لجريدة عمان:
2025-02-03@23:09:03 GMT

الخرس والكارثة

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

توقفت مشاريعنا في الكتابة خلال هذا العام. صديقتي التي أنهت كتابة عمل روائي لم تعد تستطيع التفكير في نشره، وعندما أصدر أحد فنانينا المفضلين ألبومًا غنائيًا جديدًا قررنا مقاطعته. فما الذي يعنيه حقًا أن نقول أي شيء في ظل الكارثة؟ ولمن نقوله؟ إذا كانت الفنون والآداب تحتفي بالحياة ففي ظل الموت ما الذي يمكن أن يقال إذن؟ طال الخزي كل شيء، لا مشاريعنا الخاصة فحسب، بل حتى الكتب التي نقرأ، وأهمية أن نقرأ كطقس هذه المرة لا كممارسة سياسية، وحتى هذه الأخيرة هل تعني أي شيء؟

هيثم الورداني يقول أنه في وقت الكارثة، يتوقع منا أن نكتب من داخلها، أعمالاً كارثية بالضرورة، ويعني ذلك أن تكون الكارثة هي شرط كتابتها.

وهو يرى أن الكتابة الكارثية هي كتابة لم تنجُ هي نفسها من الكارثة، فلا تراقب من مكان آمن، بل تخاطر بنفسها وتصبح شريدة ومعرضة لخطر الخرس إلى الأبد. ربما كنتُ أحبُ التفكير بهذه الطريقة، لكنني لم أتخيل أن الكارثة ستكون بهذا الحجم، لم تسعفني مخيلتي مرة أخرى لأتخيل منطقة صغيرة يعيش فيها مليونين ونصف إنسان، تباد أمام الأعين بأسلحة فتاكة وبعضها لم يختبر قبل ذلك، وأنني سأشاهد الأطفال مكومة أحشائهم في أكياس بلاستيكية بعدما تفتت وربما اختلط بنكرياس طفل بأخيه، إلا أنه ذلك البنكرياس صار ينتمي لآخر في كيس رخيص يُربط كما لو أننا اشترينا شيئاً من سوبرماركت.

هل يمكن الإحساس بأي شيء فعلًا عدا أننا في حلقة توقفت عن الدوران، وهي مكتنزة وفائضة بالخسارة والألم. كلما قررنا المراوحة قليلًا لكي نجد فسحة، أو ثقبًا نخرج فيه أنفسنا من تلك الحلقة، وجدنا بأنها لا تتحرك، ولا نفعل نحن أيضًا. أعرف كم يبدو صعبًا تخيل ذلك. أدرك أن الاستسلام لهذه الخسارة يتطلب طاقة كبيرة لا يستطيع إليها الناس سبيلًا، لذلك تتحرك أجسادنا وتأكل وتشرب وتذهب للعمل، على الرغم من أن دواخلنا عالقة في وغرقت بالفعل.

مع ذلك حتى الخسارة ليست شعورًا نقيًا بالكامل. وهي في هذه الحالة تحديدًا تخزُ بلا توقف، إنها لا تتيح لنا الحداد، إذ أن السهام مازالت مصوبة على الضحايا، وفي كل لحظة قادمة هنالك ضحية قادمة، لا يوجد وقت لالتقاط النفس، ولا يوجد أمل أي أمل بأن هذا يمكن أن ينتهي الآن. وإذا كنا نؤمن ونعرف جيدًا أن المستقبل هو الحاضر، وهذا هو حاضرنا الذي سيكمل عامًا من كثافته، إذ لم يكن منقطعًا قبل ذلك، فأي مستقبل ننتظر؟ أليس هذا مخيفًا بما يكفي ؟

قبل مدة بسيطة كنت في مقهى يتجمع فيه العرب داخل برلين، تعرفتُ على شاب هندي هناك، يتحدث العربية بلغة أهل الشام، ويعمل لصالح مركز أبحاث يهتم بقضايا الشرق الأوسط، وكان قد جال معظم المدن العربية، آخرها شمال العراق، وسيذهب لبيروت خلال أيام. سألته عن خطورة السفر إلى هناك في ظل كل ما يحدث؟ ربما عليه أن ينتظر قليلًا حتى تتوقف الحرب. كنتُ أنطق هذه الكلمة وأنا أسمع صوتي في رأسي يقول لي «إخرسي». قال لي الحرب لن تتوقف أمل. ربما عندما قيلت هذه الجملة صراحة في هذا الموقف مُنحت شرعية ما، وربما كنت أربي أملًا أدعي عدم وجوده عبر ارتداء مشاعر الرثاء والخسارة كأقنعة لي، لكن رده في تلك اللحظة مزقني تمامًا. سألته لماذا عساه يقول شيئًا كهذا الآن؟ لم يكن يفكر في الحاضر فقط، قال لي هل تتخيلي أن ننسى ما يحدث الآن؟ هل تتخيلي أن ينسى الأطفال الفلسطينيون ما يحدث؟ الأطفال في جنوب لبنان ما يحدث؟ صنعاء؟ بغداد؟ لن تتوقف الحرب أبدًا.

تقترح إسلام الخطيب كاتبة ومفكرة نسوية فلسطينية أن نفكر في الرثاء كممارسة سياسية، عندما كتبت مقالتها هذه، كانت هلعة بسبب كورونا وانفجار ميناء بيروت، كتبتها من وحي هذه المرحلة، بماذا تفكر الخطيب الآن؟ أتابعها على منصة اكس، يبدو أنها قد خرست أمام هذه الكارثة، وأنا ينبغي أن أفعل.

أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ما یحدث

إقرأ أيضاً:

ماذا يحدث في منبج السورية؟.. 20 قتيلا على الأقل والرئاسة تتوعد

حادث تفجير هز مدينة منبج السورية، وارتفع عدد القتلى من 17 إلى 20 قتيلًا، فيما أكدت الرئاسة السورية، أنها ستطبق أشد العقوبات على المتورطين في التفجير ولن يمر دون معاقبة مرتكبيه، فماذا حدث في منبج السورية حتى الآن؟، حسبما ذكرت قناة «القاهرة الإخبارية».

ماذا يحدث في منبج السورية؟

وأصدرت الرئاسة السورية بيانًا يوم الثلاثاء، أعلنت فيه مقتل 20 شخصًا وإصابة آخرين، نتيجة تفجير وقع في مدينة منبج أمس، وأكدت أن «الدولة السورية لن تتوانى في ملاحقة ومحاسبة المتورطين في هذا العمل الإجرامي».

أكدت أنها ستُطبّق أشد العقوبات على مرتكبي هذه الجريمة، وستكون عقوبتهم عبرة لمن تسول له نفسه المساس بأمن سوريا أو إيذاء شعبها.

مدينة منبج مركز اقتصادي حيوي

وتُعد مدينة منبج مركزًا اقتصاديًا حيويًا يربط مدينة حلب بشطري نهر الفرات، حيث تقع شمال شرقي حلب على بُعد 80 كيلومترا منها و30 كيلومترا غرب نهر الفرات.

وفقًا لإحصائيات عام 2004، كان عدد سكان منبج يقارب 100 ألف نسمة، لكن هذا العدد ازداد بشكل كبير نتيجة نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق المجاورة، مثل حلب، كوباني (عين العرب)، وعفرين، وغيرها من المدن السورية التي تعرضت لأضرار واسعة.

مقالات مشابهة

  • ماذا يحدث في منبج السورية؟.. 20 قتيلا على الأقل والرئاسة تتوعد
  • الغارديان: ساعة القيامة تدق سريعًا.. ونزاعات 2025 ستخرج العالم عن السيطرة .. السودان الكارثة الإنسانية والنزاع المنسي
  • لقطات تكشف حجم الكارثة.. أحياء كاملة تغرق في كوينزلاند بأستراليا
  • غرق أحياء كاملة في كوينزلاند الأسترالية.. لقطات تكشف حجم الكارثة|شاهد
  • لقطات جوية تكشف حجم الكارثة.. أحياء بأكملها تغرق في كوينزلاند الأسترالية
  • الاستخبارات الإسرائيلية تحذر من شيءٍ غريب يحدث في سيناء 
  • ضربات ضد داعش.. ماذا يحدث في الصومال
  • ماذا يحدث للجسم عند تناول البروكلي؟
  • الأطفال يسألون وشيخ الأزهر يجيب .. هل ما يحدث للمسلمين غضب من الله؟
  • الكارثة والبطولة على الطريقة الفلسطينية