لم يلغ الانشغال المحلي بملفي غزة والجنوب، الاهتمام بملف النزوح السوري الذي يثقل كاهل لبنان، والذي أصبح يشكل هاجساً أساسياً عند عدد من الدول الأوروبية التي استشعرت منذ أشهر مضت، خطر الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. ففي الأيام الماضية زار لبنان مسؤولان أمنيان، يوناني وقبرصي لاستكمال البحث في ملف النازحين السوريين، وسط تفهم اليونان وقبرص للوضع اللبناني، لكن مع مطالبتهما بمعالجة أسباب الهجرة غير الشرعية.



الأكيد أن هذا الملف سيطرحه مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيف بوريل مع المسؤولين اللبنانيين في زيارته التي تبدأ اليوم إلى بيروت وتستمر يومين، علما أن ثماني دول هي النمسا وتشيكيا والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا، سبق أن وجّهت رسالة إلى منسق بوريل تدعو إلى إعادة النظر في السياسة المتبعة تجاه سوريا لوقف تدفق النازحين وتعيين موفد خاص إلى دمشق لمتابعة هذا الملف والتعامل معه بواقعية. وقد تسلمت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين في إحد لقاءاتها مع السفراء كتابا من بوريل والذي اشار إلى أن 8 دول أوروبية دعت إلى إعادة النظر في سياسة البرلمان الأوروبي تجاه موضوع النزوح السوري، وفي كيفية التعاطي مع مسألة النزوح والتي تختلف عن العام 2017.

وبانتظار أن يتسلم المفوض الجديد للشوؤن الخارجية في المفوضية الأوروبية مهامه الجديدة، فإن المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين السوريين ترفض خروج السوريين من لبنان، ولا تتجاوب مع الحكومة اللبنانية إن كان في تسليم قاعدة البيانات أو الداتا وغيرها من الأمور، كما أعلن وزير الداخلية بسام المولوي قبل أيام، متحدثاً عن جهود الأمن العام اللبناني والخطّة "باء" التي سيبدأ بها.

المنسق العام للحملة الوطنية لاعادة النازحين السوريين النقيب مارون الخولي، لا يرى، أي نتائج مهمة مرتقبة من زيارة بوريل إلى بيروت، خاصة وأن هذه الزيارة تأتي قبيل انتهاء ولايته بعد شهرين. فالزيارة التي تندرج في إطار زياراته الدورية إلى المنطقة، تتزامن مع التوترات الإقليمية القائمة بين إسرائيل وحماس، وإيران وحزب الله، ولا يُتوقع أن يكون لها تأثير كبير على الوضع في لبنان. ومن المرجح أن يستمع الجانب اللبناني إلى وجهة نظر بوريل السياسية، دون الدخول في نقاشات عميقة، خصوصًا وأنها ستنتهي بمغادرته البلاد.أما في ما يتعلق بملف النازحين، فمن المتوقع أن يتطرق بوريل إلى هذا الموضوع مع المسؤولين اللبنانيين، خصوصًا في ما يتعلق بالمهاجرين الذين يحاولون عبور البحر في قوارب غير شرعية باتجاه قبرص والدول الأوروبية. وعليه، فإن مواقف بوريل ستكون، بحسب الخولي، استكمالاً لمواقفه المعروفة تجاه المنطقة، ولا يُتوقع منها تغييرا كبيرا في السياسات الأوروبية تجاه لبنان.

لقد أقرّ مجلس الاتحاد الأوروبي بروتوكولًا جديدًا لإصلاح قوانين الهجرة واللجوء، في خطوة تأتي بعد مفاوضات استمرت نحو عقد من الزمن، وبدعم من أغلبية كبيرة من دول الاتحاد. يتضمن الإصلاح مجموعة من التشريعات التي تشدد الإجراءات عند حدود الاتحاد الأوروبي وتلزم كل الدول الأعضاء بتقاسم مسؤولية الوافدين، ومن المتوقع أن تدخل هذه الإجراءات حيز التنفيذ في عام 2026.

وبالنسبة للبنان، من المحتمل أن تكون لهذه الإصلاحات، كما يقول الخولي لـ"لبنان24"، تأثيرات محدودة على أرض الواقع، نظراً إلى أن لبنان يعتبر محطة عبور (ترانزيت) للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من سوريا، والتي تشكل الغالبية العظمى من الهجرة غير الشرعية عبر لبنان. وبالرغم من أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتكثيف استخدام صفقاته مع دول العبور والمنشأ، ومنها لبنان، للحد من عدد طالبي اللجوء، فإن تأثير هذه الإصلاحات الجديدة قد يكون محدوداً، نظراً لأن التركيز الأوروبي ينصب على ضبط حدود الاتحاد وتوزيع المسؤوليات بين دوله الأعضاء، أكثر من التعامل المباشر مع تحديات الهجرة في دول مثل لبنان. ومع ذلك، قد يكون هناك ضغط على لبنان للتعاون بشكل أكبر في إطار الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، كجزء من الجهود الرامية للحد من تدفقات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت الذي تستعد فيه الدول الأوروبية لتنفيذ هذه الإصلاحات، يبقى من المهم متابعة كيفية تفاعل لبنان مع هذه السياسات الجديدة ومدى انعكاسها على علاقاته مع الاتحاد الأوروبي.

ولذلك يعتقد الخولي أن التهديدات اللبنانية بفتح البحر أمام تدفقات الهجرة لم تعد تجدي نفعاً في ظل البروتوكول الجديد الذي أقره الاتحاد الأوروبي. فالإصلاحات الأوروبية في مجال الهجرة واللجوء تأتي كجزء من استراتيجية شاملة ومتماسكة تهدف إلى تعزيز الرقابة على الحدود، وتقاسم المسؤوليات بين الدول الأعضاء، والتعاون مع دول العبور والمنشأ، بما فيها لبنان. هذه الخطوات تعكس إرادة أوروبية قوية لمعالجة قضية الهجرة بطريقة منسقة، مما يقلل من فعالية مثل هذه التهديدات.ومن جهة أخرى، لا يؤيد الخولي استخدام التهديد بفتح البحر كوسيلة ضغط، لأنه يحمل أضرارًا بالغة على لبنان نفسه. أولاً، لا تستطيع أي دولة في العالم أن تفتح حدودها بحرية كاملة دون أن تُعرّض سيادتها وأمنها للخطر، وبالتالي تظهر كدولة فاقدة للسيطرة على أراضيها وحدودها. ثانياً، هذا التهديد يتعارض مع المبادئ والقيم الإنسانية التي يلتزم بها لبنان بموجب الاتفاقيات الدولية، ويجعله يبدو وكأنه يتخلى عن مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية تجاه كل من مواطنيه والمهاجرين.ففتح الحدود يساهم في تعزيز الصورة السلبية عن لبنان كدولة فاشلة، غير قادرة على إدارة حدودها أو الوفاء بالتزاماتها الدولية. كما أن استخدام هذا النوع من التهديد قد يؤدي إلى تداعيات دبلوماسية وسياسية مع المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الأوروبية التي تُعد شريكاً أساسياً للبنان في العديد من المجالات.
وبدلاً من التهديد بفتح البحر، يجب أن يسعى لبنان، بحسب الخولي، إلى تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي في إطار دبلوماسي يحمي مصالحه الوطنية ويساهم في إيجاد حلول عاجلة لعودة اللاجئين، بما يحقق الأمن والاستقرار على المستويين المحلي والإقليمي

لكن ماذا عن الدورين القبرصي واليونان في مساعدة لبنان ومعالجة اسباب الهجرة غير الشرعية؟

بالنسبة إلى الخولي، يتمحور الدوران القبرصي واليوناني في مساعدة لبنان ومعالجة أسباب الهجرة غير الشرعية حول فهم أعمق للوضع المعقد الذي يواجهه لبنان نتيجة تدفق النازحين السوريين. ففي الأيام الأخيرة، زار مسؤولان أمنيان رفيعان من اليونان وقبرص لبنان لاستكمال النقاشات حول هذا الملف الحساس. هذان البلدان، إلى جانب دول أوروبية أخرى مثل النمسا وتشيكيا وإيطاليا ومالطا، يدفعان باتجاه وضع خط سياسي جديد ضمن الاتحاد الأوروبي للتعامل مع أزمة النزوح. وما يهم لبنان في هذا السياق هو أن اليونان وقبرص تعترفان بالتحديات الهائلة التي تواجهها البلاد نتيجة عبء النزوح، على الرغم من مطالبتهما بتشديد الإجراءات لمعالجة أسباب الهجرة غير الشرعية. ومع ذلك، فإن موقف لبنان سيبقى ثابتاً في تأكيد الحاجة إلى سياسة أوروبية حازمة، ووقف الدعم غير المشروط للنازحين في لبنان. فلبنان يبذل جهوده لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين، لكنه يواجه تحديات كبيرة مقارنة بالإمكانات والتقنيات المتوفرة لدى الدول الأوروبية.

تعتبر قبرص واليونان في طليعة الدول المتأثرة بموجات الهجرة عبر المتوسط، وأحدثتا ثغرة في هذا الملف قد تكون فرصة للبنان عليه تلقفها لتطوير موقفه. وهذه الدول، بتأثيرها المتزايد داخل الاتحاد الأوروبي، قد تساهم، وفق الخولي، في إنتاج تحوّل جديد في السياسات الأوروبية تجاه سوريا، بما يمكن أن يساعد لبنان على إدارة أعباء النزوح بشكل أفضل، إذا تمكنت هذه الدول من دفع الحوار مع سوريا باتجاهه الصحيح حول المناطق الآمنة. ومن هذا المنطلق،يمكن للبنان الاستفادة من التحولات الجارية في المواقف الأوروبية، وبخاصة تلك التي تنطلق من دول المتوسط مثل قبرص واليونان، للدفع نحو حلول أكثر استدامة وواقعية لأزمة النزوح السوري.

ومع ذلك ترفض المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين عودة السوريين إلى بلادهم بالتوازي مع تخفيض التقديمات الدولية للنازحين، ويرى الخولي في هذا السياق أن هذا الواقع يهدد بتداعيات دراماتيكية على النازحين وعلى البلد المضيف، حيث تُواجه المخيمات تحديات جسيمة تتجلى في ظهور بحيرات آسنة بين الخيام، مما يزيد من احتمالات انتشار الأوبئة والأمراض المعدية مثل الصفيرة والجرب والكوليرا، ويعرّض حياة الآلاف من اللاجئين للخطر. ويشير إلى أن تقليص التقديمات يشمل، على سبيل المثال، خفض كمية المياه النظيفة الموزعة على كل فرد يومياً من 27 لتراً إلى 12 لتراً فقط، وتقليل عمليات شفط مياه الصرف الصحي من 70% إلى 40%، وذلك بحجة نقص التمويل. هذه السياسات تؤدي إلى انتشار أمراض جلدية وأعراض مرضية مثل الإسهال وارتفاع درجة حرارة الجسم. لكن الأخطر من ذلك هو رفض المفوضية لعودة اللاجئين إلى سوريا، مما يكشف عن نهج يتعارض مع مصالح لبنان ومبادئ الحلول المستدامة، ويثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء السياسات الأوروبية المستمرة التي تستند إلى حجج إنسانية. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الهجرة غیر الشرعیة الاتحاد الأوروبی الدول الأوروبیة هذا الملف

إقرأ أيضاً:

إدلب المدينة التي يقدمها حكام سوريا الجدد نموذجا لمستقبل البلاد.. ما السبب؟

سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" على مدينة إدلب شمال غربي سوريا التي انطلقت منها فصائل المعارضة للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مشيرة إلى أن المدينة هي نموذج لما يرغب حكام البلاد الجدد في أن تصبح سوريا عليه.

وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن إدلب، معقل المقاومة ضد الأسد حيث بدأ الحكام الجدد في تدريب أنفسهم، تعج بالحياة الاقتصادية. وتزدحم شوارع المدينة بحركة المرور. وتمتلئ مطاعم الإفطار التي تقدم الفلافل وحساء الحمص حتى آخر مقعد. ويصطف الرجال خارج مكاتب الحكومة للانضمام إلى قوات الأمن الجديدة. وهناك حتى حديقة حيوانات حيث يتطلع القادمون من خارج المدينة إلى عائلة من الأسود ونمر في قفص. 

وأضافت أن إشارات المرور التي تعمل، والسلع المستوردة، والساحات النظيفة، وهي كلها أشياء نادرة في أماكن أخرى من البلاد المدمرة، تشكل مصادر للفخر. 

لسنوات، كانت إدلب منطقة نائية منسية، وصفها نظام الأسد بأنها "عش متقيح للإرهاب الإسلامي"، ويديرها مسلحون صنفتهم الولايات المتحدة وأوروبا على أنهم "إرهابيون".


وخلال الحرب، أصبحت المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 160 ألف نسمة، والمحافظة المحيطة بها مركزا لدولة موازية بناها الثوار الذين يتولون السلطة الآن في دمشق، وتحولت إلى مركز تجاري. والآن أصبحت بمثابة مغناطيس للسوريين المحرومين من الوصول إلى السلع الأجنبية الصنع بسبب سنوات من العزلة الاقتصادية في ظل العقوبات. 

وقال مهند العلي البالغ من العمر 35 عاما، والذي كان في محافظة إدلب يشتري أحذية رياضية بكميات كبيرة لمتجره في حلب على بعد ساعة تقريبا، إن "هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها إدلب، وما زلت مندهشا من مدى تطورها. وأنا سعيد لأن كل السوريين أصبحوا الآن واحدا، وأن البلاد أصبحت متصلة مرة أخرى". 

قبل الإطاحة بنظام الأسد في هجوم خاطف في أواخر العام الماضي، كانت جماعة "هيئة تحرير الشام" الإسلامية تدير إدلب لسنوات كدولة شبه مستقلة بإدارتها ولوائحها الخاصة. لقد قمعت المعارضة السياسية بالقوة، لكنها حفزت النمو الاقتصادي من خلال تقديم مزايا تجارية أشبه بالمنطقة الاقتصادية الحرة، وفقا للتقرير.

إلى الشمال من مدينة إدلب، برزت بلدة سرمدا كواحدة من أكثر مراكز سوريا ازدحاما بتجارة الجملة للسلع المنزلية والسيارات. طورت "هيئة تحرير الشام" دولة ظل تركز على توفير الأمن وبعض الخدمات والنمو الاقتصادي، وهو النموذج الذي يقدم الآن أدلة على الكيفية التي قد تسعى بها المجموعة إلى حكم بقية البلاد. 

مع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر، اختفت الخطوط الأمامية ونقاط التفتيش، ما سمح للسوريين بالدخول إلى أجزاء من البلاد لم يروها منذ سنوات. يأتي الكثيرون الآن إلى إدلب ليشهدوا هذا الجيب من شمال غرب سوريا الذي صمد في وجه النظام. كما يأتون لشراء السلع الرخيصة - من الغسالات إلى السيارات. 

قال محمد بري، 24 عاما، الابن الأكبر في شركة إطارات عائلية نمت في السنوات الأخيرة إلى 7 ملايين دولار في الإيرادات: "في إدلب كان هناك تقدم كبير، لم تشهده أي محافظة أخرى تحت حكم نظام الأسد.  نحن فخورون بالعمل خلال الحرب، وأظهرنا للعالم أن السوريين لا يمكن إخضاعهم".  

افتتح والد بري شركة الإطارات في عام 2012 بعد فرار العائلة إلى هنا. قال، مشيرا إلى الطريق السريع المزدحم بالخارج، حيث تبيع المتاجر كل شيء من أحواض المطبخ والنباتات البلاستيكية إلى المجوهرات الذهبية والمانجو المستوردة من تركيا بخمسة دولارات: "لم يكن هناك شيء عندما انتقلنا إلى هنا". الرجال في الساحة المركزية يحملون أعلاما تصور الألوان الثلاثة السورية أو أعلاما تحمل الشهادتين. 
في حين رفع الأسد الرسوم الجمركية لدعم الإيرادات للنظام وحظر العملات الأجنبية لتعزيز الليرة السورية، أعفت هيئة تحرير الشام التجار في إدلب من الضرائب، على غرار المناطق الحرة في دبي.


ومنذ توليها السلطة في دمشق، سمحت الإدارة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام بالمعاملات بالدولار وخفضت الرسوم الجمركية بنسبة تصل إلى 60% للمساعدة في حماية المنتجين المحليين. 

وقال بري إن إدارة هيئة تحرير الشام لم تفرض على شركته سوى 20 دولارا كرسوم جمركية عن كل حاوية من البضائع المستوردة من الهند والصين عبر تركيا المجاورة، وهي ميزة تنافسية تتمتع بها شركات إدلب الآن مقارنة بالشركات في أماكن أخرى من سوريا. وأضاف أن السيارات هنا تباع بربع السعر في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقا. 

استفادت إدلب، وبالتالي هيئة تحرير الشام، من الحدود مع تركيا. حيث عرضت تركيا، التي تستضيف ثلاثة ملايين لاجئ سوري وتخشى عدم الاستقرار في سوريا، خصومات على الصادرات لتجار إدلب ووفرت الكهرباء لتشغيل المصانع الجديدة. ولا تزال الليرة التركية هي العملة المفضلة في إدلب. 

وفي المقابل، اكتسبت تركيا نفوذا كبيرا على مستقبل سوريا. وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، ورئيس جهاز المخابرات التركي، أول كبار الشخصيات الأجنبية رفيعة المستوى يزورون دمشق بعد تولي هيئة تحرير الشام السلطة. وتبعهم رجال الأعمال، معربين عن اهتمامهم بإعادة بناء قطاع الطاقة في سوريا. 

وفي الوقت نفسه، حكمت هيئة تحرير الشام بعصا. وقالت "هيومن رايتس ووتش" إنها اعتقلت وعذبت المعارضين السياسيين بشكل تعسفي، على غرار التكتيكات التي يستخدمها نظام الأسد.

وخرج المتظاهرون في إدلب بانتظام إلى الشوارع، مطالبين بالإفراج عن السجناء وإنهاء قمع أصوات المعارضة. واندلعت الاحتجاجات بسبب الصعوبات الاقتصادية، حيث طالب الناس بإنهاء سيطرة هيئة تحرير الشام الاحتكارية على الاقتصاد. 

تتعرج الطرق المؤدية إلى إدلب عبر بلدات متناثرة الأنقاض حيث تسببت الغارات الجوية الروسية في تقشير واجهات الكتل السكنية. والخنادق والمعدات العسكرية المهجورة هي بقايا الصراع الأخير. وتمتد معسكرات الخيام الضخمة على طول الطريق السريع، حيث تؤوي بعض المليوني شخص الذين نزحوا داخليا هنا، وفقا للأمم المتحدة. 

ولكن الأهم بالنسبة للجمهور الذي دعم المجموعة، أن إدلب كانت آمنة إلى حد كبير، وأن الابتزاز والنهب السائد في المناطق التي يسيطر عليها النظام كان غائبا إلى حد كبير، وفقا للخبراء في الحرب السورية والسكان. تدريجيا، خففت هيئة تحرير الشام من صورتها العامة. 

ونقل التقرير عن دارين خليفة، المستشارة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة لحل النزاعات مقرها بروكسل والتي تابعت حكم هيئة تحرير الشام في إدلب لسنوات، قولها إن الاستقرار ساعد هيئة تحرير الشام في بناء اقتصاد مزدهر بشكل أسرع من الأكراد السوريين الذين احتفظوا بمساحة شبه مستقلة في شمال شرق سوريا لفترة أطول، لكنهم واجهوا هجمات مستمرة من تركيا.

وأضافت أن سوريا أكثر تنوعا عرقيا وسياسيا من إدلب المحافظة ذات الأغلبية السنية، إلا أن تجربة هيئة تحرير الشام أعطتهم الاعتقاد بأنهم قادرون على إدارة البلاد بأكملها. 

وقالت: "أعلم أنهم يتعرضون للكثير من الانتقادات الآن، بما في ذلك منا، قائلين إنهم لا يستطيعون ببساطة طرح نموذج إدلب على البلاد بأكملها. لكن من وجهة نظرهم، كان نموذجا ناجحا، ويمكن أن يكون مفيدا في الأمد القريب". 


على مر السنين، طورت هيئة تحرير الشام حكومة في انتظارها في إدلب، استعدادا للحظة التي قد تواجه فيها الأسد، كما قال المقدم حسن علي أبو محمد، مدير إدارة شؤون الضباط في وزارة الداخلية في إدلب.

وكان رئيس الوزراء المعين حديثا ورئيس المخابرات ووزير العدل جميعا من المقربين من زعيم هيئة تحرير الشام والرئيس الحالي أحمد الشرع في إدلب. 

في الوقت نفسه، أعادت الجماعة هيكلة جيشها استعدادا للاستيلاء على دمشق. وجاءت لحظة الدفعة الأخيرة مع إضعاف حزب الله، الميليشيا اللبنانية المدعومة من إيران والتي كانت داعما أساسيا للأسد.

وقال أبو محمد، الذي كان في غرفة العمليات أثناء الهجوم، إنه بمجرد أن بدأت هيئة تحرير الشام هجومها في تشرين الثاني/ نوفمبر، تقدمت بسرعة كبيرة حتى أنها فاجأت قادتها. 

وأضاف "لم أصدق أننا وصلنا إلى العاصمة. اعتقدت أن الحد سيكون حماة"، المدينة الكبيرة الواقعة على بعد 130 ميلا شمال دمشق حيث تقدم الثوار بعد الاستيلاء على حلب في الشمال. 

أكثر من التسوق والسياحة، قال الزوار إنهم جاؤوا إلى إدلب للاحتفال بنهاية النظام والحرب التي قسمت السكان لأكثر من عقد من الزمان. 

وقال جهاد وحيدي، وهو صيدلاني يبلغ من العمر 44 عاما من حماة: "فرحتنا برحيل الأسد أكثر أهمية من التسوق. لأول مرة، أصبحت سوريا دولة واحدة".

مقالات مشابهة

  • المفوضة الأوروبية تزور القاهرة لتشكيل ميثاق جديد للبحر الأبيض المتوسط
  • أردوغان يرحب بتعليق الاتحاد الأوروبي عقوباته على سوريا
  • إدلب المدينة التي يقدمها حكام سوريا الجدد نموذجا لمستقبل البلاد.. ما السبب؟
  • السيسي وميلوني يبحثان الأوضاع في غزة وملف الهجرة غير الشرعية
  • مستقبل أوروبا: هل يمكن للهجرة وقف النزيف الديموغرافي للقارة العجوز في العقد القادم؟
  • رجّي: للضغط على اسرائيل لإنهاء إحتلالها للأراضي اللبنانية بشكل كامل
  • ما هي المناطق الأوروبية التي تجذب أكبر عدد من المواهب؟
  • ترمب يعلن فرض رسوم جمركية 25% على المنتجات الأوروبية قريبًا
  • ترامب: سنفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على المنتجات الأوروبية
  • بـ 25%..ترامب يفرض رسوماً على السلع الأوروبية