لغز داعش المدفون تحت ركام المدينة الشهيدة
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
آخر تحديث: 11 شتنبر 2024 - 10:18 صبقلم:فاروق يوسف هل من مصلحة النظام السياسي في العراق الكشف عن كل أسرار التنظيم الإرهابي “داعش”؟،سؤال غريب فعلا. ذلك لأن العراق هو من أكثر الدول التي تضررت بظهور ذلك التنظيم المتشدد الذي يرفع الراية السوداء في غزواته.ربما لهذا السبب يشعر النظام السياسي في العراق بالحرج.
فبالرغم ممّا حدث من خراب سببه احتلال الموصل ومناطق غرب العراق وبالرغم من أن مسؤولية ما حدث تقع على عاتق النظام فإن ذلك النظام لا يزال مستمرا. الأغرب من ذلك أن الرجل الذي أعطى أوامر الانسحاب التي كانت السبب في هزيمة القوات المسلحة العراقية في معركة لم تحدث وهو نوري المالكي لا يزال موجودا في صدارة المشهد السياسي العراقي باعتباره عرّابا للعملية السياسية، بيده الحل والربط وهو الذي في إمكانه أن يسمح أو لا يسمح للحكومة ورئيسها بالعمل. يُفهم لماذا يشعر النظام السياسي بالقلق والإحراج لما يمكن أن يؤدي إليه التنقيب في خفايا التنظيم من مفاجآت قد تكون عبارة عن فضيحة من العيار الثقيل.ولكن نظام المحاصصة الطائفية لا يخشى أن تضاف فضيحة جديدة إلى سجله الغاص بالفضائح. غير أن فضائح الفساد شيء وفضيحة تمهيد الطريق أمام داعش لتدمير جزء بعينه من العراق لأسباب طائفية شيء آخر. فريق التحقيق الأممي في جرائم داعش أنهى عمله بناء على طلب الحكومة العراقية.سبق للعراق أن نفذ أحكام الإعدام بالآلاف من الشباب ممَن اتهموا بالانتماء إلى التنظيم الإرهابي. هناك عشرات الآلاف ينتظرون في السجون تنفيذ أحكام الإعدام بهم. لم تثبت التهمة ضدهم إلا بناء على تقارير ما يُسمّى بالمخبر السري. كما أن هناك قانون 4 إرهاب الذي يُتيح الاعتقال بناء على الشبهات. ماذا يحدث لو طلبت اللجنة الأممية إعادة التحقيق مع المعتقلين وقراءة ملفات الذين أعدموا؟ كان ظهور داعش على الأراضي العراقية عام 2014 ومن ثم اندحاره عام 2017 مناسبة لتحقيق هدفين طائفيين. الأول يكمن في تدمير المدن ذات الأغلبية السنية سواء على أيدي مجرمي داعش أو على أيدي مقاتلي القوات المحرّرة، رسمية كانت أو شبه رسمية كما تُوصف ميليشيات الحشد الشعبي. الهدف الثاني يتعلق بالسماح باعتقال أكبر عدد ممكن من نساء وشباب تلك المدن بتهمة تقديم الدعم للتنظيم المدحور ونصرته والتغطية عليه وإمداده بسبل الحياة. وبالنتيجة فقد تحقق الهدفان تحت نظر القوات الأميركية التي لولاها لما تم تحرير الموصل والمدن الأخرى بالرغم من أن تلك القوات كانت قد تعمدت تأخير تدخلها إلى أن يتمكن التنظيم الإرهابي من إنجاز كامل أهدافه في التدمير وبالأخص في ما يتعلق بالآثار القديمة التي هي من نفائس الحضارة البشرية. لقد تواطأت أطراف كثيرة من أجل نجاح داعش في تنفيذ خطته، وليست سوريا وإيران بريئتين من المساهمة في ذلك المخطط الجهنمي. ولو تفحصنا جيدا شبكة المتآمرين الذين دعّموا داعش لاكتشفنا أن نوري المالكي هو آخر المتآمرين وقد كان مظلوما حين أدانه تقرير اللجنة التي شكلها مجلس النواب العراقي للبحث عن ملابسات ما جرى بعد هزيمة القوات العراقية وإعلان الدولية الإسلامية في الموصل. كان المالكي مجرد أداة تنفيذية. غير أن ما جرى كان قد أشبع لديه غريزته في الانتقام الطائفي. لقد ضرب المالكي عصفورين بحجر واحد وهو الذي كان يمنّي نفسه بولاية ثالثة. أولا من خلال تنفيذ مخطط فرضته قوى دولية وإقليمية يعرف أنها تدعمه وهي المسؤولة عن بقائه، وثانيا من خلال تنفيذ حملة تطهير طائفي ما كان في إمكانه أن يقوم بها إلا من خلال حرب أهلية غير مضمونة النتائج.كل تلك الحقائق كان من الممكن أن تكشف عنها لجنة التحقيق الأممي. ذلك بإمكانه أن يشكل خرقا للنظام لم يتمكن محتجو تشرين عام 2019 من تحقيقه وهو ما يمكن أن يهدد استقرار النظام الذي هو استقرار مؤقت، قد لا ترى فيه الميليشيات في لحظة تصادم مصالحها أمرا واجب الاحترام. ولكن هل تجرؤ الحكومة على عصيان إملاءات الأمم المتحدة لولا أنها لم تكن مسنودة بقوة دولية يمكنها أن تتصدى للمنظمة الدولية؟ أعتقد أن الأمور صارت أكثر وضوحا الآن. كل التنظيمات الإرهابية ومنها داعش لا يمكن النظر إليها إلا من خلال المنظار الأميركي، أما أيّ محاولة أخرى فإنها ستبوء بالفشل.ذلك يعني أن جزءا عظيما من لغز داعش سيظل مدفونا تحت ركام المدينة القديمة في الموصل مع جثث الأبرياء التي صارت جزءا من معمار المدينة الشهيدة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحدث في المنطقة؟
يمانيون ـ بقلم ـ عبدالرحمن مراد
على مدى فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز عشرة أَيَّـام، تسقط دولة بكل مقدراتها ويغادر رئيسها، ويحدث أن تتحَرّك المعارضة إلى المدن ولا يتجاوز الحدث دور التسليم والاستلام، وكأن الأمر قد دبر بليل والصورة الظاهرة لا تتجاوز الشكل الظاهر للناس، فما الذي يحاك للأُمَّـة؟
تتسع دائرة الأهداف للعدو الصهيوني فيحتل جزءاً كَبيرًا من الأراضي السورية بعد أن دخلت المعارضة السورية إلى دمشق، وتنشط الماكنة العسكرية لتضرب أهدافاً عسكرية ومعامل كيميائية وتشل حركة القدرات والمقدرات التي تراكمت عبر العقود الطويلة، وتتجاوز المعارضة فكرة الفوضى الخلاقة وتمنع المساس بمؤسّسات الدولة، وتتجاوز هيئة تحرير الشام فكرة الغنيمة التي كانت فكرة أصيلة في معتقدها، وتذهب إلى النظام، وحفظ المقدرات، وتعلن إجراءات احترازية لضمان الأمن والاستقرار، ثم تبادر “إسرائيل” لضرب المعامل ومخازن الأسلحة بحجّـة تأمين أمن “إسرائيل”، وضمان عدم وصول الأسلحة للجماعات العقائدية التي استلمت السلطة في سوريا، وتذهب قوات سوريا الديمقراطية المتعددة الأعراق والأهداف إلى خيار التسليم لبعض المدن مع احتفاظها بقرى متاخمة، وعدد كبير من جيش النظام السوري السابق يدخل العراق بكل عتاده، ثم يأتي مستشار الأمن القومي الأمريكي ليزور المنطقة، ويعلن أن ضمان أمن “إسرائيل” فرض ضرورة القيام بعمليات عسكرية احترازية، ويعلن صراحة أن “إسرائيل” أصبحت أقوى من أي وقت مضى.
أخذت الناس نشوة الانتصار ولم يدركوا أبعاد ما يحدث في المنطقة، التي تتعرض لعملية تهجين، وصراع لن يهدأ في المدى القريب المنظور؛ فالسيناريو الذي نشاهد اليوم بعض تفاصيله لا يهدف إلى استقرار المنطقة العربية، ولكنه يمهد الطريق لـ”إسرائيل” كي تكون هي الدولة المهيمنة على مقدرات الأُمَّــة، وعلى أمنها وعلى نشاطها الاقتصادي، والعسكري، وهو المشروع الذي يقف ضده محور المقاومة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي إلى اليوم.
سوريا التي فرح الغالب من الناس بثورتها، وهللوا وصفقوا، لن تصبح دولة موحدة ومستقرة في قابل الأيّام، ومؤشرات ذلك قائمة، وتعلن عن وجودها في الأرض التي تحكمها؛ فقوات سوريا الديمقراطية خليط غير متجانس من جماعات متعددة العرقيات، وهي مدعومة بشكل كلي ومباشر من أمريكا، وهيئة تحرير الشام فصائل متجانسة لكنها تنطلق من عقائد غير موحدة وإن كان يجمعها الإطار السني، لكن تختلف العقائد والمنطلقات وكلّ فصيل له منظوره الذي قد لا يتسق مع ظاهرة الاعتدال التي بدا عليها قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع في الكثير من بياناته والكثير من تعليماته التي صاحبت دخول دمشق بعد تسليم نظام بشار الأسد لها، وفق صفقة وتوافقات تمت بين النظام وبعض الحلفاء كما تقول الكثير من التداولات التي لم يتم تأكيدها، لكن حركة الواقع دلت عليها؛ إذ ليس معقولاً أن يسقط النظام بكل تلك السلاسة والهدوء ودون أية ممانعة أَو مقاومة بأي شكل من الأشكال مهما كانت المبرّرات؛ فبشار الأسد لم يكن ضعيفاً ولكنه يملك مقومات البقاء أَو الصراع على أقل تقدير لزمن محدود لكنه اختزل المقدمات في نتائجها، فرأى التسليم خياراً لا بُـدَّ منه، وقد كان التسليم خياراً قديماً لبشار لولا حزب الله الذي قلب المعادلة في اضطرابات الربيع العربي قبل عقد ونيف من الزمان، ويبدو أن خيار الضغط على بشار قد بلغ غايته مع انشغال حزب الله بحربه مع العدوّ الصهيوني، فكان استغلال الفرصة في سقوط سوريا لأهداف متعددة، وفي المجمل هي أهداف تخدم الوجود الإسرائيلي ولن تمس حياة المواطنين بسوريا بخير ولا تعدهم برخاء ولا برفاه؛ فالمؤشرات التي صاحبت تسليم واستلام السلطة تقول إن “إسرائيل” تريد من سوريا بلدًا منزوع السلاح لا يشكل خطراً على أمنها، كما أن الخيار الدولي يذهب إلى مبدأ التقسيم؛ إذ أننا لن نشهد بلدًا موحدًا كما كان في سالف عهده، بل سوف نشهد بلداً مقسماً تتنازعه القوميات والعرقيات والعصبيات المتعددة وقد يتحول إلى دويلات صغيرة قابلة للتهجين حتى تحقّق “إسرائيل” غايتها في تحقيق دولة “إسرائيل” الكبرى.
السياسة الأمريكية اليوم تحدها موضوعياً أربعة سيناريوهات معلنة وهي:
– السيناريو الأول عدم الاستقرار على نطاق واسع.
– السيناريو الثاني عدم الاستقرار المحلي.
– السيناريو الثالث الحرب الباردة.
– السيناريو الرابع العالم البارد، وهو نتيجة منطقية للسيناريوهات الثلاثة أي الوصول إلى الاستقرار في المستقبل من خلال ثنائية الخضوع والهيمنة للشعوب التي تنهكها الصراعات والفقر.
ومن خلال سياسة عدم الاستقرار الواسعة والمحلية ومن خلال ما يصاحب ذلك من حرب باردة يصل العالم إلى حالة من تهجين الهويات التي سوف تقبل التعايش مع الواقع الذي يفرضه النظام الدولي الرأسمالي، وتعزيز قيم جديدة للمجتمع الحداثي الجديد حتى يكون عنصراً كونيًّا رافضاً الهوية الجزئية، التي تصبح فكرة غير مقبولة في مجتمع الحريات الفردية المطلقة لمجتمع ما بعد الحداثة، الذي يشتغل عليه اليوم النظام الدولي الرأسمالي، وبسبب ذلك سارعت بعض الدول مثل روسيا إلى إعلان فكرة الأمن الثقافي القومي الذي بات مهدّداً من خلال الحرب الباردة التي تنتهجها السياسة الأمريكية في مستويات متعددة منها مجال الآداب وشبكات التواصل الاجتماعي والدراما ذات الأثر الكبير في محتواها الرقمي، فمصطلح “الهجنة ” مصلح جديد يدخل المجال الثقافي ويهدف إلى تحديد نقاط الالتقاء بين الثقافات؛ بهَدفِ تذويب الفوارق لينشأ مجتمع كوني يقفز على فكرة الهويات القومية.
خلاصة الفكرة أن ربيعاً جديدًا قادماً يتجاوز فكرة الفوضى الخلاقة يقوم على تنمية الصراعات ويتخذ من الحرب الباردة سبيلاً للوصول إلى غاياته ومؤشراته بدأت من سوريا.