الشيخ كمال الخطيب يكتب .. المؤثّرون الحقيقيون
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
المؤثّرون الحقيقيون
الشيخ #كمال_الخطيب
لأننا في #زمن_الشقلبة، زمن #انقلاب_الموازين وانعكاس المفاهيم، زمن #الرويبضات ” #السفهاء يتكلمون في أمر العامة” زمن لكع بين لكع “التافه ابن التافه”، الزمن الذي أصبح الحليم فيه حيران، الزمن الذي أصبح فيه المعروف منكرًا والمنكر معروفًا.
وإن من أبرز مظاهر الشقلبة في هذا الزمان ارتفاع #صوت_الباطل وكثرة المروجين له ومحاولة تغييب #صوت_الحق وملاحقة ومحاربة من ينادون به، وليس أدل على ذلك مما سبق وتحدث عنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه لما قال: :سيأتي عليكم زمان من بعدي ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب”.
لقد صمّت آذاننا في هذا الزمان مصطلحات جوفاء لكن لها صدى وطنينًا مثل مصطلح “المؤثرون”، هؤلاء الذين صنعتهم وسائل الإعلام الحديثة عبر تقديم مواد ضحلة وركيكة وتافهة، وإذا ببريق هؤلاء يبلغ آفاقًا واسعة، ومن خلالهم يتم تمرير رسائل سياسية أو اجتماعية يريد البعض إيصالها إلى المجتمعات عبر ضخ أموال كثيرة في جيوب هؤلاء.
إنها قائمة #المؤثرين الذين صنعهم #الإعلام ومنابره، وإن منهم الرقاصة والمغنية ومن وصفوه بالفنان والنجم الذي يلبس الحلق في أذنيه، والمخنث، والمتحول جنسيًا ” #الشواذ ” وأشباه هؤلاء كثيرون ممن لمّعهم الإعلام وصنع منهم أسماء لها بريق ووضعوه في قائمة المؤثرين.
إن نجوم وسائل الإعلام هؤلاء مثل النجوم والكواكب التي تظهر في السماء ثم لا تلبث أن تنطفئ أو يبتلعها كوكب أكبر أو تبتلعها الثقوب السوداء. وهكذا هم المؤثرون الذين ظهروا وكان لهم بريق في ظل حالة تردي وانهيار المنظومة الأخلاقية والقيمية في المجتمعات وفي العالم. وستنطفئ أنوارهم المزيفة في بحر المجتمعات والبيوتات التي تنشأ على الفضيلة والقيم السليمة. وإن من واجبنا في هذا الزمان أن نعيد ضبط الموازين وتقويم الاعوجاج عبر إعادة التذكير بالنجوم الحقيقية بل الأقمار والشموس التي أضاءت ظلمة الدنيا وبددت عتمتها، ومن كانوا هم المؤثرين الحقيقيين الذين استطاعوا التأثير إلى حد إحداث انقلاب في مجتمعات بأكملها بل إحداث انقلاب في مسيرة التاريخ، وكان ذلك لأنهم استمدوا أنوارهم من نور محمد ﷺ {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ} آية 15 سورة المائدة. ومن أنوار القرآن الذي نزل على محمد ﷺ {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} آية 8 سورة التغابن. بل إنهم استمدوا تأثيرهم ونورهم من النور الله جل جلاله {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} آية 35 سورة النور. إنهم أصحاب رسول الله ﷺ.
وكيف لا نحبهم
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “من كان منكم متأسيًا فليتأس بأصحاب محمد ﷺ، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلّهم تكلفًا وأقومهم هديًا وأحسنهم رجالًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على آثارهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} آية 19 سورة التوبة، وكل صادق بعدهم يقتدي بهم وكل من اقتدى بهم يُحشر معهم”.
وكيف لا نحبهم وكيف لا نقتدي بهم وهم الذين امتدحهم الله تعالى لما اختارهم لصحبة نبيه ﷺ، وقد قال في ذلك: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} آية 100 سورة التوبة.
وكيف لا نحبهم رضي الله عنهم وهم الذين حملوا إلينا رسالة الإسلام وأوصلوها وبلّغوها إلى الدنيا كلها، فماتوا في البلاد التي ذهبوا إليها فاتحين يبلغون الناس دين رب العالمين وُدفنوا هناك. فتشرفت أرض فلسطين وبلاد الشام بأن ضم ثراها أجساد عبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي ريحانة الأنصاري وبلال بن رباح وخالد بن الوليد ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة عامر بن الجراح وآلاف غيرهم. وفي شمال إفريقيا مات ودُفن عقبة بن نافع. وفي تركيا دُفن أبو أيوب الأنصاري، وغيرهم كثيرون في بلاد ما وراء النهر وأدغال أفريقيا وصولًا إلى هضبة الصين، قال رسول الله ﷺ: “الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبهم أحبني، ومن أبغضهم فببغضهم أبغضني، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك الله أن يأخذه”.
وكيف لا نحبهم وهم جميعًا رضي الله عنهم من أهل الجنة، ومن أحب قومًا حُشر معهم. يقول ابن حزم: “الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعًا لقول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ} اية 10 سورة الحديد. ثم قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} آية 110 سورة الأنبياء”. فثبت أنهم جميعًا رضي الله عنهم من أهل الجنة.
وكيف لا نحبهم رضي الله عنهم وهم الذين وصفهم من كان أقرب الناس إليهم ومن كان أعرف بهم من أنفسهم ومن كان أحب إليهم من أنفسهم ومن أولادهم ومن الناس أجمعين، إنه رسول الله ﷺ الذي قال: “أرحم أمتي بها أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم عليّ، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة، وأبو هريرة وعاء العلم، وعند سلمان علم لا يدرك، وما أظلت الخضراء، وما أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر”.
#المؤثرون_الصادقون
بينما موسم حج يوشك أن ينتهي ليرجع العرب المشركون إلى قبائلهم وكان النبي ﷺ يعرض نفسه ودعوته على كل من يلقى، فكان أن رأى ستة من أهل يثرب يستعدون للرحيل بعد موسم الحج فجلس إليهم ﷺ كما يقول عاصم بن عمرو: “فقال لهم رسول الله ﷺ: من أنتم؟ قالوا؟ نفر من الخزرج. قال: أمن موالي اليهود، أي حلفاؤهم؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ فجلسوا فكلمهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن. فأجابوه وقبلوا وقالوا: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك، وسنعرض عليهم هذا الدين فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم”.
وفي موسم الحج التالي رجع الستة ومعهم ستة آخرون فكانوا اثني عشر رجلًا من الأوس والخزرج فأسلموا وبايعوا رسول الله ﷺ وأرسل معهم النبي ﷺ مصعب بن عمير رضي الله عنه يقرؤهم القرآن ويعلمهم الإسلام.
وخلال سنة واحدة وإذا بمصعب يعود إلى مكة ومعه ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان من الأنصار رضي الله عنهم وقد أسلموا وبايعوا النبي ﷺ، إنه مصعب بن عمير رضي الله عنه الشاب الصغير ابن الدلال والرفاهية الشاب الوسيم الجميل، كان لا يلبس إلا أجمل الثياب وأنعمها وأغلاها، وكان لا يتعطر إلا بأفضل العطور وأثمنها حتى أنه كان إذا مرّ بجانب قوم وشمّوا رائحة عطره قبل أن يروه قالوا: إن مصعبّا قادم إلينا، وإذا بمصعب هذا يكون مبعوث النبي ﷺ إلى يثرب ويكون مقره بيت “أسعد بن زرارة” رضي الله عنه، منه ينتقل إلى بيوت الأوس والخزرج يدعوهم إلى الإسلام.
إنه مصعب المؤثر والجذاب والمغناطيس الذي يأتيه سيد الأوس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ ليزجراه وينهياه أن يأتي دارهم، فلمّا رآهما أسعد بن زرارة قال لمصعب: “هذا سيد قومه فاصدق الله فيه” فوقف أسيد بن حضير ومعه حربته وراح يصرخ ويشتم، فقال له مصعب: “أوتجلس فتستمع فإن رضيت أمرًا قبلته وإن كرهته أكف عنك ما تكره”. فقال أسيد بن حضير: أنصفت فركز حربته جانبًا وجلس يسمع، فكلّمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فما هي إلا لحظات إلا وأسيد يتهلل وجهه بشرًا ويقول: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف يصنع من يدخل في دينكم؟ قال له مصعب: تغتسل وتطهّر ثيابك وتشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين. فقام واغتسل ورجع والماء يقطر من رأسه وشهد شهادة الحق وصلّى ركعتين فلما رجع إلى من كانوا ينتظرون عودته ولمّا رأوه قالوا: نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به”.
تبارك الله رب العالمين، كما أن الزارع لا يسيء الظن بأرضه الخصبة التي قامت كل الأدلة والقرائن على خصوبتها ولذلك فإنها ستؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وكذلك هي فطرة التوحيد التي فطر الله الناس عليها، فإنهم مهما حاولوا أن يفسدوها ويلوّثوها إلا أنها حتمًا ستظل تستجيب للخير إذا حركها مؤثرون صادقون.
يا خير من ربّت الأبطال بعثته ومن بنى يهمو للحق أركانا
خلفت جيلًا من الأبطال سيرتهم تضوع بين الورى روحًا وريحانا
كانت فتوحهمو برًا ومرحمة كانت سياستهم عدلًا وإحسانًا
اعطوا ضريبتهم صبرًا على محن صاغت بلالًا وعمارًا وسلمانا
لم يشربوا الدين أورادًا ومسبحة بل أشربوا الدين محرابًا وإيمانا
يا أحفاد بلال
ما أصدق قول القائل: لقد وجدنا وسمعنا أن الأمم يكون عندها عظيم بين كل مدة وأخرى، أما أن يخلف محمد ﷺ هذا الكم من العظماء فهذه ظاهرة فريدة وعطاء لم يعطِه الله إلا للمربي الكبير محمد ﷺ”.
إنهم أصحاب محمد ﷺ الذين تركوا بصماتهم في أصقاع الدنيا برًا ومرحمة وأخلاقًا وشجاعة. لقد رحلوا وتركوا هذا الرصيد العظيم، منه تستمد الأمة زادها وتعتز بانتسابها إليه ولا يتخلى عن هذا الرصيد إلا سفيه أو طائش {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} آية 83 سورة آل عمران.
وإذا كان أصحاب رسول الله ﷺ قد رحلوا وبقي لنا هذا الرصيد العظيم، فما على الذين ينتسبون لهذا الدين وما على الذين يتسمون باسم محمد ﷺ وأسماء أصحابه رضي الله عنهم، إلا أن يستمروا في حمل الراية، وأن يهتفوا بالعالمين يدعونهم الى هذا الدين العظيم.
فما أحوج أمتنا خاصة والبشرية عامة إلى حملة رسالة هذا الدين، بها يصححون الانحراف الخطير الذي طرأ على البشرية عقائديًا وفكريًا وأخلاقيًا. ما أحوج البشرية إلى مؤثرين صادقين تتفطر قلوبهم حرقة على الحال الذي وصل إليه المسلمون والناس أجمعون.
ما أحوج البشرية إلى اليد الحانية والقلب المتحرّق واللسان الصادق والنماذج والقدوات الحقيقية التي تصحح المسار وتنهي مسيرة الانحراف وزمن الشقلبة.
ما أحوج البشرية إلى أحفاد مصعب ولأحفاد بلال بل إلى أحفاد محمد ﷺ ليهتفوا في البشرية جمعاء بهتاف الأذان ونداء القرآن.
تاريخ أمتنا زها بمحمد ومحمد بدر هدى وأضاء
هذه حضارتنا تظل على المدى وتخرج الأبطال والعظماء
كتب الإله لها الخلود فهل ترى للخير إلا رفعة وبقاء
الحق يضرب في الجذور جذوره والزيف يذهب ما أقام جفاء
فاصعد بلال وقف بأشرف موضع واصعد بلال وأيقظ الجهلاء
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا .
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: المؤثرين الإعلام الشواذ رسول الله ﷺ هذا الدین النبی ﷺ محمد ﷺ من أهل من کان
إقرأ أيضاً:
الصرخةُ.. سلاحُ الوعيِ الذي أرعبَ الأساطيلَ
حينَ صرخَ الشهيد القائد السيدُ القائدُ حسين بدر الدين الحوثي ـ رضوانُ الله عليه ـ في وجهِ المستكبرين، لم تكنْ صرخةً عبثية، ولا شعارًا لحظيًّا، بل كانت استبصارًا قرآنيًّا عميقًا لطبائعِ الصراعِ، واستشرافًا استراتيجيًّا لمآلاتِ الهيمنةِ الأمريكية.
لم يكنْ مجردَ هتافٍ، بل إعلانُ تموضعٍ حضاريٍّ في معسكرِ المستضعفين، وبدايةُ مشروعٍ قرآنيٍّ متكاملٍ يواجهُ الهجمةَ العالميةَ بكلِّ أدواتِ المواجهةِ الممكنةِ: النفسيةِ، والعسكريةِ، والسياسيةِ، الاقتصاديةِ، والثقافيةِ.
الصرخةُ كفعلٍ عسكريٍّ ونفسيٍّ:
قال رضوان الله عليه: «دعوا الشعبَ يصرخْ في وجهِ الأمريكيين، وسترون أمريكا كيف ستتلطف لكم… هي الحكمة، ألسنا نقول: إن الإيمانَ يماني، والحكمةُ يمانية؟».
لقد وعى الإمامُ القائدُ طبيعةَ الصراعِ ومفاتيحَه النفسية والسياسية والعسكرية، فحوّل شعار
«الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام» إلى سلاحٍ نفسيٍّ ووجدانيٍّ وميدانيٍّ، غيّر موازينَ الوعي في الأمة.
لقد أثبتتِ التجربةُ أنَّ الحربَ اليومَ لم تَعُدْ حربَ ميادينَ فقط، بل هي حربُ عقولٍ وأعصابٍ وإرادات.
ولأنّ أمريكا وحلفاءَها يدركونَ أن الهيمنةَ تبدأُ من كسرِ العزائمِ وتطويعِ النفوسِ، كانت الصرخةُ ـ بما تحملهُ من شحنةِ وعيٍ وعقيدةٍ وثبات ـ حربًا معاكسةً تضربُ في العمقِ النفسيّ للعدو، وتفكّكُ بنيتَهُ الإعلاميةَ والمعنويةَ.
فمنذ أن رفعت الصرخةُ، لم تستطعِ الدعايةُ الأمريكيةُ أن تُقنعَ الشعوبَ بعدالةِ مشاريعها، ولا أن تصِمَ أنصارَ الله بالإرهاب، رغمَ سيلِ التهمِ والتضليلِ، لأنها أمامَ جدارِ شعارٍ نقيٍّ، لا يشوبهُ تطرّفٌ ولا يَقبلُ مساومة.
أن بُنيةِ الشعارِ ومفاعيلهِ العسكريةِ والنفسيةِ على ساحةِ الصراعِ الكونيِّ، أهان الاستكبار العالمي في فضح هشاشة القبة الحديدية.
الصرخةُ ومعادلةُ الردعِ البحرية:
في خضمِّ معركةِ الفتحِ الموعود، تحوّل الشعارُ من هتافٍ إلى تكتيك، ومن صوتٍ إلى صاروخ.
أغلقتِ الموانئُ، توقّفَ ممرُّ إيلات، وارتبكتْ حاملاتُ الطائرات، وسُحقتِ الهيبةُ الأمريكيةُ في البحرِ الأحمرِ وخليجِ عدن. ولأولِ مرةٍ في التاريخ، تقفُ البوارجُ الأمريكيةُ عاجزةً عن حمايةِ السفنِ الإسرائيليةِ، وتضطرُّ لمواجهةِ طائراتٍ مسيّرةٍ يمنيةٍ وصواريخَ باليستيةٍ ومجنحةٍ، بعضها فرطُ صوتيّ، انطلقتْ باسمِ الشعارِ، وبروحِ المشروعِ القرآنيّ.
الصرخةُ ومنظومةُ الدفاعِ الجوّي والمعركةُ النفسية:
معركة الثقافة والمصطلحات:
حينَ تحوّلتْ المعركةُ إلى السماءِ، وإسقاط 18 طائرة “إم كيو 9” أمريكي،22 طائرة أمريكية نوع (MQ-9 ) والأف-١٥ والأف-١٦، وسجّلَ أرقامًا غيرَ مسبوقةٍ في التصدي لطيرانِ العدوّ، كانت الصرخةُ هي الموجهَ الأخلاقيّ والعقائديّ للمقاتلِ اليمنيّ. هذا المقاتلُ لا يقاتلُ بدافعِ الأجرِ أو الثأرِ، بل بدافعِ الإيمانِ بالله، والبراءةِ من أمريكا، والولاءِ لمحورِ الحقّ. ومن هنا، فإنّ شعارَ الصرخةِ ـ كما أشار السيد القائد عبد الملك الحوثي، يحفظه الله، أنّ “الشعار” ليس مجرّد هتاف، بل سلاحٌ ثقافيٌّ وسياسيٌّ وعسكريٌّ في وجه قوى الاستكبار.
فهو يفضح الهيمنة الأمريكية، ويُعبّئ الأمة وعيًا ورفضًا للتبعية، ويُمهِّد لموقف عمليٍّ يُثمرُ في ميادين التصنيع العسكري والمواجهة.
ومن الشعار بدأت المسيرة، وبالشعار تستمر حتى تحرير القدس.
مكاسبُ الصرخةِ:
وضوحُ العدوِّ، وكشفُ العملاء، لقد كشفتِ الصرخةُ زيفَ الديمقراطيةِ الغربية، وأظهرتْ أنظمةَ التطبيعِ على حقيقتِها، وأسقطتِ الأقنعةَ عن وجوهِ التبعيةِ السياسيةِ والثقافيةِ والاقتصادية.
فضحتْ الحركاتِ التكفيريةَ التي تحرّكت في سورية وصمتتْ في فلسطين، وعرّتْ العقيدةَ القتاليةَ الغربيةَ التي لا تعرفُ الشرفَ ولا تعرفُ القدس وعندما نقضت أمريكا الفيتو في مجلس الأمن، طبقت الصرخة الفيتو في البحر الأحمر.
الصرخةُ والبراءةُ:
من شعائرِ الحجِّ إلى شعائرِ الجهاد من رميِ الجمراتِ في منى، إلى قصفِ السفنِ في بابِ المندب، تتجلّى الحكمةُ اليمانيةُ في أوضحِ صورِها. فالصرخةُ ليستْ إلا امتدادًا لشعيرةِ البراءةِ التي أُمرنا بها في التوبةِ:
(براءةٌ من اللهِ ورسولِه إلى الذين عاهدتم من المشركين).
وكما نرمي الجمراتِ إعلانًا للعداءِ مع إبليس، نرمي الصواريخَ والمسيراتِ براءةً من الشيطانِ الأكبر، لقد جاءَ هذا الشعارُ متّصلًا بشعائرِ الله، تمامًا كالرجمِ في مِنى، حيثُ يرمي الحجيجُ الشيطانَ رمزًا للبراءة والمواجهة، وهكذا هي الصرخة، رجمٌ للشيطانِ الأكبرِ أمريكا، وقطعٌ لعهدِ التبعية، وإعلانُ سخطٍ دائمٍ في وجهِ الطغيان.
إنها صلةٌ إيمانيةٌ باللهِ تجعلنا أقوياء، وتجعلُ عدوَّ اللهِ ضعيفًا ومرتبكًا أمام ثباتنا.
الصرخةُ والقضيةُ المركزية:
حينَ ارتبطَ الشعارُ بفلسطين، دوَّى في أصقاع الكوكب لتصبح صرخة عالمية.
عندما ارتبطتِ الصرخةُ، شعارُ المشروعِ القرآني، بالقضيةِ المركزيةِ للأمةِ ـ فلسطين ـ تحوّلتْ من مجرّدِ شعارٍ يمنيٍّ إلى صرخةٍ أمميةٍ تتردّدُ في مساجدِ طهران، وساحاتِ بغداد، وجبالِ لبنان، وأزقةِ غزّة، ومدنِ الجنوبِ الأفريقي، وبلدانِ أميركا اللاتينية.
لقد أصبحتِ الصرخةُ رايةً تحتمي بها قلوبُ المحرومينَ، ويتسلّحُ بها كلُّ مستضعفٍ في وجهِ الطغاةِ والمحتلين.
فحيثُ وُجِدَ الظلمُ، يجبُ أن تُرفَعَ الصرخة، وحيثُ وُجِدَ الاستكبارُ، لا بدّ أن يُسمَعَ صوتُ البراءةِ في وجهِه.
وهكذا، لم تعُد الصرخةُ ملكًا لجغرافيا محددة، بل صارتِ الميثاقَ الثوريَّ للأحرار، والدستورَ الأخلاقيَّ للمقاومين، والبوصلةَ التي تُشيرُ دومًا إلى القدسِ، مهما حاولَ المطبّعونَ تشويهَ الطريق.