نتنياهو ووهْم اسمه صفر مقاومة
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
بعض ما يرشح عن جولات التفاوض حول ما يُطلق عليه "اليوم التالي للحرب"، يُظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبني تصوره أو يرتب خطته عن سير الأوضاع في غزة، – بعد أن تضع الحرب على القطاع أوزارها – على إنهاء المقاومة تمامًا، لتهبط قدرتها إلى درجة الصفر.
فطرح نتنياهو حول بقاء قوات للجيش الإسرائيلي في محور صلاح الدين أو نتساريم أو إعادة المستوطنات إلى قطاع غزة، أو التفكير في اقتطاع أجزاء من أطرافه، أو حتى بقاء القوات الإسرائيلية في غلافه، مثلما كان الوضع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتطلب إما قتل المقاومين جميعًا أو استسلامهم بالجملة، ثم تسريحهم، بعد تسليم أسلحتهم، وتدمير البنية التحتية التي أنشؤُوها وفي مقدمتها شبكة الأنفاق، وورش تصنيع السلاح، بل نزع فكرة الكفاح المسلح نفسها من الرؤوس.
يبدو هذا وهْمًا كبيرًا قياسًا إلى عشرة اعتبارات، يمكن شرحها على النحو التالي:
1- امتلاك المقاومة، بعد أكثر من أحد عشر شهرًا على اندلاع الحرب، قدرة على تكبيد القوات الإسرائيلية المتمركزة في قطاع غزة خسائر يومية في الأرواح والمعدات، بل قدرتها على قصف مدن وبلدات إسرائيلية بالصواريخ.
2- قيام المقاومة بتعويض الفاقد من رجالها بتجنيد شباب جدد، رأينا بعضهم يُشارك في القتال بكفاءة، ويحرص على أن يُعلن قبل الاشتباك أو إطلاق النار من بعيد على مواقع القوات الإسرائيلية، أنه من المقاتلين الذين انضموا للمقاومة عام 2024.
3- اكتساب المقاومة خبرة جديدة في القتال، كان أعلاها "التصويب من المسافة صفر"، وهو أمر لم يتحقق لها، بهذه الضراوة أو هذا المدى الزمني الطويل، في الحروب السابقة التي اندلعت في أعوام: 2008 و2012 و2021.
4- تمكن المقاومة من ترميم الشروخ التي أصابتها في الحروب السابقة، سواء على مستوى خبرة القادة الميدانيين أو العناصر المقاتلة، أو الفاقد من التسليح، وبالجهود الذاتية أحيانًا. وهنا تؤكد التجربة أو الخبرة العملية أن الخط البياني للمقاومة ظل في تصاعد دومًا، وهو إن انكسر قليلًا أو تراجع بعض الشيء، بفعل الضربات الإسرائيلية المتواصلة، فإنه سرعان ما يتقدم من جديد، ليبلغ مرتبة أعلى مما كان عليه في السابق.
لقد بنى الفلسطينيون على كفاحهم المسلح منذ ثلاثينيات القرن العشرين، فواصلوه بأدوات بسيطة بعد احتلال غزة عام 1967، لم تتعدّ صناعة قنابل بدائية لا تزيد عن رؤوس أعواد الكبريت والمسامير، وصولًا إلى البنادق وصواريخ محددوة المدى والقدرة التدميرية، حتى أصبحوا قادرين على قصف تل أبيب نفسها، وأقاموا الأنفاق التي تعينهم على مواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي الكاسح عليهم.
5- تعزز فكرة المقاومة المسلحة في نفوس جيل جديد، ممتد من غزة إلى الضفة الغربية، لاسيما بعد أن أدرك الفلسطينيون ًجيدًا أنهم لن ينالوا شيئًا بالانخراط في هدن متتابعة، أو في تفاهمات مرحلية لا تضمن منع الاعتداء مجددًا، أو الدخول في مفاوضات سلام عبثية ومرهقة لا طائل منها، أو حتى التعلق بأي أمل كاذب في قيام إسرائيل بما عليها من واجبات كقوة محتلة.
6- استمرار الحاضن الاجتماعي للمقاومة، وفشل كل محاولات إسرائيل تأليب أهل غزة على فصائل المقاومة، بل إن كثيرين من شعب غزة، إن لم يكونوا جميعًا، صارت لديهم رغبة في الثأر من الجيش الإسرائيلي، الذي قتل ذويهم، ودمر بيوتهم، وشردهم بعيدًا، وأصابهم بالجوع والمرض، وعوَّق حياتهم لسنوات قادمة.
أرادت إسرائيل أن تنهي هذا الحاضن تمامًا بتبنّي فكرة تهجير أهل غزة، وطرحت هذا بشكل علني سافر في الأسابيع الأولى للحرب، ووضعت له الخطة، وجاء القصف الممنهج للبنية التحتية للعيش، ليصب في هذا الاتجاه، حيث قُصفت المستشفيات والمدارس وملاجئ الإيواء وملاذاته، ومحطات تحلية المياه، وشبكات الصرف الصحي، وكثير من البيوت السكنية، وتم طرد السكان من الشمال إلى الوسط، ومن الوسط إلى الجنوب، لكن أهل غزة، ورغم الألم الشديد، تمسكوا بالبقاء، بل استماتوا في سبيله.
7- تعزز الفكرة التي ترى أن الصراع صار فلسطينيًا ـ إسرائيليًا، بالدرجة الأساسية، لاسيما في ظل الموقف العربي الذي يأتي ـ إلى الآن ـ أقل مما يتوقعه الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وفي داخل إسرائيل نفسها، وكذلك في الشتات. وهذا يعني أن الفلسطينيين سيميلون أكثر إلى الاعتماد على سواعدهم، ويؤمنون بأن الاستجابة التي تأتي منهم، يجب أن تكون على قدر التحدي المفروض عليهم.
8- وجود خبرة عسكرية وسياسية إسرائيلية سابقة، تُلقي بظلال سلبية، على تعامل تل أبيب مع الغزيين مستقبلًا. فمن قبل احتلت إسرائيل القطاع سنوات طويلة، فأقامت المستوطنات، وثبتت مراكز بقاء القوات الحارسة والضابطة والقامعة، ولم تقصر في جمع المعلومات والمراقبة اللصيقة والدؤوبة، ولم تتوقف عن اتخاذ إجراءات استمالة أهل غزة؛ بغية إخماد عزائمهم، لكن كل هذا ذهب سدى، فاضطرت في النهاية إلى تفكيك مستوطناتها، وإخراج قواتها، تشيعها العبارة الدالة التي صاغها إسحاق رابين، حين قال: "أتمنى أن استيقظ فأجد البحر قد ابتلع غزة."
9- تواجه خطة نتنياهو بالرفض من قبل أطراف خارجية، فمصر ترفض بقاء الجيش الإسرائيلي في محور صلاح الدين، وتعتبر هذا خرقًا لاتفاقية السلام التي أبرمتها مع إسرائيل عام 1979. ودول كثيرة تعلن عدم قبولها عودة احتلال غزة، وتفكر في إجراءات بديلة تتعلق بإدارة القطاع بعد الحرب.
10- هناك خبرة أوسع للمقاومة المسلحة عبر التاريخ الحديث والمعاصر تفيد بوضوح وجلاء أن أي مقاومة مسلحة قد قامت ضد احتلال، لم تنتهِ تمامًا، حتى لو منيت بانكسارات أو هزائم مؤقتة، لاسيما إن كانت هذه المقاومة مبنية على فكرة، فالمقاتلون يُقتلون أو يصابون أو يتقاعدون، والأسلحة تُدمر، لكن الفكرة لا تموت، إنما تجمع لها من جديد رجالًا يترجمونها إلى عمل على الأرض.
وإذا عادت إسرئيل لاحتلال مناطق من غزة، كما يريد نتنياهو، فإن المقاومة ستكسب مزيدًا من شرعية الكفاح، يمنحها لها القانون الدولي، خصوصًا اتفاقية جنيف، وستنال تعاطفًا خارجيًا لا ينطفئ، وستجذب إليها مزيدًا من الأنظار المعجبة بها، كلما نجحت في تكبيد عدوها أيّ خسارة.
لهذه الاعتبارات العشرة يبقى تفكير نتنياهو في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بتصفير المقاومة، أو إخمادها تمامًا، هو من قبيل الأوهام، وهذا أمر يدركه بعض ساسة إسرائيل، خصوصًا من المعارضة الحالية، ويدركه أيضًا بعض القادة العسكريين وضباط الأجهزة الأمنية والاستخبارات، بل تدركه الولايات المتحدة الأميركية نفسها، التي تساند إسرائيل بلا حدود.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أهل غزة تمام ا
إقرأ أيضاً:
بعثة الأمم المتحدة تزور مواقع الآليات التشغيلية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي بميناء الحديدة
الثورة نت / أحمد كنفاني
زار فريق بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، اليوم، مواقع الآليات والمعدات التشغيلية بميناء الحديدة، التي استهدفها طيران العدوان الإسرائيلي، فجر الخميس الماضي، بعدد من الغارات.
واطلع الفريق الاممي وضابط الارتباط بلجنة دعم اتفاق الحديدة، ومعهم وزير النقل والأشغال العامة محمد عياش قحيم، وعضو الفريق الوطني بلجنة إعادة الانتشار اللواء محمد القادري، ورئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية زيد أحمد الوشلي، ووكيل محافظة الحديدة لشؤون الثقافة والإعلام علي أحمد قشر، على الكرين العائم والكرينات الجسرية واللنشات البحرية الخاصة بقطر السفن، التي طالها القصف الإجرامي وتعرض البعض منها للخروج عن الخدمة، والغرق في البحر.
واستمع الفريق الأممي من المختصين في الميناء، إلى شرح مجمل حول كارثة هذه الجريمة وتبعاتها على الوضع التشغيلي بالميناء، ومدى الالتزام بمعايير الأمم المتحدة والإجراءات المتعلقة بخلو الموانئ من أي مظاهر عسكرية، خصوصا وأنها تخضع لرقابة من قبل بعثة الأمم المتحدة، وثلاثة دوريات ميدانية متواصلة.
وقال وزير النقل “ما وقع ويقع في اليمن يحصل اليوم في فلسطين ولبنان وسوريا، والمجرم واحد”.. موضحًا أن القوانين والتشريعات الدولية في هذا الجانب واضحة في تجريمها لكل الأفعال التي تستهدف المدنيين والمنشآت المدنية.
وطالب بعثة الأمم المتحدة بالاضطلاع بدورها ومسؤولياتها وفق قرار ومهام تشكيل هذه البعثة، وإدانة تكرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، ورفع تقرير للقيادات العليا في البعثة عن حجم الأضرار والانتهاك السافر، الذي تعرضت له هذه المنشآت الحيوية.
وأكد الوزير قحيم، أن على الأمم المتحدة أن تتحمل المسؤولية الكاملة لعدم القيام بدورها المنشود تجاه هذه التداعيات الكارثية، والأضرار التي تمس مصالح الشعب اليمني، كون هذه المرافق الحيوية منشآت مدنية تقدم خدماتها لملايين اليمنيين.
وأشار إلى أن الكيان الصهيوني المتغطرس الغاصب المحتل، لم يراعِ أي معاهدة او قاعدة من قواعد القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بعدوانه على شعوب المنطقة.. مؤكدا أن رسالتنا للمجتمع الدولي والامم المتحدة هي الثبات والصمود والاستمرار في موقفنا المبدئي الإيماني في نصرة فلسطين حتى وقف العدوان على غزة.
رافقهم خلال الزيارة، نائب رئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر نصر عبدالله النصيري، ومدير فرع شركة النفط عدنان محمد الجرموزي.