لجريدة عمان:
2025-05-01@14:52:18 GMT

المسرحي أبو عيشة.. القدس تسكن فكره ووجدانه

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

المسرحي أبو عيشة.. القدس تسكن فكره ووجدانه

ظلّ المسرحي والكاتب الإعلامي القدير حسام أبو عيشة، وفيًّا لمدينة القدس المحتلة التي وُلد فيها ونما وترعرع، ولم تُغادرْ معظم أعماله الفنية والإعلامية، فجسّد حياتها وحياة أهلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الثقافية والتراثية، فتراه يجوب أبوابها وحاراتها وأسواقها ويعبّر عنها، من باب العامود إلى باب الأسباط، إلى خان الزيت وسوق الدّباغين والقطّانين، وبهذا فإن المدينة تسكن في فكره ووجدانه.

هنا سأُسلّط الضوء على مسرحيّته الشهيرة "قهوة زعترة"، وعلى برنامجه التلفزيوني "ناس وحرّاس"، وفيهما يبدو مسكونًا بالمدينة نصًّا وروحًا، يعبّر عن آمالها وآلامها، وهموم الناس وطموحاتهم.

كنت قرأت كثيرًا عن المسرحية، إلاّ أنّها لم ترسخْ في ذهني إلاّ بعد مشاهدتها مباشرةً ذات يوم، على خشبة مسرح مركز الحسن الثقافي في مدينة الكرك الأردنية، وكنت حينها ضمن وفد ثقافي أنا وأبو عيشة والقاصّ الجميل زياد خدّاش، نشارك في فعاليات متنوّعة نظّمتها مديرية ثقافة الكرك، في إطار توأمة ثقافية مع مدينة القدس المحتلة، وفي ذكرى رحيل الكاتب والفنان الأردني محمود الشمايلة.

كان أبو عيشة يجوب المسرح بخفّة ورشاقة وأناقة، يتكلّم بلسان ماهر عارفٍ حاذق، يحفظ نصّه عن ظهر قلب، وفي الوقت نفسه، قادر على الابتكار والارتجال، والخروج عن النّص قليلًا، وليس بعيدًا عن إطاره، إن أراد ذلك، مُستعينًا ببعض الأدوات التي يحملها على ظهره في حقيبة سفر مُتنقّلة، ليجعل الجمهور في ترقُّب وانتباه تامّين، يتابع أداءه الجميل وحركاته المُتقنة، ويستمع لصوته، إن همس أو انخفض، أو علت وتيرته، ويظلّ مُنجذبًا للمحتوى والمضمون العميق الذي تحكي عنه المسرحية، ببُعديها الوطني والإنساني، حين تروي حكاية شعب صمد وصبر، رغم حرب الإبادة التي يتعرّض لها منذ النكبة عام 1948 ولغاية اليوم.

"قهوة زعترة" عبارة عن حكاية مقدسية؛ اتّخذت شكل المونودراما، الذي يعتمد الأداء فيه على ممثل واحد، يسرد الحدث عن طريق الحوار، جسّدها الفنان أبو عيشة في عمل مسرحي يروي قصة والده "صالح"، المُهجّر من مدينة اللد، والعامل في أكبر مقاهي البلدة القديمة بالقدس المحتلة في القرن الماضي.

استطاع أبو عيشة عبر هذا العمل الإبداعي نقل تفاصيل النضال السياسي الفلسطيني، والقضايا الاجتماعية والطبقيّة في القدس خلال عهد الانتداب البريطاني، والحكم الأردني، والاحتلال الإسرائيلي، مُبرزًا طرق النضال الفلسطيني وآلياته، ومختلف الفئات التي أحبّت فلسطين وقاومت المحتلّين.

يعتلي أبو عيشة المسرح حاملًا معه "أرجيلة" وحقيبة سفر قديمة، يضعهما إلى جانب كرسيّ خشبيّ قديم، وطاولة أكل الدهر عليها وشرب، في محاولة لتقريب صورة المقهى المملوك للمقدسي خليل زعترة، وتجسيده كمجلس اجتماعي وسياسي لأهل المدينة وزوّارها، وكيف كان مكانًا سرّيًا وعلنيًا للثوار والمناضلين ورجالات الحركة الوطنية.

وتتجلّى براعة أبو عيشة في تقليده للعديد من الشخصيات، بالصوت والحركات، بدءًا من خليل زعترة صاحب المقهى، ثمّ علي النتشة كبير تجّار البلدة القديمة، والطبيب أمين الخطيب، والنّطاسي أنطون ترزي، والمُربّي أحمد نسيب عبد اللطيف، وزكريا عامل تصريف المجاري، وغيرهم، فتراه يغيّر من نبرة صوته، حتى يشعر من يستمع إليه أن هناك أشخاصًا عدّة يُؤدّون أدوارًا مختلفة، وبذلك يتقمّص عدّة شخصيات بإبداع منقطع النظير، وإتقان مدهش.

من خلال المسرحية يعبّر أبو عيشة عن واقع الحال، ويروي حكاية النضال الفلسطيني ومقاومة الاحتلال ومجابهة المخططات الصهيونية الرامية إلى تهويد المدينة وتكريس الاحتلال، لتبدو القدس عصيّة على الهزيمة والانكسار.

جابت "قهوة زعترة" المدن الفلسطينية، ومسارح الدول العربية والأجنبية لتحكي قصة مدينة غيّرت السياسة واقعها بأشكاله المختلفة، لكنها بقيت شوكة في حلق المُحتل لا تلين لها قناة. وحازت المسرحية على 11 جائزة في مهرجانات محلية وعربية، وأهلّت الفنان أبو عيشة ليحصل على جائزة أفضل ممثل عربي (بارز) ضمن الدورة الرابعة لمهرجان قرطاج الدولي لمسرح المونودراما في تونس.

أمّا برنامجه التلفزيوني "ناس وحراس"، الذي كان يُعدّ ويُقدّم ويُبثّ في شهر رمضان المبارك، ويلتقي فيه بالعديد من المقدسيين، والناس الذين يؤمّون القدس للصلاة فيها، فقد تمّ عرضه على 24 محطة فضائية، ووصل عدد مشاهديه إلى 122 مليون شخص في أرجاء المعمورة، من المتشوّقين لمشاهدة المدينة المقدّسة، ونبض الحياة اليومية فيها في رمضان، وما تشعّه من روحانيات وأجواء إيمانية، وانعكاس ذلك على حياة الناس في جميع أنحاء الدنيا.

وأذكر تمامًا عندما كنّا سويًّا أنا وأبو عيشة وخدّاش، كان الناس ينظرون إليه بتمعّن، ويسألونه: ألست أنت من يقدّم برنامج كذا في القدس؟ وهذا أكبر دليل على تعلّق الناس بالبرنامج ومن يقدّمه. كان أبو عيشة يشعر بالزهو والفخر، ويظلّ دائم الحديث عن هذه المواقف، معتبرًا ذلك أكبر شهادة أو وسام يُمنح له من الجمهور.

أبو عيشة أدخل القدس وأجواءها الرمضانية إلى القلوب والبيوت، لا سيّما لفئة كبيرة من الناس لم يزوروا المدينة المقدسة منذ سنوات، جرّاء قرارات سلطات الاحتلال التي تحدد فئات عمرية وغيرها من الناس لتسمح لهم بزيارة القدس والصلاة فيها.

والمتابع لصفحة أبي عيشة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، يرى كمًّا هائلًا من الصور والفيديوهات التي يلتقطها، ويسجّلها كل يوم في الصباح الباكر عن أهم المواقع والمرافق والحارات والأسواق والأبواب في العاصمة الحبيبة مهوى القلوب والأفئدة، وبذلك يبقى أبو عيشة وفيًّا للمدينة؛ ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.

عبد الحكيم أبو جاموس .. كاتب فلسطين

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أبو عیشة

إقرأ أيضاً:

غزة تموت جوعا وسم يتصدر منصات التواصل

في مشهد يهزّ الضمير الإنساني، يتصدر وسم "غزة تموت جوعا" منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتداول ناشطون عرب وأجانب صورًا ومقاطع فيديو تدمي القلوب، تُظهر أطفالا ونساء وشيوخا يتزاحمون على أبواب الجمعيات الخيرية بحثا عن بقايا طعام تسدّ رمقهم.

لليوم الـ60 على التوالي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي سياسة الحصار والتجويع الممنهجة بحق سكان قطاع غزة، بينهم أكثر من مليون طفل من مختلف الأعمار يعانون من الجوع اليومي، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية.

لم تعد هذه الجرائم مجرد أرقام أو تقارير، بل تحولت إلى مشاهد دامية ومأساوية تنقلها عدسات الهواتف، تتضمن صرخات الأطفال الجوعى التي تخترق الصمت العالمي المخزي.

مجاعة بلا رحمة

وقد وصف مدير مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية أجيت سونغاي ما يجري في قطاع غزة بأنه غير مسبوق، وقال للجزيرة إن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها بموجب القانون.

وأكد للجزيرة أن وضع غزة هو الأسوأ منذ 18 شهرا حيث لا مياه نظيفة ولا أغذية يتم توزيعها، وقال "منذ 60 يوما لم تدخل حبة قمح أو أي من المساعدات الإنسانية والطبية ولوازم السكن"، مذكّرا بإعلان برنامج الغذاء العالمي أنه لم يعد لديه ما يوزعه في القطاع الفلسطيني.

إعلان الأطفال وجه المجاعة

من بين القصص التي هزّت مشاعر العالم، قصة الطفلة الرضيعة "سوار عاشور" التي لم تُكمل شهرها الخامس ووُلدت بملامح بريئة كأنها ملاك نازل من السماء، لكن الحصار والجوع وسوء التغذية سرقوا منها طفولتها خلال أيام.

سوار عاشور، رضيعة لم تُكمل شهرها الخامس، وُلدت بملامح بريئة كأنها ملاك نازل من السماء، لكن الحصار والجوع وسوء التغذية سرقوا منها طفولتها في أيام… في الصورة الأولى كانت زهرة، في الثانية أصبحت ظلًا ناحلًا لجسد يُحتضر.. صدرها النحيل بارز كقفص من العظم، وملامحها اختفت تحت وجع… pic.twitter.com/OpDqPOULOo

— أدهـم ابراهيم أبـو سلميـة (@pal00970) April 29, 2025

وقارن مغرّدون صورتين للطفلة سوار خلال فترة قصيرة؛ في الأولى -قبل تفشّي المجاعة- بدت زهرةً متفتحةً بالحياة، أما في الثانية فتحوّلت إلى ظل عظمٍ نحيف يحتضر، وصدرها بارز كقفص فارغ، وملامحها اختفت تحت وجع الجوع والمرض.

وتساءل بعض المغردين "أي ذنب اقترفته هذه الطفلة لتُعاقب بهذا الشكل؟ أنقذوا سوار، أنفاسها تتناقص أمام أعيننا، ولا يرف للإنسانية جفن".

أضاف مدونون أن أطفال غزة يصرخون بوجوهٍ هزيلة وأجسادٍ أنهكها العطش والجوع، عيونهم الصغيرة تُحدثنا عن مأساة لا تُحتمل، وألسنتهم تبحث عن لقمة تسدّ رمقهم تحت حصار لا يرحم.

الطفلة سوار عاشور، قصة تشهد على كارثة سوء التغذية في قطاع غزة! أكثر من 60 ألف طفل مهددون بالموت بسبب سوء التغذية، ولا يزال الحصار مستمرًا، ودخول الغذاء والدواء ممنوع بسبب الاحتلال الإسرائيلي.

Sewar Ashour, an infant girl, who is a living testimony to the catastrophe of… pic.twitter.com/WtT6IwYAuk

— Dr.Muneer Alboursh د.منيرالبرش (@Dr_Muneer1) April 28, 2025

وقد قال المدير العام لوزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش إن "الطفلة سوار عاشور قصة تُجسّد كارثة سوء التغذية في القطاع، وأكثر من 60 ألف طفل مهددون بالموت، في ظل استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء من قبل الاحتلال الإسرائيلي".

إعلان

وكتب الناشط يوسف أبو زريق في وصفٍ مؤلم لمعنى الجوع في غزة "ليس لأننا لا نجد ما نأكله، بل لأن أجسادنا لا تحصل على حاجتها من الطعام. الرجل يسقط من طوله، المرأة تلد دون غذاء، كبار السن يموتون لأن المعلبات لا تسد احتياجاتهم، أجسادنا تنحف، ولا شيء يوقف نزيف النحافة".

الجوع هُنا لا يعني أننا لا نجد ما نأكله، بالعكس، قد نجد خبزةً يابسة، نصف علبة فاصولياء، علبة حمص..إلخ إلخ من المُعلبات التي قتلتنا طوال عامٍ ونصفهِ..لكن الجوع الذي نتحدث عنه هو أن يسقط الرجل من طوله لأنه لم يأخذ احتياج جسده من الطعام رغم أنه أكل القليل من الأرز من تكيةٍ…

— يوسف أبوزريق #غزة???????? (@abn_gaza90) April 29, 2025

ويضيف عبر صفحته على منصة إكس "الجوع أفقد الناس القدرة على البكاء. بعضهم يدفن شهيدين وثلاثة، ثم يخرج باحثًا عن فتات طعام للناجين. الأحزان مؤجلة بسبب الخوف والجوع".

الجوع الشديد أفقد الناس القدرة على الصراخ والمناشدة والمناجاة،

الناس هائمة على وجوهها في الطرقات، وهناك من يفقد شهيدين وثلاثة وخمسة ولا يجد زمنا للبكاء ولا الرثاء، فهو مضطر أن يجد طعاما للبقية بعد مراسم الدفن، إن صح أن نسميها مراسم،

الأحزان كثيرة، وكثيرة جدا، ولكنها بسبب الخوف…

— Ali Abo Rezeg (@ARezeg) April 28, 2025

في حين يوضح الناشط علي أبو رزق أن "الجوع الشديد أفقد الناس القدرة على الصراخ والمناشدة، الناس هائمة على وجوهها، هناك من يفقد شهيدين وثلاثة وخمسة، ولا يجد وقتًا للبكاء، فهو مضطر للبحث عن طعام للبقية بعد مراسم الدفن، إن صح أن نسميها مراسم. الأحزان كثيرة، لكنها مؤجلة".

وكتب أحد المغردين "في غزة، لا يموت الأطفال من القصف وحده، بل يفتك بهم الجوع قبل أن تصلهم القذائف. بطونهم الخاوية تصرخ في (وجه) صمت العالم، وأعينهم الغائرة تبحث عن كسرة خبز بين الركام هناك، الموت له طعم الجوع، ورائحة الخبز المفقود أغلى من الأمان".

في غزة، لا يموت الأطفال من القصف وحده، بل يفتك بهم الجوع قبل أن تصلهم القذائف.
بطونهم الخاوية تصرخ في صمت العالم، وأعينهم الغائرة تبحث عن كسرة خبز بين الركام.
هناك، الموت له طعم الجوع، ورائحة الخبز المفقود أغلى من الأمان.#It_Is_Too_Late#غزة_تُباد #إسرائيل pic.twitter.com/G30CmGmdHB

— بانوی مهتاب (@fFallah68) April 29, 2025

إعلان

وأضاف مدون "غزة تموت جوعًا قبل القصف. شهران دون دخول ذرة طحين أو قارورة ماء. الخضار والفواكه أصبحت من أحلامهم. اللحوم والدجاج نسي الأطفال مذاقها، أما الكبار فيتخيلون طعمها وهم يبلعون الريق المخلوط بالتراب والبارود".

وتساءل آخرون "لا ندري ما الذي ننتظره؟ بهذا الصمت، نحن ننتظر نهايتهم جميعًا. كل ما طلبوه طعام وشراب ودواء… فقط".

وأشار نشطاء إلى أن سكان قطاع غزة اضطروا وأطفالهم لأكل الخبز اليابس والتالف والمتعفن ليسدّوا جوعهم بعد أن ضاقت بهم السبل وسط مجاعة خانقة.

يذكر أن إسرائيل تمنع دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، وقد حذرت الأمم المتحدة من أن الوضع الإنساني في القطاع المدمر "تجاوز كل حدود التصور".

مقالات مشابهة

  • الأنبار بلا غاليري.. فنان تشكيلي يدون أوجاع الناس بريشته (صور)
  • إسرائيل التي تحترف إشعال الحرائق عاجزة عن إطفاء حرائقها
  • سجناء المُطالبات المالية
  • غزة تموت جوعا وسم يتصدر منصات التواصل
  • الآية اليمانية…
  • هل مجزرة صالحة دي هي أول مجزرة للميليشيا
  • التصالح مع الذات (السعادة الأبدية)
  • مخالفة صريحة لكتاب الله !؟!
  • الآية اليمانية
  • الإسلام.. يجرّد الدين من الكهنوت