انطلاق برنامج قادة الذكاء الاصطناعي في جامعة العقبة بالأردن
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
شهدت جامعة العقبة للتكنولوجيا بالمملكه الأردنية الهاشميه انطلاق فعاليات الجلسة الافتتاحية البرنامج التدريبي الخامس الذي يأتي بعنوان: "إعداد قادة الذكاء الاصطناعي وحرب المعلومات".
وينظم البرنامج معهد إعداد القادة بالتعاون مع اتحاد الجامعات العربية وجامعة العقبة للتكنولوجيا، برعاية الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، والدكتور عزمي محافظة وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الأردني، الدكتور عمرو عزت سلامة الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، والدكتور محمد الوشاح رئيس جامعة العقبة للتكنولوجيا، والدكتور كريم همام، مستشار وزير التعليم العالي للأنشطة الطلابية ومدير معهد إعداد القادة، بحضور جمال ابو عميرة القنصل المصري في مدينة العقبة.
ويقام البرنامج تحت إشراف لينا البيطار مدير الإدارة العامة لاتحاد الجامعات العربية، ودينا أبو رزق منسق شئون اتحاد الجامعات العربية، الدكتور محمود الكركي مدير العلاقات العامة ومنسق البرنامج التدريبي من جامعة العقبة للتكنولوجيا، الدكتور حسام الشريف وكيل معهد إعداد القادة بمصر.
بدأت فعاليات الجلسة الافتتاحية لبرنامج قادة الذكاء الاصطناعي بطابور عرض للدول المشاركة، والذي ضم 16 دولة عربية.
شملت الدول المشاركة مصر، الإمارات، قطر، البحرين، سلطنة عمان، العراق، جزر القمر، الصومال، المغرب، تونس، لبنان، سوريا، الأردن، فلسطين، ليبيا، واليمن، مما يعكس التنوع والتمثيل الواسع للعالم العربي في هذا الحدث المهم.
ويأتي برنامج قادة الذكاء الاصطناعي بناءا على توجيهات الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الذي أكد على أهمية المشاركة في مثل هذه البرامج التدريبية. وشدد الوزير على دور هذه البرامج في دعم جهود إعداد كوادر قيادية مؤهلة، قادرة على دفع عجلة التنمية المستدامة على المستويين المحلي والعربي.
وتعمل وزارة التعليم العالي المصرية باستمرار على دعم الشباب المصري والعربي وصقل مهاراتهم من خلال برامج متنوعة. هذه البرامج تهدف إلى تأهيل الشباب ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع، وكذلك إتاحة الفرص لهم للمشاركة في مختلف الأنشطة الطلابية، وهذا النهج يأتي في إطار استراتيجية الوزارة الشاملة لتمكين الشباب وإعدادهم لمواجهة تحديات المستقبل.
عمرو عزت سلامة: الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنيةوأوضح الدكتور عمرو عزت سلامة أن برنامج قادة الذكاء الاصطناعي يحمل عنوانًا في غاية الأهمية، خاصة في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها العالم بسبب الثورة الصناعية الرابعة، والاتجاه السريع نحو الثورة الصناعية الخامسة، مؤكدا هذه المرحلة تعيد تعريف كل ما نعرفه عن الصناعة والاقتصاد والحياة اليومية، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات الوطنية والعالمية.
وشدد الدكتور سلامة أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل تحول إلى قوة محركة للتغيير في جميع جوانب الحياة، مما يفرض علينا التفكير في كيفية استثمار هذه التكنولوجيا بشكل مسؤول وفعال، مضيفا أن هدف هذا البرنامج التدريبي هو تمكين الطلاب من المهارات القيادية والاستراتيجية والأخلاقية التي تُمكنهم من دمج هذه المجالات في إطار شامل يحقق الأمان والابتكار معًا.
وأكد سلامة الحاجة إلى قادة قادرين على التفكير النقدي، واتخاذ القرارات المبنية على القيم الإنسانية، واستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتحقيق التنمية المستدامة والسلام.
وأشار إلى أن تنظيم هذا البرنامج التدريبي الخامس لتأهيل الطلبة على مهارات القيادة في الذكاء الاصطناعي وحرب المعلومات يأتي في إطار حرص اتحاد الجامعات العربية على دعم دور شبابي فاعل ومؤثر، وتحقيق رؤيته في تزويد الخريجين بالمعرفة والمهارات اللازمة لخدمة مجتمعاتهم المحلية والإقليمية.
واختتم سلامة بالتأكيد على أهمية الشراكة والتعاون على المستوى العربي والإقليمي والعالمي، مشيرًا إلى أن تنفيذ هذا البرنامج بالتعاون مع معهد إعداد القادة يسهم في تعزيز التواصل والتشبيك بين الشباب في كل مكان.
وأعرب الدكتور محمد الوشاح عن سروره لاحتضان جامعة العقبة للتكنولوجيا البرنامج التدريبي "قادة الذكاء الاصطناعي وحرب المعلومات" بمشاركة طلبة مميزين من عدة دول عربية شقيقة، وأكد على أن ما يثلج الصدر أيضًا هو أن تكون جامعة العقبة للتكنولوجيا ملتقى للعلم والمعرفة ومكانًا لتبادل الخبرات والثقافات بين الطلاب من كافة الدول العربية المشاركة.
وشدد الدكتور الوشاح على إيمانه الراسخ بأن بناء المستقبل لا يكون إلا بتوظيف المعرفة والعلم، مشيرًا إلى أهمية العلم الواسع الذي نشأ بنشأة الخليقة وحفظته الكتب السماوية، وأضاف أن المعرفة هي الأداة التي نستطيع من خلالها تقييم حاضرنا وبناء مستقبلنا.
وأكد الوشاح أهمية تعزيز المعارف اللازمة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات، موضحًا أن ذلك يعزز قدرة الطلاب على مواجهة التحديات التقنية المستقبلية ويسهم في تطوير البنية التحتية الرقمية في العالم العربي.
ونقل الدكتور كريم همام تحية وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، مشيرًا إلى أن البرنامج يُعد نقطة تحول في التعاون العربي المُشترك، وأوضح أن البرنامج يهدف إلى تمكين الشباب العربي من مواكبة التغيرات السريعة في العالم الرقمي والمعلوماتي، ويسعى إلى بناء قدراتهم في مجالات الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات. وأكد أن البرنامج يتجاوز الدروس النظرية إلى تطبيقات عملية، مما يؤهل المشاركين ليكونوا قادة المستقبل في هذه المجالات الحيوية.
وشدد الدكتور همام على أن الشباب العربي يمكنهم رسم ملامح مستقبل مشرق للمنطقة بأفكارهم الابتكارية وإبداعاتهم، والمُساهمة في بناء مستقبل أكثر أمانًا واستدامة، كما أكد على دور البرامج التدريبية في إعداد جيل من القادة القادرين على قيادة التحول الرقمي في المنطقة العربية، مشددًا على أهمية الاستثمار في الشباب كركيزة أساسية للتنمية المستدامة والتقدم التكنولوجي.
ودعا الدكتور همام المشاركين إلى الاستفادة القصوى من هذا البرنامج، والمشاركة الفعالة، مؤكدا على ان الشباب هم مستقبل أمتنا، وأن المسؤولية تقع على عاتقهم لإحداث التغيير الإيجابي في عالمنا.
واختتمت الفعاليات بعرض فني مميز قدمته فرقة العقبة للتراث الوطني، حيث أبهرت الحضور بأداء يعكس الثقافة والتراث الأردني الأصيل.
وعقب العرض، تم افتتاح معرض التراث الفني والشعبي للدول المشاركة، والذي شكل منصة ثقافية فريدة لعرض الموروث الحضاري والفني لمختلف الدول العربية، وضم المعرض مجموعة متنوعة من الأعمال التي تجسد الهوية الثقافية لكل دولة، ويسهم المعرض في تعزيز التبادل الثقافي بين الدول العربية المشاركة.
ويعد هذا المعرض جسرًا للتواصل الحضاري، الذي يبرز التنوع الثقافي الغني في المنطقة العربية ويعزز الهوية المشتركة، مما يسهم في تقوية أواصر الأخوة والتعاون بين الشعوب العربية، وفي ختام الجلسة الافتتاحية تم تبادل الدروع.
واستكملت فعاليات اليوم الأول من البرنامج بانطلاق محاضرة بعنوان "القائد الكاريزما ومهارات القيادة اللازمة لبناء الشخصية"، قدمها الدكتور كريم همام، مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي للأنشطة الطلابية ومدير معهد إعداد القادة بمصر، حيث قدمت هذه المحاضرة للمشاركين رؤية شاملة عن مفهوم القيادة الكاريزمية وأهميتها في بناء شخصية قيادية فعالة، مزودة إياهم بأدوات عملية لتطوير مهاراتهم القيادية.
وتناول الدكتور همام في محاضرته مفهوم الكاريزما، وقدم نصيحة قيمة للطلاب قائلاً: "كي تكون علاقاتك ناجحة ولديك شخصية جذابة، يجب عليك الالتفات إلى مشاعرك".
كما شرح خارطة التواصل، محذرًا الطلاب من خطورة المشاعر السلبية على تخطيطهم للمستقبل، سواء كان مصدرها أشخاصًا أو أماكن أو ذكريات.
وعرف الدكتور همام الشخصية القيادية الكاريزمية بأنها تعتمد على ثلاثة عناصر أساسية: الكلمات، نبرات الصوت، ولغة الجسد. وقدم سبعة مفاتيح لبناء هذه الشخصية وهي: كن واضحًا، الاختصار، كن لبقًا، استخدام الألفاظ الصحيحة، كن متناقضًا، ابتكر البدائل، واصنع الألفة.
وفي ختام المحاضرة، سلط الدكتور همام الضوء على خمس قواعد أساسية للكاريزما وهي: السعي خلف الأشياء التي تريدها، عدم منع الآخرين من تحقيق أهدافهم، تحمل المسؤولية عن أفعالك، الاعتناء بالآخرين، وكن آخر من يتحدث وتحلَّ بالتواضع.
ثم انطلقت محاضرة تطبيقات الذكاء الاصطناعي ودورها في مواجهة التحديات المجتمعية، وحاضر فيها الدكتور سفيان القسايمة، الأستاذ بجامعة العقبة للتكنولوجيا، حيث تناولت المحاضرة عدة محاور رئيسية، من أبرزها دور الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الحياة وتعزيز الكفاءة في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم، كما تم التطرق إلى كيفية استثمار التكنولوجيا في حل المشكلات، إضافة إلى مناقشة الأطر الأخلاقية والقانونية التي يجب اتباعها لضمان استخدام آمن ومسؤول لهذه التكنولوجيا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الذكاء الذكاء الاصطناعي قادة الذكاء الاصطناعي إعداد قادة الذكاء الاصطناعي جامعة العقبة جامعة العقبة للتكنولوجيا وزیر التعلیم العالی والبحث العلمی جامعة العقبة للتکنولوجیا قادة الذکاء الاصطناعی البرنامج التدریبی معهد إعداد القادة الجامعات العربیة الدکتور همام هذا البرنامج
إقرأ أيضاً:
حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية
يشهد العالم اليوم تطورا مُتسارعا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تطبيقاته تتغلغل في مختلف القطاعات، من الرعاية الصحية إلى التعليم والصناعة والخدمات المالية وغيرها من القطاعات. ومع هذا التوسع الهائل، تتزايد الحاجة إلى وضع أطر تنظيمية تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنية، وهو ما يُعرف بحوكمة الذكاء الاصطناعي.
إن التحدي الرئيس الذي تواجهه الحكومات والمؤسسات يتمثل في إيجاد توازن بين تشجيع الابتكار التكنولوجي من جهة، وضمان الامتثال للمبادئ الأخلاقية والقانونية التي تحمي الأفراد والمجتمعات من المخاطر المحتملة من جهة أخرى. وقد عرفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حوكمة الذكاء الاصطناعي بأنها «مجموعة من السياسات والإجراءات والمعايير القانونية التي تهدف إلى تنظيم تطوير واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وشفافة، مع ضمان احترام القيم الإنسانية وحماية الحقوق الأساسية».
ووفقا لتوصية منظمة اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لعام 2021، فإن الحوكمةَ الفعالةَ للذكاء الاصطناعي ينبغي أن تستند إلى مبادئ الشفافية والمساءلة والأمان لضمان تحقيق الفائدة للمجتمع دونَ المساس بالحقوق الفردية. تهدفُ هذه الحوكمة إلى ضمان العدالة والشفافية وحماية البيانات واحترام حقوق الإنسان في جميع مراحل تطوير واستخدام هذه التقنيات. وتبرز أهمية الحوكمة في ضوء المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، مثل التحيز الخوارزمي وانتهاك الخصوصية والتأثير على سوق العمل، الأمر الذي يستدعي وضع تشريعات صارمة لضمان عدم إساءة استخدام هذه التقنية.
وفي سياق الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، صدر التقرير الدولي حول سلامة الذكاء الاصطناعي في يناير 2025 عن المعهد الدولي لسلامة الذكاء الاصطناعي (International AI Safety Report)، الذي شارك في إعداده 30 دولة من بينها منظمات دولية بارزة مثل هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تناول الحالة الراهنة للفهم العلمي المتعلق بالذكاء الاصطناعي العام، وهو ذلك «النوع من الذكاء الاصطناعي القادر على تنفيذ مجموعة واسعة من المهام». وقد هدف التقرير إلى بناء فهم دولي مشترك حول المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم، مع تقديم تحليل شامل للوسائل العلمية والتقنية المتاحة لإدارتها والتخفيف منها بفعالية، وتوفير معلومات علمية تدعم صانعي القرار في وضع سياسات تنظيمية فعالة. وعلى الرغم من الفوائد العديدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي العام، فإن التقرير يحذر من المخاطر المتزايدة المرتبطة باستخدامه.
فمن الناحية الأمنية، قد يُستغل الذكاء الاصطناعي في تنفيذ هجمات سيبرانية متقدمة أو في تسهيل عمليات الاحتيال الإلكتروني، من خلال إنتاج محتوى مزيف (Fake content) يصعب تمييزه عن الحقيقي. كما أن هناك مخاطر اجتماعية تتمثل في إمكانية تعميق التحيزات الموجودة في البيانات التي تُستخدم في تدريب هذه الأنظمة. إضافة إلى ذلك، مخاوف تتعلق بفقدان السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حيث يمكن أن يؤدي التطور المتسارع لهذه الأنظمة إلى سلوكيات غير متوقعة قد يصعب التحكم بها. أما على المستوى الاقتصادي، فإن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في اضطرابات كبيرة في سوق العمل، حيث يؤدي إلى استبدال العديد من الوظائف التقليدية بالأنظمة الآلية، ففي قطاع خدمة العملاء مثلا، تعتمد الشركات الكبرى مثل أمازون وجوجل على روبوتات الدردشة (Chatbots) لتقديم الدعم الفني والتفاعل مع العملاء بكفاءة عالية، مما يقلل الحاجة إلى الموظفين البشريين.
أما في مجال التصنيع والتجميع، فقد أصبحت الروبوتات الصناعية تقوم بمهام الإنتاج بدقة وسرعة تفوق القدرات البشرية، كما هو الحال في مصانع تسلا وفورد التي تستخدم أنظمة مؤتمتة لتنفيذ عمليات اللحام والتجميع، مما يقلل التكاليف ويرفع كفاءة الإنتاج. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن يمتد تأثيره إلى المزيد من القطاعات.
ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، أصبح من الضروري تبني استراتيجيات وحلول لمواجهة تحديات فقدان الوظائف التقليدية. ويُعد إعادة تأهيل القوى العاملة من أهم هذه الحلول، إذ يجب الاستثمار في برامج تدريبية تُمكن الموظفين من اكتساب مهارات رقمية وتقنية جديدة، مثل تحليل البيانات وتطوير البرمجيات، مما يساعدهم على التكيف مع متطلبات سوق العمل المتغير. إلى جانب ذلك، يمثل تعزيز ريادة الأعمال والابتكار حلا فعالا، حيث يُمكن تشجيع إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يخلق فرص عمل جديدة.
كما يعد تبني نموذج العمل الهجين ضرورة مُلحة، إذ يُمكن دمج الذكاء الاصطناعي مع القدرات البشرية بدلا من الاستبدال الكامل، مما يعزز الإنتاجية مع الحفاظ على دور العنصر البشري. كما أن تطوير الأطر القانونية والتنظيمية يعد خطوة مهمة، حيث ينبغي صياغة قوانين تضمن الاستخدام العادل والمسؤول للذكاء الاصطناعي، وتحمي العمال من التمييز الناتج عن الأتمتة. بالإضافة إلى ذلك فإن التعليم المستمر يُسهم في تأهيل القوى العاملة الوطنية لمواكبة التحولات في سوق العمل، حيث ينبغي تعزيز ثقافة التعلم المستمر لضمان قدرة القوى العاملة على التكيف مع المتطلبات المستقبلية للتكنولوجيا المتقدمة. وغيرها من الاستراتيجيات الجديدة لدمج الإنسان مع الآلة في بيئة العمل.
من جانب آخر، هناك مخاطر تتعلق بالخصوصية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات كبيرة من البيانات الشخصية، مما يزيد من احتمالات انتهاك الخصوصية وسوء استخدام المعلومات. ولتقليل هذه المخاطر، من الضروري تبني مجموعة من الاستراتيجيات التقنية والتنظيمية التي تعزز شفافية وأمان أنظمة الذكاء الاصطناعي. ومن أبرزها، تطوير تقنيات تتيح فهما أعمق لآليات اتخاذ القرار لدى الذكاء الاصطناعي، مما يسهل عملية المراجعة والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، تبرز أهمية تعزيز الأمن السيبراني عبر تصميم بروتوكولات حماية متقدمة لمواجهة التهديدات المحتملة.
كما يجب العمل على تصفية البيانات وتقليل التحيز لضمان دقة وعدالة أنظمة الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات. ومن أجل حماية بيانات المستخدمين، يتوجب استخدام تقنيات التشفير القوية وآليات الحماية الحديثة التي تضمن الامتثال لمعايير الخصوصية. بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على دور الإنسان في عمليات اتخاذ القرار، لضمان عدم الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في الأمور الحساسة، مما يقلل من المخاطر المحتملة الناجمة عن التحكم الذاتي للأنظمة. إن التطور السريع لهذه التقنية يتطلب نهجا شاملا يجمع بين البحث العلمي والسياسات التنظيمية والتقنيات المتقدمة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه الأنظمة، بحيث تتحقق الفائدة المرجوة منها دون التعرض للمخاطر المحتملة.
وقد اعتمدت العديد من الدول سياسات مُتقدمة لتنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات رائدة في هذا المجال عبر قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ عام 2024م والذي يُعدُ أول إطار قانوني شامل يهدف إلى تَنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وفق معايير صارمة تحمي الخصوصية وتحد من التحيز الخوارزمي. وفي المقابل، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية نهجا يعتمد على توجيهات إرشادية لتعزيز الشفافية والمساءلة، مع منح الشركات حرية الابتكار ضمن حدود أخلاقية محددة. أما الصين، فقد ألزمت الشركات التقنية بمراجعة وتقييم خوارزميات الذكاء الاصطناعي المُستخدمة في المنصات الرقمية، لضمان الامتثال لمعايير الأمان السيبراني.
عليه فإنه يُمكن الإشارة إلى مجموعة من التوصيات والمُبادرات التي يُمكن أن تُسهم في تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، ومن أبرزها: وضع أطر قانونية مَرنة تُتيح تطوير الذكاء الاصطناعي دون عرقلة الابتكار، مع ضمان حماية حقوق الأفراد والمجتمع وتعزيز الشفافية والمساءلة من خلال فرض معايير تضمن وضوح كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وإتاحة آليات لمراجعة القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة وتعزيز التعاون الدولي لإنشاء منصات مشتركة لمراقبة تطورات الذكاء الاصطناعي وتبادل المعلومات بين الدول حول المخاطر المحتملة وتشجيع البحث والتطوير المسؤول عبر دعم الأبحاث التي تركز على تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي أكثر أمانا واستدامة وتعزيز تعليم الذكاء الاصطناعي الأخلاقي من خلال دمج مقررات حوكمة الذكاء الاصطناعي في مناهج المؤسسات الأكاديمية والتعليمية، لضمان وعي المطورين الجدد بالمسؤوليات الأخلاقية المترتبة على استخدام هذه التقنية.
إن حوكمة الذكاء الاصطناعي تُشكل ركيزة أساسية لضمان تحقيق أقصى الفوائد من هذه التقنية، مع الحد من المخاطر المرتبطة بها. وبينما يستمر الابتكار في التقدم بوتيرة غير مسبوقة، فإن المسؤولية تقتضي وضع سياسات وتشريعات تنظيمية تضمن الاستخدام العادل والمسؤول لهذه التقنيات، بما يتوافق مع القيم الأخلاقية والقوانين الدولية. ويُعد تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومات وصناع القرار، لكن من خلال التعاون الدولي ووضع سياسات متقدمة، يمكن بناء مستقبل مستدام للذكاء الاصطناعي يعود بالنفع على البشرية جمعاء.
عارف بن خميس الفزاري كاتب ومتخصص في المعرفة