وزير المعادن محمد بشير أبو نمو: واجهت الموت أنا وأُسرتي وانجانا الله
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
وزير المعادن محمد بشير أبو نمو لـ(الكرامة):
“قذيفة” أصابت منزلي وقتلت شخصين …
(الإطاري) أشعل الحرب
قلت لأهلي خوفًا من الشظايا والذخيرة الطائشة(……).
(…..) هذا ما خسرته فى الحرب ..
فى هذا الموقف شعرتُ بالأسى وخيبة الأمل..
لم أتوقع حربًا بهذا الدمار والشمول والتوسع.
واجهت الموت أنا وأُسرتي وانجانا الله..
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة. ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو وزير المعادن محمد بشير أبو نمو، الذي كان متواجدًا بمنزله في حي الأملاك لحظة اندلاع الحرب:
أين كنت أول يوم الحرب؟
كنت في منزلي بحي الأملاك بحري، أرتب لدعوة افطار رمضاني كبير لدعوة كل قيادات حركة تحرير السودان بالعاصمة.
كيف علمت بنبأ اندلاع الحرب؟
سمعت إطلاق نار متقطع حوالي التاسعة صباحًا ومن ثم توسعت المعارك تدريجيًا.
هل كنت تتوقع الحرب؟
نعم.. المؤشرات كانت واضحة ولكن لم أتوقع حربًا بهذا الحجم والدمار والشمول والتوسع.
شعورك حينما اندلعت الحرب؟
شعورٌ بالأسى وخيبة الأمل، بعد تواصل جهود مضنية لمنع اندلاع الحرب بواسطة الكثير من القيادات السياسية.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
المأساة التي عشتها هي في اليوم الثاني من الحرب، تعرض منزلي لقذيفة أصابت غرفةً طرفية في البيت للحراسات والضيوف أدت إلى استشهاد شخصين من الأقرباء أحدهما من الحراسات الخاصة والآخر ضيف مقيم معنا أتى من دارفور لعلاج ابنته، والشخصان بالمصادفة أبناء ل(أولاد عمومتي) .
المستفاد من درس الحرب؟
لا أرى فائدة تذكر للحرب، ولكن إن كانت هنالك ثمة فائدة فقد وحدت الشعب السوداني تجاه عدو اتفقوا على مقاتلته في كل أركان السودان.
عادة فقدتها مع الحرب؟
كنت منتظمًا قبل الحرب فى ممارسة رياضة المشي، بعد الحرب ما عاد هنالك انتظام يذكر في هذا المجال.
ماذا خسرت في الحرب؟
الكثير جدًا ككل السودانيين، أرواحًا ومالًا وممتلكات.
ما هي الإجراءات الاحترازية التي قمت بها فور علمك باندلاع الحرب؟
أغلقت الأبواب الخارجية والداخلية وجمعت أهلي في الغرف وطلبت منهم الانبطاح على الأرض وخاصة الأطفال وذلك خوفًا من الشظايا والذخيرة الطائشة.
دور الإطاري فى اشعال الحرب؟
لا شك لي في ذلك لأنها كانت معلنةً من قياداتهم كتهديد ونفذها لهم “حميدتي”.
هل واجهت الموت؟
نعم.. إذا استشهد شخصان من داخل البيت فمؤكد أني وأُسرتي قد واجهنا الموت ولكن سلمنا والحمد لله.
كيف خرجت من الخرطوم؟
أخليت منزلي في اليوم الثاني للحرب بعد تعرضه للقذيفة وانتقلت إلى بيت أحد الزملاء لفترة ثلاثة أيام، ثم انتقلت إلى منزل أحد أفراد الأُسرة ووفقت في ترحيل أسرتي الصغيرة فى نفس يوم وصولي للمنزل الثاني إلى القاهرة بالبص، وبعد يومين أصبح المنزل غير آمن ورحلنا مع من تبقى معي من الأسرة إلى “الكدرو” فى ضيافة أحد الأصدقاء ومكثنا هناك حوالي الأسبوع، ثم توزعنا بعد ذلك جزء من الأسرة ذهب إلى أم درمان وذهبت أنا مع أحد أفراد حراستي إلى شندي ومكثت أسبوعين في ضيافة أحد الأصدقاء الأعزاء هناك، ومن ثم واصلت إلى بورتسودان وشرعت في ترتيبات لاستئناف العمل ، ونجحنا فى نقل مقر الوزارة والأذرع التابعة لها إلى هنا في بورتسودان والحمد الله العمل يمضي هنا.
كيف تقرأُ راهن الأحداث السياسية في مقبل الأيام؟
راهن الأحداث في مقبل الأيام لصالح حكومة وشعب السودان فإنّ الميليشيا إلى الزوال.
ماذا فقدت في الحرب؟
أشياءً كثيرةً منها الخاص والعام، بالنسبة للخاص فقدتُ أعزاء من الأُسرة كانوا ضحايا لهذه الحرب اللعينة، وكل مستلزمات منزلي وبعض الوثائق المهمة، أما المفقودات على المستوى العام فهي كثيرة: “المنزل الحكومي تدمر جزئيًا، والوزارة احترقت بكاملها مع مقتنياتٍ لا تُعوض أهمها مكتبة هيئة الأبحاث الجيولوجية، والسيارات الحكومية الخاصة بالوزارة والأذرع التابعة لها نهبت بالعشرات”.
هل سيعود الوطن قريبًا؟
نعم حتمًا ومتفائلون، جيشنا وقواتنا المشتركة وكل الأجهزة الأمنية قدمت بطولاتٍ رائعة ومازالت تقدم بشكل يومي، وهذا مهر الحرية وإنقاذ الوطن من الغزو والتقسيم.
حجم التآمر الدولي على السودان؟
حجم التآمر كبير والمحيّر جدًا هو هذا السؤال: لم كل هذا الحقد والبغضاء من دول كنا نحسبهم أشقاءً وأصدقاء ولنا عليهم أيادٍ بيضاء؟إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: اندلاع الحرب
إقرأ أيضاً:
السودان وحرب الأمر الواقع
السودان وحرب الأمر الواقع
ناصر السيد النور
لم تحسم الحرب في السودان على مدى استطالتها الزمنية الممتدة لأكثر من عام ونصف، ونهجها المتوحش في الممارسة والنتائج وبطبيعية الحال النهاية غير المتحققة في نهايتها. وربما شكل هذا التردد في النتيجة جزء من سياق عملياتها العسكرية والسياسية في تداخل غير محسوم أيضا بين الوطني والسيادي والقبلي والجهوي. وأصبحت بالتالي تلك الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات ما يكمن تصوره في الحروب وما لا يمكن احتماله بالمفهوم الإنساني العام. وإذا كان طرفاها قوات الجيش والدعم السريع يملكان من خيارات الحرب أكثر من ضرورات السلام فالأرجح أن تنساق وراء هذا المنطق بجوانبه العسكرية والسياسية حشود الحرب لضمان استمراريتها أي كانت الكلفة البشرية وما خلفته من كوارث إنسانية تنذر بمؤشراتها المؤسسات والمنظمات الدولية دون أن تلقى أي استجابة تحد من حدتها ولو على صعيد وقف القتال هدنة.
وإذا تجاوزنا ما أحدثته الحرب من انقسام داخلي وهذا متوقع في ظل بنية الدولة هشة ومجتمع تتعدد مكوناته الإثنية وتفاوته الذي تأسس عليه، فإن طبيعة هذه الحرب وضعت السودانيين أمام محنة وأزمة عصية على الحل. ونتج عنها تعقد المسارات المؤدية إلى الحرب بحثاً عن حل نهائي أو تفاوضا يسوي الخلاف على طريقة ما تنتهي إليه الحروب في نهاياتها التفاوضية. فالدولة القائمة بشرعية قائمة تمثل الجيش وقوات الدعم السريع طرف مقاتل يصعب تحديد هويته العسكرية بغير ما يطلق عليه كـ “مليشيا: تقاتل مدعومة لتنفيذ أجندة خارجية ذات بعد إقليمي تتهم فيه دول علنا مما أوجدت أزمات دبلوماسية بين السودان ومحيطه الإقليمي والدولي ودخل في صراع المحاور الدولية والإقليمية. صراع بغير إدارة سياسية في حالة الانقسام الداخلي وما اوجدته الحرب من منافذ تسمح بمرور الاجندات والتدخلات من أكثر من منفذ.
وإزاء التصعيد فقد شهدت الأيام الأخيرة خاصة في مدن دارفور حيث تصنف بـ “حواضن المليشيا” ينشط الطيران الحكومي في طلعاته الجوية مخلفا دمارا وقتلى مدنيين مما يزيد من الغبن الاجتماعي باستهداف مناطق دون غيرها. وبينما لم تزل قوات الدعم السريع في سيطرة مواقعها مع زيادة في الانتهاكات الإنسانية بحق ساكنيها مع ادانات دولية أيضا واستخدام المسيرات في مدن الوسط والشمال. وهذا المعادلة العسكرية عمقت من أزمة الحرب وفتحت الباب واسعا أمام تمدداتها المحتملة لتصبح حرب الكل ضد الكل كحرب أهلية تكون آلياتها المكونات المدنية والقبائلية وليس مؤسسات عسكرية رسمية. فأصبحت الحرب هي ما يعيد تكوين الدولة السودانية وفقا لدعوات انفصالية بررت بالحرب موقفها حسب تصورات الداعين لقيامها. فقد أظهرت الحرب دولا على الخارطة السودانية السيادية اعادت معها مخاوف قائمة في تاريخ الدولة السودانية ومجموعاتها الهامشية والمركزية الراسخ في خطاب الاحتجاج المطلبي بتساوي التنمية والفرص وما بين الانفصال والتهميش وغيرها من شعارات حاربت تحتها مسمياتها مختلف الكيانات عسكرية مختلفة.
ولكن في ظل خلو الساحة السياسية من المكونات المدنية الاحزاب في اليمين واليسار أو الحد الأدنى ما كان قبل الحرب تستعر النبرة العسكرية في الخطاب العام في مقابل خطاب مدني ذي طبيعة حربية كالخطاب الجهوي المتصاعد بأسباب الحرب يغيب الفعل السياسي وكل ما يمكنه الحد من المد العسكري الجارف. ولأن التنظيمات المدنية خلال هذه الأزمة ظلت مستبعدة من قبل حكومة بقيادة البرهان العسكرية منذ انقلابه على الحكومة الانتقالية أكتوبر/تشرين الأول 2021م والدعم السريع بتكوينه القتالي أصبح الصراع مستمرا منذ اندلاعه دون إدارة سياسية قد تسهم في فتح المجال لآفاق حلول بعيدا عن ميدان القتال. ويبدو أن الحرب بما احدثته من زلزال كبير في السودان بموروثه السياسي والاجتماعي اخرج الكثير من التنظيمات السياسية التقليدية من دائرة الفعل السياسي. وهذا التراجع السياسي قد ضخم من جانب آخر صعود الانتماءات الاجتماعية وحالة من الانفصام السياسي بين الدولة والقبيلة والجهوية فلم تعد الارتباطات السياسية ذات فاعلية لمخاطبة أزمة على الصعيد الوطني.
أمام هذا الواقع يظهر الفرق بين الرؤيتين بين مدنية بطرح مثالي تدعو لوقف الحرب وأخرى عسكرية بحتة لا ترى بديلا عمليا لإنهاء الحرب إلا عن طريق الحرب مهما كلف الثمن. وكلا من الرؤيتين في الموقف من الحرب تعبران عن حالة من الإحباط سادت التفكير السياسي السوداني وصنع القرار. وفي خضم هذا التنازع بين الموقفين تندرج الحرب الجارية ضمن الممارسة اليومية حتى للأطراف التي لا تخوضها فعلا. وتقيدت غالب هذه المكونات السياسية التي تتحرك عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا بموقف يحمل كل مفارقات الحرب بين استمرار إلى أبعد مدى في الحرب وما له من تكلفة وتداعيات سالبة شاملة وبين الخضوع لحقائق الواقع وما يعنيه من تنازل عن طموحات سياسية وشخصية في السلطة والحكم وهو أمر لم يعد وارادا في ظل ما يرفع من شعارات لديها استحقاقاتها الشعبية. ولذلك أصبح التغيير من أو الانتقال من حالة الحرب إلى السلم (إنهاء الحرب) أمرا تحذره كل الأطراف وفي الوقت نفسه تخشى استمرار الحرب نفسها.
ازاء هذه الرؤى المتضاربة هل باتت الحرب ضرورة يمليها الواقع الذي اوجدته الحرب نفسها على الساحة السياسية السودانية؟ ولماذا فشلت وتفشل كل المحاولات في الداخل والخارج في إيجاد مخرج من دائرتها؟ ولأن خطر التجاوزات السياسية والعسكرية والإنسانية والخلل الذي ألحقته الحرب ببنية الدولة والمجتمع لا يقل خطرا عن الحرب وكوارثها قد ساهمت جميعها في اندلاع الحرب ابتداء ومن ثم تمكنت من فرض منطقها في أن تكون الحرب لأجل الحرب. فإذا كانت مؤسسات الدولة بما فيها أطقمها الوزارية والعسكرية الحكومة التي لجأت إلى العمل خارج مقارها الرسمية في العاصمة السودانية جراء الحرب إلا أنها ظلت الطرف الذي يمثل الدولة في دائرة القرار الدولي وتبقى قوات الدعم السريع طرفا مناوئا خارج مظلة الشرعية القانونية التي يسعى لاكتسابها بالقوة. وأي تكن مسافة الوقوف من دائرة التحكم والقرار فإن أي طرف في الحرب تكون أهميته بقدر استجابته لضرورات السلام.
لا يمكن بحال أن تكون الحرب الداخلية أو الاهلية حربا ضرورة لا مفر من خوضها ففي الحالة السودانية فإن استمرار الحرب يعني إبادة مجتمعية عرقية وزوالا لدولة من على الخارطة بالمعنى الجغرافي والتاريخي. وعلى حجم ضحاياها وفظاعة انتهاكاتها وما يعلن من قبل طرفيها بالالتزام بحماية المدنيين أمام الضغط الدولي على الرغم من التجاهل المتعمد تجاه المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان من قبل أطراف الحرب. ويستمر تدهور الوضع الإنساني بما لا يقاس بكل حروب العالم وكلما تأزمت الحلول وانسدت الآفاق نحو السلام تزداد العمليات العسكرية مع تدهور مروع في الحالة الإنسانية.
إن عدم إدراك وتقدير العالم لما وصلت إليه الكارثة الإنسانية التي نتجت عن الحرب باعتراف المسؤولين الأمميين على الرغم من الأزمات الإنسانية والإقليمية في النزوح والمجاعة التي خلفتها وشكلت تحديا أمام المنظمات الإنسانية لا يفهم منه إلا أن ما تشهده الساحة الدولية من حروب في مختلف المناطق بتأثيرات استراتيجية كبرى جعلت من حرب السودان المأساوية بؤرة مجهولة على افق الحل الدولي. ومن ثم بقيت الحرب خارج سلطة القوانين والشرعية الدولية وفوقها على مستوى الممارسة والمسؤولية الجنائية والالتزام الأخلاقي على نص المواثيق المنظمات الأممية المعنية بالسلم والأمن.
الوسومالجيش الدعم السريع حرب السودان