أستاذ تاريخ: أجدادنا حافظوا على الاحتفال بعيد النيروز حتى عهد «دقلديانوس»
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
يعد «عيد النيروز» امتداداً للحضارة المصرية القديمة، حيث يوثق هذا العيد الكثير من جوانب الحياة في مصر على مر العصور، إذ يشير إلى الحياة الزراعية لدى المصريين القدماء، فبناءً عليه يتم تقسيم الحياة الزراعية فى مصر إلى ثلاثة مواسم، كما توثق أسماء الشهور القبطية الحياة الدينية فى مصر القديمة، حيث تحمل أسماء لبعض المعبودات، فضلاً عن مظاهر الاحتفال بهذا العيد، التى سجلت على جدران المعابد.
الدكتور نادر الألفى، أستاذ الآثار والفنون القبطية بكلية السياحة والفنادق، أكد، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن الأقباط يطلقون على بداية «تقويم الشهداء» اسم «عيد النيروز»، وهو أول يوم فى السنة الزراعية الجديدة، وتحتفل به الكنيسة القبطية يوم 11 سبتمبر فى السنة البسيطة، أما فى السنوات الكبيسة، فتحتفل به الكنيسة يوم 12 سبتمبر، وأضاف «الألفى» أن هذا اليوم كان يمثل عند المصريين القدماء «تاج الأعياد»؛ لأنه يرتبط بحياة مصر الزراعية، وكانوا يحتفلون به بمظاهر رائعة، باعتباره عيد الفيضان، الذى يحيى أرض مصر.
وتابع «الألفى» بقوله: «لقد حافظ أجدادنا على الاحتفال بعيد النيروز، حتى عهد الإمبراطور الرومانى دقلديانوس، الذى تولى الحكم سنة 284 للميلاد، وفى عهده تعرض الأقباط لأشد أنواع الاضطهاد، من أجل ديانتهم المسيحية»، مشيراً إلى أنه منذ تلك السنة اتخذت الكنيسة رأس السنة الزراعية بداية لتقويم جديد، سموه «تقويم الشهداء»، وهو التقويم القبطى، حيث استبدلت الكنيسة ذكرى فيضان النيل بذكرى فيضان دماء الشهداء الغزيرة، التى اعتبروها بذاراً لإيمانهم، وأوضح أن نشأة التقويم القبطى كانت فى سنة 4241 قبل الميلاد، أى فى القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد، عندما رصد المصريون القدماء نجم «الشعرى اليمانية»، وحسبوا الفترة بين ظهوره مرتين وقسموها إلى ثلاثة فصول كبيرة، وهى «الفيضان والبذار والحصاد»، ثم تم تقسيم العام إلى 12 شهراً، كل شهر منها 30 يوماً، وأضافوا المدة الباقية، وهى خمسة أيام وربع، وجعلوها شهراً سموه «الشهر الصغير»، مدته خمسة أيام فى السنوات الثلاث البسيطة، ومدتها 365 يوماً، وتكون مدة الشهر الصغير 6 أيام فى السنة الرابعة الكبيسة، ومدتها 366 يوماً، وقد احترم الفلاح المصرى هذا التقويم، نظراً لمطابقته للمواسم الزراعية، ولا يزال يتبعه إلى اليوم.
أما الدكتور رشيدى واصف، المدرس بالكلية الإكليريكية، فأكد فى كتابه «علم التقويم القبطى» أن القدماء المصريين لم يطلقوا أى أسماء على شهورهم فى بادئ الأمر، بل اكتفوا بالقول فى الشهر الأول ثم الثانى وغيرهما، بالتعبير عنها بالأرقام، ولكن فى عهد الفرس، وتحديداً فى أيام الأسرة الـ26 فى القرن السادس قبل الميلاد، أطلقوا على كل شهر اسم معبود من معبوداتهم، لتوثق الشهور القبطية الحياة الدينية فى مصر القديمة، مثل شهر «توت»، نسبة للإله «تحوت»، إله العلم والحكمة والقمر عند المصرى القديم، ويقع فى الفترة من 11 سبتمبر إلى 10 أكتوبر، وعند حلول هذا الشهر يردد كثير من المصريين عبارة «توت يقول للحر موت»، وذلك بسبب انكسار نسبة الحرارة فى هذا الشهر، وهناك أيضاً مقولة «توت رى ولا تفوت»، أى الفلاح الذى لا يستطيع أن يروى أرضه فى ذلك الشهر لا يستفيد من زراعتها، وأيضاً من أمثلته «التوت الكتكوت يأكل فيه ويموت»، حيث قيل إن الكتاكيت تصاب بالأمراض فى هذا الشهر.
ومن الشهور القبطية أيضاً، شهر «بابة»، وينطق «با أوبى»، ومعناه «المنتسب إلى أوبت»، لأن فيه كانت تقام احتفالات عيد «الأوبت» الشهير فى الأقصر، ويقع فى الفترة من 11 أكتوبر إلى 10 نوفمبر، ومن أشهر الأمثلة المرتبطة به «بابة خش واقفل البوابة»، وذلك للحماية من البرد فى هذا الشهر، وقيل أيضاً «إن صح زرع بابة يغلب النهابة؛ وإن خاب زرع بابة ما يجبش ولا لبابة»، أى إن كثرة المحصول فى بابة مربحة مهما نُهب منها، وكذلك شهر «هاتور»، نسبة إلى «حتحور»، إلهة الحب والعطاء والجمال والموسيقى، ويقع فى الفترة من 11 نوفمبر إلى 9 ديسمبر، ومن أشهر الأمثلة المرتبطة به «هاتور أبوالدهب المنتور»، وقيل أيضاً «إن فاتك زرع هاتور اصبر لما السنة تدور»، حيث إنه الشهر الأمثل لزراعة القمح.
أما شهر «كيهك»، ويُعرف بالهيروغليفية «كا- حر- كا»، ومعناه اتحاد القرين مع القرين، فيقع فى الفترة من 10 ديسمبر إلى 8 يناير، ومن أشهر الأمثلة المرتبطة بهذا الشهر «كياك صباحك مساك، شيل إيدك من غداك وحطها فى عشاك»، وذلك كناية عن قصر النهار فى ذلك الشهر، وطول فترة الليل، وكذلك شهر «طوبة»، قيل إنه نسبة إلى «تا عابت»، وهو ربما اسم عيد، ويقع فى الفترة من 9 يناير إلى 7 فبراير، وهناك عدة أمثلة شعبية ارتبطت بهذا الشهر، مثل «الجو فى طوبة يخلى الشابة كركوبة من البرد والرطوبة»، بسبب شدة البرد، حيث ترتعد الفتاة الشابة مثلها مثل السيدة العجوز، أما شهر «أمشير»، فقيل إنه اسم المعبود «مخر»، وهو المسئول عن الزوابع، ويقع فى الفترة من 8 فبراير إلى 10 مارس، وهناك العديد من الأمثلة المرتبطة بهذا الشهر، منها «أمشير أبوالزعابيب الكتير ياخد العجوزة ويطير»، وذلك بسبب كثرة الزوابع والأمطار فى ذلك الشهر.
وكذلك شهر «برمهات»، قيل إنه نسبة للملك «أمنحوتب الأول»، فى الفترة بين 1570 و1293 قبل الميلاد، وهو ثانى ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وكان له عيد شعبى كبير فى هذا الشهر، يُعرف باسم «با أمنحتب»، ومنه انحدر اسم «برمهات»، ويقع فى الفترة من 10 مارس إلى 8 أبريل، ومن أشهر أمثلته «برمهات روح الغيط وهات»، حيث يقع موسم الحصاد، وفى هذه الفترة أيضاً موسم تفريخ البيض، وهو غالباً ما يقع فيه الصوم الكبير عند الأقباط، حيث لا يأكلون البيض فيه، لذلك جاء المثل القائل: «عاش القبطى ومات، ولا كلش البيض فى برمهات»، أما شهر «برمودة»، فيرجع إلى اسم «رننوتت»، إلهة الحصاد، وهى على شكل حية، ربما بسبب كثرة الحيات التى توجد فى حقول الحنطة، ويقع فى الفترة من 9 أبريل إلى 8 مايو، ومن أمثلته «برمودة دق العمودة»، أى دق سنابل القمح بعد نضجها.
ومن الشهور القبطية أيضاً، شهر «بشنس»، نسبة إلى الإله «خونسو»، إله القمر فى مصر القديمة، ويقع فى الفترة من 9 مايو إلى 7 يونيو، ومن أمثلته «الشمس فى بشنس تكنس الغيط كنس»، كناية عن شدة الحرارة، وأيضاً شهر «بؤونة»، نسبة إلى عيد «انت»، أى عيد الوادى، وهو العيد الذى ينتقل فيه «آمون» من شرق النيل إلى غربه، لزيارة معابده الكائنة هناك، ومن الأمثلة المرتبطة بهذا الشهر «بؤونة فلاق الحجر»، أى من شدة الحرارة ينفلق الحجر، وكذلك شهر «أبيب»، قيل إنه مشتق من عيد يرتبط بالإله «عبب»، على هيئة ثعبان، ويقع فى الفترة من 8 يوليو إلى 9 أغسطس، ومن أمثلته «أبيب فيه العنب يطيب»، و«من ياكل الملوخية فى أبيب يجيب لبطنه طبيب»، حيث إن الملوخية غير مستحبة فى الموسم الحار، وأيضاً شهر «مسرى»، وهو الشهر الثانى عشر فى التقويم القبطى، ومعناه «ابن الشمس»، أو مولود الشمس «مسو رع»، ويقع فى الفترة من 7 أغسطس إلى 5 سبتمبر، ومن أمثلته «مسرى تجرى فيه كل ترعة عسرة»، حيث يزداد فيه الفيضان، وتغمر المياه كل أرض مصر، وأخيراً شهر «نسىء»، ويُعرف فى القبطية باسم الشهر الصغير، وهو خمسة أيام فى ثلاث سنوات متتالية، وبعد الاعتماد على نجم «الشعرى اليمانية» أضيف يوم فى السنة الرابعة، ليكون فيها الشهر ستة أيام.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصر القديمة الأعياد المصريين القدماء الأعياد القبطية الشهور القبطیة فى هذا الشهر قبل المیلاد عید النیروز بهذا الشهر وکذلک شهر ومن أشهر نسبة إلى فى السنة قیل إنه فى مصر قیل إن
إقرأ أيضاً:
«نهر النيل تاريخ ممتد» ندوة في معرض الكتاب
شهدت قاعة «ديوان الشعر»، ندوة «نهر النيل تاريخ ممتد»، من ضمن محاور «مؤسسات»، في اليوم السابع من انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56، بمركز المعارض بالتجمع الخامس.
وجاءت الندوة بحضور الدكتور خالد وصيف، مساعد الوزير بـ «وزارة الموارد المائية والري»، وأدار الندوة الدكتور محمد يوسف.
وأبدى خالد وصيف، إنه يريد في بداية الندوة تقديم صورة شاملة عن المياه في الكون، فالمياه لها معانٍ سياسية واقتصادية مهمة، فالمياه تغطي الكون بنسبة 97٪، و3% منها مياه متجمدة وعميقة لا يستفيد منها الإنسان.
وأوضح خالد وصيف، أن نهر النيل يعد أطول الأنهار على مستوى العالم، فهو نهر فريد من نوعه، إذ ينبع من الجنوب إلى الشمال، على عكس الأنهار الأخرى التي تنبع من الشمال إلى الجنوب، أو من الشرق إلى الغرب، أو العكس.
وأشار وصيف إلى أن المؤرخ الشهير «هيرودوت» له مقولة شهيرة بعنوان «مصر هبة النيل»، لأنه استطاع أن يقرأ ملامح النيل، مضيفًا أن الري في مصر حاليًا ليس بالأمر السهل، فالمزارع المصري يتنافس مع المزارع في روسيا، وأن كل الإمبراطوريات التي مرت على مصر اهتمت بالفلاح المصري والزراعة، فالملك «مينا» كان أول من تدخل في تحديد مسار النيل في عام 3200 قبل الميلاد.
وأوضح خالد وصيف، أن الوالي محمد علي باشا، مثل نقطة مفصلية في تاريخ مصر، وكان الهدف تكوين جيش حديث وقوي، وكان لا بد أن يُمول من الموارد المالية الخاصة بمصر، وكانت الزراعة هي المورد الأساسي.
«نهر النيل تاريخ ممتد» ندوة في معرض الكتاب ندوة في معرض الكتابوتابع خالد وصيف: أن محمد علي فكر في إنشاء شبكات الري المصرية، وخلال تنفيذ هذه الشبكات ظهرت مقولة شهيرة بأن المصريين بنوا شبكات الري «بالدم والدموع»، خاصة أن ترعة المحمودية توفي فيها ما يقرب من 20 ألف فلاح، وهو رقم كبير جدًا في ذلك الوقت، كما أن ترعة الإبراهيمية مات فيها العديد من الفلاحين، ولا تزال رفاتهم موجودة حتى الآن عند الحفر، كما أن محمد علي فكر في تقديم قنطرة، وهو عمل هندسي يهدف إلى حجز المياه، ولذا حرص محمد علي على إرسال الشباب إلى فرنسا، وأصبح بعضهم وزراء بعد ذلك، وتم تصميم القناطر.
وأكد خالد وصيف، أن كل حاكم في مصر لا بد أن يترك بصمة على نهر النيل، لذا جاء «عباس حلمي» لإنشاء خزان أسوان، ومن هنا جاء مصدر للكهرباء، حيث مثل نقلة كبيرة في تاريخ مصر، ولكن خزان أسوان لا يستطيع تخزين المياه إلا لمدة سنة واحدة فقط، وانتقل خالد وصيف إلى الحديث عن ترعة السلام، التي رفضت دول حوض النيل إقامتها، ولكن مصر اعتمدت على خريطة «هيرودوت» التي توضح أن من حقها إنشاء ترعة السلام، وذلك قبل الانتقال إلى الحديث عن السد العالي.
وألقى وصيف الضوء على فيلم سينمائي يحمل عنوان «ابن النيل»، حيث سلط الفيلم الضوء على غرق الأراضي بسبب فيضانات النيل، وأن بناء السد العالي كان بمثابة ترويض للنهر بشكل كبير، حيث يخزن كمية مياه كبيرة تُستخدم طوال العام، وكان بناؤه له انعكاسات سياسية كبيرة مثل العدوان الثلاثي وتأميم قناة السويس، فلا يمكن فصل تاريخ مصر عن نهر النيل، وأن مصر دولة عادلة، فالاتفاقية بينها وبين السودان لا تزال مستمرة حتى الآن، كما أن السودان تستفيد من السد العالي أكثر من مصر.
وأوضح وصيف أن النيل هو المصدر الرئيس الذي تعتمد عليه مصر، لكنها تعتمد أيضًا على مياه الأمطار، ومياه التحلية، وكذلك المياه الجوفية، ولكن علينا أن ندرك أن المياه الجوفية تحتاج إلى معدات خاصة لاستخراجها لأنها غير متجددة.
وتحدث وصيف عن أهمية محطات معالجة المياه في مصر، وألقى الضوء أيضًا على التغيرات المناخية التي أثرت على الشواطئ وجعلتها تتآكل، وهو من أكثر التحديات التي نواجهها اليوم.
وأضاف وصيف: مصر لا تزال متمسكة بعلاقتها مع الدول الإفريقية، وخاصة دول حوض النيل، حيث تقوم بتقديم خدمات ومشروعات، لأن هذا يخلق صورة ذهنية قوية على مدار التاريخ.
اقرأ أيضاًمعرض الكتاب 2025.. الصالون الثقافي يستضيف ندوة «الإعلام التنموي ودوره في بناء الشخصية المصرية»
معرض الكتاب 2025.. ندوة نقاشية عن الميكانيكا ودور جاليليو في تطوير علم الفيزياء
بحضور نخبة من الخبراء.. معرض الكتاب يستعرض أهمية المتاحف المصرية المتخصصة