لجريدة عمان:
2025-01-31@06:01:02 GMT

أغاني هذا الزمان

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

أعني بهذا الزمان زماننا الخاص الذي نعيشه في عالمنا العربي. وقد سبق أن أفصحت عن مسائل مرتبطة بهذا السياق في مقالات بعنوان: «الفن وروح العصر»، و«الأغنية والوطن»، و«أغاني المهرجانات»؛ فليرجع إلى ذلك من يشاء في موقعي الخاص على شبكة المعلومات. ولكني أريد هنا أن أضيف شيئًا إلى ما سبق أن قلته في هذه المقالات.

الأغنية هي أكثر الفنون قدرة على التعبير المباشر عن روح عصرها أو زمانها؛ لأنها تعبر من خلال اللغة المعيشة، أعني اللغة كما يتحدثها وينطقها الناس في عصر ما، وكما يعبرون من خلالها عن رؤيتهم للحياة وشعورهم بتفاصيلها الصغيرة كما تتبدى في مشاعر الحزن والأسى والفرحة والحب والفخر والتغني بالأرض والوطن، وغير ذلك من المشاعر التي لا تُحصى. وتتميز الأغنية عن غيرها من الفنون بأنها تعبر عن كل ذلك بحميمية ومباشرة بسبب ارتباطها باللغة المعيشة التي يتم تجسيدها فنيًّا في لحظات قصيرة نسبيًّا. وإذا كان الزمان يتجسد في الأغنية بكثافة على نحو ما؛ فعلى أي نحو تتبدى الأغنية في زماننا هذا. الواقع أننا يمكن أن نرصد أنحاءً عديدة تتبدى عليها الأغنية في زماننا، ولكنها مع ذلك مترابطة:

الأغنية أصبحت مرتبطة بالصورة فيما يُعرَف «بالفيديو كليب»، وتلك ظاهرة عامة ليست مقصورة على زماننا الخاص. لم يعد المغنِّي في زماننا هو ذلك المطرب الذي يقف على خشبة المسرح- أو في ساحة ما- ليغني أغنية طويلة أو قصيرة، مثلما كنا نجلس أمام التلفاز أو في حفل حي لنستمع إلى أم كلثوم أو عبد الوهاب أو فيروز أو فريد الأطرش أو عبد الحليم أو شادية أو وردة، وأقرانهم من أهل الغناء؛ أو مثلما كنا نستمع -على سبيل المثال- إلى شارل أزنافور وإنجلبرت هامبردنك وإلفيس بريسلي وماري ماتيو، وديميس روسوس، وخوليو أجليسياس، وأمثالهم من كبار المطربين. الصورة غزت الكلمة واللحن والأداء الموسيقي بحيث أصبحت لها الصدارة: فلقد تحولت الأغنية إلى قصة قصيرة يتم تمثيلها من خلال الحركة والأحداث والإيماءات الرمزية التي يقوم بها المغني أو المغنية بمصاحبة شخصيات ثانوية من الممثلين الذين يعملون على إكمال القصة والحركة المرئية في المشهد، وهي غالبًا حركات راقصة؛ وهكذا توارت الأغنية كفنٍّ من فنون الشعر يقوم على الكلمة، لحساب الصورة والحركة وفن الرقص. لا حاجة للبرهنة على ذلك؛ لأننا نشاهده في القنوات العربية المخصصة لفن الغناء. ولا غرابة في ذلك؛ لأننا في عصر الصورة بالفعل، فالصورة أصبحت لها سطوتها على الكلمة، وهذا أمر نعايشه في حياتنا اليومية، ونحن نرى ذلك يوميًّا حتى على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال: لو أنك نشرت مقالًا عميقًا أو رصينًا على الفيسبوك، لن تجد إلا قلة من المتابعين؛ في حين أنك لو نشرت صورة جذابة لك في موقف أو سياق ما، فسوف تجد كثرة من المتابعين والمعجبين، وياحبذا لو كان الناشر امرأة تنشر صورتها في وضع مغرٍ يستعرض مفاتن الجسد!

لا غرابة إذن في أن الصورة أصبحت مهيمنة على عالمنا، بما في ذلك عالم الأغنية. ولا غرابة في أن يحدث ذلك في عالمنا العربي، لأن الأغنية العربية الراهنة سعت إلى التشبه بتيار أو طوفان الأغاني التي تُذاع على بعض القنوات الغربية. الغرابة الحقيقية هي أن الأغنية العربية التي يتم الترويج لها على بعض القنوات العربية، قد حصرت نفسها في ارتباط الأغنية بصورة العُري، فالعُري هو السبيل الوحيد لمرور الأغنية واجتذاب المشاهدين، بحيث يحق لنا أن نتساءل: هل هذه المطربة تغني أم تستعرض جسدها في أوضاع مثيرة؟ وهل هذا المطرب يستطيع أن يستغني عن الراقصة التي تتمايل على كلماته في نوع من الإثارة الجنسية الصريحة؟! وبذلك تتحول الأغنية في النهاية إلى نوع من الإثارة الجنسية أو المتعة العابرة التي تخاطب الحواس. وهكذا انفصلت أغلب الأغاني العربية الرائجة عن فن الغناء نفسه؛ إذ أصبحت مرتبطة بفن الرقص والتلاعب بالجسد، ناهيك عن ضعف وسطحية الكلمات التي يتم التغني بها، وعن ضعف اللحن والأداء.

الغرابة إذن لا تكمن في ارتباط الأغنية بالصورة، فالصورة يمكن أن تضفي قوة إقناعية على كلمات الأغنية من باب تداخل الفنون وتعاضدها. وإنما الغرابة هنا تكمن في الإصرار على السقوط الفني من خلال ارتباط الصورة بالُعري، وكأن هذا العري هو نصير الأغنية وداعمها! وليس مهما الأغنية ذاتها أو معنى كلماتها وعمقها أو دلالاتها الإنسانية، طالما أنها تعبر عن حالة تافهة من البهجة أو اللذة الجنسية العابرة بطريقة صريحة أو إيحائية.

وربما يُقال إن هذا ليس مقصورًا علينا وحدنا، وإنما هو تيار شائع في الدول المتقدمة، وهو قول حق يُراد به باطل؛ لأن المرء في الدول المتقدمة لا يزال لديه الفن مطروحًا في أعمق صوره، بحيث يستطيع المرء العادي بما لديه من ثقافة أن يرتاد مسارح الأوبرا ليستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية العالمية، وأن يستمتع بهذه الموسيقى من خلال أجهزة التلفاز، وأن يتعلم شيئًا عنها في المدارس، وأن يشاهد مطربين عظامًا على خشبة المسرح يذكروننا بالأيام الخوالي. حقًا إن هؤلاء أصبحوا قليلين في عالمنا، ولكنهم لا يزالون موجودين.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

كيف أصبحت طموحات الأثرياء المغامرين كابوسا؟.. احذر سباق «ديب سيك»

#سواليف

يعيش قطاع صناعة التقنيات وتطوير #الذكاء_الاصطناعي #مرحلة #استيعاب للزلزال الذي أحدثه صعود #تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني “ديب سيك”.

الزلزال الذي تأثرت به شركات وادي السيلكون أكثر من غيرها، كان من أشد المتضررين منه، أصحاب رؤوس الأموال المغامرين، الذين رأوا في السنوات الماضية أن المستقبل واعد بالنسبة للاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في أمريكا، ما دفعهم لإنفاق المليارات من الدولارات، والآن تحولت هذه المغامرة لمأساة.

وسلطت صحيفة نيويورك تايمز الضوء على أحد الأمثلة، وهو غوردان جاكوبس، المستثمر في شركة رأس المال الاستثماري راديكال فينتشرز، الذي أمضى الأيام القليلة الماضية في الرد على نصف دزينة من المكالمات من مستثمري شركته.

مقالات ذات صلة اكتشاف أجسام غامضة في الفضاء باستخدام تقنية مسح جديدة 2025/01/30

أرادوا جميعًا معرفة المزيد عن DeepSeek، التطبيق الصيني للذكاء الاصطناعي الذي تصدر متاجر التطبيقات خلال عطلة نهاية الأسبوع.

بعد أن أنشأ DeepSeek نموذجًا قويًا للذكاء الاصطناعي بأموال أقل بكثير مما كان يعتقد معظم خبراء الذكاء الاصطناعي أنه ممكن، مما قلب العديد من الافتراضات الكامنة وراء تطوير التكنولوجيا سريعة التطور.

ولتهدئة الذعر، قال جاكوبس إنه أوضح لمستثمريه أن Radical Ventures استثمرت منذ فترة طويلة في نماذج ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة، مماثلة لتلك التي صنعتها DeepSeek، في محاولة لاحتفاظ شركته بالمستثمرين وعدم تصدير خيبة الأمل لهم.

وواجهت Nvidia وGoogle وMeta وشركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى وابلًا من الأسئلة حول DeepSeek منذ الأسبوع الماضي حيث أطاحت الشركة الناشئة الصينية بمفاهيم راسخة حول الذكاء الاصطناعي.

ولكن تداعياتها لم تعد محسوسة فقط بين الشركات الكبرى، بل امتدت إلى صناعة رأس المال الاستثماري التي راهنت بشكل كبير على التكنولوجيا من خلال ضخ مليارات الدولارات في الشركات الناشئة الغربية في مجال الذكاء الاصطناعي.

وعلى مدى عامين، انخرطت شركات رأس المال الاستثماري في جنون التمويل، حيث ضخت أكثر من 155 مليار دولار في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بين عامي 2023 و2024، وفقًا لشركة PitchBook، التي تتعقب الشركات الناشئة.

وجمعت شركتان من شركات الذكاء الاصطناعي – OpenAI وAnthropic ، ما يصل لـ24 مليار دولار و16 مليار دولار بهدف بناء الذكاء الاصطناعي الذي يتمتع بذكاء البشر.

وبلغت القيمة السوقية لشركة OpenAI، 157 مليار دولار، بينما بلغت قيمة Anthropic 20 مليار دولار.

شكوك حول جدوى التمويل الطائل
وبسبب ما فعلته DeepSeek الآن، أصبحت حمى التمويل هذه موضع تساؤل، إذا كان بإمكان شركة صينية ناشئة إنشاء تطبيق قوي مثل ChatGPT من OpenAI أو Chatbot Claude من Anthropic بأقل قدر من المال، فلماذا احتاجت هذه الشركات إلى جمع الكثير من المال؟.

وقال مات تورك، أحد المستثمرين في شركة فيرست مارك كابيتال: “الأمر بمثابة تشويه للصورة ” بالنسبة لبعض شركات الذكاء الاصطناعي “نظرًا لحديثهم عن الحاجة إلى نطاق أكبر من أي وقت مضى للتوصل إلى أفضل نموذج”.

لكنه أضاف أن شركات الذكاء الاصطناعي ستحتاج في النهاية إلى المال وقوة الحوسبة والبنية الأساسية لخدمة عملائها.

ولقد ناقش المستثمرون المغامرون أفضل طريقة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي منذ أن أطلقت شركة OpenAI برنامج ChatGPT في أواخر عام 2022.

وقد زعم بعض المستثمرين في ذلك الوقت أن التكنولوجيا التي تدعم برنامج ChatGPT والمنتجات الأخرى المشابهة، ليست استثمارًا جيدًا لأن الأنظمة مكلفة في الإنشاء ويسهل على المنافسين نسخها.

وفي العام الماضي، وصف مارك أندريسن، المستثمر في شركة أندريسن هورويتز، مثل هذه الأنظمة بأنها “سباق نحو القاع”، وتوقع أن بناء شركة باستخدام هذا النوع من الذكاء الاصطناعي سيكون مثل “تجارة بيع الأرز” حيث يمكن لأي شخص المنافسة.

تنبؤات الحذرين تتحقق
ومع الضجة التي أحدثتها DeepSeek في الأيام الأخيرة، استغل مستثمرو رأس المال الاستثماري الذين لم يستثمروا في شركات نماذج الأساس مثل OpenAI وAnthropic ، إما لأنهم توقعوا السباق إلى القاع أو لأنهم لم يكن لديهم المال أو الفرصة، هذه اللحظة لمشاركة آرائهم.

منهم إريك فيشريا، أحد المستثمرين في شركة Benchmark، الذي كتب على وسائل التواصل الاجتماعي إنه يعتقد أن نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية – التي تنبثق منها تطبيقات متعددة- هي “أسرع الأصول انخفاضًا في تاريخ البشرية”.

وكتبت أنغني ميدها، أحد المستثمرين في Andreessen Horowitz، أن DeepSeek أظهرت أن “هيكل سوق نموذج الأساس للذكاء الاصطناعي الحالي بعيد كل البعد عن الاستقرار”.

في حين أن المستثمرون المغامرين المتضررين من صعود “ديب سيك” حرصوا على الدفاع عن استثماراتهم.

ومنهم غافين بيكر، أحد المستثمرين في Atreides Management، التي استثمرت في شركة X.ai الناشئة للذكاء الاصطناعي التابعة لإيلون ماسك، وقال غافين، إنه شعر بالرضا عن رهانه لأن شركات الذكاء الاصطناعي محدودة بكمية البيانات التي يمكنها الوصول إليها.

وقال إن X.ai كانت في وضع قوي لأنها تمتلك مصدرها الفريد للبيانات من الشبكة الاجتماعية X، التي يمتلكها ماسك أيضًا.

ونقلت نيويورك تايمز عن بيكر قوله، “بالنسبة لي، أشعر بالهدوء الشديد”.

وقد قام قادة التكنولوجيا الآخرون بتشريح ادعاء DeepSeek بأنها أنفقت 6 ملايين دولار فقط لإنشاء نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، وهو جزء بسيط مما تنفقه الشركات الأخرى.

وأشار البعض بأصابع الاتهام إلى التنظيم، بما في ذلك الأمر التنفيذي للرئيس السابق بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي ومحاولة كاليفورنيا الفاشلة لسن قانون ولاية بشأن الذكاء الاصطناعي، لمحاولة عرقلة تقدم الصناعة.

كما اشتكوا من قيود التصدير على رقائق الذكاء الاصطناعي القوية باعتبارها غير فعالة في وقف التقدم التكنولوجي الصيني.

وانتقد البعض ما يسمى بمدافعي سلامة الذكاء الاصطناعي، الذين حاولوا إبطاء تطوير الذكاء الاصطناعي بسبب مخاطره المحتملة على البشرية.

واستشهد آخرون بالوطنية وقالوا إن DeepSeek كانت علامة على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى التحرك بشكل أسرع في مجال الذكاء الاصطناعي.

وقال مات تورك إن الاختراق الذي حققته شركة DeepSeek قد يكون بمثابة خبر سيئ لبعض أكبر شركات الذكاء الاصطناعي، لكنه فتح الباب أمام إمكانيات لشركات أخرى بدأت للتو.

مقالات مشابهة

  • قعيم يحذر من أغاني الراب “المخالفة للآداب”، ويرفض أي عمل فني دون موافقة أمنية
  • النيابة توجه مذكرة استدعاء لأحد رؤساء تحرير مواقع الاخبار بعدن
  • أصبحت أفعالكم لا تليق بمقام أم الدنيا
  • «تاريخي».. مي فاروق تكشف تفاصيل أغاني ألبومها الجديد | صورة
  • كيف أصبحت طموحات الأثرياء المغامرين كابوسا؟.. احذر سباق «ديب سيك»
  • مشعل: دماء الشهداء في غزة أصبحت "دينًا جديدًا" في أعناق الفلسطينيين
  • حمدان بن محمد: شرطة دبي أصبحت مرجعاً في تطوير المهارات والقدرات الشُرطية
  • أستاذ علوم سياسية: العودة إلى الحرب في غزة أصبحت أكثر صعوبة
  • هل أصبحت التغريبة الثانية في خبر كان؟ جحافل الفلسطينيين على طريق العودة إلى الأرض وإن كانت مدمّرة
  • قرن من الزمان وغياب القرار والإختيار فيما يتعلق بالنظام السياسي في السودان