غوانتانامو.. 3 قصص من الانتهاكات والخديعة يرويها أصحابها للجزيرة نت
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
عاش أسد الله هارون بين عامي 2007 و2022 فترة ثقيلة من عمره بطعم الموت والنار والبلاء المبين، وظروفا مأساوية وراء حدود استيعاب العقل في انعدام التعامل الإنساني واحترام الآدمية والكرامة المهدرة، عاشها مثل غيره من سجناء غوانتانامو، ومنهم عبد الظاهر صابر وعظيم الله منير وغيرهم كثير.
ولا تقتصر حدود المعقول هنا على التعامل الذي قاساه هؤلاء السجناء، وإنما تمتد إلى التهم التي سيقت لهم، خاصة حين يتحول الملح إلى مواد كيميائية، وتصبح المصاحف مناشير عسكرية وأدوات للتعبئة القتالية.
الجزيرة نت التقت في كابل عددا من الذين قضوا فترات طويلة في سجن غوانتانامو، ووثقت شهاداتهم ومعاناتهم منذ لحظات القبض عليهم، مرورا بالأهوال التي تعرضوا لها أثناء تنقلهم بين السجون ومكاتب التحقيق وغرف التعذيب، وصولا إلى الانتهاكات التي عاشوها في غوانتانامو.
أسد الله هارون
في شهادته للجزيرة نت يروي أسد الله هارون أنه لم يتنسم عبق الحرية رغم التبرئة القضائية والإدارية إلا في تبادل للأسرى بين الولايات المتحدة وحركة طالبان وأشرفت عليه دولة قطر، ويذكر تفاصيل عديدة هذه أهمها:
البداية أنا من ولاية ننغرهار، ودرست في الجامعة الإسلامية للعلوم والتقنية وتخرجت في كلية الاقتصاد، وقبل ذلك تخرجت في المدارس الشرعية. القبض عليّ كان في يناير/كانون الثاني 2007 وليس فبراير/شباط كما ادعى الأميركيون. لدي بنت اعتقلت وهي في شهرها الثالث، ورزقت بولد بعد الإفراج عني. قُبض علي في جلال آباد في هجوم أميركي أفغاني مشترك في الساعة الثالثة ليلا، واستخدمت فيه عشرات السيارات والمروحيات. كنت نائما ولم يقبضوا علي في ساحة قتال ولم يكن لدي أي سلاح. حولوني إلى قسم الاستخبارات الأفغانية في جلال آباد فمكثت عندهم أياما، ربما أسبوعان أو أقل، لا أذكر بالضبط لأن رأسي كان مغطى. هناك، تناوبوا على ضربي بشكل عنيف، وكنت معلقا ولا تلمس رجلاي الأرض طوال الوقت، والتحقيق كان منصبا على معرفة أشخاص بعينهم كانوا يظهرون صورهم لي ويسألونني عنهم. نقلوني من جلال آباد إلى سجن استخباراتي أفغاني في كابل مكثت فيه أياما أيضا، وكان فيه أشخاص لم أعرف هوياتهم لأنهم ملثمون. ثم رحلوني إلى سجن سري كانوا يقولون إنه ليس في أفغانستان، ومكثت فيه 3 أشهر لم أعرف الليل فيه من النهار، وكان المحققون كلهم من الأميركان. كانوا يسألونني عما إذا كنت عضوا في القاعدة وكنت أنفي، لم يخبروني حتى باتجاه القبلة أو بأوقاتها وكنت أصلى في اتجاه خاطئ. بعد ذلك نقلوني إلى سجن انفرادي في قاعدة بغرام، وبقيت هناك نحو 50 يوما. الطريق إلى غوانتانامو أخبروني بأني سأرحّل من دون أن يفصحوا لي عن وجهتي، وأخذوني في رحلة طويلة استمرت نحو 24 ساعة، وعرفت أنني في غوانتانامو حين نزلت من الطائرة، وكانوا يقرؤون عليّ قوانين السجن. كان رأسي مغطى طوال الرحلة، وعصبوا عيني وأذني وفمي، وربطوا يدي برجلي، وكان 3 جنود عن يميني ويساري ولم يتركوني لأنام من الضرب. لم أتعرض للضرب البدني في غوانتانامو إلا في أوقات الشغب أو نحو ذلك.. الضرب كان في جلال آباد أكثر من أي مكان آخر. في غوانتانامو كنا نعاني من تعذيب نفسي فظيع وحرمان من النوم، وكان التعذيب البدني المستمر والضرب أهون عندي بكثير من التعذيب النفسي والحرمان من النوم. أمضيت 3 أشهر لم أنم خلالها، وحين كنت أنام كان أحدهم يأتي ليضرب الباب الحديدي بأقسى ما لديه وكنت أقفز من شدة الخوف والارتباك، وما زلت إلى الآن أعاني من مشكلة اضطراب النوم. عانينا من العقوبات المستمرة، والتفتيش بطريقة غير أخلاقية، والتجويع والحرمان من الدواء، وأي عسكري يمكن أن يعاقبك من دون أي مبرر، وحتى لو كنت في انفرادي يمكنه أن ينقلك إلى انفرادي آخر أكثر سوءا، حيث يعطونك "الشورت" وتجلس 24 ساعة على صفائح حديدية، وكان الضوء مسلطا علينا بصورة مستمرة بطريقة لا تحتمل، والمكيفات كانت مفتوحة طوال الوقت فكان البرد أكثر مما نطيق. أضربت عن الطعام لمدة سنة ونصف السنة، وتعرضت لتغذية قسرية بمحلول طبي عبارة عن حليب كانوا يحقنونه بأنبوب في معدتي عن طريق الأنف، وكان ألمه مريعا، ويتضاعف الألم حين يمارسه ممرض ليست لديه تجربة. أسرتي لم تعرف إن كنت حيا أو ميتا ولا عن انتقالي إلى غوانتنامو، وعرفوا فقط أنني اعتقلت عن طريق الإعلام، وكانوا يبحثون عني بقوة من دون أن يجدوا أي جواب لا من الحكومة ولا من أي جهة أخرى. بعد 3 سنوات عرفوا عن طريق الصليب الأحمر أنني في غوانتانامو، ومن ثم بدأ التواصل مع الأسرة كل 3 أشهر عن طريقه، وكان الأميركيون يحتجزون بعض الرسائل ويمحون كثيرا مما فيها. التهميتحدث هارون عن التهم التي وجهت إليه "كنت أقول أنا لست من القاعدة وليس لكم أي دليل على ذلك، وإن كنت قاتلت فهو من أجل الدفاع عن بلدي، وهو وفق ما تقره القوانين الدولية واتفاقيات جنيف".
وأشار إلى أن التهم التي وجهت إليه كانت تزيد وتنقص حسب أهوائهم، ومنها:
مقاتل بدرجة عالية من الخطورة. منسق بين المنظمات الجهادية. قائد عسكري ينسق العمليات العسكرية ضد التحالف الدولي. القتال من 2001 إلى 2007. عضو في حركة طالبان.وبشأن مسار التبرئة يقول أسد الله هارون:
بُرئت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 من قبل المحكمة الاتحادية الأميركية ضمن مسار قضائي سلكه المحامون المدنيون داخل الولايات المتحدة، وبعد ذلك بأسبوع من قبل اللجنة العسكرية في غوانتانامو التي يشارك فيها ممثلون من الاستخبارات والداخلية والخارجية والعدل والدفاع، ويجب أن يوافق ممثلو الجميع على البراءة. رغم كل ذلك لم يفرج عني، ومكثت نحو 10 أشهر في السجن. بعد 6 أشهر من التبرئة ذهب المحامون إلى القاضي وأخبروه بأنني ما زلت معتقلا، وغضب وقال لهم: لقد برأته ومن المفروض أن يكون في بيته الآن، ورغم ذلك لم يطلق سراحي وبقيت رهينة عندهم. كان المحامون يقولون لي هم يأخذون بأي مبرر لإبقائك في السجن، وإن عدم وجود علاقة سياسية أميركية مع حكومة طالبان ربما تؤخذ كعذر. أطلق سراحي يوم 22 يونيو/حزيران 2022 ضمن عملية تبادل أسرى رعتها دولة قطر بين الإمارة الإسلامية والأميركان. كانوا يريدون أن أذهب إلى أوروبا، ولكنني رفضت، وقلت لهم لن أذهب إلا إلى بلدي أو أبقي في السجن. في رحاب الحرية بقيت في قطر يوما واحدا تم فيه التبادل. بعد مجيئي من غوانتانامو قابلت والديّ، ورزقني الله بولد بعد عام، ولكن قبل ميلاده بأسبوع فقدت والدي، ثم فقدت أمي بعد ذلك بفترة. كنا في بلاء عظيم وامتحان كبير جدا، والآن أنا أتجول في شوارع كابل وفي أفغانستان كلها، وأحس بالأمن وأنا حر وتغمرني السعادة بذلك، وإن كنت أحس بالظلم من الدول الأجنبية لعدم اعترافها بالإمارة الإسلامية ولبقاء العقوبات على بلدي، لكن التغيرات كثيرة ومفرحة. السجن مدرسة كبيرة جدا، وأفكر أحيانا أني لو أخذت 10 أطروحات من أفضل الجامعات فلن تعطيني الذي قدمه لي السجن، لأنه جعلنا نرجع إلى الله سبحانه ونعرف حقيقة العالم الذي يدّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان. لا أعمل حاليا وأولويتي التداوي، فالسجن له آثار سلبية كثيرة، وإن كان الرجل جبلا لا بد أن يتأثر به سلبا، فأنا مريض الآن وأجريت العام الماضي عملية نجمت عنها مضاعفات، ولدي مشاكل في الجهاز الهضمي تنجم عنها إفرازات من الصديد والدم، ولدي مشاكل في المعدة ومشاكل أخرى بسبب الإضرابات عن الطعام، وأتطلع لأن أتعالج في الخارج.
عبد الظاهر صابر
الشهادة الثانية لعبد الظاهر صابر، وهي لا تختلف كثيرا عن سابقتها إلا في بعض التفاصيل لكنها تحمل المعاناة نفسها.
الاعتقال ولدت عام 1971 في محافظة لوغر الأفغانية، ودرست العلوم الشرعية، ومتزوج ولدي 3 أولاد. اعتقلت منتصف مايو/أيار 2002 في بيتي في لوغر، حين جاءت القوات الأميركية في حملة ضخمة وقت صلاة الفجر، واستخدموا فيها نحو 13 مروحية بمختلف أنواعها وطائرات حربية وفوقها طائرة بي 52 الضخمة، فضلا عن أعداد كبيرة من طائرات الكشف والتصوير. أثناء الاعتقال عاملوا الأسرة بشكل سيئ للغاية، فالأطفال كانوا نائمين وجروهم إلى خارج الغرف، ورموهم مع النساء، وألقوا بأمي وزوجتي خارج الغرف، ووقف العساكر على رؤوسهم بالأسلحة أثناء تفتيش البيت. الطريق إلى غوانتانامو قضيت 4 أشهر في سجن بغرام قرب العاصمة كابل. كان التعذيب قاسيا وهو أسوأ فترة تعرضت فيها للتعذيب. تم ترحيلي إلى غوانتانامو بطريقة مريعة، حيث كانت يداي ورجلاي مربوطة ببعضها والعيون والآذان والأنف والفم كلها مكممة، وكنت مربوطا في عدة أماكن في الطائرة، ولا أذكر الكثير عما جرى في الرحلة لأنهم "ضربونا بإبر تخدير". وفي غوانتانامو، تعرضت لتعذيب خلال فترة وجودي الأولى، وبعد ذلك تركوني لأنه لم يكن لديهم جديد. توقفت التحقيقات حتى نهاية 2005 حين قدموني للمحاكمة العسكرية، واستمر التعذيب حتى 2008 حين ضربني العساكر بشكل عنيف وأدت إحدى الضربات في العمود الفقري إلى إصابتي بشلل نصفي فقدت بسببه القدرة على تحريك الجزء السفلي كاملا، ولم أكن أتحكم في يدي ولا رأسي. أجروا لي عملية جراحية تكللت بالنجاح بنسبة 90% ثم رجعت لوضعي الطبيعي تقريبا. تهم بلا أساس يقول صابر عن التهم التي وُجهت إليه إن "أغلبها متصلة بالارتباط بتنظيم القاعدة أو التنظيمات الأخرى، وهذه فيها تفاصيل طويلة ومملة، وفي أغلبها لا تقوم على أي أساس". وقدم أمثلة منها: وجدوا في بيتي مصاحف مطبوعة بمجمع الملك فهد بالمدينة المنورة، والسبب في وجودها أننا جميعا حفّاظ لكتاب الله؛ إخوتي جميعا وأبنائي والوالد كان شيخا. قالوا إنها "مصاحف عربية"، وكوّنوا من هذا تهمة لأنها ليست مطبوعة بأفغانستان أو باكستان، وهذا يدل على أن هذا البيت الطيني المتواضع كان بيت ضيافة للقاعدة. وجدوا ملحا في "قِدر ضغط" قالوا إنه مواد كيميائية، وإني كنت أريد أن أصنع به أشياء خطيرة، وأرسلوه للولايات المتحدة، وأخبرني المحققون في غوانتانامو بعد أشهر أنه كان مجرد ملح! ومع هذا لما قدّموني للمحاكم العسكرية كان من ضمن التهم أنه كانت لدي في بيتي مواد كيميائية. توقفت المحاكمة العسكرية بعد عدة جلسات ابتدائية، بسبب الشلل الذي أصابنيٍ، ولم تُستأنف حتى 2016. حين قدموني للجنة مختلطة من مختلف الأجهزة الأميركية المدنية والعسكرية، عن طريق الفيديو، قررت اللجنة التي كانت ترأسها سيدة أن "هذا الشخص لا يشكل أي خطر على الولايات المتحدة الأميركية ويجب أن يُفرج عنه". لكنهم -في إطار سياسة انتهجوها حينها- لم يرحّلوني إلى أفغانستان وإنما إلى سلطنة عمان، وكان ذلك في 16 يناير/كانون الثاني 2017. التواصل مع الأهل عرفت الأسرة نبأ نقلى إلى غوانتانامو عن طريق الصليب الأحمر بعد فترة ليس طويلة. كنت أرسل رسائل ولا تصل إلا بعد فترة طويلة جدا، وكانوا يشطبون أشياء كثيرة حتى تسبب حالة نفسية سيئة للعائلة، وهذا ما يحدث مع الرسائل التي تصلني من التأخير والحذف، وكانوا يحذفون أشياء لا قيمة لها ولكن من باب التعذيب النفسي فقط. عند اعتقالي كان لدي 3 أطفال، أكبرهم في الرابعة من عمره، وكانت تأتيني صورهم وتتأخر كثيرا، وأحيانا يسحبونها أثناء التفتيش، وقد يرجعونها أو لا. كنت أبعث لعائلتي صورا خلال الفترة الأخيرة، حيث كان الصليب الأحمر يصورنا ثم يوصلها للأهل وأحيانا تصلهم بعد فترات طويلة.ويكمل صابر شهادته بأنه عاش في سلطة عمان نحو 7 سنوات، ويقول عنها "لا أعتبرها إلا فترة حرية، حيث كان التعامل إنسانيا وأخويا، واستقدموا لي أولادي وعاشوا معي وكنت أشعر بأنني بين أهلي وفي بلدي، وأخرج إلى أي مكان حرا طليقا، فلا يمكن أبدا أن أنسى المعاملة الطيبة التي لقيتها في عمان، حتى عدت من هناك إلى أفغانستان في 12 فبراير/شباط 2024.
ماذا بعد؟ أمضيت فترة طويلة وأنا أعالج ابني نفسيا لأقنعه بأنني والده. ابني الآخر حين سلم عليّ -وكنت أعتمر غترة عمانية- لم يعرفني، وحين بادرت لعناقه وعرفني بكى بكاء شديدا. عرفنا بعض الحقائق عن الذين اعتقلونا وهم يدّعون -ولا يزالون- تمسكهم بحقوق الإنسان وحرية الدين لكنهم يضحكون على العالم، وكل هذا رأينا أنه لافتات مزيفة والعالم كله يعرف أنه مجرد ادعاء. الحكومة الأميركية إذا أرادت أن تكون كما تزعم فعليها أن تصحح مسارها في العالم كله، ليس فقط مع أفراد أو جماعة معينة، وإنما مع العالم كله، لا سيما العالم الإسلامي. سمعت أن هناك محامين رفعوا دعوى على الولايات المتحدة من أجل موكليهم وحصلوا على بضعة آلاف من الدولارات، لكن لم أتواصل معهم لأنني أحتسب الأجر في الآخرة، ولا أريد أن يضيع من أجل بعض المال. لا أعمل حاليا ولا أزال في فترة نقاهة. مستقبل أفغانستان -من جهة الإمارة الإسلامية- أراه طيبا حيث يسعون لجعلها راقية، أما من جهة العالم الخارجي فالأمر مختلف؛ ولا أدري لماذا لا يتعاملون معنا كدولة مستقرة تدير الأمور بشكل جيد؟الشهادة الثالثة يرويها عظيم الله محمد منير، الذي يعمل حاليا في وزارة الداخلية، وهو من ولاية خوست (جنوب شرقي أفغانستان) قرب الحدود الباكستانية.
في بغرام اعتقلت عام 2003 في خوست من قبل المخابرات الأفغانية، وتعرضت خلال يومين لأبشع أنواع التعذيب. وضعوني تحت سرير ثم جلس عليه 5 عناصر أمنية وبقيت أعاني تحته ساعات. اتهموني بعضوية حركة طالبان، ثم سلموني للقوات الأميركية. بقيت 6 شهور في سجن بغرام بيد القوات الأميركية، وتعرضت لألوان من التعذيب: التجويع، والحرمان من النوم، والإهانات الدينية مثل رمي المصحف الشريف والدوس عليه. استعدادا لنقلي إلى غوانتانامو، حلقوا شعر رأسي ولحيتي وحواجبي وربطت يدي ورجلي، ثم رميت في الطائرة مثل الطرد، وأحكم وثاقي بتمديدات داخل لطائرة، ومنعت من النوم خلال الرحلة القاسية التي استمرت نحو 24 ساعة.وضعونا في البداية في غرف مثل أقفاص العصافير: متر ونصف في 60 سنتيمترا، نأكل ونشرب وننام ونصلي ونقضي حاجتنا فيها، وكنا نحرم من النوم في البداية.
اتهمت بأنني عضو في القاعدة أو كنت أساعدها، ونقل لي المحامي أكثر من مرة الاتهامات، وكنت أرد عليها وبعد أشهر تردني التهم نفسها، ورغم أنهم كانوا يصنفونني "متهما خطيرا" فقد خرجت عام 2007 من دون المرور على أي محكمة.
ويختم محمد منير شهادته برسالة وجهها للولايات المتحدة قائلا إن "تكبركم وغروركم وغطرستكم تجاه المسلمين لن تنجح، سواء في أفغانستان أو في فلسطين أو في أي مكان آخر"، وأضاف أن "الحق منتصر مهما طال الوقت، وأن الباطل زائل لا محالة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حريات الولایات المتحدة إلى غوانتانامو فی غوانتانامو التهم التی عظیم الله جلال آباد محمد منیر من النوم عن طریق بعد ذلک من دون فی سجن
إقرأ أيضاً:
50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
لم يكن 30 أبريل/نيسان 1975 يوما عاديا في التاريخ الفيتنامي، فقد انتصرت فيتنام الشمالية آنذاك، وأُعيد توحيد شطري البلاد بعد حربين مع إمبراطوريتين أودتا بحياة نحو مليوني فيتنامي، وفقدت فرنسا كامل نفوذها تقريبا بالمنطقة، بينما خسرت الولايات المتحدة -التي تورطت بعدها- نحو 58 ألف جندي و120 مليار دولار في الحرب التي باتت الأكثر "إذلالًا" في تاريخها.
وبدت حرب فيتنام -أو حروبها- بتشابكاتها الدولية والإقليمية تجسيدا لنظرية "الحرب التي تلد أخرى" في ظل صراع ساخن في بواكير الحرب الباردة. فقد أدت معركة ديان بيان فو (13مارس/آذار-7 مايو/أيار 1954) عمليا إلى نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في منطقة الهند الصينية برمتها، وخسرت أيضا مستعمراتها الأخرى في أفريقيا بفعل صعود حركات التحرير التي تأثرت بالمقاومة الفيتنامية، وبمفاعيل "نظرية الدومينو" العسكرية والسياسية.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4كوارث بيئية لا تنسى.. "العامل البرتقالي" الأميركي بفيتنامlist 2 of 4الجزيرة نت في فيتنام.. احتفالات عارمة في "هو تشي منه" بخمسينية النصر والوحدةlist 3 of 4حرب فيتنام.. خمسينية النصر والوحدةlist 4 of 4هو شي منه قائد ثورة فيتنام ضد فرنسا وأميركاend of listكانت حرب فيتنام نتاج سنوات من مقاومة الاحتلال الفرنسي للبلاد (منذ عام 1883) ثم الغزو الياباني الذي انتهى بهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، والمد الشيوعي في المنطقة وصراع الأيديولوجيات، ومحاولات تقسيم البلاد، وبلغت أوجها مع التدخل الأميركي العسكري المباشر لمحاولة صد التوغل الشيوعي السوفياتي الصيني.
إعلانوعمليا، لم تكن حرب الهند الصينية الأولى (بين عامي 1946 و1954) معركة الولايات المتحدة، لكنها كانت تمول فعليا نحو 78% من تكلفة تلك الحرب -وفق أوراق البنتاغون المنشورة عام 1971- وتقدم مساعدات عسكرية ولوجستية ضخمة لفرنسا، خوفا من التمدد الشيوعي وسيطرة الصين على المنطقة وصعود الاتحاد السوفياتي إذا هزمت القوات الفرنسية.
كما ناقش المسؤولون الأميركيون -تبعا لهواجسهم تلك- دعما إضافيا لفرنسا ضمن ما عرف بـ"عملية النسر" (Operation Vulture) وهي مقترح خطة عسكرية كبيرة، من أجل إسناد الفرنسيين في معركة ديان بيان فو، وضعها الرئيس دوايت آيزنهاور (حكم بين 1953 و1961) ومستشاروه.
وتضمنت العملية -اعتمادا على وثائق رفعت عنها السرية- قصفا مركزا ومكثفا مع احتمال استخدام قنابل ذرية اقترح تقديمها لفرنسا، وتدخلا بريا. لكن العملية لم تنفذ في النهاية وانسحبت فرنسا بخسائر فادحة، بعد توقيع اتفاقية جنيف للسلام في يوليو/تموز 1954 التي نصت على تقسيم فيتنام إلى شطرين، ولم توقع الولايات المتحدة وحكومة سايغون الموالية لها على الاتفاق رغم حضورهما. وبدأ التورط الأميركي العسكري تدريجيا لحماية النظام الموالي لها في فيتنام الجنوبية ومحاربة المد الشيوعي، إلى حد التدخل المباشر والمعلن عام 1963.
في منتصف عام 1968، وتحت ورطة الفشل في حرب فيتنام، اعتمد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (1969-1974) على مبدأ تحقيق "السلام بالقوة" عبر "المزيد من قاذفات بي 52" التي أوصاه بها وزير خارجيته هنري كيسنجر، مبتدعا ما سماها "نظرية الرجل المجنون".
ويكشف رئيس موظفي البيت الأبيض بوب هالدمان في مذكراته عام 1994 عن إستراتيجية الرئيس نيكسون لإنهاء حرب فيتنام التي أسرّ له بها قائلا "أنا أسميها نظرية الرجل المجنون، بوب.. سنرسل لهم رسالة مفادها يا إلهي، أنتم تعلمون أن نيكسون مهووس بالشيوعية لا يمكن كبح جماحه عندما يكون غاضبا ويده على الزر النووي.. سيصل هو شي منه (الزعيم الفيتنامي) بنفسه إلى باريس في غضون يومين ويطلب السلام".
إعلانوكتب هالدمان أن الرئيس نيكسون سعى إلى تنفيذ إستراتيجية التهديد باستخدام القوة المفرطة لتقويض خصومه، وإجبارهم على الاستسلام أو التسوية. وبهذه الطريقة، يصبح عدم يقين الفيتناميين بشأن الخطوات المستقبلية للزعيم "أداة إستراتيجية في حد ذاتها".
وفي 4 أبريل/نيسان 1972 قال نيكسون لهالدمان والمدعي العام جون ميتشل "لم يُقصف الأوغاد قط كما سيُقصفون هذه المرة" عند اتخاذه قرارا بشن ما أصبح يُعرف باسم عملية "لاينباكر التي مثلت تصعيدا هائلا في المجهود الحربي، الذي شمل قصف ميناء هايفونغ، وحصار ساحل فيتنام الشمالية، وحملة قصف جديدة ضخمة ضد هانوي.
ولا تثبت الوقائع التاريخية أن الزعيم الفيتنامي هو شي منه خضع لنظرية "الرجل المجنون" عندما تم توقيع اتفاق السلام في باريس يوم 23 يناير/كانون الثاني 1973، لكن الولايات المتحدة استخدمت قوة هائلة ومفرطة لمحاولة إخضاع الفيتناميين، وفكرت في استعمال السلاح النووي.
كانت نظرية "الرجل المجنون" تجسيدا للإحباط الذي أصاب الإدارة الأميركية من صمود المقاومة الفيتنامية والخسائر الفادحة في صفوف الجيش الأميركي، ومن حركة الرفض الواسعة للحرب في المجتمع الأميركي، واهتزاز الضمير العالمي من المشاهد المؤلمة للمجازر البشعة، سواء في مذبحة "ماي لاي" في 16 مارس/آذار 1968 التي قتل فيها 504 من المدنيين العزل، وغيرها من المجازر.
وفي المقابل، كانت نظرية الجنرال فو نغوين جياب قائد قوات قوات "الفيت منه"(رابطة استقلال فيتنام) تراوح بين خطتي "هجوم سريع.. نصر سريع" و"هجوم ثابت.. تقدم ثابت" واعتماد الحرب الشعبية وحروب العصابات الخاطفة واستنزاف العدو، حيث يقول في مذكراته "إن كل واحد من السكان جندي، وكل قرية حصن" وكانت نظريته أن حرب العصابات هي "حرب الجماهير العريضة في بلد متخلف اقتصاديا ضد جيش عدواني جيد التدريب".
بدأ التورط الأميركي عمليا في حرب فيتنام بعد خروج القوات الفرنسية، ومنذ عام 1961 أرسلت واشنطن 400 من الجنود والمستشارين لمساعدة حكومة سايغون الموالية في مواجهته قوة هو شي منه الشيوعية، ومع التوصيات بزيادة المساعدات استجاب الرئيس جون كينيدي. وبحلول عام 1962 زاد الوجود العسكري الأميركي في جنوب فيتنام إلى نحو 9 آلاف جندي.
إعلانومع بداية عهد الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) -الذي منحه الكونغرس صلاحيات واسعة في الشؤون الحربية- بدأت القاذفات الأميركية تنفيذ عمليات قصف منتظمة على فيتنام الشمالية وقوات "الفيت- كونغ" (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام). وفي مارس/آذار 1965، بدأ تدفق القوات الأميركية إلى فيتنام الشمالية، حتى وصل إلى 200 ألف عام 1966، ثم نحو 500 ألف في نوفمبر/تشرين الثاني 1967.
وكانت قوات الزعيم هو شي منه، وقائد العمليات الجنرال جياب، تعتمد على التكتيكات الحربية النوعية والهجمات الخاطفة والكمائن والأنفاق والحرب الطويلة الأمد كما كانت تعتمد على الإمدادات القادمة من كمبوديا ولاوس المجاورتين، وعلى الدعم النوعي الذي تتلقاه من الصين ومن الاتحاد السوفياتي، خصوصا منظومات الدفاع الجوي التي أسقطت عشرات قاذفات "بي-52". ومع بداية عام 1968 بلغت الخسائر الأميركية 15 ألف قتيل و109 آلاف جريح.
وفي المقابل، زادت الولايات المتحدة من وتيرة القصف الجوي العنيف واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا مثل "النابالم" وما سمي "العامل البرتقالي" -الذي يحتوي على "الديوكسين" وهو أكثر تلك المبيدات ضررا وفتكا- على فيتنام ولاوس وكمبوديا، ومازالت آثاره البيئية الخطيرة قائمة.
لم تكن الخسائر البشرية لوحدها ذات التأثير الأكبر فيما اعتبر هزيمة أميركية عسكرية وأخلاقية في فيتنام، فقد مثلت تلك الحرب أول "حرب تلفزيونية" مع بروز سطوة التلفزيون والصورة، وكانت للتقارير الإعلامية عن المجازر في فيتنام ذات تأثير واسع في الرأي العالم الأميركي والعالمي وفي قرارات الإدارة الأميركية لاحقا، خصوصا صورة "طفلة النابالم" التي كانت تجري عارية بعد أن أسقطت طائرة أميركية مادة النابالم الحارقة على قريتها في 8 يونيو/حزيران 1972.
إعلانوفي 29 أبريل/نيسان 1975، ألقى الرئيس الأميركي جيرالد فورد (1974-1977) بيانا أعلن فيه إجلاء الموظفين الأميركيين من فيتنام قائلا "تعرض مطار سايغون لقصف صاروخي ومدفعي متواصل، وأُغلق بالكامل. تدهور الوضع العسكري في المنطقة بسرعة. لذلك، أمرتُ بإجلاء جميع الموظفين الأميركيين المتبقين في جنوب فيتنام" وكانت تلك نهاية الوجود الأميركي في هذه البلاد، ودخول قوات الجنرال جياب إلى المدينة اليوم التالي.
ولا تزال مجريات حرب فيتنام، بمآسيها وصمود مقاومتها وتوحيد شطريها، من بين أحداث العالم الفارقة خلال القرن العشرين، وواحدة من الحروب التي غيّرت وجه الولايات المتحدة والعالم بأبعادها العسكرية والسياسية وآثارها الإنسانية، كما باتت تكتيكاتها وأساليبها تدرس في الكليات العسكرية، وتتبعها حركات مقاومة أخرى حول العالم.
وبينما تحتفل بالذكرى الخمسين ليوم تحرير الجنوب وإعادة التوحيد الوطني، لم تعد مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية سابقا) -التي باتت تسمى هو شي منه نسبة إلى الزعيم الأسطوري لفيتنام- رهينة جراحات الماضي الأليم وأهواله، فقد تحولت على مدى الـ50 عاما الماضية إلى مدينة ناطحات سحاب براقة، وأعمال مزدهرة ومركز صناعي حيوي ونقطة جذب سياحية عالمية.