لجريدة عمان:
2024-12-17@09:22:10 GMT

فارق التوقيت في ريادة الأعمال العلمية

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

تنبثق الشركات العلمية الناشئة في معظم الأحيان من مشروعات التخرج المتميزة والتي تتطور إلى شركات طلابية، إذ تختلف ريادة الأعمال العلمية عن المسارات الريادية التجارية بشكل جوهري في سياقات النشأة والتشغيل؛ فالشركات العلمية بمثابة الذراع التطويرية للتقنيات والاكتشافات والأفكار الابتكارية، ولذلك يتنوع فريق العمل في هذه الشركات، وإن كانت الهيئة المتعارف عليها تتطابق شكليًا مع هياكل الشركات، إلا أن الشركات العلمية في المضمون تكون أقرب إلى المجموعات البحثية والابتكارية، ويتم اختيار كل عضو في هذه المجموعة بحسب التميز العلمي والقدرات والمهارات الفنية، فهل يدرك الرؤساء التنفيذيون الناشئون تكتيكات تأسيس وتشغيل الشركات العلمية الريادية؟.

تعالوا في البداية نقترب أكثر من واقع الشركات الناشئة العلمية، سنجد بأن الرئيس التنفيذي ما هو سوى صاحب الفكرة الابتكارية، وقد يكون مهندسًا موهوبًا، وقد قام بتسجيل براءة الاختراع لفكرته، وبأنه يمتلك مخزونًا كبيرًا من الطموح العلمي والحماس، وكذلك هو مبتكر نشط وله مشاركاته في المعارض العلمية والمسابقات الابتكارية، وهو يقود فريقًا من المطورين التقنيين من ذوي المهارات العالية، ولكن هذه الصورة ليست مثالية كما تبدو؛ لأن تأسيس شركات علمية قائمة على التكنولوجيا لا يحتاج لمجموعة من ألمع خريجي الكليات العلمية والهندسية؛ لأن الولوج إلى عالم ريادة الأعمال يتطلب مهارات الانفتاح المتوازن على الفرص والتحديات، وكذلك يستوجب المعرفة الكافية بمتطلبات كل مرحلة من مراحل التأسيس، فعلى سبيل المثال يمكن للشركات الناشئة العلمية أن تتريث في توظيف المختصين بالترويج والتسويق خلال مرحلة تدشين الشركة، وذلك ظنًا منهم بأن المنتجات الابتكارية قد تستغرق بعض الوقت حتى تصل للجاهزية المطلوبة، وأحيانًا يكون هذا القرار صائبًا، وقد يحتمل الخطأ في حالات يتطلب فيها نجاح الشركة إلى وجود حملة ترويجية مكثفة قبل تدشين الشركة رسميًا، فهذه التهيئة قد تكون مصيرية لجذب الممولين والشركاء، وهذا ما يُكسب موضوع اختيار التوقيت المناسب أهميته المركزية في ريادة الأعمال العلمية أو الأكاديمية.

وهذا يقودنا إلى سؤال آخر؛ كيف يمكن للرياديين الناشئين بناء أو اكتساب مهارة تحديد التوقيت الصحيح للعمليات الأساسية في شركاتهم الناشئة؟ وإذا أخذنا في الاعتبار بأن غالبية المبتكرين العلميين هم في الأصل مهندسون أو خريجو كليات العلوم الأساسية والتطبيقية، فإنه من المرجح ألا يتسنى لهم فرصة دراسة أساسيات تأسيس مشروع تجاري أو ريادة الأعمال، وهذا ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا، ولذلك فإنه من الأهمية بمكان تعزيز دور الحاضنات العلمية ومسرعات الأعمال، وذلك من حيث قيامها بتمكين المبتكرين من أجل عبور هذه الفجوة المعرفية، وكذلك فجوة المهارات التنظيمية والإدارية، وكما تشير الممارسات المرجعية في دعم ريادة الأعمال العلمية، فإن هناك ثلاثة تكتيكات يمكنها أن تعزز عملية اتخاذ القرار المستنير بشأن ترتيب الأولويات على مستوى تأسيس وتشغيل الشركات العلمية الابتكارية، والتكتيك الأول هو«افعل ذلك بنفسك»، وكما يشير العنوان فإن المنهج الأساسي في هذا التكتيك هو أن يقوم المؤسسون بمختلف الأدوار والمهام الرئيسة شريطة امتلاك المهارات التقنية الصحيحة، وهذا يعني من الجانب العملي توفير نسبة من الموازنات المالية لعدم الحاجة للتوظيف الخارجي، ولكن المخاطر الأساسية لهذا النهج تكمن في احتمالية هدر الوقت في تعلم مهارات جديدة، وكذلك تباطؤ عمليات التطوير التقني بسبب المحدودية في الأفكار الابتكارية وتكرارها.

أما التكتيك الثاني فهو يتمحور حول جلب المواهب التقنية لفريق العمل، وذلك عبر توظيف المطورين التقنيين الذين يمتلكون أحدث منهجيات وأدوات العمل، وهو تكتيك ناجح جدًا في توفير الوقت وضمان تقليل منحنى التعلم، وكذلك تعزيز محور إدارة المخاطر، ولكن التحدي الأكبر الذي يعترض الشركة الناشئة هو مدى قدرتها على تقديم العرض المالي المناسب لاستقطاب مثل هذه الكفاءات، نظرًا لأن الموارد التقنية ذات الكفاءة غالبًا ما تكون تنافسية ومكلفة بالقياس إلى القدرات المالية على مستوى شركة ناشئة، وهذا ما يستدعي التركيز على محور التوقيت، فقد لا تحتاج الشركة للخبرات العلمية في بداية التأسيس، إذ يمكن أن تبدأ العمليات التطويرية حتى تصل إلى درجة محددة من الجاهزية التكنولوجية، ثم يتم استقطاب الموارد الفنية ذات الخبرة، وأما التكتيك الأخير فهو يعتمد على الاستعانة بالمصادر الخارجية في جميع العمليات التطويرية والفنية، مثل التعاقد مع وحدات البحث والتطوير، أو المختبرات المستقلة، ويكتفي عمل الشركة على الفريق الابتكاري المركزي الذي يعمل على اختبار الأفكار، ودراسة الجدوى، وفي هذا التكتيك تتخلص الشركة الناشئة من عبء إعادة ترتيب أولويات العمل حسب التوقيت المطلوب، وهو اختيار مريح إذا كانت الشركة الناشئة تبحث عن أدوار أخرى مثل تقديم الاستشارات العلمية، ويبقى الاختيار الاستراتيجي بيد المؤسسين؛ فالكفاءات الفنية تحتاج إلى مهارات صناعة القرار المرتبط بالتوقيت، وفي معظم الحالات لا يكفي انتهاج تكتيك واحد في تأسيس وتشغيل الشركات الناشئة العلمية؛ فالمتغيرات المتسارعة للتكنولوجيا تفرض سرعة الاستجابة والتكييف الذكي معًا.

إن ما يلزم لقيادة شركة ناشئة علمية ليس نماذج التشغيل المعقدة، ولا مجموعة المهندسين والباحثين اللامعين، وإنما التكتيكات الدقيقة المرتبطة بعامل التوقيت الذي هو بمثابة النقطة العمياء، فالفارق في توقيت العمليات الأساسية المرتبطة باستقطاب الكفاءات العلمية والإدارية، وترتيب الأولويات التنفيذية قد تكون حاسمة بشأن بقاء هذه الشركات الابتكارية في محيط الأعمال، وهذا يستوجب الإدراك الواعي بأن المعادلة الكاملة بحاجة للكثير من المدخلات، وبأن التفوق العلمي لوحده لا يصنع النجاح والصمود والاستمرار في عالم سريع التغير، وفي الوقت ذاته يجب أن يتكون لدى المؤسسين الفهم الكامل بأن تطوير التقنيات إلى منتجات وخدمات لا تتطلب مسارًا واحدًا، فقد يبدأ الابتكار بمنتج يبحث عن نموذج عمل ابتكاري، وكذلك قد تكون الانطلاقة من نماذج أعمال جديدة وموجهة لمنتجات ابتكارية، والترتيب الزمني دائمًا هو سيد الموقف.

د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشرکات العلمیة

إقرأ أيضاً:

" أوقفوا تسليح مجرمي الحرب".. حملة إلكترونية لمؤسسة ماعت تكشف الشركات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أطلقت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان اليوم حملة إلكترونية تحت عنوان "أوقفوا تسليح مجرمي الحرب"، وذلك بالتزامن مع انعقاد الدورة العاشرة للفريق العامل الحكومي الدولي المفتوح العضوية المعني بالشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال فيما يتعلق بحقوق الإنسان، و المنعقد خلال الفترة من 16 إلى 20 ديسمبر 2024 والمسؤول عن وضع صك أو معاهدة دولية تنظم أنشطة الشركات عبر الوطنية إلى حماية حقوق الإنسان 

 وتهدف هذه الحملة إلي حث الشركات ومؤسسات الأعمال على تبني ممارسات مسؤولة في مجال نقل الأسلحة، وذلك من خلال تطوير آليات للمراقبة وتقييم للمخاطر، والالتزام بالمعايير الدولية بالأخص المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي تُحمل جميع الشركات مسؤولية احترام حقوق الإنسان في الأنشطة التجارية التي تقوم بها.

يساهم استمرار تدفق الأسلحة إلى مناطق النزاع من تأجيج النزاعات والصراعات المسلحة و الحروب الأهلية، ويطيل أمد المعاناة الإنسانية، ويهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتلعب مؤسسات الأعمال والقطاع الخاص والشركات دوراً حيوياً في هذا السياق، حيث تقوم بتصنيع ونقل وتسويق الأسلحة التقليدية إلي الأطراف المتحاربة والمتورطة في ارتكاب جرائم للحرب وجرائم ضد الإنسانية، وتخاطر الشركات ومؤسسات الأعمال التي تتعاون مع هذه الأطراف بالتواطؤ في ارتكاب هذه الجرائم، سواء بتقديم المعدات العسكرية إليها أو بنقلها وشحنها والمساعدة في توصيلها أو حتي عن طريق الاستثمار بالأسهم والسندات في شركات الأسلحة التي تنقل المعدات العسكرية للمناطق المٌرتكب فيها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

تدعو مؤسسة ماعت من خلال تلك الحملة المستمرة خلال شهر ديسمبر 2024 مؤسسات الأعمال والشركات إلى ضرورة تحمل مسؤولياتهم الكاملة في وقف تدفق الأسلحة إلى مناطق النزاع، خاصة تلك التي تستخدم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فمع كل يوم يمر تٌزهق مزيد من الأرواح في السودان وقطاع غزة وإثيوبيا وأوكرانيا وغيرها من الدول، بسبب مشاركة مؤسسات الأعمال والشركات في دعم تجارة الأسلحة غير المسؤولة، وتدعو ماعت الفريق العامل الحكومي الدولي المفتوح العضوية المعني بالشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال فيما يتعلق بحقوق الإنسان، إلي سرعة إصدار الصك، حتي تكون أداة قوية يُمكن من خلالها تعزيز دور الشركات ومؤسسات الأعمال في منع ومعالجة وتخفيف التأثير السلبي على حقوق الإنسان الناجم عن عمليات نقل الأسلحة، بما في ذلك تحويل الأسلحة ونقل الأسلحة غير المنظمة أو غير المشروع.

مقالات مشابهة

  • برنامج الامتياز التجاري يبحث تطوير الشركات العمانية وتمكين أصحاب الأعمال
  • وزارة الرياضة تواصل تنفيذ الندوات التعريفية التدريبية لبرنامج ريادة الأعمال "اكتشف قدراتك"
  • وزير قطاع الأعمال: تعزيز قدرات الشركات نحو الاقتصاد الأخضر وتحسين الأداء البيئي
  • انطلاق فعاليات برنامج “رواد الدقم” لتعزيز ريادة الأعمال وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • «قمة المليار متابع» تنظم برنامجي تدريب وإرشاد للمشاركين
  • "قمة المليار" تطلق برنامجي "تدريب" و"إرشاد" لأصحاب الشركات الناشئة والأفراد
  • كيف تسهم استراتيجيات التسويق الفعّال في تحقيق أهداف الشركات الناشئة؟
  • 26 مشروعًا في "معرض الشركات الطلابية" بالبريمي
  • حصاد 2024.. نمو الشركات الناشئة في مصر وهذه أبرز قصص النجاح
  • " أوقفوا تسليح مجرمي الحرب".. حملة إلكترونية لمؤسسة ماعت تكشف الشركات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان