ازدهرت الحياة الفكرية في العصور الإسلامية المتقدمة ازدهارا ملحوظا، وانعكس ذلك على الأدب والشعر، فتنوعت الموضوعات الشعرية واكتسى الشعر حلة قشيبة تحمل الموروث القديم في طياتها وتزدهي بما اكتسبته من صفات جديدة وحيوية تواكب روح العصر وعجلة التطورات المتنوعة على صُعد الحياة كافة آنذاك، السياسية والفكرية والثقافية والفنية وغيرها.

فبعد العهد الراشدي واستتباب أركان الحكم الإسلامي والانطلاق به نحو الفتوحات والتوسعات كان لا بد للحياة الأدبية أن تعكس ما وراءها من واقع يبدو مستقرا بالنظر إلى فرض السلطة الأموية نفسها واستلامها زمام الحكم، واتخاذ دمشق عاصمة للخلافة، وإدارتها الولايات الإسلامية كلها.

لكن في الوقت نفسه، كان الحكم الأموي يموج فوق بركان فاتر قابل للاشتعال والانفجار في أي آن، فبعد تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان فيما عُرف بعام الجماعة غدا معاوية خليفة للمسلمين، واستلم الحكم نحو 20 عاما (41-60هـ)، ثبّت خلال حكمه الخلافة في بني أمية وجعلها وراثية في نسله، وكان أقوى من يُذكر من خلفاء بني أمية من الفرع السفياني، لكن جاء من بعده خلف ضعاف فانتقلت إلى الفرع المرواني، وذلك عندما تغلّب مروان بن الحكم على الطامعين في الخلافة، مستفيدا من الأحداث التي رافقت اعتلاء معاوية بن أبي سفيان عرش الخلافة من جهة، ومن ضعف الخلفاء الذين جاؤوا من بعد معاوية من جهة ثانية.

وجاء بعد مروان بن الحكم ابنه عبد الملك الذي امتد حكمه إلى 21 عاما (65-86هـ)، وأثناء ذلك كله كان المخالفون حاضرين، وكان أبرز المخالفين عبد الله بن الزبير الذي استوطن مكة ونادى بالخلافة لنفسه، كما اجتمع المعارضون لخلافة بني أمية من الشيعة والخوارج في العراق وما امتد بعدها شرقا.

أثّرت السياسة في الأدب والشعر خلال العصر الأموي تأثيرا كبيرا، فقد رأينا آثاره في ما وصل إلينا من دواوين وأشعار وخطب، وما اتسمت به من ظواهر أدبية وفنية، وقد أسهم النتاج الأدبي والشعري في العصر الأموي إسهاما مهما في نقل كثير من الأحداث التاريخية والسياسية بتفاصيلها.

وبيّن لنا الشعر الأموي انقسام الناس وتحزبهم في فرق دينية وأخرى سياسية، وأظهر بجلاء استيقاظ العصبية القبلية مجددا بعد أن خبت نارها في ظلال العهد الراشدي بنسبة عالية، لكن العهد الأموي اكتظ بالفرق والشيع الفكرية التي تتنافس على أحقيتها في الخلافة، وكانت تبدو دينية في ظاهرها، لكنها في حقيقتها ذات أبعاد سياسية، وإلى جانب أهل السنة والجماعة الذين كانوا المادة الرئيسة في الأمة، وكانوا يرون أن قبيلة قريش هي الأحق بالخلافة، كانت أبرز تلك الفرق الشيعة، الذين ناصروا العلويين وكانوا يعتقدون أن الخلافة لا بد أن تكون لأبناء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أي للطالبيين من بني هاشم، وظهرت فرقة الخوارج التي اعتقد أصحابها أن الخلافة أمر دنيوي ولا حاجة للخليفة بين المسلمين إذا ما استطاعوا تسيير أمورهم بأنفسهم، والناس أحرار بتولية من يشاؤون عليهم بغض النظر عن انتمائه لقريش أو غيرها، وكانت هناك فرق أخرى كالمرجئة الذين نادوا بإطاعة الخليفة ولو كان على ضلال، وغيرها من الفرق المتعددة الأهواء.

كان العصر الأموي عصرا إشكاليا على الصعيد السياسي، فقد عجت الفتن في أرجائه واضطرب الناس وانقسموا، واشتعلت الحروب، وانبعثت العصبية القبلية وانتشرت أدرانها، وقد عُرف العصر الأموي بتنوع المشارب السياسية فيه، وانطلاقا من كثرة الفرق السياسية نجد تنوعا كبيرا في الشعر السياسي الذي استخدم للدفاع عن الفرقة حينا، ولتصدير أفكارها التي تدعو إليها ونشرها في حين آخر، ولمحاربة الفرق الأخرى وإظهار مثالبها في أحيان كثيرة، وبذا بزغ نجم كثير من الشعراء، ودبت الحياة مجددا في أواصر الشعر العربي بعد أن اتهم باللين بعد مجيء الإسلام وانصراف بعض الشعراء عن نظم الشعر واكتفائهم بالقرآن الكريم.

كما عُرف في العصر الأموي بعض الشعراء بشعرهم السياسي دون غيره من الموضوعات الأخرى التي طرقوها في أشعارهم، وبذا صار الشعر السياسي تأريخا للعصر وتوصيفا للمرحلة وتفصيلا لوقائعها وأحداثها بوعي من أصحابه أو بدون وعي منهم، ومن نافلة القول: إن من أهم سمات هذا العصر إلى جانب الحركة الفكرية والسياسية الثرية اتساع رقعة الفتوحات واحتدام المعارك، وتسجيل اتساع غير مسبوق لرقعة الدولة الإسلامية، وفيما يأتي استعراض لبعض الوقائع والمعارك التي أرخ الشعر العربي لها وحكى كثيرا من دقائقها التي تفرد بذكرها، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر.

تأريخ معركة القادسية

اختلف أهل الأدب في صاحب الأبيات الآتية، فمنهم من نسبها إلى عمرو بن معد يكرب، ومنهم من نسبها إلى بشر بن ربيعة الخثعمي صاحب عمرو بن معد يكرب، ونسبت إلى غيرهما، وما يعنينا هنا هو ما تضمنته الأبيات من وصف وتصوير وتأريخ لمعركة القادسية الشهيرة التي تعد إحدى أهم معارك الفتح الإسلامي للعراق وبلاد فارس، وقد جرت في السنة الخامسة عشرة للهجرة في القادسية بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص، والإمبراطورية الفارسية بقيادة رستم فرخزاد، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين ومقتل قائد الفرس، فلننظر معا إلى الأبيات:

ونحن بصحراءِ العُذَيب ودارُها

حجازيةٌ إِنَّ المَحَلَّ شَطيرُ

 

تَحِنُّ بباب القادسية ناقتي

وسعدُ بنُ وقّاصٍ عليَّ أميرُ

 

وسعدٌ أميرٌ شرُّهُ دون خيرِهِ

طويلُ الشذا كابي الزنادِ قصيرُ

 

تَذَكَّر هَداكَ اللَهُ وَقعَ سيوفنا

بباب قُدَيسٍ والمَكَرُّ عسيرُ

 

عشيَّةَ وَدَّ القومُ لو أَنَّ بعضهم

يُعارُ جناحَي طائرٍ فيطيرُ

 

إذا ما فرغنا من قراع كتيبة

دلفنا لأخرى كالجبال تسير

 

ترى القوم فيها أجمعين كأنهم

جمال بأجمال لهن زفير

قصيدة (فلمّا أصبحوا صلّوا وقاموا) للشاعر الخارجي عيسى بن فاتك… تأريخٌ للمواجهة

الخوارج في العصر الأموي فرقة دينية، وحزب سياسي، يقال إنهم ظهروا في السنوات الأخيرة من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعُرفوا بتكفير الفرق الأخرى، والمغالاة في قضايا الدين، وسبب تلقيبهم بالخوارج يعود إلى خروجهم على ولي الأمر، ولهم أسماء كثيرة، منها الحروروية لأنهم نزلوا في حروراء بعد انشقاقهم عن علي كرم الله وجهه، والشراة لأنهم يقولون إنهم شروا أنفسهم في طاعة الله وابتغاء الجنة، وغير ذلك من أسماء أخرى يقبلون بعضها ويرفضون بعضها، إذ يقبلون لقب الخوارج على تأويل أنهم خرجوا على ولي الأمر المائل عن أمر الله نصرة للدين وجهادا في سبيل الله.

كان كثير من الشعراء آنذاك أشبه بأبواق إعلامية تصدح بأفكار الفرقة الدينية والسياسية التي ينتمون إليها وينافحون عنها، وكانت أشعار الخوارج تحديدا تمتاز بقوة الأسلوب وجموح العاطفة وتوقدها، فيشعر المرء في حديثهم عن النجاة يوم القيامة أن الأمر حكر عليهم، فهم وحدهم الذين شروا أنفسهم في سبيل الدين وإعلاء الحق، ومن سواهم هم العدو الكامن المتربص المارق من الدين.

حتى إن عبد الملك بن مروان قال عن أشعارهم "لقد كان يوقع في خاطري أن الجنة خلقت لهم وأنا أولى بالجهاد منهم"، والسبب وراء ذلك هو قوة اعتقادهم ورسوخ مفاهيم المثل العليا والأخلاق في نفوسهم، لأنهم كانوا يلتفون حول مبادئ معينة، لا حول شخص محدد، فحازت أشعارهم صبغة الجلال والجمال والتأثير.

كان عبيد الله بن زياد واليا على العراق في العهد الأموي، واشتد سعيه في طلب الخوارج، وعُرف بقسوته الشديدة في ملاحقة المعارضين له ولخلافة بني أمية، وكان مرداس بن أدية المعروف بأبي بلال لا يخشى في قول الحق لومة لائم، فسجنه عبيد الله بن زياد مع أتباع له، وبينما هو في السجن قتل أخاه عروة أيضا، وحين أذن بإخراجه من السجن استبقى أنصاره لديه في السجن، وكان عبيد الله يتتبع المعارضين رجالا ونساء على حد سواء، فيقتل ويسجن، ويُذكَر أن امرأة تدعى البلجاء كانت من أنصار مرداس، وكانت تتحدث عن جبروت عبيد الله وقسوته، فأمر بقطع يديها ورجليها ورميها في السوق.

لم يصبر مرداس على الظلم والأذى وهمّ بالرحيل مع مجموعة من أصحابه لا يتجاوز عددهم الأربعين نفرا كما تذكر كتب الأخبار والتاريخ، إذ قال لأصحابه وهم يهمون بالخروج من البصرة "والله إنه لا يمكن لنا أن نبقى عند هؤلاء الظالمين، والله إن صبرنا عظيم، وقتالهم لنا عظيم، ولكننا لا نقاتل إلا من يقاتلنا"، فشبههم شاعرهم عيسى بن فاتك بصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر؛ وزعم أنهم تغلبوا على جيش أموي تعداده أضعاف مضاعفة من عددهم، إذ يقول:

فَـلَمّـا أَصـبَـحوا صَلّوا وَقاموا

إِلى الجُـردِ العِـتاقِ مُسَوِّمينا

 

فَلَمّا اِستَجمَعوا حَمَلوا عَلَيهِم

فَـظَـلَّ ذَوو الجَـعـائِلِ يَقتُلونا

 

بَــقِـيَّةَ يَـومِهِـم حَـتّـى أَتـاهُـم

سَـوادُ اللَيـلِ فـيـهِ يُراوِغونا

 

يَــقــولُ بَـصـيـرُهُـم لَمّـا رَآهُـم

بِـأَنَّ القَـومَ وَلّوا هـارِبـيـنـا

 

أَأَلفـا مُـؤمِـنٍ فـيـمـا زَعَـمـتُم

وَيَهــزِمُهُــم بِــآسِـكَ أَربَـعـونـا

 

كَـذَبـتُـم لَيـسَ ذاكَ كَما زَعَمتُم

وَلكِــنَّ الخَــوارِجَ مُــؤمِــنـونـا

 

هُـمُ الفِـئَةُ القَـليـلَةُ غَيرَ شَكٍّ

عَلى الفِئَةِ الكَثيرَةِ يُنصَرونا

 

أَطَــعــتُــم أَمـرَ جَـبّـارٍ عَـنـيـدٍ

وَمـا مِـن طـاعَـةٍ لِلظّـالِمـيـنـا

قطري بن الفجاءة يؤرّخ لحربه مع أعدائه في موقعة «دولاب»

قطري بن الفجاءة، قائد الخوارج وشاعرهم الشهير، يذكر في قصيدة له حربه مع أعدائه في موقعة «دولاب» التي وقعت في البصرة ضد حكم بني أمية وأنصارهم، ويصورها كحرب مع الكفار، واصفا جيشه المكون من فتية باعوا أنفسهم لله مقابل جنات عدن أعدت لهم في الحياة الآخرة، فيقول:

وَلَو شَهِدَتني يَومَ دولابَ أَبصَرَت

طِعانَ فَتى في الحَربِ غَيرَ ذَميمِ

 

غَداةَ طَفَت عَ الماءِ بَكرُ بنُ وائِلِ

وَأُلافَها مِن حِميرٍ وَسَليمِ

 

وَمالَ الحِجازِيّونَ نَحوَ بِلادِهِم

وَعُجنا صُدورَ الخَيلِ نَحوَ تَميمِ

 

وَكانَ لِعَبدِ القَيسِ أَوَّلُ جِدِّها

وَوَلَّت شُيوخُ الأَزدِ فَهِيَ تَعومُ

 

فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَكثَرَ مَقعَصاً

يَمُجُّ دَماً مِن فائِظٍ وَكَليمِ

 

وَضارِبَةٍ خَداً كَريماً عَلى فَتى

أَغَرَّ نَجيبُ الأُمَّهاتِ كَريمِ

 

أُصيبَ بِدولابٍ وَلَم تَكُ مَوطِناً

لَهُ أَرضُ دولابٍ وَديرَ حَميمِ

 

فَلَو شَهِدَتنا يَومَ ذاكَ وَخَيلُنا

تُبيحُ مِنَ الكُفّارِ كُلَّ حَريمِ

 

رَأَيتُ فِتيَةً باعوا الإِلهَ نُفوسَهُم

بِجَنّاتِ عَدنٍ عِندَهُ وَنَعيمِ

امتاز شعراء الخوارج عامة بثبات الشخصية سياسيا والالتفاف حول المبادئ والتركيز عليها، لا حول الشخصيات، لذلك لا نجد في أشعارهم كثيرا من التفصيلات حول مهاجمة الأحزاب الأخرى، فكلها عندهم سواء، كل أفراد الأحزاب المخالفة لهم كفار وظالمون، والخلافة ينبغي أن ينالها من يحق الحق فحسب، ويعد الخوارج أنفسهم حماة للدين مناكفين عن الحق، وهم في الوقت نفسه عباد زهاد، وقد دفعهم إلى ذلك كله الحاضن الثقافي السياسي والديني الذي عاشوا فيه، فلا مكان لهم في السلطة، وهم مغيبون عن الواجهة الدينية، أي لا اعتبار لوجودهم إلا بقدر ما يشعلون الحروب ويواجهون ويقاتلون الفئات الدينية والأحزاب السياسية الأخرى.

 (السيف أصدق أنباء من الكتب) أبو تمام يؤرخ بشعره فتح عمورية:

كانت معركة عمورية بين الإمبراطورية البيزنطية والخلافة العباسية في عهد المعتصم بن هارون الرشيد في عام 223هـ، وكانت ردا من خليفة المسلمين، الذي خرج بنفسه، على ما فعله ملك الروم توفيل بن ميخائيل من تخريب لمدينة ملطية وقتل وتعذيب وأسر لسكانها وسبي لنسائها.

وبعد هذا الفتح العظيم جاء الناس والشعراء لتهنئة الخليفة الذي لبى نداء الكرامة المتمثل بصرخة المرأة الشهيرة التي استنجدت بالمعتصم، فحفظ التاريخ استغاثتها (وامعتصمااااه!). وقد سطر هذا النصر وخلد وأرخ له في صدر المجد بقصيدة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، القصيدة البائية التي تُعَد من عيون الشعر العربي قد بلغت 70 بيتا. ويذكر أن الخليفة المعتصم قد كافأ أبا تمام على كل بيت منها بألف درهم. يقول أبو تمام فيها:

السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ

في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ

 

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في

مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ

 

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما

صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ

 

تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً

لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ

 

فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ

نَظمٌ مِنَ الشعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ

 

فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ

وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ

 

يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت

مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ

 

أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ

وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ

ثم يقول مادحا الخليفة المعتصم، وشاكرا صنيعه، ومتغنيا بحسن تدبيره وفعاله:

تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ

لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ

 

وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ

يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ

 

لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ

إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ

 

لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا

مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ

 

لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ

كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

 

عَداكَ حَرُّ الثُغورِ المُستَضامَةِ عَن

بَردِ الثغورِ وَعَن سَلسالِها الحَصِبِ

 

أَجَبتَهُ مُعلِناً بِالسَيفِ مُنصَلِتاً

وَلَو أَجَبتَ بِغَيرِ السَيفِ لَم تُجِبِ

ويقول مصورا حال الروم البيزنطيين وقد لاقوا من سيوف المسلمين ما لاقوه من شدة وعذاب:

تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت

جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ

 

يا رُبَّ حَوباءَ حينَ اِجتُثَّ دابِرُهُم

طابَت وَلَو ضُمِّخَت بِالمِسكِ لَم تَطِبِ

 

وَمُغضَبٍ رَجَعَت بيضُ السُيوفِ بِهِ

حَيَّ الرِضا مِن رَداهُم مَيِّتَ الغَضَبِ

 

وَالحَربُ قائِمَةٌ في مَأزِقٍ لَجِجٍ

تَجثو القِيامُ بِهِ صُغراً عَلى الرُكَبِ

 

كَم أَحرَزَت قُضُبُ الهِندِيِّ مُصلَتَةً

تَهتَزُّ مِن قُضُبٍ تَهتَزُّ في كُثُبِ

ثم يدعو للخليفة بخير الجزاء لما أداه من دفاع عن الإسلام والمسلمين، فيقول:

خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن

جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ

 

خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن

جُرثومَةِ الدينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ

 

بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها

تُنالُ إِلّا عَلى جِسرٍ مِنَ التعَبِ

 

إِن كانَ بَينَ صُروفِ الدهرِ مِن رَحِمٍ

مَوصولَةٍ أَو ذِمامٍ غَيرِ مُنقَضِبِ

 

فَبَينَ أَيّامِكَ اللاتي نُصِرتَ بِها

وَبَينَ أَيّامِ بَدرٍ أَقرَبُ النسَبِ

 

أَبقَت بَني الأَصفَرِ المِمراضِ كَاسمِهِمُ

صُفرَ الوُجوهِ وَجَلَّت أَوجُهَ العَرَبِ

إن الناظر في الشعر العربي الذي أرّخ للمعارك والانتصارات في العصور الإسلامية المتقدمة، يرى أنه أرخ للهزائم والخيبات أيضا، وحمل إلينا مشاعر الشعراء وأفكارهم ورؤاهم، والشعراء بالضرورة أبناء بيئاتهم، ويحملون في ثنايا أشعارهم همومهم وهموم أبناء جيلهم، وهذا ديدنهم حتى العصر الحديث والمعاصر، فالشعراء نموذج الإنسان بشكل من أشكاله، والشعر يعكس صور الحياة من زوايا مختلفة، وأهم ما يميز الشعر الذي يؤرخ للأحداث العظيمة أنه ينقلها بعيون القلب وإحساس الشاعر وتأثره وانفعاله بها، ويبقى للمتلقي مساحته الخاصة لينفعل وفقا لتأثره واستجابته، وتبقى للقصائد في صفحات التاريخ كلمتها التي لا يخبو نورها ولا ينتهي نبضها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشعر العربی عبید الله بنی أمیة بن أبی التی ت

إقرأ أيضاً:

ترامب في خطاب الـ100 يوم: العصر الذهبي لأمريكا بدأ.. سنقضي على الدولة العميقة

الولايات المتحدة – أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال تجمع جماهيري حاشد في ولاية ميشيغن، أن “العصر الذهبي لأمريكا قد بدأ”، متعهدا بالقضاء على الدولة العميقة واستعادة “عظمة” الولايات المتحدة.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها يوم الثلاثاء في تجمع جماهيري بمدينة وارن، ولاية ميشيغان، ضمن فعاليات الأيام المائة الأولى من ولايته الرئاسية الثانية. وتضمنت وعودا سياسية واقتصادية وانتقادات الحادة لخصومه.

وقال ترامب: “نحتفل اليوم بمرور 100 يوم ناجحة على تشكيل أفضل حكومة في تاريخ بلادنا. سنقضي على التضخم وهدر المليارات وسنستعيد عظمة أمريكا”.

وأضاف أن حكومته تعمل على إعادة شركات صناعة السيارات إلى ولاية ميشيغن، وتعزيز الصناعة الوطنية.

وشدد ترامب على أن شعاره سيبقى “أمريكا أولا وليس الصين أولا”، مؤكدا أن إدارته تعمل على تقوية الجيش وحماية الحدود، قائلا: “أمريكا تحت رئاستي لم تعد دولة يستطيع المجرمون دخولها”.

وأشار إلى أن نسبة عبور المهاجرين غير النظاميين عبر الحدود الجنوبية تراجعت بنسبة 99.9%، قائلا إن “3 فقط عبروا خلال 100 يوم”، كما اتهم الديمقراطيين واليساريين بـ”السماح لآلاف المجرمين بدخول البلاد”، في حين قال إن نائب الرئيس السابق كمالا هاريس “لم تتحدث لأي مسؤول في الهجرة على مدى 4 سنوات”.

وأكد أنه وقع أوامر تنفيذية لترحيل المهاجرين غير النظاميين فور توليه المنصب، مستخدما قانون “الأعداء الأجانب”، قائلا: “من رحلناهم مجرمون، ولو تركناهم لكنا نعيش في جحيم”.

وفي الشأن الاقتصادي، قال ترامب إن إدارته نجحت في خفض أسعار البيض والسلع الأساسية والوقود والأدوية، متهما وسائل الإعلام “الكاذبة” مثل “سي إن إن” بعدم الاعتراف بهذه الإنجازات. كما انتقد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، واصفا أداءه بأنه “ضعيف”.

كما أكد أن استطلاعات الرأي تظهر حصوله على تأييد 44% من الأمريكيين، لكنه زعم أن النسبة الحقيقية تصل إلى 60% لولا ما وصفه بـ”التحيز الإعلامي واستطلاعات الرأي غير الدقيقة”.

وهاجم ترامب سياسة إدارة بايدن، قائلا إنه أوقف خطة دعم السيارات الكهربائية، وفرض رسوما جمركية على واردات السيارات من أجل إعادة المصانع إلى الولايات المتحدة وخلق فرص عمل جديدة.

وأضاف: “أحب أن أطلق على جو بايدن لقب (جو النائم)… ولا أنام الليل بسبب التفكير في كيفية هزيمة الصين”، مشددا على رفضه التام لاستخدام “طواحين الهواء السخيفة” كمصدر للطاقة، مفضلا الفحم الحجري.

وقال ترامب: “لن نسمح لحفنة من الشيوعيين وبعض القضاة اليساريين بوقف مهمتنا في إعادة الأمن والكرامة للولايات المتحدة”.

وأكد الرئيس الأمريكي أن فوز كامالا هاريس، ممثلة الحزب الديمقراطي، في انتخابات نوفمبر 2024 كان سيحول الولايات المتحدة إلى “دولة فاشلة من دول العالم الثالث”.

وحذر ترامب من أن انتصار الديمقراطيين سيتيح دخول عشرة ملايين مهاجر جديد إلى البلاد، بالإضافة إلى منح العفو لما بين 30 إلى 40 مليون شخص دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. وأضاف: “لن يستغرق الأمر سوى بضع سنوات أو أشهر قبل أن تتحول أمريكا إلى دولة فاشلة من العالم الثالث. لو كان الأمر بيدهم، لعشنا في جحيم من جحيم العالم الثالث. هذا بالضبط ما يريدونه”.

وتعهد الرئيس الأمريكي بإعادة هيكلة التجارة الدولية بما يخدم الطبقة الوسطى الأمريكية، وبتحقيق انتعاش صناعي واسع النطاق داخل الولايات المتحدة.

وقال ترامب: “نريد من شركات صناعة السيارات الأجنبية أن تفتح مصانعها هنا داخل الولايات المتحدة”، مؤكدًا عزمه رفع الرسوم الجمركية على بعض السلع مثل غسالات الملابس إلى 100% لحماية الصناعة الوطنية.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة “كانت تخسر 5 مليارات دولار يوميا في تجارتها الدولية”، مضيفا أن “الصديق قبل العدو كان يستغلنا، وكانت الصين أكثر دولة سرقت منا فرص عمل”، في إشارة إلى ما وصفه بتقاعس الإدارات السابقة عن مواجهة السياسات التجارية المجحفة.

وأكد أن كندا والمكسيك استحوذتا على نسبة كبيرة من الصناعة الأمريكية، موضحا أن “كندا أخذت منا فرص عمل كثيرة، فيما سلبت المكسيك 33% من صناعة السيارات لدينا”.

وشدد ترامب على أن إدارته تركز على حماية الطبقة الوسطى وليس “الطبقة السياسية”، مضيفا أن الشركات الكبرى بدأت بالفعل ضخ استثمارات غير مسبوقة في الاقتصاد الأمريكي، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “شركة آبل ستستثمر 500 مليار دولار، وكذلك شركة إنفيديا، فيما خصصت أمازون 200 مليار دولار للاستثمار”.

واعتبر ترامب أن ما تم إنجازه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسته يفوق ما حققته إدارات سابقة خلال ثمانية أعوام، مشددا على أن الإصلاح الاقتصادي يسير بوتيرة غير مسبوقة.

ودافع ترامب عن وزير الدفاع بيت هيغسيث، متهمًا وسائل الإعلام التي وصفها بـ”الكاذبة” بمحاولة تشويه سمعته.

وختم تصريحاته بالإشادة بالملياردير إيلون ماسك، قائلا: “ماسك وفر 150 مليار دولار من النفقات العامة، وهذا مثال على ما يمكن أن يفعله الابتكار الأمريكي الحقيقي”.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • الشؤون الإسلامية في معرض أبوظبي توزع أكثر من 5000 نسخة من كتاب الله
  • مصدر أمني بالسويداء لـ سانا: إننا نحذر كل الأطراف التي تحاول المساس بالاتفاق الذي أكد على ضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، ومدينة السويداء على وجه الخصوص
  • بينما تُباد غزة وتشحن سوريا طائفيا.. هل نكرر أخطاء التاريخ ونخوض المعارك الخطأ؟
  • أفضل مواعيد قص الشعر في شهر مايو 2025 بهدف التكثيف
  • عضو الشئون الإسلامية: أنا بشتغل على قد فلوسهم انعدام ضمير
  • دفع الله الحاج.. او الرجل الذي يبحث عنه البرهان ..!!
  • الحوثي يحذر من مخطط أمريكي إسرائيلي لطمس الهوية الإسلامية.. صمت الأمة خيانة
  • عرض موسوعة ابن سينا «القانون في الطب» خلال «أبوظبي للكتاب»
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • ترامب في خطاب الـ100 يوم: العصر الذهبي لأمريكا بدأ.. سنقضي على الدولة العميقة