لجريدة عمان:
2024-12-18@11:33:30 GMT

المسرحي أبو عيشة.. القدس تسكن فكره ووجدانه

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

المسرحي أبو عيشة.. القدس تسكن فكره ووجدانه

ظلّ المسرحي والكاتب الإعلامي القدير حسام أبو عيشة، وفيًّا لمدينة القدس المحتلة التي وُلد فيها ونما وترعرع، ولم تُغادرْ معظم أعماله الفنية والإعلامية، فجسّد حياتها وحياة أهلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الثقافية والتراثية، فتراه يجوب أبوابها وحاراتها وأسواقها ويعبّر عنها، من باب العامود إلى باب الأسباط، إلى خان الزيت وسوق الدّباغين والقطّانين، وبهذا فإن المدينة تسكن في فكره ووجدانه.

هنا سأُسلّط الضوء على مسرحيّته الشهيرة "قهوة زعترة"، وعلى برنامجه التلفزيوني "ناس وحرّاس"، وفيهما يبدو مسكونًا بالمدينة نصًّا وروحًا، يعبّر عن آمالها وآلامها، وهموم الناس وطموحاتهم.

كنت قرأت كثيرًا عن المسرحية، إلاّ أنّها لم ترسخْ في ذهني إلاّ بعد مشاهدتها مباشرةً ذات يوم، على خشبة مسرح مركز الحسن الثقافي في مدينة الكرك الأردنية، وكنت حينها ضمن وفد ثقافي أنا وأبو عيشة والقاصّ الجميل زياد خدّاش، نشارك في فعاليات متنوّعة نظّمتها مديرية ثقافة الكرك، في إطار توأمة ثقافية مع مدينة القدس المحتلة، وفي ذكرى رحيل الكاتب والفنان الأردني محمود الشمايلة.

كان أبو عيشة يجوب المسرح بخفّة ورشاقة وأناقة، يتكلّم بلسان ماهر عارفٍ حاذق، يحفظ نصّه عن ظهر قلب، وفي الوقت نفسه، قادر على الابتكار والارتجال، والخروج عن النّص قليلًا، وليس بعيدًا عن إطاره، إن أراد ذلك، مُستعينًا ببعض الأدوات التي يحملها على ظهره في حقيبة سفر مُتنقّلة، ليجعل الجمهور في ترقُّب وانتباه تامّين، يتابع أداءه الجميل وحركاته المُتقنة، ويستمع لصوته، إن همس أو انخفض، أو علت وتيرته، ويظلّ مُنجذبًا للمحتوى والمضمون العميق الذي تحكي عنه المسرحية، ببُعديها الوطني والإنساني، حين تروي حكاية شعب صمد وصبر، رغم حرب الإبادة التي يتعرّض لها منذ النكبة عام 1948 ولغاية اليوم.

"قهوة زعترة" عبارة عن حكاية مقدسية؛ اتّخذت شكل المونودراما، الذي يعتمد الأداء فيه على ممثل واحد، يسرد الحدث عن طريق الحوار، جسّدها الفنان أبو عيشة في عمل مسرحي يروي قصة والده "صالح"، المُهجّر من مدينة اللد، والعامل في أكبر مقاهي البلدة القديمة بالقدس المحتلة في القرن الماضي.

استطاع أبو عيشة عبر هذا العمل الإبداعي نقل تفاصيل النضال السياسي الفلسطيني، والقضايا الاجتماعية والطبقيّة في القدس خلال عهد الانتداب البريطاني، والحكم الأردني، والاحتلال الإسرائيلي، مُبرزًا طرق النضال الفلسطيني وآلياته، ومختلف الفئات التي أحبّت فلسطين وقاومت المحتلّين.

يعتلي أبو عيشة المسرح حاملًا معه "أرجيلة" وحقيبة سفر قديمة، يضعهما إلى جانب كرسيّ خشبيّ قديم، وطاولة أكل الدهر عليها وشرب، في محاولة لتقريب صورة المقهى المملوك للمقدسي خليل زعترة، وتجسيده كمجلس اجتماعي وسياسي لأهل المدينة وزوّارها، وكيف كان مكانًا سرّيًا وعلنيًا للثوار والمناضلين ورجالات الحركة الوطنية.

وتتجلّى براعة أبو عيشة في تقليده للعديد من الشخصيات، بالصوت والحركات، بدءًا من خليل زعترة صاحب المقهى، ثمّ علي النتشة كبير تجّار البلدة القديمة، والطبيب أمين الخطيب، والنّطاسي أنطون ترزي، والمُربّي أحمد نسيب عبد اللطيف، وزكريا عامل تصريف المجاري، وغيرهم، فتراه يغيّر من نبرة صوته، حتى يشعر من يستمع إليه أن هناك أشخاصًا عدّة يُؤدّون أدوارًا مختلفة، وبذلك يتقمّص عدّة شخصيات بإبداع منقطع النظير، وإتقان مدهش.

من خلال المسرحية يعبّر أبو عيشة عن واقع الحال، ويروي حكاية النضال الفلسطيني ومقاومة الاحتلال ومجابهة المخططات الصهيونية الرامية إلى تهويد المدينة وتكريس الاحتلال، لتبدو القدس عصيّة على الهزيمة والانكسار.

جابت "قهوة زعترة" المدن الفلسطينية، ومسارح الدول العربية والأجنبية لتحكي قصة مدينة غيّرت السياسة واقعها بأشكاله المختلفة، لكنها بقيت شوكة في حلق المُحتل لا تلين لها قناة. وحازت المسرحية على 11 جائزة في مهرجانات محلية وعربية، وأهلّت الفنان أبو عيشة ليحصل على جائزة أفضل ممثل عربي (بارز) ضمن الدورة الرابعة لمهرجان قرطاج الدولي لمسرح المونودراما في تونس.

أمّا برنامجه التلفزيوني "ناس وحراس"، الذي كان يُعدّ ويُقدّم ويُبثّ في شهر رمضان المبارك، ويلتقي فيه بالعديد من المقدسيين، والناس الذين يؤمّون القدس للصلاة فيها، فقد تمّ عرضه على 24 محطة فضائية، ووصل عدد مشاهديه إلى 122 مليون شخص في أرجاء المعمورة، من المتشوّقين لمشاهدة المدينة المقدّسة، ونبض الحياة اليومية فيها في رمضان، وما تشعّه من روحانيات وأجواء إيمانية، وانعكاس ذلك على حياة الناس في جميع أنحاء الدنيا.

وأذكر تمامًا عندما كنّا سويًّا أنا وأبو عيشة وخدّاش، كان الناس ينظرون إليه بتمعّن، ويسألونه: ألست أنت من يقدّم برنامج كذا في القدس؟ وهذا أكبر دليل على تعلّق الناس بالبرنامج ومن يقدّمه. كان أبو عيشة يشعر بالزهو والفخر، ويظلّ دائم الحديث عن هذه المواقف، معتبرًا ذلك أكبر شهادة أو وسام يُمنح له من الجمهور.

أبو عيشة أدخل القدس وأجواءها الرمضانية إلى القلوب والبيوت، لا سيّما لفئة كبيرة من الناس لم يزوروا المدينة المقدسة منذ سنوات، جرّاء قرارات سلطات الاحتلال التي تحدد فئات عمرية وغيرها من الناس لتسمح لهم بزيارة القدس والصلاة فيها.

والمتابع لصفحة أبي عيشة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، يرى كمًّا هائلًا من الصور والفيديوهات التي يلتقطها، ويسجّلها كل يوم في الصباح الباكر عن أهم المواقع والمرافق والحارات والأسواق والأبواب في العاصمة الحبيبة مهوى القلوب والأفئدة، وبذلك يبقى أبو عيشة وفيًّا للمدينة؛ ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.

عبد الحكيم أبو جاموس .. كاتب فلسطين

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أبو عیشة

إقرأ أيضاً:

ناقشا الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.. نائب أمير المدينة المنورة يستقبل سفير أوزباكستان لدى المملكة

استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن خالد بن فيصل، نائب أمير منطقة المدينة المنورة، في مكتبه بالإمارة، سفير جمهورية أوزباكستان لدى المملكة، نادرجان توغورنوف.

وجرى خلال اللقاء تبادل الأحاديث الودية، ومناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

مقالات مشابهة

  • نقل مباراة الشرطة العراقي والعين الإماراتي من ملعب كربلاء إلى المدينة
  • تعز.. مقتل شاب برصاص الحوثيين في حاجز تفتيش شمالي المدينة
  • رئيس جامعة الفيوم يشهد العرض المسرحي "Sale" للتوعية بأضرار المخدرات
  • ناقشا الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.. نائب أمير المدينة المنورة يستقبل سفير أوزباكستان لدى المملكة
  • المطران عطا الله حنا: يجب أن تتوقف الحرب التي يدفع فاتورتها المدنيين الأبرياء
  • آثار ومتاحف رأس الخيمة تنظم العرض المسرحي «فرجانا الأولية»
  • المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)
  • وكالة بيت مال القدس الشريف تطلق تطبيق "هيا" المخصص لتراث المدينة المقدسة
  • رئيس جامعة بورسعيد يهنئ الكليات الفائزة في ختام فعاليات المهرجان المسرحي
  • المدينة التي تبكي بأكملها.! (1)