“لم يقل أحد أن عربا اختطفوا الطائرة”.. هجمات 11 سبتمبر ونظرية المؤامرة والروايات البديلة
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
الولايات المتحدة – على الرغم من أن هجمات 11 سبتمبر، صور بعضها من عدة زوايا وبثت مشاهدها القنوات التلفزيونية، إلا أن الأمر الغريب أن ملايين لا تزال تعتقد أن الأمر ليس كما ظهر.
صبيحة 11 سبتمبر 2001، قامت أربع مجموعات من الإرهابيين باختطاف أربع طائرات كانت تنفذ رحلات مقررة. اثنتان اصطدمتا ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وثالثة استهدفت مبنى البنتاغون، والرابعة سقطت في ولاية بنسلفانيا.
هذه الهجمات هزت العالم وصدمت الجميع وتسببت في أحداث دموية قلبت الأوضاع في أكثر من بلد. أصبح تاريخ 11 سبتمبر 2001 مرادفا للرعب والانتقام الأعمى.
ردة الفعل الأمريكية العنيفة والهوجاء بغزو أفغانستان واحتلاله لمدة عشرين عاما، وغزو واحتلال العراق، ولم يكن له أي علاقة بتلك الهجمات، ربما أسهمت في ظهور عدد كبير من روايات “المؤامرة” التي يرفض أصحابها وبعضهم من الخبراء والمتخصصين، الرواية الرسمية الأمريكية ولا يصدقون أنها جرت على ذلك النحو.
استطلاع كانت أجرته أنجوس ريد للرأي العام في عام 2010، أظهر أن 15 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن البرجين التوأمين دمرا وتهاويا سريعا بفعل عبوات ناسفة وليس نتيجة لاصطدام طائرتين كبيرتين.
هذه الرواية وهي الأكثر تداولا، يؤكد أصحابها أن انهيار برجي مركز التجارة العالمي لم يحدث بسبب حريق أو اضرار ناجمة عن اصطدام الطائرات بالمبنيين الشاهقين، ولكن بسبب تفجير عبوات ناسفة شديدة كانت مزروعة في المبنى مسبقا.
يجادل عدد من أنصار هذه الرواية ومنهم الفيزيائي ستيفن جونز من جامعة بريغهام يونغ، والمهندس المعماري ريتشارد غيج، ومهندس البرمجيات جيم هوفمان، وعالم اللاهوت ديفيد راي جريفين، بأن الاصطدام بطائرتين والحريق الناجم عن الاصطدام لا يمكن أن يضعف هيكل المبنى إلى درجة انهياره بشكل تام وبتلك السرعة، من دون عامل إضافي يُضعف الهيكل.
اتجاه آخر بين أصحاب نظرية المؤامرة يعتقد أن هجمات 11 سبتمبر الإرهابية جرى التخطيط لها من قبل إدارة الرئيس جورج بوش الابن من أجل تبرير العمليات العسكرية في أفغانستان وغزو العراق، وأيضا بهدف كسب دعم شعبي لـ”عسكرة” الولايات المتحدة.
أصحاب هذه الرواية البديلة يشيرون على أن الولايات المتحدة قبل هذه الهجمات كانت تفاوضت على بناء خط أنابيب غاز كبير يمتد من تركمانستان عبر أفغانستان إلى ميناء جوادر الواقع في مقاطعة بالوشيستان في باكستان على ساحل بحر العرب.
المفاوضات انتهت بالفشل، وربما تكون حركة طالبان حينها قد أدركت، بحسب هؤلاء، أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن يخطط للإطاحة بها واحتلال أفغانستان، فما كان من طريقة أفضل من حجة مثل تلك الهجمات الإرهابية.
هذه الرواية يسندها أصحابها بالقول إن الاقتصاد الأمريكي كان في حالة ركود بداية عام 2001، وكانت شعبية الرئيس بوش متواضعة للغاية، وما من مخرج للولايات المتحدة إلا حرب جديدة تنتشلها من أزمتها الاقتصادية، ومن الأفضل أن تكون في منطقة يوجد بها الكثير من النفط وأن تجري بسرعة.
المؤمنون بهذه المؤامرة يذكرون أن نسبة تأييد الأمريكيين للرئيس بوش بحسب نتائج استطلاعات الرأي بعد عشرة أيام من هجمات 11 سبتمبر قفزت إلى 90 بالمئة، ما يعني الحصول على تفويض تام لتمرير أية قوانين ولشن أي حرب.
رواية أخرى خيالية ترى أن الطائرات التي استخدمت في هجمات 11 سبتمبر كان يتم التحكم بها عن بعد، ولم تكن تحمل مسافرين وإرهابيين انتحاريين، وأن السلطات الأمريكية قامت بتنفيذ هذه العملية وتدمير البرجين التوأمين باستخدام طائرات غلوبال هوك العسكرية التي تشبه أجنحتها طائرات بوينغ 737.
عدد من أصحاب النظريات البديلة لما حدث يوم 11 سبتمبر 2001، يرون أن مبنى وزارة الدفاع الأمريكي الخماسي لم تصطدم به طائرة مدنية ضخمة بل استهدف بصاروخ أطلقته طائرة مقاتلة. هؤلاء يزعمون أن الصور التي التقطت في الدقائق الأولى للهجوم على البنتاغون لم تظهر بها أية أجزاء من حطام طائرة الركاب.
الروايات البديلة عن الموقف الرسمي تظهر دائما بعد الأحداث الكبرى. هذه الظاهرة حول هجمات 11 سبتمبر الإرهابية زادت مع الزمن على الرغم من وجود أدلة تنقضها تماما.
مثال ذلك رواية يعتقد أصحابها أن المكالمات الهاتفية المسجلة لركاب الطائرات الأربع المنكوبة مع ذويهم وأصحابهم لم يقل أي من المتصلين أن “عربا اختطفوا الطائرة”. المتصلون من الركاب تحدثوا عن إرهابيين ولم يذكروا هويتهم.
يستند أنصار هذه الرواية على ذلك في تعزيز شكوكهم في أن تنظيم القاعدة الإرهابي هو من كان يقف وراء تلك الهجمات الدموية التي غيرت وجه العالم، وصبغت تاريخ بلدين إلى الأبد بالدم.
المصدر:RT
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: هجمات 11 سبتمبر هذه الروایة
إقرأ أيضاً:
خصوبة الشر.. سرد 60 عاما من الذاكرة الجزائرية بأسلوب الرواية السوداء
يُعد "عمارة لخوص" كاتبا مقيما في الترحال والمنفى الاختياري، يحلق بأكثر من جناح في سماء الإبداع، وينهل من ثقافات متنوعة، ويكتب بأكثر من لغة، مما منح رواياته وأسلوبه ثراء خاصا، وفتح أمامه آفاقا إبداعية جديدة، وجعله "يفكر خارج الصندوق"، لذلك فهو يعتبر أن "الهوية ليست قالبا ثابتا، بل حالة ديناميكية تتغير وتتوسع مع التجارب والاحتكاك بالثقافات المختلفة".
ولعل انفتاح تجربته الإبداعية الأدبية واحتكاكه بثقافات مختلفة، هي التي صبغت شخصيات رواياته بالنزعة الإنسانية مهما كان اللسان الذي تنطق به، وحملت بذرة النجاح واللهفة التي استقبلت بها أعماله في شتى اللغات التي ترجمت لها، تأصيلا لمفهوم الإبداع والهوية التي لا يعتبرها "سجنا وقدرا محتوما مكتملا"، بل "أفقا مفتوحا، كلما وسعناه، ازداد فهمنا لأنفسنا وللآخرين".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فلسطين ذاكرة المقاومات.. محمد بنيس يقدم شهادة ثقافية إبداعيةlist 2 of 2"تهويد الأندلس".. تزوير التاريخ العريق لأغراض أيديولوجية حديثةend of listولأننا "لا نسكن إلا الأماكن التي نغادرها" كما يقول الشاعر الفرنسي "رونيه شار"، فقد كانت المسافة التي فرضتها الهجرة على لخوص "فرصة ثمينة لفهم أعمق للجزائر وللجزائريين"، لأن الابتعاد عن الجزائر ورؤيتها من الخارج جعله يرى تفاصيل لم يكن يلتقطها من قبل، كأنه يقف أمام المرآة لأول مرة، فيرى بوضوح ما كان غائبا عن ناظريه.
إعلانوتعتبر روايته "طير الليل"، التي صدرت ترجمتها الفرنسية عن دار "أكت سود" في ديسمبر/كانون الأول الماضي تحت عنوان "خصوبة الشر"، ترجمة واضحة لهذه المناخات الإنسانية والاشتغال على ذاكرة المكان ومسبار الذاكرة، التي يتحرك فيها المنجز الإبداعي لعمارة لخوص.
حيث قدم فيها "سردية تمتد على 60 عاما من تاريخ الجزائر"، وطرح "من خلالها أسئلة جوهرية حول الفشل: لماذا أخفقت تجربة الاستقلال؟ كيف يمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقا؟ كيف نعيد ربط الجزائر بقيم ثورتها العظيمة؟ وكيف نتجنب النكسات التي أعقبت الاستقلال؟".
ولكن عكس رواياته، التي كتبها بالإيطالية واستعمل فيها كشكل فني الكوميديا الممزوجة بالدراما، ألبس لخوص روايته "خصوبة الشر" معطف الرواية الإجرامية، أو ما يعرف بـ"الرواية السوداء" (Noir)، لأنها "الأنسب لفهم الواقع الجزائري"، مثلما قال في هذا الحوار.
وحققت الرواية نجاحا بارزا حين صدرت باللغة العربية، ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" لعام 2021.
وعمارة لخوص روائي جزائري ولد عام 1970، يكتب بالعربية والإيطالية، تخرج من معهد الفلسفة بجامعة الجزائر، أقام في إيطاليا 18 عاما، وحصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة روما.
وهو يقيم في نيويورك منذ 2014، وصدر له "البق والقرصان"، و"كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك؟" التي ترجمت إلى 8 لغات وتحولت إلى فيلم سينمائي عام 2010 من إخراج "إيزوتا توزو"، كما حازت الرواية على جائزة "فلايانو" الأدبية الدولية وجائزة "راكلماري- ليوناردو شاشه" عام 2006، إضافة إلى جائزة المكتبيين الجزائريين عام 2008.
كما صدر له "القاهرة الصغيرة"، و"فتنة الخنزير الصغير في سان سالفاريو"، و"مزحة العذراء الصغيرة في شارع أورميا"، و"قرصان صغير جدا" و"طلاق على الطريقة الإسلامية في حي ماركوني"، وترجمت رواياته إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والهولندية واليابانية.
إعلانفي هذا الحوار الخاص بالجزيرة نت تحدث لخوص حول الترجمة الفرنسية لروايته "خصوبة الشر" وحيثيات كتابتها، وعلاقة شخصياتها ومناخاتها بالحراك الشعبي في الجزائر عام 2019، كما انفتح على علاقته وتأثره الكبير بالسينما، وناقش كيف مثلت الإبادة الجماعية في غزة اختبارا أخلاقيا حاسما للدول والنخب الغربية، بالإضافة إلى عدة قضايا أخرى أدبية ثقافية تهم الراهن العربي والعالمي، فإلى الحوار:
قررت تغيير العنوان من "طير الليل" إلى "خصوبة الشر" بعد العمل مع 3 مترجمين: فرانشيسكو ليجو (الإيطالية)، ألكسندر ألينسن (الإنجليزية)، ولطفي نيا (الفرنسية). ووجدت أن "طير الليل" لا ينقل المعنى المقصود في هذه اللغات، إلى جانب مشكلة إضافية تمثلت في وجود فيلم إنجليزي يحمل الاسم نفسه. حينها، تذكرت العنوان الأول الذي اخترته للرواية، "خصوبة الشر"، والذي رافقني طويلا قبل أن أستبدله لاحقا بـ"طير الليل".
خلال عملية الترجمة المشتركة مع المترجمين الثلاثة، لم يقتصر الأمر على تغيير العنوان، بل أجريتُ أيضا تعديلات جوهرية على النص الأصلي، شملت تحسين الحبكة، حذف التكرار، وإضافة مقاطع جديدة تسهل على القارئ فهم الرواية بشكل أعمق.
تنتمي روايتك "خصوبة الشر" إلى رواية الجريمة السوداء والنوع البوليسي، فهل موضوع الرواية هو الذي فرض هذا الشكل الفني السردي أم العكس هو الصحيح؟عندما أنظر إلى رواياتي المنشورة، أجد أن المضمون هو الذي فرض الشكل دائما. على سبيل المثال، في الروايات الأربع التي كتبتها عن إيطاليا وتتناول موضوع الهجرة، كتبتُ الروايتين الأولى والثانية بالعربية والإيطالية، بينما كتبت الثالثة والرابعة بالإيطالية فقط. كان الموضوع هو العامل الحاسم في اختيار الشكل.
إعلانوفي هذه الروايات، تبنيت الكوميديا على الطريقة الإيطالية، كوميديا ممزوجة بالدراما، حيث تجد نفسك تضحك وتبكي في آن واحد. أدركتُ أنه من المستحيل فهم الواقع الإيطالي من منظور عقلاني صرف، لذلك لجأت إلى الكوميديا.
لقد استلهمتُ هذا الشكل من السينما الإيطالية، التي تأثرتُ بها كثيرا منذ سن المراهقة. ولكن عندما قررتُ الكتابة عن الجزائر، راودتني فكرة استخدام الكوميديا الإيطالية، بيد أنني، بعد سنوات من التفكير والتجريب، وجدت أن الرواية الإجرامية، أو ما يعرف بـ"الرواية السوداء" (Noir)، هي الأنسب لفهم الواقع الجزائري.
أعتقد أن السبب الرئيسي لغياب الرواية الإجرامية، أو حتى الرواية البوليسية، في العالم العربي يرتبط بمحدودية حرية التعبير. ففي الدول الديكتاتورية، لا يُسمح للكتّاب بالحديث عن الجرائم، لأن النظام يعتبر نفسه الضامن الوحيد للنظام العام، ولا يعترف بوجود مشكلات صغيرة وما بالك بالجرائم.
رواية "طير الليل"، التي حملت لاحقا عنوان "خصوبة الشر"، تروي قصة الجزائر على مدار 60 عاما، ابتداء من عام 1958، أي في السنوات الأخيرة من حرب التحرير، وحتى عام 2018.
وتدور الرواية حول 4 شخصيات، جميعهم مجاهدون لا يتجاوز عمرهم العشرين عاما عند بداية الرواية، يناضلون من أجل تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي. أرافقهم عبر هذه العقود الستة، ليس وفق تسلسل زمني صارم، بل من خلال محطات أساسية في تاريخ الجزائر، مثل استقلال البلاد عام 1962، والانقلاب العسكري عام 1965، وغيرها من الأحداث المفصلية.
إعلانوفي كل محطة، أتابع تحولات الشخصيات، وأستعرض كيف تغيرت حياتهم ومواقفهم مع مرور الوقت.
والفكرة الأساسية التي بنيت عليها الرواية هي خيبة أمل عميقة، لا يشعر بها الجزائريون فقط، بل كل من أحب الجزائر وآمن بثورتها العظيمة. فالشعب الجزائري، الذي صنع ثورة حقيقية ضد مستعمر غاشم، لم ينجح، للأسف، في بناء دولة وطنية تليق بتضحياته.
كما يقول أحد أبطال الرواية: "حررنا البلاد، ولكننا لم نحرر العباد". بمعنى أن الجزائر تحررت من المستعمر الفرنسي، لكنها لم تحرر شعبها، إذ انتقلت من الاستعمار الفرنسي إلى حكم الأنظمة الشمولية التي تعاقبت على السلطة. فالاستعمار تغير شكله، لكنه لم ينته، فبعد طرد المستعمر الفرنسي، جاء مستعمرون من بني جلدتنا، فرضوا هيمنتهم وسلبوا حرية الجزائريين.
هناك فكرة أساسية آمنتُ بها منذ أن بدأتُ الكتابة، وهي أن الكاتب الجيد شاهد على الواقع، لا واعظ يمنح الدروس أو يلقّن المواعظ للناس. وأعتبر نفسي كاتبا شاهدا، لأنني جزائري، وُلدتُ في الجزائر، وعشتُ فيها ربع قرن قبل أن أهاجر. لكن حتى بعد هجرتي، لم أنقطع عنها، بل ظللت أتابعها بالقراءة، والملاحظة، والتفكير.
في الواقع، البعد الجغرافي ساعدني كثيرا في فهم الجزائر بشكل أعمق. أحيانا، لا نستطيع إدراك بعض الحقائق إلا حين نبتعد عنها، ننظر إليها من زاوية مختلفة، من الخارج. هذه المسافة، إلى جانب الأدوات العلمية التي اكتسبتها، ومعايشتي في بلدان مختلفة، منحتني منظورا أوسع وأعمق لفهم الأحداث في الجزائر.
إعلانوهذا ما حدث معي بالفعل. بعد سنوات من القراءة والبحث في الأرشيف، والحديث مع الناس، حاولتُ تقديم سردية تمتد على 60 عاما من تاريخ الجزائر. من خلالها، طرحت أسئلة جوهرية حول الفشل: لماذا أخفقت تجربة الاستقلال؟ كيف يمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقا؟ كيف نعيد ربط الجزائر بقيم ثورتها العظيمة؟ وكيف نتجنب النكسات التي أعقبت الاستقلال؟
لقد سعيت، من خلال هذه الرواية، ليس فقط إلى استعادة ذاكرة الجزائر، بل أيضا إلى استشراف مستقبلها، عبر تسليط الضوء على مكامن الضعف، وفهم أسباب الإخفاق، في محاولة لاستنهاض قيم الثورة الحقيقية، والبحث عن أفق جديد لجزائر حرة وعادلة.
يحضر المكان في رواية "خصوبة الشر" مكثفا يمتح من الذاكرة ويلاعب الخيال، ويتحول في كثير من الفصول شخصية بحد ذاتها، فأي دور يلعبه في بناء والشخصيات والتوتر الدرامي وتعزيز الموضوعات المركزية في الرواية؟غالبا ما أقول إنني، ككاتب، متأثر بالسينما أكثر من الأدب. فلا بد من مكان تضع فيه الكاميرا، ولا شك أن المكان يشكل عنصرا أساسيا في كل رواياتي. وفي الروايات الأربع التي كتبتها بالإيطالية، وبعضها بالعربية أيضا، والتي تدور أحداثها في إيطاليا، كان المكان حاضرا دائما في العنوان، سواء كان اسم حي أو شارع. فأنا أعتبر المكان شخصية أساسية في الرواية، ليس مجرد خلفية للأحداث، بل عنصر فاعل يساهم في تشكيل السرد.
الهوية كما فهمتها من تجربتي الشخصية، ليست قالبا ثابتا، بل حالة ديناميكية تتغير وتتوسع مع التجارب والاحتكاك بالثقافات المختلفة، مما فتح أمامي آفاقا جديدة في الكتابة والرؤى، وجعلني أفكر خارج الصندوق.
إعلانأنا أرى الهوية كمشروع مفتوح، يمكنك إثراءه، وتحسينه، وتعديله. إذا وُلدت بلغة معينة، يمكنك تعلم لغات أخرى، فتوسع هويتك. وبالنسبة إلى الدين، لا يعني ذلك بالضرورة أن تغير معتقداتك، بل أن تفهم دينك بعمق، وتتعرف على ديانات الآخرين أيضا.
والنزعة الإنسانية هنا ضرورية. إذا آمنا بالهوية الإنسانية أولا، ثم تعمقنا في التفاصيل، يمكننا التفاعل إيجابيا مع الآخرين عبر الحوار والفهم المتبادل. ومن خلال هذا التفاعل، نطور هويتنا، نحسنها، ونغنيها.
ولا توجد هوية مكتملة، فكل الهويات ناقصة ولها عيوبها، وهي ليست سجنا، بل أفق مفتوح، كلما وسعناه، ازداد فهمنا لأنفسنا وللآخرين.
كيف عشت الحراك الثوري الطامح للتغيير الذي حدث في الجزائر سنة 2019؟كنت محظوظا أنني عايشت الحراك الشعبي في الجزائر عام 2019. قبل ذلك، كنت أراقب وألاحظ تصاعد الرفض الشعبي للعهدة الخامسة. وأعتقد أن أهم إنجاز للحراك كان كسر الفكرة القائلة إن الجزائري عنيف بطبعه، وأن التغيير لا يأتي إلا بالعنف.
للأسف، ترسخت هذه الفكرة منذ الاستعمار الفرنسي، حين اضطر الجزائريون إلى مقاومة المحتل بالسلاح لتحرير وطنهم، وكان ذلك العنف مشروعا إلى حد كبير. لكن المشكلة أن هذه الفكرة استمرت حتى بعد الاستقلال، وأصبحت جزءا من التصور العام للتغيير السياسي.
وجاء الحراك الشعبي في 2019 ليكسر هذا التصور، مؤكدا إمكانية التغيير بوسائل سلمية. وخلال المسيرات الشعبية، التي شاركت فيها جميع أطياف المجتمع (نساء- رجالا- أطفالا) سقط حكم بوتفليقة الفاسد، الذي دام 20 عاما. كانت مسيرات الجمعة دروسا حية في الكفاح السلمي.
والآن، هل نجح الحراك أم لم ينجح؟ أعتقد أنه حقق نجاحا في إيقاف العهدة الخامسة، وكشف مشروع الفساد المرتبط بها، ووضع السلطة الحاكمة أمام حقيقة لا يمكن إنكارها: استمرار الأسباب نفسها سيؤدي حتما إلى النتائج ذاتها.
إعلانأتمنى بصدق أن تكون السلطة قد استوعبت درس 2019، وأن تسعى لتجنب أخطاء الماضي، حفاظا على مستقبل الجزائر.
حققت رواياتك، التي كتبتها باللغة الإيطالية، نجاحا باهرا لدى القارئ الإيطالي وصدرت في كثير من الطبعات وترجمت إلى أغلب اللغات العالمية، وتحصلت على جوائز عديدة، فكيف تعيش وتستبطن علاقتك باللغة والثقافة الإيطالية؟انفتاحي على الثقافة الإيطالية والكتابة بالإيطالية ينبع من رؤيتي للهوية كمشروع مفتوح، لا كحالة مغلقة. فالكاتب المبدع، المؤمن بقدرته على التجدد، يستطيع أن ينفتح على الثقافات واللغات الأخرى ويغتني بها.
والكتابة بالإيطالية كانت تجربة رائعة وممتعة، لأنها سمحت لي بأن أكون "مهربا لغويا" أنقل الصور، والأمثال، والتعابير بين العربية والإيطالية، مما خلق لي أسلوبا خاصا في كلتا اللغتين، وأثرى تجربتي الكتابية بعمق.
والكتابة بالإيطالية لم تكن مجرد نافذة، بل بابا واسعا فتح أمامي آفاقا نحو لغات أخرى. وترجمت أعمالي إلى 9 لغات، معظمها انطلاقا من النسخة الإيطالية، خاصة إلى الإنجليزية، مما فتح لي فرصا غير متوقعة. لولا هذه الترجمات، لما سنحت لي فرصة العمل في إحدى أرقى الجامعات الأميركية، حيث أُدرس حاليا في جامعة يايل، واحدة من أفضل 10 جامعات عالميا، وأفضل 6 جامعات في الولايات المتحدة، ضمن قسم الدراسات الإيطالية.
يقول الكاتب الليبي إبراهيم الكوني "لا أكتب كي أستمتع، ولكني أكتب كي أتحرر"، كيف تعيش الكتابة وكيف تعرفها وتفهمها؟أشاطر رأي أستاذنا الكبير إبراهيم الكوني: الكتابة هي الحرية، خصوصا عندما تحررنا من الجهل. وإذا كان لا بد من تحديد الدافع الرئيسي وراء الكتابة بالنسبة لي، فهو الرغبة في المعرفة، والسعي للإجابة عن أسئلة حارقة تؤرقني.
فالكتابة محاولة مستمرة لإيجاد إجابات أكثر اتساقا مع الزمن الذي نعيشه، وإعادة التفكير فيما نعتبره مسلمات، وفتح أبواب لمعانٍ بديلة تساعدنا على رؤية العالم من منظور مختلف.
إنها ليست مجرد بحث عن الحقيقة، بل أيضا فعل مقاومة ضد الجمود الفكري، وسعي دائم لتجديد الفهم والوعي.
إعلان كيف تفسر وتنظر إلى ازدواجية المعايير الغربية والتناقض بين الخطاب والممارسة، تجاه الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة؟شكلت الإبادة الجماعية في غزة اختبارا أخلاقيا حاسما للعديد من الدول والنخب الغربية التي طالما تباهت بديمقراطيتها واحترامها لحقوق الإنسان، مدعية تفوقها الأخلاقي على غيرها. وفي هذا الامتحان، مثلا، كان سقوط إدارة بايدن والحكومة الألمانية مدويا، إذ أنكرت ما لا يمكن إنكاره، متجاهلة جرائم الحرب الموثقة والإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون. في المقابل، قدمت دول أخرى درسا أخلاقيا رفيعا، كما فعلت جنوب أفريقيا عندما رفعت شكواها المشهورة ضد إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية.
وكما قال محمود درويش: "سقط القناع عن القناع" بل في الواقع، سقطت الأقنعة كلها، مما تسبب في فضائح مجلجلة تهز الضمائر. لكن في الوقت ذاته، هناك أصوات مشرقة وسط هذا الظلام. لدي أصدقاء يهود أميركيون أبدوا مواقف نبيلة، مثل الناشرة جوديت غورفيش (Judith Gurewich)، التي نشرت ودافعت بشجاعة عن كتاب "حكاية جدار" للأسير الفلسطيني ناصر أبو سرور، متحملة حملات تشهير شرسة.
ومن خلال عملي كأستاذ في جامعة يايل، ألاحظ نضجا متزايدا لدى الشباب الأميركيين، وحسا واضحا بالعدالة، وهو ما قد يثمر مستقبلا عن مواقف ورؤى أكثر دعما لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة، بعيدا عن الإبادة والتهجير.
يجيب المفكر الأميركي نعوم تشومسكي عن سؤال: ما مهمة المثقف؟.. "أن يقول الصدق ويفضح الأكاذيب"، فكيف ترى دور المثقف العربي وما أهم التحديات الإبستمولوجية التي تطرح عليه اليوم؟المثقف جزء لا يتجزأ من المجتمع، ودوره مركب ومعقد، إذ يجمع بين بعدين أساسيين: جانب أخلاقي يتمثل في الانحياز إلى الحق والحقيقة وحقوق الناس، وجانب معرفي يتطلب منه الإلمام العميق بالواقع ومواكبة الأحداث بفكر نقدي.
إعلاندور المثقف يتجاوز امتلاك المعرفة إلى تحويل هذا الوعي إلى موقف. وليس مجرد موقف فكري، بل موقف أخلاقي يستند إلى القيم الإنسانية والضمير الحي. المثقف الحقيقي هو من يجمع بين المعرفة والشجاعة الأخلاقية، ليقف حيث يجب أن يكون، لا حيث يكون آمنا.
الربيع العربي كان محطة مفصلية، وامتحانا حقيقيا للمثقفين. هناك من نجح في الحفاظ على استقلاليته وانحيازه لقيم الحرية والعدالة، وهناك من أخفق، إما بالصمت أو بالتواطؤ مع السلطة القمعية.