ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
صادف 12 أغسطس المنصرم الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف الأربع. وكان من المفترض أن تشكل هذه الذكرى سبباً للاحتفال كما هي العادة، ولكن من الصعب الاحتفال عندما يكون هناك أكثر من 120 صراعا مسلحا مستمرا في العالم اليوم، وما يترتب على ذلك من عواقب إنسانية كارثية. لذا، يجب علينا أن نفكر ليس فقط في السنوات الخمس والسبعين الماضية من الاتفاقيات، ولكن أيضًا أن نسأل أنفسنا كيف نتصور، نحن البشر، السنوات الخمس والسبعين المقبلة.
إنّ قوانين الحرب وأعرافها كانت موجودة قبل وقت طويل من كتابة القانون الدولي الإنساني الحديث. وتعود جذورها إلى مئات السنين، حيث نشأت من الممارسات الثقافية والروحية المتنوعة في آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وأفريقيا والأمريكيتين وأوروبا. وتشكل اتفاقيات جنيف الأربع، إلى جانب بروتوكولاتها الإضافية، الأساس للقانون الدولي الإنساني المعاصر.
القانون الدولي الإنساني، باعتباره مجموعة قانونية شاملة، يشمل العديد من المعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الأربع. ويتضمن القانون العرفي، الذي ينظم وسائل وأساليب الحرب، ويسعى إلى تقليل المعاناة الإنسانية أثناء النزاعات المسلحة. تحمي كل اتفاقية من اتفاقيات جنيف الأربع فئة خاصة من الأشخاص الذين لا يشاركون أو توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية. تحمي اتفاقية جنيف الأولى الجنود الجرحى والمرضى في ساحة المعركة، بينما تحمي الثانية جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحر. وتحمي الاتفاقية الثالثة أسرى الحرب، والرابعة تحمي المدنيين.
إن اتفاقيات جنيف الأربع، التي تم التصديق عليها عالمياً، تجسد لغة مشتركة وقيماً مشتركة وإجماعاً عالمياً على أنه حتى في أحلك اللحظات في التاريخ، يجب على البشرية أن تستمر في الحفاظ على قدر من الإنسانية. ومع ذلك، تواجه الإنسانية اليوم واقعًا مخيفًا يتمثل في عدم الامتثال للقانون الدولي الإنساني.
أصبحت الصراعات المسلحة الحديثة أكثر خطورة منذ فجر القرن العشرين، إذ تتسمُ هذه الحروب بسمات قاتلة مثل: التقدم السريع في تكنولوجيا الأسلحة الفتاكة، وتحول المعارك من الساحات المفتوحة إلى المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، والاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الثقيلة التي تؤثر على مناطق واسعة، ونزع الصفة الإنسانية عن العدو عمداً من خلال إطلاق تسميات عليه مثل «الإرهابي».
وتؤدي كل هذه العوامل، من بين عوامل أخرى، إلى صراعات مسلحة أكثر فتكًا وأقل إنسانية، ولها عواقب إنسانية مدمرة ومخاطر مثيرة للقلق لانتهاكات القانون الدولي الإنساني.
لا يمكن أن يبقى هذا الوضع على ما هو عليه، فالقيم العالمية للإنسانية لا ينبغي أن تتعرض للخطر بسبب الاستقطاب السياسي. ويتعين على الدول أن تتجنب الوقوع في فخ الاستثنائية، لأن الالتزامات الإنسانية غير قابلة للتفاوض. ولا ينبغي لنا أن نقبل تدمير المدارس والمستشفيات والبنية الأساسية الأساسية باعتباره جانباً لا مفر منه من الصراع. ولا ينبغي لنا أن نسمح بأن يكون قتل العاملين في المجال الإنساني وغير ذلك من انتهاكات القانون الإنساني الدولي شيئا لا مفرّ منه.
قواعد الحرب ليست اختيارية. عندما تُحرق الأرض بشكل عشوائي، وتُرتكب انتهاكات القانون الدولي الإنساني مع الإفلات من العقاب، فإنها تؤجج المزيد من دورات العنف التي غالبًا ما تؤدي إلى صراعات مسلحة طويلة الأمد تمتد لعقود من الزمن. ومن ناحية أخرى، عندما يُحترم القانون الدولي الإنساني، تحتفظ أطراف النزاع ببصيص من الأمل يمكن أن يعيدهم إلى السلام. يتمتع القانون الدولي الإنساني بالقدرة على تغيير سلوك المقاتلين في ساحة المعركة، فالعالم لا يملك أداة أقوى من هذا القانون تحت تصرفه لاستخدامها في أوقات الحرب لحماية المدنيين. وعلى هذا النحو، يجب على الدول أن تفعل كل ما هو ضروري لبناء ثقافة احترام القانون الدولي الإنساني، والتي يمكن تجسيدها في ثلاث ركائز أساسية: التصديق على معاهدات القانون الدولي الإنساني، ودمج القانون الدولي الإنساني في القانون المحلي، ونشر القانون الدولي الإنساني على نطاق واسع بين القوات المسلحة والمدنيين وصناع السياسات. وتعمل هذه الركائز مجتمعة على تعزيز ثقافة احترام القانون الدولي الإنساني، الأمر الذي يؤثر إيجابًا على السلوك في ساحة المعركة أثناء النزاع المسلح.
يتضمن القانون الدولي الإنساني العديد من المعاهدات الدولية التي أنقذت أرواحًا لا حصر لها. وقد أدت المعاهدات التي تحظر وتحد من استخدام الأسلحة إلى منع القتل العشوائي وتشويه المدنيين، مثل اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، واتفاقية الذخائر العنقودية، واتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي أدت جميعها إلى خفض كبير في عدد الضحايا الناجمة عن هذه الأسلحة.
إن معاهدات الأسلحة هي خطوة نحو السلام؛ وتقليل عدد الأسلحة الفتاكة حول العالم يمكن أن يجعل العالم مكانًا أكثر أمانًا. إنّ الأسلحة التي تسبب إصابات خطيرة محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني. وكثيراً ما تسبب هذه الأسلحة ذاتها ندوباً أعمق بكثير من الإصابات الجسدية، التي تحملها أجيال يمكن أن تصبح عائقاً أمام السلام والأمن والاستقرار. يعد تعزيز التصديق على معاهدات القانون الدولي الإنساني أحد أقوى أشكال الدعم والالتزام بالقانون الدولي الإنساني.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن دمج القانون الدولي الإنساني في القانون المحلي والإرشادات العسكرية والمبادئ والمراسيم هو أضمن طريقة لمنع انتهاكات القانون الدولي الإنساني. غالبًا ما يكون تنفيذ القانون الدولي الإنساني متفاوتًا، ولكن عندما تحترم الأطراف القانون، تنقذ الأرواح.
ومن الأهمية بمكان أيضاً مقاضاة مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني الدولي. ولا ينبغي لأطراف النزاع أن تعزز ثقافة الإفلات من العقاب. وينبغي إعادة توجيه الموارد والجهود المستخدمة حالياً لتبرير الفظائع نحو محاسبة المسؤولين عنها. ومن واجب جميع الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الأربع قمع الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي جنائياً.
أدت الآثار المدمرة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية إلى اعتراف عالمي صارخ بأن الحروب تحتاج إلى قواعد للحد من آثارها المروعة على السكان، وكان هناك إجماع على أن مثل هذه الفظائع «لن تتكرر أبدا». كانت الصين من أوائل الدول التي اعترفت باتفاقيات جنيف في 13 يوليو 1952، وأبرز رئيس مجلس الدولة آنذاك تشو إن لاي ، في رسالته إلى المجلس الفيدرالي السويسري، أن جمهورية الصين الشعبية كانت تعترف بهذه الاتفاقيات لأنها «تؤدي إلى سلام دائم بين جميع الأمم»، وهي رسالة مهمة يجب تكرارها وتذكرها دائما.
وفي سبتمبر 2023، خلال لقائه مع ميريانا سبولجاريك، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أكد الزعيم الأعلى الصيني على أن الإنسانية هي أعظم عامل يمكن أن يوحد الحضارات. إن اتفاقيات جنيف الأربع والمبدأ الأساسي للإنسانية هو مظهر من مظاهر هذا الإجماع الذي نحتاج جميعا إلى أن نذكر أنفسنا به مرة تلو الأخرى.
إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل كوصي على القانون الدولي الإنساني، ولكنها تفتقر إلى السلطة لفرض القانون الدولي الإنساني على الدول التي لا ترغب في الامتثال له. وهناك حاجة ملحة لأصوات قوية في جميع أنحاء العالم للدفاع عن احترام القانون الدولي الإنساني. وكما أكد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يجب على الدول إعطاء الأولوية للقانون الدولي الإنساني في أجنداتها السياسية. وتظل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ملتزمة بمساعدة الدول في جهودها لتعزيز الالتزام بالقانون الدولي الإنساني واحترامه، لأن حماية الإنسانية مسؤولية نشترك فيها جميعًا.
بالتازار ستيهلين المبعوث الشخصي للرئيس ورئيس الوفد الإقليمي لشرق آسيا التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر، ومقره في بكين.
عن موقع الصين اليوم
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر القانون الدولی الإنسانی انتهاکات القانون الإنسانی ا على الدول لا ینبغی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
التضخم يلتهم رواتب المعلمين في أوروبا.. ما هي الدول التي شهدت انخفاضات حادة؟
شهدت رواتب المعلمين في أوروبا تغيرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، مع تسجيل تراجع واضح في قيمتها بسبب التضخم. وأدى هذا الانخفاض إلى تصاعد القلق بشأن مستقبل مهنة التدريس ومدى قدرتها على جذب الكفاءات الجديدة.
اعلانفي المقابل، كشفت البيانات عن تفاوتات ملحوظة في رواتب المعلمين بين الدول الأوروبية. عوامل مثل المؤهلات الأكاديمية، سنوات الخبرة، ومستويات القوة الشرائية تظل المحدد الرئيسي لدخل المعلمين، مما يبرز الفجوة الكبيرة بين الاقتصادات المختلفة في القارة.
انخفاض كبير في الرواتبوفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "التعليم في لمحة 2024"، انخفضت الرواتب القانونية لمعلمي المرحلة الإعدادية بالقيمة الحقيقية في 10 من بين 22 دولة أوروبية بين عامي 2015 و2023.
تصدرت لوكسمبورغ قائمة الدول التي شهدت أكبر انخفاض، حيث تراجعت رواتب المعلمين بنسبة 11% خلال هذه الفترة. تبعتها اليونان بنسبة 9%، ثم أيرلندا وفنلندا وإيطاليا بنسبة 6% لكل منها.
وفي إنجلترا، التي تعاني من نقص حاد في المعلمين، انخفضت الرواتب بنسبة 5%، بينما شهدت البرتغال انخفاضًا بنسبة 4% والمجر بنسبة 3%.
وفي المقابل، ارتفعت الرواتب بمعدل 4% فقط في دول الاتحاد الأوروبي الـ25 مجتمعة، مع تسجيل زيادات متواضعة في بعض الاقتصادات الكبرى مثل إسبانيا (2%) وألمانيا (1%).
وعلى النقيض، سجلت تركيا أعلى زيادة في رواتب المعلمين، بنسبة 31%، تلتها التشيك بزيادة قدرها 16% واسكتلندا بنسبة 12%.
تغييرات طويلة الأمد وفجوة بين الدولأثرت جائحة كوفيد-19 بشكل كبير على القوة الشرائية للمعلمين، حيث سجلت العديد من الدول انخفاضات في الرواتب بالقيمة الحقيقية بعد الجائحة. في إنجلترا، انخفضت الرواتب إلى 95% من مستوياتها في عام 2015، مما يعكس تدهورًا واضحًا في القدرة الشرائية للمعلمين مقارنة بفترة الجائحة.
وتختلف رواتب المعلمين بشكل كبير عبر أوروبا. وفقًا لتقرير Eurydice، تراوحت الرواتب القانونية السنوية للمعلمين المبتدئين بين 9897 يورو في بولندا و84,589 يورو في لوكسمبورغ في عام 2022/2023. في ألمانيا، بلغ متوسط الرواتب 62,322 يورو، وهو ما يقارب ضعف ما يكسبه المعلمون في فرنسا (32,186 يورو).
ولإجراء مقارنة أكثر عدلاً، استخدمت بعض الدراسات معايير القوة الشرائية (PPS). وفقًا لهذه المعايير، تراوحت الرواتب السنوية للمعلمين المبتدئين داخل الاتحاد الأوروبي بين 11,826 في سلوفاكيا و49,015 في لوكسمبورغ. ورغم أن هذه المعايير تقلل الفجوة بين الدول، إلا أنها لا تلغيها.
الحاجة إلى حلول عاجلةأكد تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الرواتب ليست العامل الوحيد لجذب المعلمين إلى المهنة، مشددًا على أهمية توفير فرص التطوير المهني وضمان بيئة عمل محفزة.
من جانبه، دعا جاك وورث من مؤسسة NFER إلى اتخاذ إجراءات سياسية فعالة لمعالجة أزمة نقص المعلمين، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي يهدد جودة التعليم في القارة الأوروبية.
وبالنظر إلى التفاوتات الكبيرة في رواتب المعلمين بين الدول، فإن معالجة هذه الفجوة تمثل تحديًا كبيرًا، لكنها تظل ضرورية للحفاظ على استدامة وجودة التعليم في أوروبا.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إليكم الدولة الأكثر اكتئابًا في أوروبا.. هل بلدكم ضمن القائمة؟ رئيسة البنك المركزي الأوروبي تحذر: أوروبا بحاجة إلى استعداد شامل أمام التحولات التجارية الأمريكية هل تعود قناة السويس إلى دورها المحوري وتعوض الخسائر بعد وقف النار في غزة؟ مدارس مدرسةوظائفثقافةتعليمأوروباحد أدنى للأجوراعلاناخترنا لكيعرض الآنNextمباشر. عودة النازحين مستمرة لشمال غزة وإسرائيل تؤكد إصابة 15 ألف جندي في صفوفها وتعيد انتشارها بجنوب لبنان يعرض الآنNext ترامب: تحدثت مع الرئيس المصري وسيوافق كما سيوافق ملك الأردن على استقبال الفلسطينيين.. والسيسي ينفي يعرض الآنNextعاجل. بعد أشهر من الاحتجاجات.. استقالة رئيس وزراء صربيا ميلوس فوتشيفيتش يعرض الآنNext روسيا تهاجم خاركيف جوًا.. إصابات في صفوف المدنيين وخسائر مادية كبيرة يعرض الآنNext بين تعريفات ترامب وذكاء ديب سيك.. هل تتغير موازين أسواق العملات؟ اعلانالاكثر قراءة نحو 300 ألف نازح عادوا لشمال قطاع غزة وإسرائيل توسع عملياتها بالضفة وحزب الله يرفض أي تمديد للهدنة لصوص يستخدمون المتفجرات لسرقة قطع أثرية من متحف في هولندا الاتحاد الأوروبي نحو "تعليق" العقوبات عن سوريا.. وكايا تؤكد: "خطوة تتبعها خطوة" واشنطن تمدد الهدنة في لبنان لثلاثة أسابيع وقوافل الجنوبيين تستعد للدخول إلى القرى الحدودية عنوة إليكم الدولة الأكثر اكتئابًا في أوروبا.. هل بلدكم ضمن القائمة؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيلدونالد ترامبقطاع غزةحركة حماسغزةمهرجانتقاليدضحاياروسياالاتحاد الأوروبيالحرب في أوكرانيا جنوب لبنانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025