ذكرى المولد والفعلُ اليماني الناتج
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
سند الصيادي
تتجسَّــدُ ذِكْرَى المولد النبوي الشريف كمناسبة إسلامية جامِعَةٍ، إلى جانب كونها فُرصةً إنسانيةً عالميةً، إذَا ما تم التوقف عندها مليًّا؛ إذ إنه وبالقراءة العالمية المتأنية لشخصها ومنهجيته ومسعاه فَــإنَّ ذلك كفيل بأن يعيد ضبطَ معايير وقوانين وأخلاقيات الحياة في المعمورة، ناهيك عن كونها تتراءى اليوم كضرورة ملحة لإنقاذ العالم أجمع من محارق ومزالق الشيطان التي أشعلها في كُـلّ مجتمع بشري.
في المجتمع الإسلامي وَما ينطوي تحته من شعوب وأوطان وأعراق وألوان، فَــإنَّ الاحتفاء بمحمدٍ يمثل إطاراً جامعاً يلملمُ شتاتَ هذا النسيج، ويعيد رسمَ أدبيات الصراع وَخارطة المصالح والمخاطر في قالب عريض يُفترَضُ أن يكونَ في الظروف الطبيعية، فما بالك اليوم ونحن نعيش ظروفاً طارئةً وأخطاراً محدقة يمكن أن تعصِفَ بوجودنا كشعوب وجغرافيا ومنظومة إنسانية لها قِيَمُها وهُويتُها وَمعتقداتُها ووظائفُها الجامعة.
بهذا الهاجس الجمعي نستقبل الذكرى، بعيدًا عن الطقوس المتوارثة أَو كإسقاط لواجب سنوي، أَو كتعبير عن نمطية ثقافية معيّنة، بل هي محاولةٌ يمانيةٌ خالصةٌ نحوَ استلهام مفاعيل القوة الإلهية والمنهجية التي تمثِّلُها هذه الشخصية في إطار الدولة ومكوناتها، وَلا تخلو من رغبة يمانية أَيْـضاً نحو إعادة تأطير المجتمع الإسلامي عُمُـومًا بـ “الإسلام ونبيه”، هذا الإطار الصُّلْبُ والصلد من الفاعلية والقوة المانعة.
من هنا يمكنُ كشفُ الكثير من الحقائق، وسِـرِّ الموقفِ الشجاعِ وَالعظيم الذي تبوَّأه يمنُ اليوم في ظل الثورة وَالمنهج؛ إذ رأينا في محمد الرسولِ المعظِّمِ “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ”، الوَصْفَةَ الناجِعةَ بما تمثله من اندفاعة وثباتٍ يزيدُ من صعوبة تحقيق الأماني الصهيوأمريكية في المنطقة عُمُـومًا.
تخطو اليمنُ من جهتها عمليًّا تجاهَ مشروع الوَحدة الإسلامية بكُلِّ ما يتوافرُ لديها من أوراقٍ وإرادَة، ورغم ما يعتريها من ظروفِ العدوان والحصار، كما ترسُمُ -بقيادتها وَشعبِها- المزيدَ من الخطوط الحمراء تجاه مشاريع ومخطّطات أعداء الأُمَّــة.
مذ أعادَت اليمنُ إعلاءَ محمدٍ، فَــإنَّ عُوْدَهَا زاد شِدَّةً وَقوةً في مواجهة العواصف، أعادت مِن رحم المعاناة ضَبْطَ الوعي الإسلامي بتوقيت القضايا الكبرى، ومن هذه المناسبة ومضمونها استلهم القائدُ ثباتَه وَأطلق تصريحاتِهِ نُصْحاً وتحذيراً وتهديداً ووعيداً.
ومِن “محمد” رأينا عظمةَ المنجزات العسكرية تختزلُ قروناً من الفوارِقِ وتتجاوَزُها، وعِشْنا النصرَ وعايشناه، فزادنا حباً بمحمد وسيرًا على نهجِه، ونحن نندفعُ للمواجَهة مستعينين بمعاوِلِه التي لا تصدَأُ ولا تَلينُ ولا تخذُلُ مَن حملها، وبالتزاماتِ التسليم المطلَقِ لقائدِنا العَلَمِ؛ فَــإنَّ النصرَ يصبحُ وعدًا مُستحَقًّا، والصُّبْحُ قريب.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: ف ــإن
إقرأ أيضاً:
عيد الإستقلال المجيد.. ذكرى خالدة تجسد تلاحم العرش والشعب
زنقة 20 ا الرباط
يخلد الشعب المغربي، بكل مشاعر الفخر والاعتزاز، غدا الاثنين، الذكرى التاسعة والستين لعيد الاستقلال المجيد، الذي جسد أرقى معاني التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي في ملحمة الكفاح للذود عن وحدة الوطن وسيادته ومقدساته.
وتعتبر هذه الذكرى المجيدة محطة راسخة في تاريخ المملكة وفي وجدان كل المغاربة، لما تحمله من دلالات عميقة وقيمة رفيعة، ومناسبة لاستحضار السياق التاريخي لهذا الحدث العظيم الذي يعكس الوطنية الحقة في أسمى وأجل مظاهرها، ويجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق للتحرر من الاستعمار، وإرساء أسس مغرب مستقل وموحد يستشرف مستقبلا ناهضا لأبنائه.
فالشعوب لا تنضج وتتسع مطامحها لبناء حاضرها ومستقبلها، إلا من خلال استحضارها لتاريخها، ومقاربة لحظاته النضالية، ومعاركه من أجل البقاء والاستمرارية، وإبراز كينونته المميزة بين الأمم، واستخلاص العبر من مختلف محطاته، تكريسا لما في اللحظات الماضية والحاضرة من قوة جذب باتجاه مستقبل يسعى للأفضل.
ومن أبرز المحطات التاريخية التي ميزت مسار الكفاح الوطني، الزيارة التاريخية التي قام بها أب الوطنية وبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس إلى طنجة يوم 9 أبريل 1947 تأكيدا على تشبث المغرب، ملكا وشعبا، بحرية الوطن ووحدته الترابية وتمسكه بمقوماته وهويته.
ومن روائع الكفاح الوطني، ما قامت به الحركة الوطنية مع مطلع الثلاثينات بالانتقال إلى النضال السياسي والعمل الوطني الهادف بالأساس إلى نشر الوعي الوطني وشحذ العزائم وإذكاء الهمم في صفوف الشباب وداخل أوساط المجتمع المغربي بكل فئاته وطبقاته. كما عملت الحركة الوطنية على التعريف بالقضية المغربية في المحافل الدولية مما كان له وقع الصدمة على الوجود الأجنبي الذي كان يواجه النضال السياسي الوطني بإجراءات تعسفية ومخططات مناوئة للفكر التحرري الذي تبنته الحركة الوطنية بتفاعل وتناغم مع أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه.
ولم يفلح المستعمر في وقف هذا المد النضالي، الذي ترسخ آنذاك في أعماق كل المغاربة، على الرغم من نفيه لجلالة المغفور له محمد الخامس رفقة أسرته الشريفة إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، وهو ما تجلى من خلال الانتفاضة العارمة التي شهدتها، في أعقاب ذلك، كل المدن والقرى المغربية.
فقد شهدت كافة ربوع المملكة الكثير من المعارك البطولية والانتفاضات الشعبية التي جسدت مقاومة أبناء الشعب المغربي للوجود الأجنبي وهيمنة الاستعمار، من أبرزها معارك الهري وأنوال وبوغافر وجبل بادو وسيدي بوعثمان وانتفاضة قبائل آيت باعمران والأقاليم الجنوبية وغيرها من المحطات التاريخية التي لقن فيها المقاومون للقوات الاستعمارية دروسا بليغة في الصمود والتضحية.
وكلحظة التحام للأمة، تعكس ذكرى الكفاح الشجاع لشعب توحد وراء ملكه، انطلقت شرارة ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 1953، التي يعد الاحتفاء بها مناسبة للأجيال الصاعدة لإدراك حجم التضحيات التي بذلها أجدادهم للتحرر من جور الاستعمار واسترجاع المغرب لاستقلاله.
وانتصرت الإرادة القوية للأمة، بتناغم مع العرش للدفاع عن القيم الوطنية المقدسة، ضدا على مخططات المستعمر الذي لم يدرك أنه بإقدامه على نفي رمز الأمة، جلالة المغفور له محمد الخامس وأسرته الشريفة، لم يقم سوى بتأجيج وطنية المغاربة والتعجيل بنهاية عهد الحجر والحماية.
وفور عودة جلالة المغفور له محمد الخامس رفقة أسرته الملكية، يوم 18 نونبر 1955 من المنفى إلى أرض الوطن، أعلن جلالته عن انتهاء نظام الحماية الفرنسية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، مجسدا بذلك الانتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى معركة الجهاد الأكبر وانتصار ثورة الملك والشعب.
وشكل الاستقلال نصرا مبينا وحدثا تاريخيا حاسما، توج بالمجد مراحل الكفاح المرير الذي تلاحقت أطواره وتعددت صوره وأشكاله في مواجهة الوجود الاستعماري المفروض منذ 30 مارس سنة 1912. ودخلت المملكة المغربية في حقبة جديدة، تمثلت في المقولة الشهيرة لجلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه “لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، حيث انخرطت المملكة في العديد من الإصلاحات التي أطلقها أب الأمة وهمت كل القطاعات الحيوية من أجل بناء المغرب الجديد ومواصلة ملحمة تحقيق الوحدة الترابية.
وسيرا على نهج والده المنعم، خاض جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني معركة استكمال الوحدة الترابية، فتم في عهده استرجاع مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، كما تحقق استرجاع الأقاليم الجنوبية بفضل المسيرة الخضراء التي انطلقت يوم 6 نونبر 1975. وفضلا عن ذلك، حرص جلالة المغفور له الحسن الثاني على بناء دولة القانون والمؤسسات الحديثة، وإرساء نظام سياسي وديمقراطي يحتذى به.
وترسيخا لمسيرة البناء التي نهجها جلالة المغفور له محمد الخامس ومن بعده جلالة المغفور له الحسن الثاني، يتواصل اليوم، في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، ورش تحديث المغرب، وفي مقدمته الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وتحقيق تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية تضمن لكل مواطن العيش الكريم، وترقى بالمملكة إلى مصاف البلدان التي تجعل العنصر البشري محور سياستها الاقتصادية والاجتماعية.
إن الاحتفال بعيد الاستقلال يمثل لحظة للقيام بوقفة تأملية تستحضر تاريخ المغرب الغني بالأمجاد وبالمحطات المشرقة من أجل الذود عن مقدسات البلاد، ومناسبة لاستلهام ما تزخر به هذه الذكرى من قيم سامية وغايات نبيلة، لإذكاء التعبئة الشاملة، وزرع روح المواطنة، وتحصين المكاسب الديمقراطية، ومواصلة مسيرة الجهاد الأكبر، وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية للمغرب، وربط الماضي التليد بالحاضر المجيد والمستقبل الواعد.