دوامة الانكماش تهدد اقتصاد الصين
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
تشير بيانات اقتصادية صادرة مؤخرًا إلى أن الانكماش الذي يلاحق اقتصاد الصين منذ العام الماضي قد بدأ في التفاقم، مما يزيد من المخاوف بشأن آفاق ثاني أكبر اقتصاد في العالم ويعزز الدعوات لاتخاذ إجراءات سياسية فورية.
وأظهرت البيانات الصادرة يوم أمس الاثنين أن نمو أسعار المستهلك -باستثناء المواد الغذائية- كان شبه معدوم في قطاعات كبيرة من الاقتصاد، في وقت يتراجع فيه الدخل وفق بلومبيرغ.
ومن المتوقع أن يستمر انخفاض معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي -وهو مقياس أوسع لقياس تغيرات الأسعار في الاقتصاد ككل- حتى عام 2025، وفقًا لتحليلات بلومبيرغ ومحللين من بنوك مثل "بي إن بي باريبا". وإذا استمر هذا الاتجاه، فسيكون ذلك أطول فترة انكماش تشهدها الصين منذ بدء جمع البيانات في عام 1993.
وقال روبن شينغ، كبير الاقتصاديين الصينيين في مورغان ستانلي "نحن بالتأكيد في مرحلة الانكماش وربما نمر بالمرحلة الثانية من هذا الانكماش"، مشيرًا إلى الأدلة التي تظهر من خلال انخفاض الأجور.
وأضاف أن تجربة اليابان في التسعينيات تُظهر أن استمرار الانكماش لفترة طويلة سيحتاج إلى تحفيز أكبر لكسر تحديات الدين والانكماش.
تأثيرات الانكماشوتظهر المسوحات الخاصة أن هذا التأثير السلبي بدأ بالفعل. ففي القطاعات التي تدعمها الحكومة مثل صناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، انخفضت الرواتب الأولية بنسبة 10% في أغسطس/آب مقارنة بذروتها في عام 2022، وفقًا لتقارير من "كايكسين إنسايت غروب" و"بزنس بيغ داتا".
بيانات أظهرت أن متوسط الأجور في 38 مدينة رئيسية بالصين بالكاد تغير في الربع الثاني من العام مقارنة بنمو بنسبة 5% في العامين السابقين للجائحة (الفرنسية)وأظهر استطلاع شمل 300 مدير شركة أن نمو تكاليف العمالة في أغسطس/آب كان الأضعف منذ أبريل/نيسان 2020، عندما بدأت الصين في تخفيف قيود الإغلاق بسبب كوفيد-19.
وأظهرت بيانات أخرى أن متوسط الأجور في 38 مدينة رئيسية بالكاد تغير في الربع الثاني من العام، مقارنة بنمو بنسبة 5% في العامين السابقين للجائحة.
هذا التباطؤ في الأجور يضاف إلى سلسلة من التحديات الاقتصادية التي تشبه ما شهدته اليابان في التسعينيات خلال "العقود الضائعة"، تقول بلومبيرغ
استجابة سياسيةفي حين تحاول الحكومة الصينية التخفيف من الحديث عن الانكماش، أقر محافظ البنك المركزي السابق يي جانغ الأسبوع الماضي بأن معالجة الانكماش يجب أن تكون أولوية لصناع السياسات.
وأكد في قمة في شنغهاي أنه يجب على المسؤولين تبني "سياسة مالية نشطة وسياسة نقدية متساهلة" للحد من الضغوط الانكماشية.
وحث يي جانغ المسؤولين على التركيز على تحويل مؤشر أسعار الناتج المحلي الإجمالي إلى إيجابي في الفصول القادمة.
انخفاض التضخم وزيادة المخاوف في السوقوأظهرت البيانات الرسمية أن التضخم الأساسي، الذي يستثني العناصر المتقلبة مثل الغذاء والطاقة، تباطأ في أغسطس/آب إلى أقل مستوى له منذ أكثر من 3 سنوات. هذا التباطؤ في التضخم عزز سوق السندات، حيث انخفضت العوائد إلى مستويات قياسية، مما زاد من مخاوف المسؤولين بشأن تعرض البنوك لمخاطر أسعار الفائدة.
ونما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للصين بنسبة 4% فقط في الربع الثاني، وهو أقل بكثير من الهدف الحكومي للنمو الاقتصادي الحقيقي الذي يبلغ حوالي 5% لهذا العام وفق بلومبيرغ.
وعند فترات ضعف النمو في الأسعار، يعتبر التوسع الاسمي مؤشرًا أكثر فائدة لأنه يعكس بشكل أفضل التغيرات في الأجور والأرباح والإيرادات الحكومية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
الصراع العربي- الإسرائيلي والاقتصادات العالمية (3-3)
عبيدلي العبيدلي
تعطيل طرق التجارة العالمية
تعتمد التجارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير على الطرق البحرية والبرية، والتي تتعرض الآن للتهديد بسبب اندلاع الحرب ضد غزة، والمنطقة المحيطة بها.
قناة السويس:تتعامل قناة السويس المصرية، وهي واحدة من أهم الشرايين التجارية في العالم، مع ما يقرب من 12% من التجارة العالمية و30% من شحنات النفط العالمية. ومع ذلك، أدى النزاع إلى: زيادة بنسبة 15% في تكاليف الشحن بسبب زيادة أقساط التأمين وتغيير المسار. وانخفاض بنسبة 66% في حركة السفن عبر القناة منذ بدء التصعيد في أواخر عام 2023.
وشهدت مصر، التي تعتمد على قناة السويس بنسبة 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، انخفاضا في الإيرادات الشهرية بنسبة 40% في أوائل العام 2024، من 2.1 مليار دولار إلى 1.26 مليار دولار.
2- البحر الأحمر وخليج عدن:
يواجه البحر الأحمر، وهو طريق تجاري حيوي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هجمات متزايدة على السفن التجارية، لا سيما بالقرب من اليمن، حيث تصاعدت التوترات.
وأدت الإجراءات الأمنية الإضافية للسفن العابرة للمنطقة إلى ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة 20%، مما أثر على الميزان التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي.
3- الاختناقات اللوجستية الإقليمية:
أدى إغلاق الحدود بين إسرائيل وغزة ومصر إلى تعطيل تدفق البضائع، مما أثر بشكل خاص على واردات غزة من الإمدادات الأساسية وصادرات إسرائيل من المنتجات الزراعية التي تبلغ قيمتها ملياري دولار سنويًا.
التأثير على الاتفاقيات التجارية الإقليمية والعلاقات الاقتصادية
1- نكسات اتفاقيات إبراهام:
أدت اتفاقيات إبراهام، الموقعة في العام 2020، إلى تطبيع العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول عربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين، إلى نمو التجارة الثنائية بنسبة 25% سنويا، لتصل إلى 3 مليارات دولار في العام 2023.
وبعد تصاعد النزاع، علقت البحرين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وأوقفت ما يقدر بنحو 600 مليون دولار من التجارة السنوية.
وأفاد مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي بانخفاض بنسبة 40% في الاتفاقيات التجارية الجديدة في الربع الرابع من العام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
2- التجارة مع الدول المجاورة:
تأثر كل من الأردن ولبنان، اللذان يعتمدان بشكل كبير على التجارة الإقليمية، وانخفضت صادرات الأردن إلى إسرائيل، التي تقدر قيمتها بـ 700 مليون دولار سنويا، بنسبة 50%. وشهد الاقتصاد اللبناني المتعثر انخفاضا في التجارة البينية بنسبة 12%، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري البالغ 3.6 مليار دولار.
3- السياحة وتجارة الخدمات:
تأثرت السياحة، التي تعد محركا مهما لصادرات الخدمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشدة؛ حيث انخفضت عائدات السياحة في مصر، التي تساهم بنسبة 9% في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 30% في الربع الأول من العام 2024 بسبب انخفاض السفر داخل المنطقة.
وشهدت إسرائيل انخفاضا بنسبة 60% في عدد السياح الوافدين؛ حيث خسرت ما يقرب من 1.2 مليار دولار من عائدات السياحة خلال نفس الفترة.
أزمات اللاجئين والتجارة الإنسانية
وخلقت الأزمة الإنسانية الناجمة عن النزاع ضغوطا إضافية على التجارة البينية الإقليمية:
1- تدفق اللاجئين؛ حيث نزح أكثر من 1.8 مليون شخص بسبب النزاع، مما أثر بشكل أساسي الواقع الاقتصادي والاجتماعي في مصر والأردن ولبنان.
ويزيد اللاجئون من الطلب على التجارة الإنسانية، مثل الغذاء والإمدادات الطبية، ولكنه يضغط أيضا على الموازين التجارية للبلدان المضيفة.
وارتفعت واردات الأردن الغذائية بنسبة 15% في العام 2024، مما أدى إلى زيادة العجز التجاري بمقدار 400 مليون دولار.
وواجه لبنان ارتفاعا بنسبة 20% في أسعار القمح، مما أدى إلى تفاقم أزمته الاقتصادية.
2- تدفقات المساعدات الإنسانية:
تكافح المساعدات الإنسانية، التي تبلغ قيمتها 2 مليار دولار سنويا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للوصول إلى غزة بسبب إغلاق الحدود والحواجز اللوجستية. وأدت اختناقات المساعدات إلى تقليص التسليم الفعال للسلع بنسبة 40%، مما أثر على الأمن الغذائي والخدمات الصحية في المناطق المتضررة.
الآثار الأوسع نطاقا على التكامل الإقليمي
كشفت الحرب على غزة هشاشة جهود التكامل الإقليمي:
1- مبادرات جامعة الدول العربية:
شهدت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التابعة لجامعة الدول العربية، والتي تهدف إلى تعزيز التجارة البينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقدما محدودا:
ونمت التجارة بين أعضاء منطقة التجارة الحرة والتجارة الحرة بنسبة 3% سنويا خلال العقد الماضي، ولكن من المتوقع أن تنخفض بنسبة 6% في العام 2024، مما يعكس سنوات من الاندماج التدريجي.
وأدت الحواجز غير الجمركية، مثل القيود الأمنية، إلى إعاقة التدفقات التجارية.
2- التعاون الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي:
تعطلت الجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز سلاسل التوريد الإقليمية. وتأخرت مشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل سكة حديد الخليج، التي تهدف إلى تعزيز الربط التجاري، بسبب زيادة انعدام الأمن الإقليمي.
3- التكاليف الاقتصادية طويلة الأجل:
يُقدِّر صندوق النقد الدولي أن عدم الاستقرار الذي طال أمده قد يؤدي إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بنسبة 1.2% سنويا، وهو ما يعادل خسارة نحو 65 مليار دولار من الناتج الاقتصادي على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ولا يزال استقرار الشرق الأوسط أمرًا بالغ الأهمية لصحة الاقتصاد العالمي. وتؤكد الدروس المستفادة من الحرب على غزة على الحاجة الملحة إلى نهج منهجية لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، وتحقيق التوازن بين إدارة الأزمات على المدى القصير والتنمية الطويلة الأجل، وتعزيز إطار دولي تعاوني. ومن خلال تبني المرونة والابتكار والدبلوماسية، يمكن للمجتمع العالمي أن يتغلب على هذه التحديات وتحويلها إلى فرص للنمو الاقتصادي والاستقرار المستدامين.أعلى الشكل
إنَّ الحرب على غزة، إلى جانب التوترات الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط، لها تداعيات اقتصادية بعيدة المدى على المنطقة والعالم. وفي حين تزدهر صناعة الأسلحة وسط زيادة الإنفاق العسكري، فإن مواطن الضعف الاقتصادية الأوسع نطاقًا- بما في ذلك تقلبات أسعار النفط، وتعطل سلاسل التوريد، وتراجع ثقة المستثمرين- تؤكد تحديات عدم الاستقرار الناجم عن الصراع. تتطلب معالجة هذه القضايا جهودًا دولية متضافرة واستراتيجيات اقتصادية مبتكرة والتزامًا بالتنمية المُستدامة.
رابط مختصر