جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-16@21:59:52 GMT

صونٌ للحياة.. رسالةٌ ونداء

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

صونٌ للحياة.. رسالةٌ ونداء

                  

د. سليمان بن خليفة المعمري

تُعدُّ البيئة بما تتضمنه من غِطاء أخضر من سهول وغابات ونباتات، أحد مقومات الحياة على هذا الكوكب؛ إذ إنها تمدُّه بالأُكسجين الضروري لاستمرارية الحياة، وبالتالي فهي رِئَة العالم التي تحيا بها الكائنات، كما تُشكِّلُ البيئة الوسط الطبيعي والاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياتية ويدخل معها في علاقات متبادلة.

إلّا أنه- وللأسف الشديد- بدأت علاقة الإنسان بالبيئة تنحو منحى خطير وتتجه نحو الانزلاق في هاوية سحيقة عبر مجموعة من التصرفات والسلوكيات البيئية الخاطئة؛ إذ نجد الكثير من سلوكيات اللامبالاة والتعدي على البيئة وقطع الأشجار والاحتطاب والرعي الجائر، ورمي النفايات وفضلات الأطعمة في الأماكن العامة، والعبث بمرافق الحدائق العامة، والقيادة المتهورة للسيارات، وترك مخلفات البناء ورمي الحيوانات النافقة في غير الأماكن المخصصة لها وعدم الاكتراث بمخلفات الورش التجارية والمصانع، والتعامل غير الحضاري مع المفردات البيئية.

والواقع أن كل هذه التصرفات غير المسؤولة تعكس إلى أي مدى أصبح الإنسان يُسيء التصرف في تعامله مع البيئة.

ونتيجةً لذلك تَلاحَظَ زيادة الاختلالات البيئية كذوبان الثلوج وحدوث الفيضانات والأعاصير وانقراض بعض الكائنات والتغيُّرات المناخية كارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع منسوب مياه البحار، وغيرها من الظواهر التي تُهدد النظام والتوازن الايكولوجي للبيئة، مما جعل العلماء يدقون ناقوس الخطر. وترى الدراسات أنه بحلول عام 2050 ستحتاج البشرية إلى كوكبين بحجم الأرض للوفاء بالاحتياجات البشرية المتزايدة!!

ولقد أصبحت التهديدات والمشكلات البيئية واقعًا لا يمكن إنكاره، وإنّ مما يؤسف له أن السلوكيات البيئية السلبية لم تقتصر على الأفراد فقط؛ بل شملت مؤسسات وشركات عالمية تُمارِس أشد الأعمال منافاةً للأخلاق وتخليًا عن المسؤولية بحق البيئة؛ حيث تقوم بإلقاء مخلفات صناعاتها مُتسببةً في تلويث البحار وامتلاء الأجواء بالأدخنة والغازات والعوادم، وتضرُّر اليابسة؛ مما أدى إلى إهلاك الحرث والنسل، حتى أضحت الأرض وقد صدق عليها وصف الشاعر:

عادتْ الأرضُ وهادًا شاحباتٍ وحزونًا

ترتدي الوحشةَ والهولَ ضبابًا ودجونًا

وأقاحيها هشيمًا لا أريجًا وفتونًا

وكل ذلك لم يكن ليحدث لولا تقديم القيم الاقتصادية والتجارية والتقنية على حساب قيم وأخلاقيات الحفاظ على البيئة وصون الطبيعة، يُضاف إلى ذلك وقوف العالم عاجزًا، رغم ما شرعه من نُظم وقوانين أمام الفساد الذي يضرب أطنابه حول البيئة المهددة بمخاطر لا حصر لها، وما علِمت البشرية أن باستمرائها الإساءة إلى البيئة، فإنها بذلك تفتح على نفسها أبواب الجحيم وتُهدد الحياة على سطح الأرض بالفناء.

إنَّ الاعتداء على البيئة- كما يرى علماء النفس البيئي- يُعد سلوكًا مَرَضِيًّا يوجب التدخل والتعديل كما إنه السبب الأساس لحدوث الاختلال البيئي، وعلى العكس فإن اهتمام الفرد بالبيئة وسعيه للحفاظ على مكوناتها الطبيعية حينما ينذر الفرد حياته للحفاظ على البيئة وحماية أنواعها المهددة بالانقراض هي من الأمور التي تجعل لحياته معنى، كما عند عالم النفس الشهير فيكتور فرانكل، ولذا فإن الإجراء الذي ينبغي اتخاذه يتمثل في تربية الأفراد تربيةً بيئيةً تضمن تحقيق الوعي والتنور البيئي والفهم الصحيح لأسس التفاعل الإيجابي مع البيئة، وتُرسِّخ لديهم القناعة بأهمية تنمية الموارد الطبيعية والحفاظ عليها واكتساب اتجاهات إيجابية نحو البيئة، وتعزيز الرقابة الذاتية وزيادة صلة الفرد بالأنظمة البيئية وألّا يكون مصدرا للعبث والدمار البيئي.

والحق أن السلوك البيئي المسؤول أصبح ضرورة حتمية على الأفراد والمؤسسات للحفاظ على البيئة وبناء مجتمع ينعم بالرفاهية والنماء، وأنّ هذا السلوك لا يتأتى إلّا عبر تحلي الجميع بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية والاجتماعية تجاه قضايا المجتمع والبيئة. علاوة على أنَّ الحفاظ على البيئة يعد استجابة لواجب ديني وإسلامي بالدرجة الأولى، قبل أن يكون استجابة لدعوات عالمية أو تنفيذًا لاتفاقيات دولية، ففي الوقت الذي يأمر الله عز وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالقيام بأعباء الدعوة المحمدية في بداياتها الأولى، يخاطبه ربنا سبحانه وتعالى بقوله: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)" (سورة المُدَّثِر)، آمرًا إياه- صلى الله عليه وسلم- والأمة المُحمَّدِيّة كافةً بالنظافة وطهارة الثياب، وفي هذا إشارة لطيفة إلى أهمية النظافة وأنها طوق النجاة ضد الكثير من الآفات والكوارث والجوائح التي قد تصيب الإنسان والبيئة.

وإنّ مما يؤسف له أن لا يمتثل البعض هذا التوجيه القرآني الرفيع ولا يسلك هذا السلوك القويم في تعامله مع البيئة، فتجده يلقي بالمخلفات في أماكن تنزهه ورحلاته، وإنْ تعجب فعجبٌ لأناس يحرصون على نظافة بيوتهم، وما إنْ يبلغوا عتبات أبواب منازلهم حتى تراهم يرمون النفايات والأوساخ أنّى شاءوا، أو أنْ ترى أناسًا يقضون الساعات في تنظيف وتلميع سياراتهم، وما إنْ ينتهوا، حتى يتركوا مخلفات تنظيفهم على قارعة الطريق، مُتجاهلين الأضرار الجسيمة التي قد تُسببها للأشجار والحيوانات والكائنات الحية وتعمل على زيادة التلوث وتشويه المنظر العام وفساد جمالية المكان وغيرها من أضرار.

وختامًا.. آملُ أن تُشكِّل هذه الإطلالة الخاطفة على ما يتهدد البيئة من أخطار نتيجة ممارسات الإنسان الخاطئة رسالة عاجلة ونداءً إنسانيا مهما لتصويب المسار وايقاظ الضمير الإنساني نحو المعاناة البيئية، فما أحوج البشرية اليوم لبناء الضمير البيئي الذي يضبط سلوكياتها في التعامل الرشيد مع البيئة لإيجاد علاقة تعاونية آمنة بين الفرد وبيئته بما يكفل تحقيق الرفاهية والأمان البيئي وصون وحفظ الطبيعة مما يتهددها من مخاطر وكوارث بدأت تلوح في الأفق وتنذر بتقويض الحياة على هذا الكوكب.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التنمية المحلية : نعتزم التعاون مع االصين في مجالات الحماية البيئية

إلتقت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية والمهندس عبدالمطلب عمارة محافظ الأقصر بليو شياو لياو عمدة مدينة لوتشو بالمقاطعة،في ختام زيارتها لمقاطعة سيتشوان الصينية.

ومن جانبها أعربت الدكتورة منال عوض  عن شكرها لما شاهدته من حفاوة الاستقبال وحسن الاستضافة للوفد المصري وما تابعته خلال زيارة المدينة من تطور في منظومة إدارة الموانئ والمصانع ، مشيرة إلي أوجه التشابه بين المدينة و محافظة دمياط ، حيث تضمنت جولتها ومحافظ الأقصر بالمدينة زيارة عدد من مصانع المنطقة الحرة للتعرف على الصناعات الجديدة والمتطورة وبعض المنتجات التي يتم تصديرها إلي مصر.

كما أشارت وزيرة التنمية المحلية إلي تطلعها لزيادة التعاون مع المقاطعة وتوطين الصناعات الصينية في مصر والتي يمكن لها الاستفادة من المزايا المقدمة من المناطق الصناعية والمنطقة الحرة ، كما أبدت د.منال عوض سعادتها بزيارة الغابات والمحمية الطبيعية بالمدينة للتعرف علي تجربة حماية الأشجار المعمرة بالمدينة ، معربة عن إمكانية التعاون في مجالات الحماية البيئية والحفاظ على الطبيعة والأشجار والتعاون في مجالات حوكمة وإدارة المدن الذكية في إطار جهود الدولة المصرية للتحول الرقمي .

كما أعربت وزيرة التنمية المحلية عن تطلعها لوجود علاقات توأمة وروابط بين مدينة لوتشو وإحدى المدن المصرية المشابه لها ، على غرار مذكرة التعاون التي توقيعها بين محافظة الاقصر ومقاطعة سيتشوان في عدد من المجالات ، ووجهت الدكتورة منال عوض الدعوة لعمدة المدينة وعدد من الشركات الموجودة بها لبحث  فرص الاستثمار والتعرف على ما تحتويه مصر من ثقافة وحضارة عريقة.

ومن جانبها أعربت ليو شياو لياو  عن أمنيتها أن تكون المدينة تركت انطباعاً جيداً لدي الوفد المصري ، حيث يمر بها نهر اليانجتزي و النهر الأصفر واللذان يعدا بمكانة نهر النيل بالنسبة لمصر من حيث الأهمية ، كما أشارت عمدة المدينة إلى أن الطرق النهرية أتاحت أن يكون ميناء لوتشو الأكبر في المقاطعة حيث يتيح الوصول إلي أنحاء الصين المختلفة ، وكانت محطة في طريق الحرير القديم منذ ٢٠٠٠ عام وماتزال محطة هامة للتجارة الصينية، حيث تتكون  مقاطعة سيتشوان من ٢١ مدينة وتحتل لوتشو المركز السادس في القوة الاقتصادية لما تحتويه من ميناء ومنطقة حرة ومصانع عديدة ، كما أن جامعة الطب بالمدينة قد سبق لها عمل تعاون مع جامعة الإسكندرية.

وأضافت ليو شياو لياو عمدة مدينة لوتشو أنه علي مستوى المقاطعة وصل حجم التجارة مع مصر ٩٠ مليون يوان، مشيرة إلى أن زيارة الوفد المصري برئاسة وزيرة التنمية المحلية ستعزز العلاقة الاستراتيجية بين مصر والصين ، خاصة وأن الحضارة المصرية تحضى باهتمام كبير من الشعب الصيني ، معربة عن أملها في تعزيز التعاون الثنائي والعلاقات الودية والصداقة بين مدينة لوتشو والمدن المصرية من خلال وزارة التنمية المحلية في المجالات التجارية والثقافية والسياحية وغيرها.

وشملت جولة وزيرة التنمية المحلية ومحافظ الأقصر التعرف على التجربة الصينية في مجال المدن الذكية والتحول الرقمي، حيث تم زيارة مركز حوكمة الخدمات والتحكم الرئيسي لمدينة لوتشو للتعرف على المنظومة الرقمية للحوكمة الإدارية وتحسين الخدمات المقدمة لسكان المدينة من خلال جمع البيانات ورصد المشكلات المحلية وتحليلها ومعالجتها بما في ذلك أنظمة الكشف والإنذار  المبكر  والتواصل مع الجهات المختصة لسرعة حل ومعالجة المشكلات ، حيث يتم استخدام  الذكاء الاصطناعي وشبكة الانترنت والانظمة الجيومكانية والرقابية في تحليل المتغيرات البيئية للمدينة ومراقبة المنشآت والمرافق العامة والمصانع ومواقع الانتاج وغيرها  لرصد التعديات والتأكد من الالتزام بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل ، حيث تحمل كافة منشآت المدينة ببطاقة رقمية شخصية ليصل عددها إلي ٧٠٠ ألف منطقة مسجلة ويتم معالجة ومواجهة المشكلات من خلال التواصل مع المركز الرئيسي و المحطات الفرعية المختصة والتي يبلغ عددها  ٣٢ محطة ، ويتم بصورة مستمرة تقييم الأداء للمتابعة ومعالجة المشكلات لرفع كفاءة وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتحقيق الحوكمة الإدارية.

1000173481 1000173483 1000173479

مقالات مشابهة

  • منع دخول غاز الطهي يفاقم الأزمة البيئية والصحية
  • التنمية المحلية : نعتزم التعاون مع االصين في مجالات الحماية البيئية
  • رئيس الوزراء: الجميع كان يحلم بعودة «النصر للسيارات» للحياة مرة أخرى
  • رئيس الوزراء: النصر للسيارات قلعة صناعية مصرية وعودتها للحياة يوم عيد
  • أمين شاهين ينقذ «الأرغول».. آلة موسيقية نادرة تعود للحياة في ريف المنوفية
  • رسالة أريسيبو.. 50 عاماً على أول نداء كوني للبشرية
  • حدثونا عن حقوق الإنسان في فلسطين.. مصطفى بكري يوجه رسالة قوية للمنظمات الحقوقية الدولية
  • القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مواطنًا ومقيمين مخالفين لنظام البيئة لاستغلالهم الرواسب في منطقة مكة المكرمة
  • شوبير يوجه رسالة لـ مجدي عبد الغني الذي لم يستكمل قائمته بانتخابات اتحاد كرة
  • إنعاش قلب معتمرة سبعينية يعيدها للحياة في أجياد للطوارئ