسيم الجميل، كان لا يلبس إلا أجمل الثياب وأنعمها وأغلاها، وكان لا يتعطر إلا بأفضل العطور وأثمنها حتى أنه كان إذا مرّ بجانب قوم وشمّوا رائحة عطره قبل أن يروه قالوا: إن مصعبّا قادم إلينا، وإذا بمصعب هذا يكون مبعوث النبي ﷺ إلى يثرب ويكون مقره بيت “أسعد بن زرارة” رضي الله عنه، منه ينتقل إلى بيوت الأوس والخزرج يدعوهم إلى الإسلام.
إنه مصعب المؤثر والجذاب والمغناطيس الذي يأتيه سيد الأوس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ ليزجراه وينهياه أن يأتي دارهم، فلمّا رآهما أسعد بن زرارة قال لمصعب: “هذا سيد قومه فاصدق الله فيه” فوقف أسيد بن حضير ومعه حربته وراح يصرخ ويشتم، فقال له مصعب: “أوتجلس فتستمع فإن رضيت أمرًا قبلته وإن كرهته أكف عنك ما تكره”. فقال أسيد بن حضير: أنصفت فركز حربته جانبًا وجلس يسمع، فكلّمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فما هي إلا لحظات إلا وأسيد يتهلل وجهه بشرًا ويقول: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف يصنع من يدخل في دينكم؟ قال له مصعب: تغتسل وتطهّر ثيابك وتشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين. فقام واغتسل ورجع والماء يقطر من رأسه وشهد شهادة الحق وصلّى ركعتين فلما رجع إلى من كانوا ينتظرون عودته ولمّا رأوه قالوا: نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به”.
تبارك الله رب العالمين، كما أن الزارع لا يسيء الظن بأرضه الخصبة التي قامت كل الأدلة والقرائن على خصوبتها ولذلك فإنها ستؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وكذلك هي فطرة التوحيد التي فطر الله الناس عليها، فإنهم مهما حاولوا أن يفسدوها ويلوّثوها إلا أنها حتمًا ستظل تستجيب للخير إذا حركها مؤثرون صادقون.
يا خير من ربّت الأبطال بعثته ومن بنى يهمو للحق أركانا
خلفت جيلًا من الأبطال سيرتهم تضوع بين الورى روحًا وريحانا
كانت فتوحهمو برًا ومرحمة كانت سياستهم عدلًا وإحسانًا
اعطوا ضريبتهم صبرًا على محن صاغت بلالًا وعمارًا وسلمانا
لم يشربوا الدين أورادًا ومسبحة بل أشربوا الدين محرابًا وإيمانا
يا أحفاد بلال
ما أصدق قول القائل: لقد وجدنا وسمعنا أن الأمم يكون عندها عظيم بين كل مدة وأخرى، أما أن يخلف محمد ﷺ هذا الكم من العظماء فهذه ظاهرة فريدة وعطاء لم يعطِه الله إلا للمربي الكبير محمد ﷺ”.
إنهم أصحاب محمد ﷺ الذين تركوا بصماتهم في أصقاع الدنيا برًا ومرحمة وأخلاقًا وشجاعة. لقد رحلوا وتركوا هذا الرصيد العظيم، منه تستمد الأمة زادها وتعتز بانتسابها إليه ولا يتخلى عن هذا الرصيد إلا سفيه أو طائش {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} آية 83 سورة آل عمران.
وإذا كان أصحاب رسول الله ﷺ قد رحلوا وبقي لنا هذا الرصيد العظيم، فما على الذين ينتسبون لهذا الدين وما على الذين يتسمون باسم محمد ﷺ وأسماء أصحابه رضي الله عنهم، إلا أن يستمروا في حمل الراية، وأن يهتفوا بالعالمين يدعونهم الى هذا الدين العظيم.
فما أحوج أمتنا خاصة والبشرية عامة إلى حملة رسالة هذا الدين، بها يصححون الانحراف الخطير الذي طرأ على البشرية عقائديًا وفكريًا وأخلاقيًا. ما أحوج البشرية إلى مؤثرين صادقين تتفطر قلوبهم حرقة على الحال الذي وصل إليه المسلمون والناس أجمعون.
ما أحوج البشرية إلى اليد الحانية والقلب المتحرّق واللسان الصادق والنماذج والقدوات الحقيقية التي تصحح المسار وتنهي مسيرة الانحراف وزمن الشقلبة.
ما أحوج البشرية إلى أحفاد مصعب ولأحفاد بلال بل إلى أحفاد محمد ﷺ ليهتفوا في البشرية جمعاء بهتاف الأذان ونداء القرآن.
تاريخ أمتنا زها بمحمد ومحمد بدر هدى وأضاء
هذه حضارتنا تظل على المدى وتخرج الأبطال والعظماء
كتب الإله لها الخلود فهل ترى للخير إلا رفعة وبقاء
الحق يضرب في الجذور جذوره والزيف يذهب ما أقام جفاء
فاصعد بلال وقف بأشرف موضع واصعد بلال وأيقظ الجهلاء
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا .
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: المؤثرين الإعلام الشواذ رسول الله ﷺ هذا الدین النبی ﷺ محمد ﷺ من أهل من کان
إقرأ أيضاً:
وصف البراق الذي صعد به النبي إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج؟ معجزات الرحلة المباركة
ما وصف البراق الذي صعد به النبي إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج؟ تتخلص أحداث رحلة الإسراء والمعراج في أنَّ النبي محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم- سار ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبًا البراق، وهو دابة يضع قدمه عند منتهى بصره، وقد كان معه جبريل عليه السلام، أو كان معهما ميكائيل عليهم السلام، فأخذ سمت الطريق إلى المدينة، ثم إلى مدين، ثم إلى طور سيناء حيث كلم الله موسى عليه السلام، ثم إلى بيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام، ثم انتهى إلى بيت المقدس، وقد جاء في روايات ضعيفة أنه نزل في كل موضع من هذه المواضع وصلى بإرشاد جبريل عليه السلام.
وقد أطلعه الله تعالى أثناء ذلك المسير على أعاجيب شتى من الحكم والحقائق التي ينتهي إليها ما يجري في عالم الظاهر من شؤون الخلق وأحوال العباد.
وكان يسأل جبريل عن مغازيها فيجيبه عنها، ولمَّا انتهى به السير إلى بيت المقدس دخله فجمع الله له حفلًا عظيمًا من عالم القدس من الأنبياء والمرسلين والملائكة، وأُقيمت الصلاةُ فصلَّى بهم إمامًا، وفي قول: أنَّ صلاته بهم كانت بعد رجوعه من السماء.
مدى سرعة البراقورد ذكر البراق في حديث الإسراء المشهور الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما.. وفي رواية مسلم: «ثم أُتِيت بدابة يقال لها البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا».
ونقل النووي في شرح مسلم إن البراق مشتق من البرق لسرعته، وقيل لبريقه وشدة صفائه وتلألئه.
ولم يحدد العلماء على سرعة البراق، لعدم وجود نص نبوي يحدد سرعته، والذي يتحصل من الأحاديث النبوية أن هذه الدابة البراق في غاية السرعة، يدل على ذلك قرائن منها: اشتقاق اسمها من البرق، ووصولهم إلى بيت المقدس في تلك الليلة ورجوعهم إلى مكة المكرمة.
أحداث رحلة المعراج
أمَّا ما يخصّ المعراج: فيتلخص في أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد صعد إلى السموات السبع واخترقها واحدة فواحدة، حتى بلغ السابعة، وفي كل واحدة يلتقي واحدًا أو اثنين من أعلام الأنبياء، فلقي في الأولي آدم عليه السلام، وفي الثانية يحيى وعيسى عليهما السلام، وفي الثالثة يوسف عليه السلام، وفي الرابعة إدريس عليه السلام، وفي الخامسة هارون عليه السلام، وفي السادسة موسى عليه السلام، وفي السابعة إبراهيم عليه السلام، حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها إلى مستوى سَمِع فيه صريفَ الأقلام تجري في ألواح الملائكة بمقادير الخلائق التي وكلوا بإنفاذها من شؤون الخلائق يستملونها من وحي الله تعالى، أو يستنسخونها من اللوح المحفوظ الذي هو نسخة العالم، وبرنامج الوجود الذي قدره الله سبحانه وتعالى.
ثم كلَّمه الله في فريضة الصلاة، وكانت في أول الأمر خمسين، فأشار عليه موسى عليه السلام بمراجعة ربه وسؤاله التخفيف، فما زال يتردد بينهما ويحط الله عنه منها حتى بلغت خمسًا، فأمضى أمر ربه ورضي وسلم.
الدليل من السنة النبوية الشريفة على الإسراء والمعراج
روى مسلم في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قال: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قال: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: َ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: 57]، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ».
دعاء ليلة الاسراء والمعراج.. مجرب ومستجابكيف تغتنم ليلة الإسراء والمعراج؟متى ليلة الإسراء والمعراج؟.. معلومات عن موسم الرجبية بالمسجد لنبويكيف تحيي ليلة الإسراء والمعراج؟.. 5 أمور ليجبر الله خاطركعلي جمعة: الإسراء والمعراج أثبت أن كل الأنبياء إخوة ولا اختلاف بينهم في أصول دينهمالإفتاء : يجوز صوم الإسراء والمعراج احتفالا بتلك المعجزة على رسول اللهلماذا حدثت رحلة الإسراء والمعراج ليلا ؟
قال الدكتور علي جمعة، مُفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إنه فيما ورد في السُنة النبوية الشريفة، أن هناك خمسة أسباب لجعل الله تعالى معجزة الإسراء والمعراج تحدث في الليل دون النهار.
وأوضح «جمعة» في فتوى له، أن أول الأسباب لجعلرحلة الإسراء والمعراج ليلا: أن الليل هو وقت الخلوة والاختصاص، وثانيها أنه وقت الصلاة التي كانت مفروضة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وثالثًا ليكون أبلغ في الإيمان بالغيب، وابعًا أن الليل محل الاجتماع بالأحباب، وخامسًا لإبطال قول الفلاسفة بربط الظلمة بالشر.
واستشهد بما ورد في «الإسراء والمعراج للسيوطي»، عن ابن المنير: إنما كان الإسراء ليلا لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفًا، ولأن وقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في قوله تعالى: «قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا» الآية 2 نت سورة المزمل، وليكون أبلغ للمؤمن في الايمان بالغيب وفتنة للكافر ولأن الليل محل الاجتماع بالأحباب.
ودلل بما قال ابن دحية: ولإبطال قول الفلاسفة: إن الظلمة من شأنها الاهانة والشر، وكيف يقولون ذلك مع أن الله تعالى أكرم أقواما في الليل بأنواع الكرامات كقوله في قصة ابراهيم: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ» الآية 76 من سورة الأنعام، وفي لوط: « فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ » الآية 81 من سورة هود.
وتابع: وفي موسى: « وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً» الآية 142 من سورة الأعراف، وناجاه ليلا وأمره بإخراج قومه ليلا في قوله: «فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ» الآية 23 من سورة الدخان، استجاب دعاء يعقوب فيه وهو المراد في قوله: « سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» الآية 98 من سورة يوسف.
نوه الشيخ عويضة عثمان، مدير إدارة الفتوى الشفوية بدار الإفتاء، بأن رحلة الإسراء والمعراج كانت ليلًا حتى تظل اختبارًا وفتنة، مشيرًا إلى أن كلمة «ليلًا» وردت بالآية الأولى من سورة "الإسراء" للتأكيد.
ولفت «عويضة»، في تصريح له، إلى أن رحلة الإسراء والمعراج كانت ليلًا، لاختبار قريش وإظهار صدق الصادقين، منوهًا بأنها لو قامت نهارا ورأوا البراق، لما كانوا ليؤمنوا، كما أن الليل هو محل القرب من الله سبحانه وتعالى فقال عنه: «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا».
وألمح مدير الفتوى، إلى أن الله تعالى إذا ما أراد أن يتجلى، تجلى على عباده ليلًا، الذين يرفعون له أيديهم ويقفون بين يديه، موضحًا أن الليل محل تعظيم من الله سبحانه وتعالى، ومحل القرب من الله ومحل التجلي للمولى على عبده، فدائمًا يلتقي الأحباب بالليل.
أفاد الدكتور الراحل محمد وهدان، الأستاذ بجامعة الأزهر، بأن الحكمة من جعل الله تعالى رحلة الإسراء والمعراج ليلًا، بأنها جبر لخاطر الليل لأنه خلقه مظلمًا، وجعل النهار مبصرًا، فشرف الليل برحلة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم - إلى سدرة المنتهى وبهذه المعجزة الربانية، مستدلًا بما ورد في كتاب «سُبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد -صلى الله عليه وسلم-» للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي: «وكان الإسراء والمعراج ليلًا، لأن ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول إن الله -عز وجل- قال في القرآن العظيم: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً» (سورة الإسراء: 12)، فلما محا الله تعالى آية الليل وجعل آية النهار مبصرة، انكسر الليل، فجبر الله -عز وجل- بخاطر الليل، فجعل فيه الإسراء والمعراج بسيدنا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم».