لن أنسى حقيبته القماشية!!
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
لن أنسى أبدًا عم ظريف!!
كلما أمر بمحنة أو اختبار مبادئ، أتذكر عم ظريف، الوفدى الكبير انتماءً، البسيط حياةً، الغنى فكرًا.. فتذكره بالنسبة لى ماءً يطفئ شعلة النيران التى تمسك بجلبابك كلما اختلط الحابل بالنابل، وذكراه هى التى تخفف لهيبُ الجمر الذى يحرق أصابعك وأنت ممسك بكرة اللهب دون أن تتنازل عما تعلمته، فالممسك بمبادئه فى هذا الزمن كمن يمسك كرة من لهب فى عالم لا يسمع فيه أحد من يتكلمون هذه اللغة.
بعد انضمامى لحزب الوفد بعام واحد، تعلمت مرادف الولاء الكامل للفكرة، وأدركت لأول مرة معنى الغيرة على الكيان، فكان الدرس الذى تلقيته فى عام 1989 على يد وفدى قديم اسمه «عم ظريف» كان قد تجاوز حينها الثمانين من عمره، عاصر مصطفى النحاس فى عنفوانه وقوته وسيطرته على قلوب المصريين، فكان النحاس عند عم ظريف هو الزعيم، ولا زعيم غيره… عم ظريف بطل حكايتنا- رحمة الله عليه- هو وفدى من محافظة القاهرة، وكان الوفديون العائدون للحياة السياسية عام 1984 يعرفونه عز المعرفة، فقد كان شابًا وفديًا مناضلًا فى الثلاثينيات والأربعينيات، وظل وفديًا مناضلًا حتى تم حل الأحزاب فى مطلع الخمسينيات، وبقى وفديًا مخلصًا خلال الستينيات والسبعينيات وعاد للوفد عضوًا لا تلين له عزيمة فى 1984، وظل يتحدث مع الشباب الصغير المنضم حديثًا للوفد مثلنا، عن مصطفى النحاس وزعامته، وكنا نُطلق لقب «عاشق النحاس» على عم ظريف، مثلما أُطلق على إبراهيم باشا فرج لقب «ابن النحاس»!!
ولكن ما هو الدرس الذى حصلت عليه من عم ظريف.. كان الدرس يوم 23 أغسطس 1989، وكان حزب الوفد يحتفل فى مقره القديم بالمنيرة فى حى السيدة زينب بذكرى الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس، ويبدو أن الاحتفال لم يتم الإعداد له جيدًا لسفر فؤاد باشا سراج الدين، فلم يكن بالشكل اللائق بالذكرى، ولا يتناسب مع حجم الوفد، فى وقت كان زخم العودة ما زال قائمًا، وكان توافد الجماهير على مقر الوفد فى هذه الفترة لا ينقطع يوميًا بأعداد كبيرة، ولكن فى هذا اليوم غابت الجماهير.. ورغم أننا كنا ننتظر بداية الاحتفال بالذكرى، فوجئت بعم ظريف يترك المقر غاضبًا، ويتجه إلى الشارع، وذهبت وراءه مسرعًا مع عدد من شباب الوفد، لنستفسر منه عن سبب غضبه، ولحقنا به عند آخر سور مقر الحزب، بالقرب من المركز الثقافى الفرنسى، فقال لنا «أنا زعلان.. مش هأقدر أقعد تانى.. معقول ده الاحتفال بذكرى سعد والنحاس.. النحاس اللى كان بينتظره الملايين فى كل مكان يروح فيه.. يحتفل بذكراه عشرة أشخاص.. لأ.. لأ.. مش هأقدر أستنى» وبكى الرجل بكاءً مريرًا.. وحاول تغطية وجهه بحقيبة قماشية كان يحملها باستمرار وكان داخلها صور النحاس وكتب وفدية صغيرة.. حتى لا يرى الشباب الصغير دموعه.. ولكن الحقيبة لم تنجح فى التغطية.. فرأينا الدموع.. وشعرنا بالوجع فكان الدرس الذى لا يُنسى عن معنى الغيرة التى لا تضر حبًا فى كيان كبير اسمه الوفد.. ولاحظ أن عم ظريف كتم الغضب فى نفسه.. ولكنه عبر عن رأيه دون تجاوز.. وبالمناسبة عم ظريف لم يعش بعدها كثيرًا ولكنه توفى بعد هذه الواقعة بعدة أشهر.. وكانت وصيته لأولاده بأن يتم تسليم إدارة الحزب محتويات مكتبته الضخمة الخاصة التى تحتوى على مئات الكتب، والصحف النادرة، والتى تتضمن وقائع مهمة عن تاريخ الوفد، وقد تسلم الحزب بالفعل هذه المكتبة، وقرأنا كتبًا نادرة وعرفنا تفاصيل تم نشرها عن الوفد فى الصحف خلال الفترة من 1919 وحتى 1952، بفضل هذه الوصية، وقد كانت هذه الكتب والصحف ممهورة بختم يحمل اسم عم ظريف رحمة الله عليه!!
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
"هاريس - ترامب " رهان خاسر و سبات عميق
أتابع عبر الشاشات و منصات التواصل الاجتماعى نظرة تفائل هنا و تشاؤم هناك حول المرشحين فى الانتخابات الأمريكية للرئاسة التى بدأت صباح الثلاثاء ، أتابع و أنا أضحك وجود معسكرين فى المنطقة العربية الأول ينحاز لترامب و الثانى لهاريس، كلا المعسكرين يبنى آمال عريضة على مرشحه و كأننا نحمل الجنسية الأمريكية، صحيح أن الولايات المتحدة هى وحدها التى تضع سياسة العالم و هى الدولة الكبرى الوحيدة فى العالم التى لا ينافسها أحد، لكن مسألة المبالغة فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين هو أمر مثير للدهشة منا كعرب، لأن هاريس و ترامب و جهين لعملة واحده. بالنسبة لبعض الدول العربية هناك وجه منهم مريح إلى حد ما فى بعض الأمور لكن بالنسبة للقضايا الرئيسية التى تشغل العرب مثل القضية الفلسطينية أو اعتداءات الكيان الصهيونى على بعض الأشقاء فتلك السياسات لن تتغير، سيبقى الأسطول الأمريكي فى البحر المتوسط لحماية الكيان الصهيونى، و سيظل "الفيتو" الأمريكي موجود لتعطيل و تعديل أى قرار ضد الكيان الصهينونى، و ستظل المساعدات العسكرية و المالية تصل إلى تل أبيب فى الميعاد الذى تطلبه حكومة الكيان.
أمريكا طوال تاريخها و هناك فتى واحد مدلل بالنسبة لها فى منطقة الشرق الأوسط، هذا الفتى هو الشرير الذى يحرق و يقتل و يرفع راية البلطجة على الجميع.
خلال عام قام هذا البلطجى" مصاص الدماء" بقتل أبناء فلسطين حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يقرب من خمسين ألف،و تجاوز عدد المصابين المائة ألف بين طفل و سيدة و كبار سن، دمر هذا الطفل المدلل ما يقرب من ٧٠% من غزة و حولها إلى تلال من المبانى المنهارة، أصبحت غزة بقايا مدينة، لم تعد بها أسرة واحدة مكتملة البناء"الأبناء الأب الأم "، احدهما او كلاهما شهيد، و هناك أسر كاملة استشهدت، لم يعد لها من يحمل اسمها، نعم أسر كاملة أبيدت برعاية أمريكية، و بسلاح و مسانده و دعم أمريكى.
لذلك لا أعلم كيف و بأى وجه أجد بعض العرب يبنون آمال عريضة على نجاح مرشح أمريكى بعينه أو أجد متشائم من وصول الآخر لسدة الحكم، كلاهما مر .
أمريكا هى التى ترعى دولة الكيان و حريصة على بقائها، و بقاء هذه الدولة المحتلة مرهون ببقاء أمريكا، و نحن العرب ستظل أمريكا بالنسبة لنا هى الكابوس الذى يطاردنا فى الليل و النهار.
سياستها تجاهنا قائمة على مصلحتها، و مصلحة الكيان الصهيونى الذى يحركها كما و متى يشاء، الموضوع بينهما تخطى مرحلة المصالح إلى مرحلة الحياة و الموت ، إسرائيل تعتبر أمريكا قلبها النابض،الذى يمد جسدها بالدم المحمل بالاكسجين، و أمريكا تعتبر إسرائيل الابن المدلل.
و بالنسبة لنا كعرب أمريكا هى سفينة النفايات التى تحمل لنا السموم و الميكروبات بكافة اشكالها.
أمريكا ليست للعرب فقط مركز السموم،و وكر الافاعى، لكنها تمثل نفس الامر لدول كثيرة حول العالم تضررت منها و ذاقت من شرورها الكثير.
الغريب فى الأمر و الشئ العجيب أن كل الاقطار العربية تعى تماما حجم العلاقة بين الكيان الصهيونى و أمريكا و رغم ذلك مازلنا نبحث عن الأمان عندها، تريدون أن تعوا
قيمة الكيان الصهيونى لدى أمريكا، اقرأوا
هذا الرقم الذى يوضح حجم العلاقة بينهما،
منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948حتى عام 2022 تلقت 158 مليار دولار من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة، مما يجعلها أكبر متلق في التاريخ.
فى النهاية نجحت هاريس أم سقطت، نجح ترامب أم سقط كلاهما مر.فلا تشغلوا حالكم بمن هو الرئيس القادم، الكل ينفذ أجندة واحدة تم وضعها منذ سنوات طويلة و لم و لن تتغير .
تلك الحرب الدائرة فى كل بقاع الأرض أمريكا هى كلمة السر فيها. فلا تسرفوا فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين كلاهما مر، كلاهما لا يهمه سوى مصلحته و مصلحة الكيان الصهيونى.
فلا تصدقوا
التعهد الذى قطعته نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، بأنها ستسعى لإنهاء الحرب في قطاع غزة في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، معتبرة أن قتل الفلسطينيين الأبرياء في القطاع وصل إلى مستوى غير معقول، و لا تصدقوا ترامب عندما يقول نفس المفردات، خاصة ان امريكا لن تسمح بحل الدولتين مهما حدث.
على العرب يستيقظوا من السبات العميق الذى هم عليه، علينا كعرب البحث عن طرق أخرى للتعامل مع هذا الكيان "الامريكى- الصهيونى" .