حتى لتحقيق الرفاه، يبقى تحقيق الاستقلال مطلبٌا أوّل، وحتى يحترمك العالم، ينبغي عليك ابتداءً أن تحترم ذاتك!
أن تشعر بأنّك قادرٌ على مواجهة الصعب، والتغلب على العجز! أما قبلهما معًا، فإنك قد تستشعر العجز في لحظةٍ ما، كتلك التي واجهناها عند بدء العدوان على بلادنا؛ إذ تسرح الطائرات فوق أجوائنا وتمرح، ولا نملك القدرة على صدّها!
هذه اللحظة بالذات هي الوقود الأول، والحافز للكريم إذ يرفض الذل، وللمعتدّ بذاته إذ يستنكف العجز! وبعد سنواتٍ- على هذا النحو- نسمع بيانًا عن إسقاط القوات اليمنية للطائرة التاسعة على التوالي من نوع MQ9 الأمريكية منذ طوفان الأقصى، أي منذ أقل من عام، فقط! وهو رقمٌ قياسيٌّ لم يسبقنا إليه أحد في العالم!
ولا أحدٌ في العالم بإمكانه إخبارك عن كيفية إسقاطنا لفخر الصناعة الأمريكية في مجالها، على هذا النحو، وبهذه السلاسة!
ومجدّدًا تسقط مع الطائرة دعايات الساخرين، وعلى نحوٍ تسقط معه أيضًا كلّ نظريات “الصدفة”، إذ لا صدفة في العادة تتكرر لتسع مرات! إلا لو كان مستقبل الدعايات هذه من ذوات الأربع، حاشاكم!
بعد هذا فإن الناس- الشعوب- إزاء لحظات العجز فسطاطان:
شعوبٌ تصنع من لحظة العجز منطلقًا لبناء الذات، وعلى نحوٍ لا يسمح مستقبلًا بتكرارها.
وشعوبٌ تستكين، يقتلها اليأس، وتقبل الذلّ على ذاتها، ولا يحترمها بالتأكيد من بين خلق الله أحد!
وهذه باختصار قصة الصعود والهبوط، حينما يتعلق الأمر بدراسة تاريخ الحضارات!
هكذا، يبقى الإنسان دائمًا- بمنأى عن تقدّم الألة- هو المعيار الأوّل! ولهذا فإنّ الله إذ ابتعث رسوله بالهدى ودين الحق، فقد خاطب الفرد أكثر من المجموع، وهذّب النّفس الأولى كأنها النّفس الوحيدة!
فإن استقمت أنت وهو وهي! فإنكم ستحملون البذرة، ويستقيم بكم المجتمع كلّه، وتزهو بكم الحضارة جميعها!
هكذا تلاحظ كيف بدأت الدعوة المحمدية فردا، فيما تهتم أغلب المكّيَّات- بالذات- بالمخاطب الفرد، وعندما تقرأ القرآن فإنه يخاطبك أنت بالذات: اقرأ، قل! أو يخاطب من خلال النّبي صلوات الله عليه وعلى آله سائر الأمة، ويلزمك أنت أيضًا- باستثناءاتٍ قليلة- بما ألزم به الأنبياء! وخطاب “وأمّا بنعمة ربك فحدث”- مثلًا- لا يختصّ به النبي فحسب، ولكنه يخاطبك أنت أيضًا، من خلاله! وعلى كاهلك أيضًا تبقى مهمّة البلاغ قائمة! ومهمة الإعداد قائمة، ومهمة الجهاد قائمة، وكأنك المؤمن الوحيد!
تخاطب المجتمع أيضًا بحسبانه فردًا واحدًا، وبالخطاب الموجّه للفرد ثمّة دعوةٌ أيضًا لوحدة الأمة، ونبذٌ للفرقة بمنأى عن مذهبك، وعن أيّ تفاصيل أخرى!
مهما كانت المؤثرات، فيبقى المؤمن للمؤمن كالبنان، ويبقى مَثَل المؤمنين كالجسد الواحد!، وإذا اشتكت غزة، فواجبٌ أن تتداعى لها سائر الأمّة بالسّهر والحمى!، وقبل تداعيها للنجدة، بالطبع، فلا بدّ أن تعتدّ بذاتها، تؤمن بالله واثقةً به، ولا تعجز!
وإن فعلت، فإن صعودها مسألة وقت! ويصبح طبيعيًّا أن تستأذنك أمريكا لسحب سفينةٍ محترقة، كما حدث مع سفينة سونيون اليونانية! أو تدفع لك جزيةً سنويةً حتى مقابل المرور والحماية، كما فعلت أمريكا ذاتها ودول أوروبا مع البحرية الجزائرية، في القرن الثامن عشر!
فلتبحث إذن عن قصة الرّيس حميدو، وعن الأيالة الجزائرية، وعن إمبراطورية عُمان البحرية، وكيف أنها سيطرت على الساحل الجنوبي لكلّ أفريقيا، وقبل قرونٍ قليلة!
وعن قصصٍ مشابهة للفخر العربيّ قد نتحدث عنها في مقالاتٍ قادمة، وبالطبع لم تقرأ عنها في المدرسة، لأنّ مناهجنا أيضًا كانت محض أراضٍ محتلة!
على أنّ كرامة الأمة، بعد هذا، لا تعدو كونها فرعًا عن هويّتها، ولكي تعتدّ بذاتك فلا بدّ أن تتحصّن تمامًا إزاء كلّ غزو، وفي مواجهة أيّ اختراق!
ليست المسألة إذن ببداهة أن تحتفل بالمولد النبويّ الشريف أم لا! لكنه تمسّكك بالهوية يستفزّهم، ببساطةٍ لأنك الخطر، ولأنك المعيار والسلاح واللبنة الأقوى!
وإذا لم تحتفل بالمولد النبوي، فسيدعونك للاحتفال بالكريسمس، والهالوين، أو- كما تتأهب الرياض الآن وفي نفس التوقيت- سيدعونك للاحتفال بتتويج أجمل كلبة، وأسرع كلب!
وإذا وصلت إلى هذه المرحلة من إنسحاق الهوية، فلن يهتزّ لكرامتك جفنٌ، حتى لو منعوا رفع أعلام فلسطين في مكة مثلًا، ورفعوا في الرياض أعلام الملونين!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.
يبقى لنا حديث.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الباشا شريف.. (طربيق برو ماكس)!!
* ومن أراد أن يرى كيف يسير بعض حلفاء المليشيا_ من أدعياء الحياد الكذوب_ على خطى الجنجويد بوقع الحافر على الحافر فلينظر إلى الجرأة التي يكذب بها بعضهم في الفضائيات، وعلى رأسهم المدعو شريف محمد عثمان، الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني!
* سبق للزميل الصديق ضياء الدين بلال أن وصف جرأة المتحدثين باسم المليشيا على الكذب في الفضائيات بقوله إنهم (يكذبون بثباتٍ لا يتوافر للصادقين)، وشريف هذا تحديداً يكذب بجرأةٍ غريبة، وثباتٍ عجيب، حتى يخيل لمن يسمعه أنه لا محالة صادق، بل إنه يتفوق على الجنجا في القدرة على التدليس، إذ يكذب من دون أن يهتز له جفن، ونشهد له بأنه تفوق في الكذب حتى على مسيلمة الجنجويد الشهير (الباشا طبيق)، الذي أصبح مضرب المثل عند السودانيين ومصدراً لسخريتهم بسبب إفراطه في الكذب وعشقه للتدليس!
* في لقاءٍ جمعني به على شاشة قناة الجزيرة رمى المدعو شريف ثلاثة أكاذيب ضخمة، الواحدة تلو الأخرى بجرأةٍ عجيبة ثم خرج يتمطى، واحتفى به قومه بادعاء أنه هزمني وأفحمني، إذ ادعى أنني خدعت الشعب السوداني وقلت له إن الحرب ستنتهي في ست ساعات!! ولم أجد بُداً من مقاطعته ووصفه بأنه كذَّاب!
* ها أنذا أجدد رميي له بتلك الصفة التي التصقت به وثبتت عليه كما ثبتت على الراحتين الأصابع، وأتحداه أن يأتي بأي تسجيلٍ صوتيٍ أو مقطع مُصوَّر يؤكد به أنني قلت إن الحرب ستنتهي في ست ساعات.. أو حتى ستة أشهر، ولن يستطيع، لأنه كذاب أشر، ومدلس.. وفاقد للمصداقية، (طقيييق دنقااااس قنقر كي).. أو كما يقول حلفاؤه الجنجويد!
* في الحلقة نفسها ادعى شريف مجدداً أن المصباح طلحة قائد كتائب البراء ظهر في بثٍ حي من داخل مباني القيادة العامة للجيش يوم 15 أبريل 2023، ومرة أخرى أجد نفسي مضطراً إلى وصفه بالكذاب، وأتحداه (مثلما تحداه المصباح قبلاً) أن ينشر المقطع المزعوم، ولن يستطيع، لأنه ببساطة غير موجود إلا في خيالٍ مريض.. استمرأ ترديد تلك الكذبة الكبيرة في الفضائيات مراراً وتكراراً، بلا حياءٍ ولا خجل!
* فوق ذلك زعم صاحبنا أنني تعمّدت إفشال مفاوضات المنامة بين الجيش والمتمردين وتسببت في إطالة أمد الحرب وتضخيم فواتيرها على المدنيين، بسبب إقدامي على نشر خبر المفاوضات، وبالتالي أصبحت شريكاً في كل الدماء التي سالت في السودان بعد نشر الخبر!!
* أنظروا بالله عليكم إلى بؤس المنطق ورثاثة الحُجة وغباء الاستدلال وعوار الاستخلاص، إذ كيف لأي عاقلٍ يحترم سامعيه أن يلوم صحافياً على نشر الأخبار الصحيحة؟
* حال المدعو شريف هنا كحال من يستهجن على الترزي حياكة الثياب، وعلى التاجر بيع السلع، وعلى الطبيب معالجة الناس، وعلى الإسكافي إصلاح الأحذية، وعلى المعلم تدريس التلاميذ.. إذ كيف يُلام صحافي على نشره خبراً صحيحاً ودقيقاً، لم تستطع أي جهة أن تنفي حرفاً واحداً منه؟
* أنا شغال (نُقُلتي) عشان تقول لي نشرت ليه.. يا باشمهندس؟ (وبالمناسبة.. هل شريف مهندس)؟؟
* وكيف يجوز لمن يتشدق بالسعي لإقرار الحرية والديمقراطية والحكم المدني وحرية الصحافة وحرية التعبير في بلادنا أن يدعو جهرةً إلى الدغمسة والغتغتة وتغييب الشفافية وحظر حرية التعبير وتقييد حرية الإعلام وتكميم أفواه الصحافيين؟
* إذا صحًَ ذلك الاتهام (الساذج العبيط) سيصبح زميلنا وصديقنا الأستاذ المذيع الشهير أحمد طه شريكاً في تهمة تعمد إفشال مفاوضات المنامة، وشريكاً لمزمل أبو القاسم في كل الجرائم التي وقعت بعد النشر، ومُداناً بتهمة إراقة دماء أهل السودان وقتلهم، لأنه استضافني في قناة الجزيرة، وفتح لي شاشتها كي أنشر خبر وتفاصيل مفاوضات المنامة على مدى ساعة كاملة.. فهيئ نفسك للمحاكمة في محاكم الجنجا وحليفهم الكذاب ياعزيزي أحمد طه.. واخطر قناة الجزيرة كي تجهز لك فريقاً من أمهر المحامين، على أمل أن يساعدوك على نيل البراءة في محكمة الجنجاوي شريف.. (طربيق.. برو ماكس)!!
* ألا تشبه ديمقراطية ومدنية وحريات شريف ورهطه ديمقراطية ومدنية وحريات حلفائهم الجنجويد؟
* على العموم فإن الشيء من معدنه لا يُستغرب، فقد سبق لي أن كتبت مقالاً تناولت فيه أوجه الشبه بين الجنجا والقحاحيط، وأكدت أنهم في الكذب والتدليس والاجتراء على حقوق الناس والافتراء على الأبرياء سواء، وأن حديثهم عن التحول المدني الديمقراطي والحريات العامة وحرية الصحافة والتعبير لا يصادف قناعاتهم ولا يُجاوز شفاههم ولا يتسق مع فِعالهم، بدليل أن شريف الكذاب ورفاقه استعانوا بالجنجويد لإغلاق الصحف والقنوات الفضائية على أيام سكرة السلطة، وقد شهدت بأم عيني اللحظة السوداء التي استعانت فيها لجنة (زبالة) التمكين بأربع تاتشرات محملة بالجنجويد المدججين بالدوشكات والكلاشات لمصادرة صحيفة السوداني على مرأى من عشرات الصحافيين!
* سنعود لاحقاً لتناول قصة خروج سيارة شريف (الميتسوبيشي باجيرو) من الخرطوم إلى مدني (عقب سقوط معسكر الاحتياطي المركزي)، وكيف شفشف الجنجا السيارة ابتداءً، وكيف اعتذروا لصاحبها وبادروا بصيانتها وأعادوها له بمعاملة جنجويدية حنونة وعطوفة لم يحصل عليها كل السودانيين الذين نهب الجنجويد سياراتهم وممتلكاتهم وأموالهم وتعدادهم بالملايين.. ولنا عودة كذلك لنحكي عن قصة التوسط (عبر يوسف عزت) لإطلاق سراح نجل البروف إبراهيم غندور من معتقلات الدعامة.. وشيل الصبر وخليك مع الزمن يا عزيزي الباشا شريف.. (طربيق.. 16 برو ماكس)!!
مزمل أبو القاسم د. مزمل أبو القاسم